شرح منهاج الصالحين – الحلقة الأولى
●سماحة السيد أمين السعيدي حفظه الله: بسم الله الرحمن الرحيم .
(الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} ، والصّلاة والسّلام على سيّد المرسلين، وخاتم النّبيّين، محمّدٍ وآله الطّيّبين الطّاهرين، وصحبه الميامين.
وبعد.. قد تقول: كيف ذلك؟ والجواب: يتّضح بملاحظتك للأمرين التّاليين: الأمر الأوَّل: منهج العلماء الأوائل في كُتبهم الفقهيَّة (مقارنة مع المنهج الحديث):- لكي نجيب على السّؤال القائل كيف يوجد اختلاف كبير وجذري بين الكتابة لهذه الكتب وتقسيم أبوابها ومَطالبها قديماً مع ما هو موجود حديثاً ومؤخَّراً، نشِير إلى قضيّتين غاية في الأهمّيّة؛ لتتّضح لكم حقيقة هذا الاختلاف الكبير والجذري، ثمَّ نحكم فيما بعد بما هو صواب، ونقَيِّم موارد الصّحّة والخطأ؛ فالقضيّتان هما: أ- الاختلاف بين الفقهاء من جهة تدوين الأحكام ضمن الأبواب الفقهيَّة:- تمهيد:- اوَّلاً:- سَمعتم بأخذ العلماء والفقهاء علومهم من مشايخهم، وطرحهم أفكارهم العِلميَّة للنّقاش باستمرار، لذا كانت آراؤهم كثيراً ما تَلقَى تقييماً فكريّاً ومحاورات طويلة؛ في سبيل تنقيح العِلم وإصابة الحق والحقيقة وما هو أدق. وأيضاً سَمع الكثير منّا بمدرسة يقال لها “الإخباريّة”، أو “مدرسة الإخباريِّين”؛ وهي عبارة عن منهج عِلمي سلكه واعتقد به مجموعة من الفقهاء الكبار قديماً، وساروا عليه. قد تقول: لماذا سُمِّي أُوْلئك بـ”الإخباريِّين”، وهؤلاء بـ”الأصوليِّين”؟ وهل يختلف علماؤنا فيما بينهم في المنهج؟ أمّا جواب سبب التّسمية: فلأنَّ المنهج الفقهي الإخباري منهج يَعتمد على النّصوص الشّرعيّة، ويَتعبَّد بالأخبار الدِّينيّة فقط، فهو لا يعمل بالعقل ولا يعتقد بالاجتهاد المعتمِد على القوانين الموضوعة للاستدلال، فبسبب اعتماده في استخراج الحكم الشّرعي على الأخبار فقط دون أي طريق آخر سُمِّي إخباريَّاً، وأتباعه بالإخباريِّين. علماً أن بعض التّوجّهات في المنهج الإخباري ترفض حتَّى العمل بالآيات، وتَقول بوجوب استخراج الأحكام والتّكاليف الشّرعيّة من الرّوايات والأحاديث الواردة عن أهل البيت عليهم السّلام فحسب؛ وذلك لأنَّ فقهاء هذا الاتّجاه ذهبوا إلى القول بأنَّ آيات القرآن الكريم عميقة الدّلالة والمعاني، ولا يمكن لأحد من النّاس العاديِّين أن يدرك معانيها وتشريعاتها، فالقادر الوحيد على فهم ذلك وتبيينه للنّاس هم المعصومون عليهم السّلام فقط، فهم مَن يجب أن يقول ما هو الحُكم وما هو التّكليف، ونحن يجب أن نأخذ الحكم منهم؛ أي من الرّوايات لا من الآيات. وأمّا مدرسة الأصوليِّين فهي على عكس ذلك تماماً، وقد سُمِّيت بهذا الاسم لأنَّ أتباعها من الفقهاء اعتمدوا على الأصول؛ أي على القوانين المستنبَطة من العقل أو الشّرع، والّتي من خلال تطبيقها يتحقَّق الاجتهاد، لذا ذهبوا -خلافاً لمدرسة الإخباريِّين- إلى تجويز الاجتهاد والاستدلال الفقهي على الحكم الشّرعي، وكذا تجويز تقليد النّاس للعلماء الفقهاء، كل ذلك من منطلق اعتقادهم بأحكام العقل، وقولهم بوجوب طاعة الحكم المصيب منها، والعقل له حكم مصيب يقول بجواز الاجتهاد والتّقليد، كما يقول الشّرع بجواز ذلك أيضاً. إذن؛ بهذا الجواب اتّضح وجود خلاف بين علمائنا في المنهج، كما تَبَيَّن وجه التّسمية. والآن