كيفية الإسراء والمعراج
● السائل:
السلام عليكم ورحمة الله.
هل يختلف المبعث النبوي عن الاسراء والمعراج؟ ولماذا سمي المعراج معراجا؟ وهل كان عروج النبي الخاتم صلى الله عليه واله بروحه وجسده ام فقط بروحه؟ وهل المعراج اختص فقط بنبينا محمد ص ام ان هناك انبياء حصل لهم هذا المعراج؟ اجيبونا جزاكم الله كل خير
● رد سماحة السّيد أمين السعيدي حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِّ على خير خلقك محمد وآله الطاهرين، أسعد الله أيامكم، وأَبَرَّكم بالمسرات والأفراح..
بالنسبة لكيفية العروج فقد اختلف العلماء فيها، على أنه هل كان بالروح أم بالبدن؛ لذا سنذكر ما ذهبوا إليه بالإضافة إلى وجه آخر نذكره حسب وجهة نظرنا الخاصة تجاه المسألة:
أما ما ذكروه:-
فمن علمائنا الأعلام من قال بأن العروج وقع بالجسد، وهذا ما ذهب إليه كثير من العلماء، وهو نفسه ما ورد في العديد من الروايات.
ومن العلماء من قال بأن العروج وقع بالروح لا الجسد.
ومنهم من قال بأن العروج وقع في حالة المنام والرؤيا، ورؤيا الأنبياء –بلا خلاف- صادقة.
هذا ومَن ذهب إلى أن العروج كان بالروح، فمنهم من يَلُوْح من كلامه أنه يقصد العروج المنامي في عالم الرؤيا.
مناقشة الآراء:-
وعلى كلٍّ فالمعراج رأى فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم عالم الملكوت، وتشرف فيه بالقرب الملكوتي العظيم من الله تعالى، بحيث تعدى مقام جبرائيل نفسه، ووطأ العرش بنعله الشريفة المباركة، كما تحدث مع الأرواح، ورأى أصناف النعيم والعذاب، وتلقى العديد من التشريعات الإلهية، وظهر له الكثير من الكرامات والعواقب وما شاكل.
والكلام هو: أن جُـلَّة من العلماء ذهبوا إلى أن المعراج الروحي والمنامي لا يمكن القول به؛ لعدة أسباب كما يلي:
السبب الأول:-
إن المعراج عبارة عن حالة تكريمية خاصة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلو كان المعراج روحياً ومنامياً لما كان في ذلك خصوصية، والحال أن القرآن الكريم ذكر حدث المعراج واعتبره حدثاً له خصوصية وأهمية مختصة، وعليه سار كافة المسلمين.
السبب الثاني:-
إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يرى عالم الملكوت في كل حينٍ بروحه وتفكّره، كما كان يرى عالم الملكوت في كل ليلة في منامه؛ وبالتالي لو كان المعراج معراجاً روحياً أو منامياً لما عادت له ميزة عن بقية الرؤى والمنامات الأخرى التي كان يراها ويعاينها النبي طوال حياته المباركة باستمرار، ويُلهم من خلالها بالغيب والتشريعات ويطلع فيها على عواقب العباد والجنة والنار وأحوال القبور وما شاكل، والحال أن جميع المسلمين –بالإضافة للقرآن والروايات- يقرون بخصوصية حدث الإسراء والمعراج المذكور.
السبب الثالث:-
إن الروايات أكدت على أن المعراج حصل بالجسد لا الروح وعالم المنام.
السبب الرابع:-
إن قريشاً كذبت النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما نقل لهم واقعة المعراج، والسبب في تكذيبهم له إنما على أساس أن المعراج كان جسدياً يدفع للدهشة، وإلا لو كان روحياً ومنامياً لما اندهشوا به وكذبوه.
السبب الخامس:-
وهو وجه يمكن أن نطرحه أيضاً في المقام؛ مفاده أن المعراج لو لم يكن جسدياً لما اهتمت به قريش، ولما اعتبرته حدثاً مهماً يستحق النظر والخوض والجدال فيه، ولقالت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن ما جئت به لا قيمة له ولا يستحق النقل والتحدث به، فهو ليس إلا مجرّد رؤيا منامية وتفكّر لا غير.
