اقرأ عن فاطمة (ع) كلام المراجع العظام في (السر المستودَع فيها»
طرح وتقديم طالبة العلم العضوة الفاضلة: 【يا صاحب الزمان】
تصحيح وإيضاح سماحة: السيد أمين السعيدي حفظه الله
قِفْ على قبر فاطم بالبقيــــع * بعـْد مَـزْقِ الحَشا وسَـكْبِ الدموع ِ
واْلثمْ الـتُّـرْبَ مِـن حَوالـَـيهِ واْنشَقْ * مِن شَذاهُ نَسيمَ زَهْــر الرَبيع ِ
واَبْـلِغـْها السلامَ عني فإني * لَـمَـــــــــــرُوْعٌ فيهـــــا بخَطْب مَريع ِ
رفرفتُ بجناحي لعلي أجد ذاك القبر الخفي ،، وألوذ به نادبة لدمعي ،، راجية شفعاتكِ مولاتي ،، فخذي بيدي نحوك ،، في قافلة ( مؤسَّسة أنبياء أولي العزم “ع” ) العزائية ،، الرافعة لمصابكِ راية الأسى والحزن لمولى الأمة وملاذها صاحب العصر والزمان أرواحنا لمقدمه الفداء .. “عظم الله لكم الأجر يا مؤمنين”.
( اللهم إني أسالك بفاطمة وأبيها وبعلها وبنيها و”السرّ المستودَع فيها” )
من منطق هذه الكلمات ينبعث في أنفسنا سؤال يحيّر الأذهان ، والأعظم كيف لنا أن نرد عليه في ما هو “السرّ المستودَع” ؟
عبارة عظيمة تمر علينا كثيراً ونبتهل لله بها دون تأمل فيها.
لقد أجاب بعض المراجع والعلماء العظام (حفظهم الله) عن ذلك ؛
قال آية الله العظمى الشيخ وحيد الخراساني: من كلام الصادق (عليه السلام) :
(اللهم إني أسالك بفاطمة وأبيها وبعلها وبنيها)
فالسؤال بفاطمة ، وأب فاطمة ، وبعل فاطمة ، وأبناء فاطمة ؛ في ختام الدعاء كان “والسرّ المستودع فيها”.
في حديث العروج بالنبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) :
عن الصادق (عليه السلام) قال: «كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يكثر تقبيل فاطمة فعاتبته عائشة وقالت: يا رسول الله! إنك تكثر من تقبيل فاطمة ، فقال النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) إنه لما عُرج بي إلى السماء مَـرّ بي جبرئيل (عليه السلام) على شجرة طوبى ، وناولني من ثمرها فأكلته ، فحَول الله ذلك ماء ظَهري ، فلما هبطت إلى الأرض واقعـْتُ خديجة ، فحَملَتْ بفاطمة ، فما قـبَّلـْتها إلا وجدْتُ رائحة شجرة طوبى منها» “1”.
فقد روى السيوطي ذلك في «الدر المنثور» ، والطبراني في «معجمه» ، والثعلبي في تفسيره ، وغيرهم من كبار علماء السنة ومحدّثيهم.
فالزهراء (سلام اللّه عليها) فريدة في تكوينها ، وعناصر جسدها الطاهر ، ومن الواضح ضرورة التناسب بين الجسد والروح ؛ فإنّ النفس والروح الإنسانية مثلاً لا تتناسب مع جسد الحيوان ، ولا يمكن أن تحلّ فيه ، بل لابدّ من تسوية الجسد ، وإعداده إعداداً خاصّاً ، ثمّ حلول الروح فيه ، قال تعالى: {فَإِذَا سَـوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ} “2”.
إنّها أمّ نموذجية ، أو زوجة مثالية ، أو قدوة لنساء العالم ، أو . أو .. وكلّ هذا إنّما هو على حدّ فهمه وشعوره ، وعلى قدر عقله.
إلّا أنّ قضية الزهراء (سلام اللّه عليها) أعظم من كلّ ذلك بكثير ، فعند ما نبحث عن أسرار الله المودعة في الروح الفريدة للزهراء (سلام اللّه عليها) ذات التكوين الجسدي الفريد ؛ نصل إلى أن روحها خُلِقَتْ من نور عظمة اللّه تعالى ، وهنا نصل الى قول الإمام الصادق (سلام اللّه عليها) : « إنّما سُمّـيَتْ فاطمة ؛ لأنّ الخَلق فُطموا عن معرفتها» “3”.
فأنــَّى للخَلق أن يعرفوا فاطمة؟ ليس فقط «الناس» بل «الخلق» الذي يشمل «الإنس» و «الجنّ» و «الملائكة» ، فالكلّ مفطومون وعاجزون وقاصرون عن أن ينالوا معرفتها.
