أم البنين العاشقة بغَــــرابة
●ياصاحب الزمان.
بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صلّ على محمد واَله الطاهرين.
اليوم المصادف لـ 13 جمادى الثانيه سنة 64 هـ نقف أمام مقبرة بقيع الغرقد و نقدم -في مأتم جماعة أنبياء أولي العزم (ع)- تعازينا الوفائية بذكرى استشهاد (زوجة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما الصلاة والسلام).
(فاطمة الكلابية) هذة العاشقة العظيمة التي أختارها الإمام علي عليه السلام زوجة له كانت خير امتداد للزهراء سلام الله عليها وخير أم لأولاد فاطمة عليهم السلام، فلم تَعمل فيها الغيرة بما تفعله في بعض النساء تجاه أبناء ضراتهن! بل كانت امتداداً حقيقياً للزهراء في أبنائها وأكثر، وعلى كل من أراد معرفة امرأة سارت على النهج الفاطمي فلينظر إلى شخصية أم البنين سلام الله عليها.
انظر لها وهي تشكل خير سند للإمام الحسن والإمام الحسين ولأم كلثوم وزينب عليهم السلام؛ كانت مصدر العطف العظيم والحنان القويم، لدرجة أنها ضحت حتى باسمها وبسماعه من لسان زوجها الإلهي، إذ عندما كان يناديها أمير المؤمنين علية السلام ويقول لها (يا فاطمة) كانت تقول: يا أمير المؤمنين! لا تدعُنِ فاطمة؛ أخاف على قلب الحسنين وزينب وأم كلثوم أن ينفجع إذا سمعوا اسم (فاطمة).
أخي/ أختي! هذا القلب هو الذي بنا مثل العباس سلام الله عليه، ذلك الرجل الذي كان يقف على نهر الفرات يعتصر عطشاً وحرقة فلا يستقي قطرة واحدة منه لأجل مشاعر أخيه والنسوة والأطفال، ووفاءً للشهداء الذين ذهبوا عطاشا في الطف. العباس ذلك الرجل الذي كان إمامنا الصادق عليه السلام يقول عنه:
(كان قلب عمي العباس كصالية الجمر من شدة العطش)! فهذا الذي وقف على الفرات وقلبه كصالية الجمر من العطش هو نفسه ذلك الرجل العظيم الذي لم يَذُق ماء ذلك النهر العذب في عز المحنة وضيق النفس والأنفاس وحيرة الحيارى، رغم أنه كان له أن يقول: أنا القائد وأنا حامل لواء الحسين وشربة الماء لا ضير في اسقاء نفسي لها! إلا أنه استجاب لمشاعره بالوفاء قبل أن يستجيب لحرارة قلبه بالماء.
فأم البنين عليها السلام هذه العملاقة منذ أن عرفت وسمعت بما سيجري على الحسين وأهل بيتة في كربلاء وهي لا تهدأ ليلا ً ونهارا، تفكر كيف توجِد الموانع المانعة عن دم الحسين، وتنجب الولد تلو الآخر لتفديته، فهي منذ أن عرفت وسمعت بما سيجري على الحسين في كربلاء لم يداخلها السكون والسَّكِينة، قد أخذ الحزن منها مأخذا ً جسيماً، حتى ضعف من البكاء جسدها، بالدرجة التي كانت فيها جارتها ترأف عليها من شدة بكائها وعظيم حيرتها وتواصل نحيبها.
كانت أم البنين عليها السلام من النّساءِ الفاضلات؛ فصيحة، بليغة، وَرِعة، ذات زهدٍ وتقىً وعبادة، فلا نَتعجب أنها أخذت عليها السلام من بعلها عليٍ عليه السلام صفات الكمال والجلال، ولجلالتها زارتها زينبُ الكبرى عليها السلام بعد عودتها من واقعة الطف، كما كانت تزورها أيّام العيد.
وذكر بعض أصحاب السِّيَر أنّ شفقتها على أولاد الزهراء عليهم السلام وعنايتها بهم كانت أكثر من شفقتها وعنايتها بأولادها الأربعة -العبّاس وأخوته- عليهم السلام، بل ذكروا أنها هي التي دفعتهم بكل إرادتها لنصرة إمامهم وأخيهم أبي عبد الله الحسين عليه السلام، والتضحية دونه والإستشهاد بين يديه.
بل أكثر من ذلك فهي عندما دخلت بيت أمير المؤمنين عليه السلام استأذنت من الإمامين الحسـن و الحسـين عليهما أفضل الصلاة والسلام في الدخول، كما بينت لهما أنها هنا لخدمتهم ورعايتهم، فلم تدخل بيت علي دخول الزوجة التي تنافِس في كل ما لها من حقوق الزوجية رغم حقانيتها في ذلك، فهذا موقف لأم البنين فاطمة لا ينساه الدهر أبداً.
أم البنين وما أَسمَى مزاياك *** خلدت بالصبر والإيمان ذكراك[1]
أنار أمير المؤمنين عليه السلام شعلة الإيمان والحق، كما رفض العيش ذليلاً، وأبى إلا أن يموت حراً ، فأراد أن يتم نور الله، فحقق ذلك بعزمه وإيمانه، ومن ثم سلم هذه الشعلة النوراء إلى أم البنين عليها السلام ومنها إلى أبناءها الأربعة النجباء، لتكن فاطمة هذه المكناة بأم البنين مثلاً صادقاً للأمهات المؤمنات في إعداد القيم وتنشئة كل صالح، ولتتخذها كل امرأةٍ قدوة لا يحدها زمان ولا مكان.
فسلامٌ على من وَهبتْ حياتها فداءً وحزناً على مصاب ريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسبط الرسالة سيد شباب أهل الجنة عليه افضل الصلاة والسلام.
آجركم الله بوفاة هذه السيدة الجليلة.
الهوامش:-
[1].الشاعر الشيخ أحمد الدجيلي.
جَمْع وطرح وتقديم العضو:ياصاحب الزمان.
مراجعة وتصحيح:
السید امین السعیدی
للتعلیق أو مطالَعة التعلیقات اضغط هنا