إذن؛ وفق هذه الإشكالات وغيرها، يكون العروج عروجاً جسدياً لا روحياً ومنامياً.
أقول: يرد على هذه الإشكالات أمور، فالعلماء الذين تمسكوا بأن المعراج كان معراجاً جسدياً وفق هذه الأدلة، يمكن أن نجيب عن إشكالاتهم -في ظل إيماننا بخصوصية المعراج المذكور- بما يلي:
بالنسبة لرد الإشكالين الأول والثاني:-
إن القرآن لم يبيِّن كيفية العروج، بل اكتفى بقوله {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ؛ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} ، والقول بأن العروج الروحي والمنامي يخالف خصوصية واقعة الإسراء والمعراج المذكورة، والاهتمام بها في القرآن، وكونها ذات سمة تختلف عن غيرها، فهذا الادعاء لا نقبل به؛ إذ قد نقول بالعروج الروحي والمنامي، وتبقى الخصوصية لهذا الحدث على غيره بلا مشكلة، وذلك بأن نلاحظ محتوى الحدث وما جاء فيه، فالحدث وردت فيه مقامات عظيمة تشرف بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، منها أنه صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله تشرف بوطء العرش، والتقدم على مقام جبرائيل نفسه، فحدث المعراج لم يرد فيه أنه صلى الله عليه وآله وسلم اطلع على بعض المغيبات والأحوال والعواقب المعتاد اطلاعه عليها، وإنما وردت فيه تشريفات ومقامات أيضاً، أضف إليه أنه في هذا العروج تم تشريع الصلاة، وأي صلاة؟ إنها الفرائض التي هي عمود الدين، التي تُقبل أعمال العبد بها، وتُرفَض برفضها يوم القيامة كما في الخبر.
وهذا بحد ذاته يُـكسب واقعة المعراج المذكورة في القرآن الخصوصية المراد إثباتها، فيرتفع الإشكال حتى بالقول بأن العروج كان روحياً أو منامياً.
أما بالنسبة لجواب الإشكال الثالث:-
فمَن ذَكَر أن الروايات أشارت للمعراج الجسدي، لم يذكر لنا ما هي تلك الروايات، ولم يبيِّن نقاط تصريحها بأنه معراج جسدي، فإن كانت هنالك روايات من هذا القبيل تقول بصراحة أنه كان جسدياً فأين هي؟ وما هي عباراتها الناصة على ذلك؟
أما إن كان المقصود أننا نفهم ونستظهر من الروايات ذلك، بفعل الإشكالات الخمسة المذكورة مثلاً، فرده بأن هذا مجرد فهمٍ واستظهار، والاستظهارات في كثير من الموارد العلمية تختلف من عالم لآخر، فالاستظهار المذكور قائم وفق الإشكالات، لا وفق نفس الروايات؛ وبالتالي إذا رددنا هذه الإشكالات فلنا أن نستظهر وجهاً آخر من الروايات بلا أي مشكلة، خصوصاً فيما لو لم يأتنا المدعي للعورج الجسماني بدليل روائي ينص على ذلك بكل وضوح وصراحة؛ وحسب ظني هو هذا ما دفع من قال بالعروج الروحي والمنامي لأن يقول بأن العروج لم يكن جسدياً.
بل نزيد على ذلك أكثر بأن مفاد العديد من الروايات –كما سنبين لاحقاً- صريح في العكس؛ أي واضح بجلاء في أن المعراج لم يقع بالجسد؛ وبالتالي كيف يُدَّعى أن العروج وقع بالجسد؟!
أما بالنسبة للإشكالين الرابع والخامس، فأيضاً يمكن أن نرد عليه بما يلي:-
إنّ قريشاً كذبت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كثير مما ادعاه، سواء فيما ارتبط بحادثة المعراج أو غيرها، فقريش لم تكذبه فقط في حادثة المعراج، بل كذبته في الكثير من القضايا، حتى اعتادت تكذيبه، وهنا لابد أن نلتفت إلى أمرين:
أ-غايتهم من تكذيبه المتكرر فيما يخبرهم عنه.