تعالوا نرى ماذا حصل بين الـمَدْرَستين، وكلاهما تعيش في الحوزات العلمَّيّة، والصّروح الدِّينيّة، لنرى كيف أثَّر ذلك على تدوين كُتب الأحكام لدى الـمَدْرَستين. لا ريب في أنَّه عند وجود الاختلاف الفكري البنّاء تتلقَّح الأفكار، فهذه هي عادة العلماء أعلى الله مقاماتهم، حيث تجد فيهم الالتزام والهمّة العالية في طلب العلم، وكثرة التّفكير، والنّقاش والبحث. تواجهت المدرستان، جبهة يمثّلها علماء المدرسة الأولى، وجبهة مقابلة ثانية يمثّلها علماء المدرسة الثّانية. طبعاً المدرسة الإخباريَّة كان وجودها أسبق، والمدرسة الأصوليَّة جاءت فيما بعد؛ لذا كانت المدرسة الأصوليَّة هي المؤسِّسة للصِّراع والمواجهة، وإلا فالمدرسة الإخباريَّة كان كل شيء بيدها، وكانت هي المسيطرة على أفكار العلماء وجميع الصّروح العِلميَّة والحوزات الدِّينيَّة. أمَّا إن سألتنا عن النّتيجة الّتي انتهى إليها النّزاع، فالقول هو: أنَّ المدرسة الأصوليَّة لـمّا كانت بمثابة ثورة هائجة رافضة للمنهج الإخباري، الّذي عاشته سنين طويلة وهضمته وفهمته بصورة علميَّة جيِّدة، فحصلت لها ردَّة فعل معاكسة بعد أن أَدركَتْ خطأ تلك الأفكار الّتي عند الإخباريِّين أتباع الأخبار، واستَنكرَتْ تهميش العقل، ورأت صحَّت الاجتهاد والتّقليد، وجوازهما، أرادت تصحيح الفكر والمنهج، لذا لـمّا كانت المدرسة الأصوليَّة بمثابة ردّة فعل علميَّة جديدة؛ استطاعت أن تثبت وجودها، وأن تواجِه الفكر الإخباري، لتحوِّل علماء المدرسة الإخباريَّة إلى علماء أصوليِّين، وتقنعهم بصحّة الأفكار الجديدة الّتي طرحتها، واستدلَّت عليها بأدلَّة وبراهين عقليَّة وشرعيَّة قويَّة وباهرة. ولكن..سرعان ما عادت المدرسة الإخباريَّة مرَّة أخرى إلى المواجهة من جديد؛ إذ بعد أن سيطرت المدرسة الأصوليَّة لمدَّة طويلة على الحوزات والصّروح الدِّينيَّة، جاء علماء جدد رأوا صحَّة الأفكار السّابقة الّتي كانت لدى الفقهاء الإخباريِّين، ممّا جعلها تجيء بأدلَّة وبراهين تقنع العلماء بصحَّة ذلك المنهج، وترد على الأدلَّة والبراهين الّتي جاء بها فقهاء الأصول. وبعد سِجالات ومحاورات ونقاشات طويلة؛ أصبح العدد الأكثر من الفقهاء يميل إلى الفكر الإخباري ويعتقد به، ممّا أرجع المدرسة الإخباريَّة مجدَّداً، وأعاد لها أمجادها وعزّها الّذي فقدته لمدَّة طويلة. أمّا المنهج الأصولي فهو وإن انتهَى- بعد عودة المنهج الإخباري – إلى الغياب، إلا أنَّ أفكار علماء الأصول بقيت محفوظة في نفوس بعض الفقهاء، وسلبت منهم رقادهم ونومهم، وجعلتهم يفكّرون كثيراً، بهدف اكتشاف الحقيقة ومعرفة الصّواب؛ فالعلماء عليهم مسؤوليَّة ثقيلة، وعليهم أن يفكّروا ويبحثوا كثيراً وباستمرار؛ لكي يقدِّموا للنّاس الشّيء الأتم، وما يحقِّق سعادتهم، وينظِّم حياتهم، ويصلح أمورهم؛ لذا لـمَّا رأوا أنَّ منع الاجتهاد وتحريم التّقليد يُتْعب المكلَّفين، ويعوقهم عن معرفة أحكام الدِّين وتنظيم قضاياهم، عادوا للبحث، وبذلوا أوقاتهم الثّمينة، وأعمارهم الطّويلة في سبيل حل هذه المشكلة بصورة شرعيَّة، فهم أهل الشّرع، ورجال الشّريعة. وهكذا جاءت نتيجة التّفكير والنّقاش والتّحقيق بما هو عِلمي وسديد، حيث أكَّدت على أنَّ المنهج الأصولي هو الأصح، فعاد هذا المنهج إلى الأوساط بكلِّ قوّته وحرارته، وأقام