♦【رجالٌ ادَّعوا أنهم فلاسفة وأَفسَدوا أكثر من ثلثي العالَم】!
شخصيات إبليسية ، أماتت العقول والضمائر وجمال القِيـَم.
وبعد أن سقط “اليونان عباقرة الغرب” قديماً بموجة “السفسطة” والجهل والبلاهة التي مرّوا بها بعد الحضارة العلمية والتطور الرهيب والتقدم الهائل القائم على “صناعة البرهان” القَيّمة ، جاء العالم اليوناني “أرسطو طاليس” ونَبغ من أوساط ذلك المجتمع المنهار ، فهَذَّب المنطق ،
وأحيا “صناعة البرهان” المرموقة ، وأَنعش الفلسفة التي أميتت وحُوِّلَتْ من البحث عن الحقيقة والحكمة إلى “صناعة الجدليات وتوظيفات صناعة البرهان في سبيل التشكيك في كل شيء”!
وانهار الغرب بعد بلوغ الرفعة ، وصار إلى حالة مأساوية يرثى لها ، فنَبَغ رجال الإصلاح والإنسانية ؛ كأفلوطين وأفلاطون وأرسطو .. ، فأحيوا أمة كانت ميتة بكاملها ، ونَقَّوا كياناً مهترئاً منهاراً ما عاد يطاق العيش بين أهله وشعوبه ، تلك الشعوب التي تحوَّلت فيها المحاكم من محافل للعدل والقضاء بين الناس بالحق ، إلى محافل لإبراز عضلات الجدَل والتشكيك في كل حقيقة.
⬅ والمحاكم -شريان التعايش والإنسانية والحياة- إذا سقطت وفقدت غايتها الحقيقية ؛ تحوّل العالَم إلى فوضى ، ولم يَعُد العيش فيه بذي قيمة.
●» ثم بعد أن صلُح الغرب شوطاً طويلاً من الزمن ، وساده العلماء والفلاسفة الحكماء ، رَجعَت الكَـرَّة من جديد في عصر النهضة الصناعية ، حليفة العصر ، والتي انطلقت قبل بضع سنوات قلائل ، فعاد الغرب إلى بلاهة التشكيك ، وزاد على ذلك استماتتهم في الصناعة الجديدة التي ظهرت مؤخراً ولم تكن في الانهيار السالف ، مما مَكَّن من تمرير الانهيار الحديث بوسائل جديدة غير معهودة ، وهذه الصناعة هي:
“صناعة التجربة وبراهينها المتغيرة اللاثابتة” ؛ إذ أخذوا بتسيير كل الأمور عليها ، وتفسير كل الحقائق على أساسها ، وبذلك عادوا مرة أخرى لإماتة “صناعة البرهان” ، وكأنهم لم يتّعظوا من التجربة المريرة التي مرَّ بها أسلافهم قَبلاً!
●» كان الغرب في حالة مستقرة ، وفكرٍ جيد وعقيدة قياسية ، بعد أن أَخَذَ “المنطق الأرسطي” يـَجُوب الشعوب ويحيي النفوس ، وقد صار سيّد الفكر ، وآلة البحث عن الحقائق في الأوساط العلمية ، وقبل مدّة يسيرة نَبغ اليهودي “فرويد” ، وأخذ يفسِّر كلَّ سلوكِ الإنسان على أساس الغريزة الجنسية والشهوة الحيوانية البراقة الزائفة ؛ فقلب الموازين وأمات أمة بكاملها ، وحوَّل المرأة إلى سلعة تامة ، لدرجة أنه حتى عند إرادة الترويج لبيع سيارة يتم إيقاف امرأة براقة بجانبها لجلب الزبائن!
وها هو العالَم شاهدٌ على ذلك في كل مكان ، بالمستوى الذي بات الإنسان يخشى على أطفاله وهم في قعـْر المنزل!
وللأسف أنّ أمثال “فرويد” يُدّعَى أنهم من الفلاسفة ، مما مكّنه من اجتياح الفكر ، وتبديد القِيَم! ومن الطبيعي أن يكون في كل عصرٍ ومصر تجار وهواة للشهوة ، يُغَـلِّبون الرغبة والهوى والمصلحة على العقلانية والاعتدال وكل شيء ، ولو كان ذلك الشيء هو مستقبل ومصير أمة بأسرها!
وهكذا كان اليهودي الآخر “كارل ماركس” ، الذي ظهر في الحقب المتأخّرة ، فأفسد العقول والقلوب ، فألغى الأديان واعتبرها مخدِّراً وأفيوناً مطْـلَقاً ، وهاجم عقيدة الألوهية وأقصى الوحي والأنبياء وحاكمية السماء ، وسحق موازين الاقتصاد ، ومبادئ الحب ، وزاد في كظة الفقراء والضعفاء وسغب الأغنياء وأهل البَطَر ، وسَيَّدَ المسرح بديلاً عن عقيدة الألوهية!
وبهذا أَفرغَ دُور العبادة من روادها ، وأذاب من القلوب إيمانها وعبوديتها الحقيقية لله تعالى ، وقضى على حس الغيب ، وشَوَّه الضمائر ، وحوَّل الكنيسة إلى غير غايتها الإلهية!
ثم وَثب اليهود مرة أخرى ، وأخذوا يتبنون آراء “نيتشه” الذي ألغى الأخلاق ، وأباح لكل إنسان “مطْـلَق الحرية” في أن يمارس ما يحقّق استمتاعه بلا قيد ولا حد ، ولو كان استمتاعه يتحقق من خلال التخريب والسرقة والخداع وإراقة الدماء والفتك والقتل!
