مسألة حول اغواء ابليس للبشر
● السائل:
س1: كيف ابليس بقول فبما اغويبتني ؟
س2: ـ وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم ـ كيف ملعون و استجيب دعوته؟
س3: كيف انّ ابليس اغواء ادم بالجنة وهو ملعون مطرود من رحمة الله؟
● رد سماحة السّيد أمين السعيدي حفظه الله:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بوركتم بشهر الله وزادكم جل شأنه من عظيم فضله وجزيل غفرانه وجليل إحسانه.
ج1/: أما أنه كيف يقول إبليس بما اغويتني ؛ فهذا لا يعني أن الله تعالى أغواه ، وإنما يشير إلى مشيئة الله تعالى وإحاطة قدرته بجميع الأمور ، مضافاً إلى أن القائل هو إبليس لا الله تعالى، فالله سبحانه إنما نقل مقولَ قول إبليس، لا أنه نقل نفس قوله جل جلاله، ومجرد نقل الله تعالى لكلام إبليس واعتقاداته لا يعني تأييد الله لما قاله إبليس، وكما يقال : ناقل الكفر ليس بكافر.
لذا فإن مقولة إبليس تدل على انحرافه، واتهامه لربه وجرأته، وهذا يكشف عن مدى قذارة باطنه وسوء معتقداته وسواد دواخله، بل لعل هذا هو ما زاد في غضب الله تعالى عليه، فحَـتَّم له الطرد الأبدي.
ج2/: وأما بالنسبة لاستجابة دعوته، فهي ليست استجابة لدعوة وإنما استجابة لطلب في قبال رحمة الله الواسعة، وإلا فإن الله تبارك وتعالى لو شاء به النكال من حينها لفعل، ولا يكون بذلك قد ظلمه ؛ لأن إبليس بمجرد عصيانه الفادح في مقامه ذلك بذاته يستوجب الخلود في نار الخلود والنكال بأشد النكال ، إلا أن رحمة الله تبارك وتعالى لأنها واسعة استمهلته وأتاحة له الفرصة للعود والتعقل.
لذا لو فرضنا جدلاً أن إبليس تاب من ذنبه اليوم أو غداً ، فهل يمتنع أن يتوب الله تعالى عليه؟ كلا لا يمتنع، فالفرصة لا تزال أمامه ما دام يوم القيامة لم يأتِ بعدُ؛ فرحمة الله عز وجل لا يحدها حد.
ثم إن إبليس لما كان في السماء بقي في مصاف الملائكة مدة طويلة ، وهذه المدة الطويلة كان مكلَّفاً فيها كأي مكلَّف من العباد مادام يوم القيامة لم يحن حينه ؛ لذا كان منشغلاً بالصالحات الباقيات وبالعبادة ، غاية الأمر أنه طغى عند خلق آدم برفضه للسجود له.
وهذا معناه أنه كانت له حسنات كثيرة حصدها وجمعها قبل خلق آدم ، ثم لما خلق الله تعالى آدمَ عليه الصلاة والسلام عصى، فكانت استجابة الله تعالى لطلبه إنما بعنوان أن هذا في قبال ما لديه من حسنات ، فذهب هذا بذاك؛ كي لا تبقى له حسنة بعدها ؛ وما ذلك إلا دليل صريح على عدل الله تعالى ودقته مع عباده في العدل حتى لدى أشد ظروف التمرد والعصيان والطغيان.
ج3/: وأما أن إبليس أغوى آدم عليه الصلاة والسلام في الجنة وهو مطرود من الساحة الإلهية، لأن تلك الجنة لم تكن جنة الخلد الأخروية ، وإلا فجنة الخلد الأخروية من يدخلها لا يخرج منها ؛ فآدم عليه الصلاة والسلام كان يوطن في جنة من جنان الدنيا ، فأخرج منها ، وعملية النزول التي اشار لها القرآن الكريم ليست عملية نزول من مكان اعلى إلى مكان اسفل ، وإنما هي عملية نزول من مكان مادي أرقى في الجمالية والكمال إلى مكان مادي أقل جمالاً وكمالاً منه، فكلا الحالتين يصدق عليهما نزول وإنزال، والمراد في الآية هو الإنزال الذي ذكرناه ، لا الإنزال من أعلى إلى أسفل ، وإلا لو كان آدم صلوات الله وسلامه عليه في جنة الخلد لما كان جسده جسداً مادياً كأجسادنا المادية هذه ؛ لأن جسد الإنسان في جنة الخلد لا يكون كهذا الجسد المادي الذي تترتب عليه آثار المادة من مخلفات وإنجاب وجوع وسمنة وقوة وضعف وشييبوبة وشيخوخة ، فجنة الخلد لا جماع فيها ولا إنجاب ، والعباد فيها يبقى فيهم ريعان الشباب لا يتغير ولا يعرضه الموت والفناء وما شاكل.
وهذا بذاته دليل صريح على أن آدم عليه صلوات الله وسلامه لم يكن في جنة الخلد ؛ وبالتالي لا يمتنع دخول إبليس إليه فيما هو فيه.
نسألكم الدعاء
رمضان 1433هـ
السيد أمين السعيدي
للتعلیق أو مطالَعة التعلیقات اضغط هنا