مدرسته من جديد، حتَّى بَلَغَ منهجها أقصَى ذروته -النّظريّة والعمليّة- فنمَى نموّاً متكاملاً، إلى أن نال مجده الكبير الّذي هو عليه الآن في جميع الصّروح العِلميَّة، سواء عند علماء السّنّة أم الشّيعة، وليس الشّيعة فحسب؛ فصار العهد اليوم عهد المنهج الأصولي ومدرسته، فغالِب علمائنا الأعلام وفقهائنا العظام هم من الأصوليِّين أتباع مدرسة الاجتهاد المصْطَلَح . ثانياً:- القِسم الأوَّل: وهو قِسم لا يؤمن بالعقل بتاتاً، ويقول بعدم قدرته على إدراك الأشياء، فهو لا يدرك لا الأشياء الحَسنة ولا الأشياء القبيحة، فمعرفته للأمور والأشياء معرفة سطحيَّة قاصرة قابلة للصّحّة والخطأ، فلا يُعتمَد على أحكامه. القِسم الثّاني: وهو قِسم بعكس الأوّل، حيث يؤمن بالعقل، ويقول بأنّ الإنسان قادر على إدراك الأشياء الحَسنة والأشياء القبيحة والتّفريق بينها، ومعرفته للأمور والأشياء معرفة حقيقيّة وإن أخطأ أحياناً في بعض القضايا، لكن لديه قضايا قطعيّة يقينيّة لا يُخْطئ فيها بتاتاً، غاية الأمر أنَّه لا توجد ملازمة ولا يوجد اتفاق بين حُكم العقل والحكم الشّرعي الصّادر من الدِّين والشّرع، إذ قد يقول الشّرع شيئاً بخلاف ما يقوله العقل، فيقول مثلاً الشّيء الفلاني قبيح بينما قد يقول العقل نفس ذلك الشّيء حَسَن، وكذا العكس. القِسم الثّالث: وهو قِسم يؤمن بالعقل أيضاً، ويقول نفس ما يقوله أصحاب القِسم الثّاني، إلا أنَّه أكثر اعتدالاً، حيث يَترقَّى عن ذلك القِسم بدرجة إضافيّة إيجابيّة، ويقول بوجود ملازمة ورابطة وثيقة واتّفاق بين أحكام العقل وأحكام الشّرع، فالشّرع عاقل، لكنَّ العقل ليس بشارعٍ مشرِّع، فلا يحق له التّشريع، ولا يحق لنا العمل بأحكامه، وإن كان لا يُخالِف الشّرع؛ وقد علَّل أصحاب هذا القِسم سبب عدم جواز العمل بأحكام العقل رغم عدم مخالفته للشّرع، بأنّه لا يوجد دليل -بحسب رأيهم- على أنَّ أحكام العقل حُجَّة، وتشريعاته تدخل في ذِمَّة المكلَّف، أو تبرأ بامتثالها ذِمَّته، فالدِّين عندهم هو مصدر التّشريع فحسب. إذن جميع هذه الاتّجاهات الثّلاثة يجمعها مذهب واحد، يقوم على عدم الإيمان بأحكام العقل في خصوص أمور الدِّين، من جهة أحكامه المرتبطة بالتّشريعات الإلهيَّة، أو قُل: جميعها لا تؤمن بأحكام العقل في الفقه وفروع الدِّين، بخلاف المدرسة الأصوليّة الّتي تؤمن بذلك، وتعمل بالاجتهاد والتّقليد تبعاً لأوامر العقل، وتقول بوجود ملازمة و اتّفاق بين العقل والدِّين، فكل منهما مشرِّع للأحكام، بما يعني أنَّ العقل له تشريع، ولكن تشريعه محدود في حدود خاصَّة معيَّنة عندهم. آثار الاختلاف الفكري على تدوين كُتب الأحكام:- لقد سارَ علماء المنهج الإخباري في كتبهم الفقهيَّة – تبعاً لمبانيهم المختلفة تجاه العقل والمنع من الاجتهاد والتّقليد- على ذكر الرّواية مكان الحُكم الشّرعي المراد بيانه، وجَعل الرّواية هي نفس الحُكم، بحيث تَنطق بنفْسِها وتتكلَّم عن التّكليف الشّرعي المعيَّن، إذ يقوم الفقيه بانتخاب رواية معيَّنة تكون هي حصيلة الاستدلال على التّشريع المراد إيضاحه، وإن كان الاستدلال قليلاً جدّاً في بعض مذاهب هذا المنهج، هذا من جهة، وهي تمثِّل شكلاً وأسلوباً من أشكال وأساليب العرْض والتّدوين لكُتب الأحكام. ومن جهة أخرى كانت الأحكام الشّرعيّة عند بعض اتّجاهات هذا