【الألم】(3): أرواح تتلذذ بالألم!
●» هناك 【أرواح تتشفـَّى بالألم في الآخرين】؛
وهي تارة أرواح شيطانية بَلْهاء ظَلماء، وتارة أرواح رحمانية عاقلة نَوراء؛ فالشيطانية مثل أرواح المنحرفين الذين يتلذذون بتعذيب الأبرياء والمساكين، والرحمانية مثل أرواح المؤمنين الذين يستبشرون بالنصر على المنحرفين والعصاة الغواة الضالين، ولكن المؤمن لا يتلذذ هنا وإنما يـَـستبشر، فليس من صفات المؤمن الارتياح والسعادة بآلام الغير؛
لذا؛ نجد أبي عبد الله الحسين عليه الصلاة والسلام رغم أنه سيد شباب أهل الجنة ورغم انتصاره، بكى على أعدائه، وكذا أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه لما قَتَلَ أهل الجَمَل في حرب الجمل وقَتَلَ الخوارج في حرب النهروان تَألم كثيراً على قتلا أعدائه.
●» وهناك 【أرواح تستلذ بالألم الواقع على ذاتها】لا على الآخرين؛ وهذه أرواح –بعضها- عظيمة اَسمتْها الروايات (النفس القدسية)؛ وهي نفس خَلّابة رائعة، صِدِّيقة مشْرقة، صَدِيقة لله تعالى، لا يصل إليها إلا أصحاب العلم والبصيرة والمجاهَدة، فهي لا تُنال إلا بالعلم والبصيرة والعمل.
♦⬅ ومن صفات هذه النفس القدسية أنها:
تَشعر بالشبع في أشد حالات الجوع في الله، وتَشعر بالارتواء في أحلك حالات العطش في الله، وتَشعر بالارتياح في أقسى حالات التألم والتعب في ذات الله تعالى ..
فهي نفسٌ منـتـِـجة، لا تعيش إلا مع الله، ولها في المِحَن قلبٌ كالاُسود، حتى لو اَظهرَتْ الخوف في حالات لأغراض إلهية، فهي نفسٌ شجاعة صلبة ومِقدامة، ولا تخاف دخول المقابر لوحدها في دُجّة الليل، ولا تأبه من العيش في الظلام، ولا تهاب الجن والشياطين أينما كانت.
وقد تجد صاحب هذه الروح يقف في محراب الصلاة، وجسده محتشِد بالسِّهام، يَتقاذف الدماء من كل جانب، ولا يغيِّرُ ذلك من حاله شيئاً.
وربما وجَدتَ صاحب هذه النفس في أشد لحظات فقد الأحبة والمال وفي أقسى لحظات الألم والتعب والجِراح يخاطب الله تعالى ويقول: إلهي! تَركتُ الخَلْقَ طُرَّاً –كّلهم- في هواك، وأيتمتُ العيال لكي أراك، فلو قَطَّعْـتَـني في الحُبِ إرباً؛ لَمَا مالَ الفؤادُ إلى سِواك.
وقد تجد هذه الروح في أعصب حالات الضيم والحُزن والانهيار وهي ترى جسد الحبيب مسحوقاً بحوافر الخيل لم يَسْلَم منه طَرْف عن النَّزفِ والجَرح، ولا رأس به، فتَضع يدها تحت جسده وترفعه وتخاطب الله: اللهمَّ تَقَـبَّلْ منا هذا القربان.
♦⬅ ومن صفات هذه الروح القدسية: أنها ترى الله قبل كلِّ شيءٍ وبعده وفيه، فهي لا ترى مع الله شيئاً سِواه، وكل الملذات بالنسبة لها لا تساوي لذة رضاه سبحانه، لدرجة أنّها لو خَيَّرها الله بين الجنّة والمسجد لاختارت المسجد لا الجنة.
♦⬅ ولو أنّ الناس كلهم وَصلوا لمرتبة هذه النفس العظيمة؛ لانعدم الشر وما عاد هنالك وجود للألم البَتّة؛ وعلى ذلك شواهد عديدة في الروايات والقرآن.
نسأل الله وإياكم بلوغ مرتبة هذه النفس الإشراقية العظيمة.
أمين السعيدي
23 ربيع الثاني 1435هـ
للتعلیق أو مطالَعة التعلیقات اضغط هنا