اسمَعْ: سرٌ عجيبٌ في الزهراء عليها السلام! (جوابُ سؤال)
● السائلة:
السلام عليكم. مساء الخير. لدي مجموعة أسئلة:
1- ما الفرق بين (الراضيه والمَرْضيه)؟ ولما سميت بها السيده فاطمة الزهراء بالراضيه والمرضيه؟
● جواب السيد أمين السعيدي:
سؤال شيّق، قَيِّم، جميل ورائع، ويمكن أن نذكر له عدة تفسيرات، خصوصاً بلحاظ، مقام الزهراء صلوات الله وسلامه عليها، الذي هو مقام نوراني ملكوتي مُشِع، فالحديث عنها ليس كالحديث عن أيِّ شخصٍ كان، فأمُّنا الزهراء عليه الصلاة والسلام سيدة النساء، وهي أم أبيها الّذي هو النبي الأعظم، ولا أعظم منه في الخلائق كلها قاطبة، أبداً على الإطلاق.
وهي نطفة تفاحة الجنة.
أما (الراضية)؛ فالرضا يمكن أن نتصوره بنحوين؛ هما: (الرضا بإرضاء من طرف آخر)، و(الرضا بإرضاء ذاتي من النفس والذات).
♦ ومثال النحو الأول: كأن يكون سرور شخصٍ معيَّن بربح مالٍ كثير، أو بدوران العالَم والذهاب للسياحة هنا وهناك، أو بالاطّلاع على عجائب الدنيا الباهرة، أو بتناول وجبة يحبها، أو برؤية حبيب، وغير ذلك ..
فإذا أعطاه الله سبحانه الربح الذي يتمناه ورزقه ذلك، أو تم تحقيق ما يصبو له من السياحة، أو ما يتمناه من الأمور الأخرى؛ فرَضَيَ بذلك وسُر؛ فهذا إرضاء، ولكنه إرضاء من الغير؛ فالغير -الله سبحانه- هو الذي حقق له أمنيته فأوصله للرضا.
وهذا الإرضاء –من حيث سلامته مورد كلامنا- تارة يكون بعطاءٍ رفيع (وهو يتناسب مع النفوس العالية الرفيعة التي رضاها يكون بالعطايا القدسية والمعنوية القُرْبية)، وأخرى يكون بعطاء متوسط (وهو يتناسب مع النفوس ذات المراتب الجيدة المقبولة؛ كنفوس عشاق الجنة بما هي شيءٌ طهور وتحتاج للاجتهاد والسعي والعمل الطهور)، وثالثة بعطاء أدنى (وهو ما يتناسب مع النفوس البُسطائية عادية الدرجات ذات المراتب الأدنى التي تلتذ بالبسائط والزوائل الزوائف).
♦ ومثال النحو الثاني (الرضا بإرضاء ذاتي من النفس والذات): كأن يحقق الشخص الرضا بنفسه في نفسه؛ من قبيل أن يكون قنوعاً أو زاهداً في حطام الدنيا، أو يدرك نِعَم الله تعالى عليه ويحمدها ويشكرها ولا يـَرتقِب غير ما يكتبه الله سبحانه له؛ فهذا رضاً، ولكنه بإرضاء ذاتي من ذات النفس واستعدادها للتلقي كيفما كان الصائر إليها.
والمعنى المتصوَّر في أمنا الزهراء سلام الله عليها هو الثاني؛ لأنه أرقى وأقدس، والأقدس هو المتناسب مع حقيقة الشخص النوراني الملكوتي، والزهراء صلوات الله وسلامه عليها وجود نوراني ملكوتي أَقدَس؛
تَعمل ولا تَرتقِب العطايا، وحتى العطايا المعنوية إنما هي أتوماتيكية متلازمة مع صالح العمل، تحصل بحصوله لا تنفك عنه؛ فالقرب الإلهي مثلاً هو أمر تكويني استلزامي لا ينفك عن العمل الطاهر أبداً، فكلما عملتَ صالحاً اقتربت، وكلما قصَّرت ابتعدت.
لذا؛ كانت الزهراء امرأة عظيمة وسيدة النساء؛ لأنها حقّقت في نفسها حقيقة (الرضا الذاتي وإدراك واقع النِّعَم الإلهية والإيمان التام بتقديره سبحانه وقضائه، وشكره سبحانه على نعمه الجمة الظاهرة والخافية).
ولَمّا كانت الزهراء عليها الصلاة والسلام بهذه المرتبة العظيمة، قابلها الله تعالى بنعمة أكبر وكرم أعظم؛ لأنه الأكرم سبحانه؛ لذا لم تكن الزهراء راضية بالرضا الذاتي فقط، وإنما جعلها الله تعالى مرضية أيضاً.
والمَرْضي (مفعول)، والمفعول يحتاج لفاعل، فالله تعالت أسماؤه أضفى عليها الإرضاء بإضافة نِعَمٍ وعطايا إضافية لها عليها الصلاة والسلام بعد أن وَجَدَها بلغتْ (مرتبة الراضية) بذاتها، «يا ممتحنةُ امتحنَكِ اللهُ الذي خَلَقَكِ ..، فوَجَدَكِ لِما امتحَنَكِصابرة»؛ لذا وُصِفَتْ بالراضية -الرضا الذاتي- والمَرْضية -بالإرضاء الإلهي اللطفي الإضافي-، وهذا من عظيم خصائصها وصفاتها سلام الله عليها.
نسألكم الدعاء وعظم الله أجورنا وأجوركم بمصابها الجليل في أيامها هذهِ العظائم.
أمين – قم
جمادى الأول 1435هـ
للتعلیق أو مطالَعة التعلیقات اضغط هنا