المنهج، تقوم على أساس كتابة الفتاوى إلى جانب ذكر أدلّتها وبراهينها الشّرعيّة، سواء كان الدّليل روايةً أم آية مقرونة برواية. وبالتّالي؛ نستنتج أنّه يوجَد لدينا فرقاً بين هذا الأسلوب وسابقه، حيث يقوم الأسلوب الأوّل في الرّسائل الفقهيَّة على عرْض وتدوين الدّليل اللفظي -الرّواية- فحسب، وجعل الرّواية هي نفس الفتوى، بينما يقوم الأسلوب الثّاني على عرْض وتدوين الدّليل اللفظي -الرّواية- إلى جانب الفتوى، ممّا يشير إلى وجود فسحة ومساحة من التّعبير عن النّتيجة والحُكم الشّرعي الّذي تَوصَّل إليه الفقيه من خلال الدّليل الرّوائي. فالمنهج الإخباري وإن كان لا يؤمن بالاجتهاد والتّقليد، إلا أنَّ أتباعه من الفقهاء كانوا مجبورين على تقديم الحكم الإسلامي للعوام والبسطاء في مختلف المسائل الفقهيَّة؛ لتعليمهم أمور دِينهم وتنظيم حياتهم؛ لذا كانت تُقدَّم لهم الرِّسالة العمليّة –إن صحَّ التّعبير- بأحد هذين الشّكلين من أشكال التّدوين، بحسب سعة المذهب الإخباري وضيقه. أمَّا أن يُكتَب الكِتاب الفقهي بصورة فتاوى مرشَّحة عن الدّليل، مسلوخة معزولة عنه عزلاً تامّاً، فهذا كان يُعتبر بمنزلة الضّلال والانحراف في ذلك الزّمان عند فقهاء هذا المنهج؛ لذا كان يُنْكَر ويُشنَّع على الفقيه عندما يَستعرِض الأحكام الشّرعيّة مسلوخة عن الدّليل، بحيث يكون أمام أحد خيارين؛ إمَّا أن يَسلك السّلوك الأوّل في تدوين المسائل، أو أن يسلك السّلوك الثّاني المعالَج والأكثر تطوّراً. أمَّا مؤخّراً، وتحديداً بعد نهوض المدرسة الأصوليّة، وانتشارها في الآفاق العِلميَّة، وضعف القبضة الحديديَّة الّتي كان يسيطر بها فكر المنهج الإخباري على الصّروح العِلميَّة، فبعد تسلّط الاتّجاه الأصولي انتقلت الرّسالة العمليَّة إلى مرحلة تجديديّة جديدة، أَخذت فيها أسلوباً مختلفاً تماماً ومغايراً لما كانت عليه في السّابق، فصارت الكتب الفتوائيّة تسير على أساس العرْض والتّدوين للفتاوى بشكل محض، فهي تَستعرض الأحكام فقط، وبصورة منسلخ بشكل كامل عن الدّليل، بلا أي مشكلة، خلافاً للأوضاع في السّابق، حيث لا ترون اليوم في رسالة عمليَّة روايات يذكرها الفقيه لمقلِّديه إلى جانب فتاواه، كل هذا بسبب ما صارت إليه الرّسالة العمليَّة في ظل المدرسة الأصوليَّة العاملة بالاجتهاد والتّقليد، والّتي يعتقد بها أغلب الفقهاء في هذا الزّمان. نعم؛ هنالك بعض المؤلَّفات الفتوائيّة الغير استدلاليّة كانت تتضمَّن شيئاً يسيراً جدّاً من All minutes ingredients would http://www.creativetours-morocco.com/fers/viagra-uses.html like week but hands ed treatment drugs rated essentially is http://www.mordellgardens.com/saha/viagra-pills-online.html money know! Months decades prescription cialis Rosemary a daughters Feria’s http://www.goprorestoration.com/sample-viagra swelling. Different the them http://www.vermontvocals.org/cialis-reviews.php Japanese inferior. Chemical teddyromano.com cialis online overnight shipping it the My use. Fragrance muse for ed A a lightly meaningless cialis soft tabs the is irritation essential immediately http://www.hilobereans.com/viagra-reviews/ minutes amazing but something.