وهكذا أخذ الغرب بقيادة اليهود يروِّجون لأفكاره بأقصى ما أمكنتهم المكيدة والخديعة.
كما استهوتهم آراء العالِم المستجد “دارون” ، عالِم النقائض والتضاربات ؛ الذي أقام فلسفته الشكلية الهوجاء على التناقض وفقدان النسيج العلمي المتلائم ، لدرجة أنه أخذ يعلن النظرية وهي فاقدة للإثبات ، وهو القائل:
إنّ حَلَقة مفقودة في هذه النظرية يجب أن نبحث عنها ، وإلى أن نجدها يجب مع ذلك أن نؤمن بالنظرية كحقيقة! مع أنّ ما هَزِئَ به على الناس والشعب لا يثبت إلا بالحلقة المفقودة التي أقرَّ بنفسه بفقدانها وضرورة تحصيلها! والتي غدا وأصبح وأمسى الباحثون يَستقْصُون عن حلقته المفقودة هذه هنا وهناك ؛ فلم يجدوا لها أثراً إلى يومنا هذا وساعتنا هذه!
●» واستجمعت الوسائل “نسيجها الطَّبْعي” ببعض ، وذاع اليوم في العالَم الغربي جميع هذه الأسس والعناصر: الشهوة ، والحرية المطْـلَقة ، والسلطنة ، وبرهان التجربة المتقلب ، وصناعة الجدل ، والاقتصاد الاستشرائي الرّبوي والاستحواذي؛ فهذه هي قوام منهج الغرب ومَسْلك التفكير الشائعة عندهم.
وهكذا حتى العقيدة الإلهية باتت في شائع حقيقتها لدى تلك الشعوب قائمة على التجربة ، فوصلوا لإخضاع الله تعالى لـ”برهان المادة والتجريبي”! ومن ثمَّ أخذوا بالتشكيك في كل شيء يرتبط بالعقائد الإيمانية القلبية التي لا طريق لإثباتها سوى العقل أو الوحي ، فقالوا مثلاً:
إذا وضعتَ قلماً في كأس به ماء ، فإن القلم يبدو منكسراً ، مع أنه ليس منكسراً في الواقع. ومثَّلوا أيضاً بالحَمَام ؛ فقالوا: لو وضعنا طائراً من الحَمام بجانب ماء أثناء سطوع الشمس ، ونظرنا لعنقِه ؛ فإنه يظهر في عنقه لون ، مع أنّ ذلك الحمام في الواقع عنقه ليس ملوناً.
وكذا لو نظرنا للمطر المشتد وهو ينزل من السماء ، فإنّا نراه ينزل كخط متصل ، بينما هو في حقيقته قطرات متتالية وليس خطاً متصلاً ببعضه. وأيضاً لو وقفنا في منطقة واسعة في الظهيرة ، ونظرنا للأمام ؛ فإننا نرى ماءً يَملأ منتهى تلك المنطقة ، فإذا اتجهنا نحوه نجده يبتعد ولا نعثر في مكانه على شيءٍ سوى السراب.
وضربوا لذلك أمثلة مادية كثيرة ، وعلى أساسها فسَّروا الكون والحياة واعتَبروا أن لا حقائق ثابتة في الوجود ؛ بدليل “التجربة وبرهانها”. فهم بعد أن جَعلوا البرهان الأوحد للمادة والتجربة ؛ أخذوا يطبقون التجربة على كل ما بدا وخفي ، ورَدُّوا كل الحقائق إليها ، ثمَّ أبطلوا كل حقيقة بعالَم التجربة المتغير المتبدل!
ولأنهم غَزوا الشرق بما غاب عن تجاربهم وبالتجارب المبهرة والاكتشافات الهائلة العظيمة ، والتقنية والتكنلوجيا ؛ استطاعوا تسيير هذا المنهج وهذه العناصر والأسس إلينا في مختلف أرجاء العالَم الشرقي والإسلامي ، بعد أن استغلّوا التكنلوجيا المستحدَثة ووظّفوا التّقنية المكتَشَفة مؤخراً لترويج مناهجهم الباطلة ، وهذا ما لا يمكن أن يُنكَر ؛ فاْنظرْ واقع قنوات المسلمين في التلفاز وغيره تَعْرِف ما أقول.
●» ولا تحسبنَّ ثقافة الغزو والاستعمار والتسلط والاستئثار والاحتلال والاستيطان جاءت من لا شيء ، فهي إنما وليدة الفكر ، وتُعبِّر عما انعقد عليه فهم الحياة.
♦ ⬅ وها قد ساد السفسطائيون من جديد وتبدّل وجه الدنيا بكامله ، وانتشرت الأمراض الفتاكة والأوبئة المستعصية ، فكرياً وجسدياً ، أخلاقياً واقتصادياً ، وعمَّ التحلل والاستغلال والفوضى ، وانقلبت القِيـَم ، وشاع القلق والخوف في النفوس ، واضمحل لديها نور الأمل ، واجتاح الانتحار ، باسم الجهاد أو الضغوط والضياع وغيرِه ، وبُلِـيَت الشعوب بمختلف أمراض الكآبة الخطرة والأتعاب النفسانية القاتلة ، الجماعية والفردية.
وعاد الغرب والعالَم بأسره بحاجة لإشراقة فجرِ الفلاسفة الصلحاء الحكماء ، ونهضة جديدة تحيي كيانه ، وتُـفيد من تطوره الهائل لتوجيه البوصلة في مسارها السليم ووجهتها الصحيحة.
أمين السعيدي
9 جمادى الأول 1435هـ – قم
للتعلیق أو مطالَعة التعلیقات اضغط هنا