ب-كون حادثة المعراج الجسدي هل تستحق التكذيب بينما المعراج الروحي والمنامي لا يستحق التكذيب؟
وبعبارة أخرى: الإشكال الرابع يَستند إلى أن المعراج الجسدي هو الذي يستحق أن تكذبه قريش، أما الروحي والمنامي فلا يستحق أن يكذبوه بهذه الطريقة، وكذا فإن هذا الإشكال ركز على التفريق بين المعراج الجسدي والمعراج الروحي والمنامي، على أن الأول يستحق التكذيب بخلاف الثاني، والحال أننا نفترض أن تُضَم لهذا جهة أخرى أيضاً، وهي غايات وأهداف قريش من تكذيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم باستمرار في حادثة المعراج وغيرها؛ ذلك لأننا بملاحظة هذه الأهداف والغايات نتوصل إلى أن تكذيبهم للمعراج الروحي والمنامي قابل للوقوع منهم أم لا؟
لذا نقول: إن قريشاً إنما كانت تستهدف بالتكذيب المستمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم تهميش دعوته وإضعاف حركته، وتشكيك الناس فيه، وإبعادهم عنه؛ كي لا يتمكن من تحقيق أهدافه بفعل التعنت والعناد والتكبر والجبروت والخشية على المصالح الذاتية والأطماع النفسانية، خصوصاً من قِبَل زعماء قريش وأصحاب المناصب فيها.
وبتعبير أوضح: قريش لم يكن تعاملها مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم تعاملاً عقلائياً منطقياً برهانياً، فهي لم تكن لديها معاندات للنبي بفعل الاستدلالات وما شاكل، إذ هدفها في العناد لم يكن هدفاً علمياً كي ترفض فقط ما خالف العلم والمنطق، وإنما هدفها كان هدفاً تعنتياً عنادياً يتبع شهوات الدنيا والأنا وملذات الذات وانحرافات المنصب؛ وبالتالي لم يكن تكذيبها لشيء لابد أن يرتبط بارتياب علمي أو نقد منطقي تجاه الحقائق، ليقال إن المعراج الجسدي يستحق النقد -بفعل ما سنذكره من أسباب- أما المعراج الروحي والمنامي فلا يستحق النقد، فقريش انتقدت وكذبت حادثة المعراج، وهذا يدل على أن المعراج وقع بالجسد، وإلا لو وقع بالروح والمنام لما دعى ذلك لأن يكذبوه.
وعليه؛ فالمعراج حتى لو كان روحياً ومنامياً فقريش ستكذبه، ولا فرق لديها أكان جسدياً أم روحياً؛ ذلك لأن غايتها تكذيب النبي في كل صغيرة وكبيرة لدى كل محفل ومجلس علمي لا غير، وبهدف تهميش دعوته وتضييع جهوده والحفاظ على المراكز والشهوات، خصوصاً وأن التاريخ لم يذكر لنا في كلمات قريش إشارة للمعراج الجسدي بخصوصه، فالأمر من هذه الجهة مطلق، ولا وجه لتعيينه إذن.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فحادثة المعراج المذكورة بذاتها لها خصوصيات كما ذكرنا، وهذه الخصوصيات بنفسها كفيلة لأن تدفع قريشاً للتكذيب، لا أن المعراج الجسدي هو وحده من يدهشهم ويدفعهم للتكذيب، ومن هذه الأمور التشريفات التي ذكرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وبيانه لصفات المسجد الأقصى لما احتجوا عليه بأن يبيِّن صفاته إن كان صادقاً فيما يدعيه، كونهم على علم بأنه لم يسافر ولا مرة واحدة لأرض فلسطين، على أساس أنه لو لم يجبهم عن مواصفاته أمام من رأوا المسجد الأقصى أو سمعوا بمواصفاته ممن رآه فسيكون كذاباً تجلى عن ذلك؛ فهو صلى الله عليه وآله وسلم بيَّن لهم مواصفات المسجد بدقة، وهذا بذاته يفرض نوعاً من التكذيب والاستغراب، تماماً كما أن المعراج الجسدي يفرض ذلك؛ وبالتالي فإن المعراج الروحي والمنامي ما دام يحتوي على نفس هذه الغرائب والإخبارات، فهو بفعلها يدعو للاندهاش والمكابرة والمعاندة لتهميش الدعوة وإغفال الحضور وإغوائهم، ناهيك عن تشريع الصلاة فيه.