فأيّ شخصيّة هذه التي عَـزَّ مقامها عن أن تَنال الخلائق معرفتها؟ لابدّ لنا من أن نتأمّل في هذا الأمر ، بل ينبغي أن يتأمل في ذلك كبار مفكّري الإنسانيّة من أصحاب التفكير الراقي ، ويتساءلوا عن حقيقة هذه المسألة ، فمَن هي فاطمة؟ وماذا فيها من الغيب والسّـرّ الذي جعلها ترتفع عن أن يعرفها أصحاب العقول الراقية؟ وأيّ سّر في شخصيتها فـُطِمَ الخلق عن معرفته؟
إنّ قدر فاطمة (سلام اللّه عليها) مجهول عند أهل الأرض ، وظلامتها أيضاً ، وسوف لا يُعرف مقامها حتّى يكون يوم المحشر ، فيُظهر اللّه ظلامتها ومقامها العظيم ، ويفتح لها اعتباراً غير محدود ، يأتيها جبرئيل فيقول لها: «سلي تُعطين حاجتك» “4”.
إنّ حقيقةً كالحقيقة القائلة: إنّ الزهراء (سلام اللّه عليها) «حوراء إنسيّة» ، ليست مسألة بسيطة ، فهي في الوقت الذي هي إنسية ، ومن الناس ، ومن عالم المُلك والناسوت ، هي حوراء ، ومن الملكوت الأعلى ، ولا غرو ولا عجب في ذلك ؛ فعندما يكون نسيج البدن من أرقى ثمار الجنّة وأنقاها وأصفاها ، ويكون الأب خير الخلق ، والأمّ خير النساء ؛ فأيّ بدن طاهر سيكون هذا البدن؟
ثمّ الروح التي سترتبط بهذا البدن أيّ روح ستكون؟
إنّها روح الصدّيقة الطاهرة (سلام اللّه عليها) ، فهي ليست امرأة من النساء كما يَتصوّر بعض الجهلة السطحيون في التفكير ، إنّها جوهر وناموس ، وسرّ وجود ، وقضية فوق ما تـقدر عقولنا على استيعابه ، بل فوق ما تـقدر أذهاننا على تصوّرة وإدراكه.
وقال آيه الله العظمى السيد محمد الحسيني الشهرودي:
هناك عدة روايات في معنى “السرّ المستودع في الزهراء” (عليها الصلاة والسلام) :
1/ المقصود منه هو الحجة (أوراحنا له الفداء) ؛ «المهدي من عترتي من ولد فاطمة» “5”.
2/ المقصود منه العلوم الكامنة التي أودعها الله تعالى في فاطمة (عليها السلام) ؛ ففي الروايات يفتخرون بأن لديهم مصحف فاطمة ، وليس المراد منه القرآن أو مصحف خاص ، بل صرّح بذلك إنما يشتمل على العلوم الإلهية من الحوادث الواقعة في العالم وما يحتاج الناس من أمور الدين والدنيا والآخرة.
وقد كان جبرئيل (عليه السلام) يأتي فاطمة (صلوات الله وسلامه عليها) كل ليلة بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليسليها ويؤنسها ، فكان يخبرها بالغيب والمغيبات والحوادث.
3/ مقامها السّامي ومنزلتها عند الله عز وجل وكونها العلّة الغاية لخلق العالم ؛ «يا محمد! لولاك لما خَلَـقْتُ الأفلاك ، ولولا علي لما خلقْـتُـك ، ولولا فاطمة لما خلقْـتُـكما» “6”.
فهي محور الوجود وقطب الكون ومركز الدائرة ، وحبل الله بين السماء والأرض ، وقد ورد في حديث الكساء قول الله تعالى لجبرئيل (عليه السلام) : «هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها» “7”.
[يقصد نسبهم إليها فلم يقل مثلاً هم محمد وابنته وزوجها وابناهما].
4/ المقصود منه الأئمة المعصومين الأحد عشر.
5/ دورها الفعّال والبنّاء في بقاء الشريعة والدفاع عن مقام الولاية والإمامة .. المرأة التي تَتحلى بجميع خصال الأنبياء .. المرأة التي لو كانت رجلاً لكانت نبياً .. لو كانت رجلاً لكانت بمقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
إمرأة أطلّت على الدنيا بحيائها وعفتها ، بجلالها وعظمتها . إمرأة أطلت على الدنيا مثالاً للإنسان. إمرأة جَسدت الهوية الإنسانية كاملة.
ـــــــــــــــــــــ
المصادر:
“1” المختصر ، للحلي: ص135 ، والمناقب: ج3 ص114.
“2” سورة الحجر: 29.
“3” تفسير نور الثقلين والبرهان وكتاب بحار الأنوار.
“4” تفسير القمي: ج2 ص398.
“5” الراوي: أم سلمة ، المحدث: ابن حجر العسقلاني ، المصدر: تخريج مشكاة المصابيح ج5 ص119 ، خلاصة حكم المحدث: (حسن كما قال في المقدمة).
“6” مستدرك سفينة البحار: ج3 ص334. عن مجمع النورين: 14 ، عن العوالم: 44.
“7” مفاتيح الجنان: حديث الكساء.
للتعلیق أو مطالَعة التعلیقات اضغط هنا