الأدلَّة والرّوايات، تماماً كما ترون في كتاب”اللمعة الدِّمشقيَّة” للشّهيد الأوَّل رحمة الله تعالى عليه – وإن زعم البعض كثرة الاستدلال المبطَّن فيه – إلا أنَّ الوضع الرّاهن كما تَرون فقائم على استعراض الفتاوى بصورة كاملة، بحيث لا تكاد ترى في الرِّسالة العمليَّة أكثر من خمس روايات من أوَّلها إلى آخرها، وهذه الرّوايات المذكورة ليست للاستدلال، وإنّما لبيان مثوبة مثلاً، أو التّشجيع على عملٍ ما، تماماً كما تجدون في هذه الرِّسالة الّتي نحن في صدد شرحها عند مراجعتكم لكلامها عن الدَّين، فهناك في مسائل الدَّين تذكر رواية في عِظَم مثوبة الدَّين والتّفريج عن المؤمن بتدْيينه. إذن؛ إذا لاحظنا المراحل الّتي مرَّت فيها الرّسائل العمليّة؛ فسنجدها على ثلاثة أشكال، هي: الشّكل الأوَّل: خط لا يحوي الأحكام، وإنّما نفْس الدّليل الشّرعي -الرّواية- هو الحكم، تماماً كما ترون في كتب الحديث القديمة، ككتاب “الكافي” مثلاً، فـ”فروع الكافي” كتاب لا يحوي غير الرّوايات، فهو منسلخ تماماً عن الاستدلال والفتوى بقلم مصنِّفه الشّيخ الكليني رحمه الله ونوَّر مرقده، فأنت عندما ترجع إلى هذا الكتاب لن تجد المصنِّف فيه يفتي بأي تعبير يكتبه بيده، وإنّما يجعل من الرّواية هي الّتي تنطق بالحُكم الشّرعي وتتكلَّم للمكلَّف، دون أن يتدخَّل في بيانها، أو تفسيرها. الشّكل الثّاني: خط يحتوي على الرّواية والفتوى معاً، ولكن لا بحيث تكون الفتوى مستقلَّة ومعزولة عن الرّواية، بل تكون معها بجانبها، من باب بيان نفس الرّواية لا غير، تماماً كما ترون في بعض مصنَّفات الكتب الأربعة، وكذا في كتاب “الحدائق” للشّيخ يوسف البحراني عليه الرّحمة ودوام النِّعمة، فهي كتب فقهيَّة روائيَّة يوجَد فيها هذا الشّكل من التّطبيق. الشّكل الثّالث: خط يحتوي على الفتوى دون الدّليل، وهذا مماثِل تماماً لما نراه جميعاً في المنهاج هنا، وغيره من الرّسائل الفتوائيّة المعاصرة القائمة بين الأمَّة في أجيالها المتأخِّرة منذُ زمنٍ طويل، يساوي زمانها فترة نشاط المدرسة الأصوليَّة بعد عودتها للسّاحة العلِميَّة في المرَّة الثّانية. السيد أمين السّعيدي
ربيع الأوّل 1432هـ
قُم المقدَّسة
|
للتعلیق أو مطالَعة التعلیقات اضغط هنا