أضف إلى هذا أنّ قريشاً كذبت النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى في المعارج الأخرى التي حصلت له في حياته الشريفة، رغم كونها أقل منزلة من المعراج المذكور في القرآن الكريم؛ وبالتالي فإن تكذيبهم لهذا المعراج الخاص الرفيع يكون من باب أولى.
أضف إليه أيضاً أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أثبت دعواه من خلال كشف بعض المغيبات الأخرى لهم، تماماً كما فعل في قضية البعير التي ضاعت من قافلة قريش التي كان فيها أبو سفيان نفسه، كبير قريش وزعيمهم وأحد رؤوس الفتن والتكذيب والحرب على الإسلام، حيث أخبرهم صلى الله عليه وآله وسلم بذلك قبل وصول القافلة لمكة، فهذا الإبراز الغيبي لحادثة الناقة وكذا لشربه صلى الله عليه وآله وسلم الماء من عندهم، وإن كان الاحتجاج بهما وقع بعد التكذيب مباشرة، إلا أنه يصب في نفس المجال؛ إذ أن قريشاً تعلم بأن مجلس الجدال ذاك له مَن يستمع، ولابد وأنّ فيه ردود صارمة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم تثبت رسالته؛ لذا كان من الوجيه أن يستبقوه بتكذيبه، كي لا يستقطب ويجتذب العامة، فتقوى دعوته العظيمة، ومن هنا تبرز أهمية الحدث في نظرهم.
بهذا تحصَّل لدينا أيضاً إمكان رد الإشكالين الرابع والخامس، وأن المعراج كما أنه قد يقع بالجسد كذلك يمكن أن يكون قد وقع بالروح والمنام.
وأما المعراج الجسدي، فهو أيضاً ترد عليه اعتراضات وإشكالات كالمعراج الروحي والمنامي؛ لذا يجب أن نذكرها أيضاً ثم نرى هل يمكن ردها والإجابة عنها أم لا، فمن هذه الاعتراضات ما يلي:
الاعتراض الأول:-
وهو مركَّب من عدة أمور، مفادها أن المعراج الجسماني مستحيل؛ لأن الحادثة تقول بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، انتقل من بيت الله الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم اعتلا إلى السماء، فاخترق الأجرام السماوية، حتى بلغ إلى سدرة المنتهى، فاطلع على التكوين، وعوالم ما وراء عالمنا المادي؛ لذا يستحيل أن يدخل الجسم المادي في العالم اللامادي، كما يستحيل أن يخترق الجسم المادي من أجسامنا حتى الأجرام والعوالم المادية؛ ذلك لأننا نعلم بأن الفضاء محفوف بالأجرام الملتهبة والمحرقة بشكل رهيب، كما أنه غير متوفر على الأكسجين الضروري لحياة أجسادنا التي بمجرد فقده تختنق وتموت.
أضف إليه أن الحادثة تقول بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى في تلك الواقعة وقتاً قصيراً جداً من الزمن، وتجاوز سرعة الجسم الطبيعي، وهو مستحيل، والحال أن الضوء هو أسرع المواد، وعند تسريع الجسم بسرعته فهذا يؤدي لا محالة إلى احتراقه بالكامل بأسرع ما يكون.
وعليه؛ يجب أن نؤمن بأن العروج كان عروجاً روحياً أو منامياً لا جسدياً.
الاعتراض الثاني: لو تنزَّلنا وقلنا بأن العروج الجسماني لا يلزم منه تلف الجسد، وأنه ممكن أن يقع بهذه الصورة الخاطفة السريعة وإن كان بالبدن، فإننا في المقابل نجد أن هنالك محذوراً آخر، وهو أنه لو كان العروج بدنياً لاستلزم ذلك حد الله تعالى بالجهة والمكان، في حين أنه تعالى فوق المكان، لا جهة له، ولا يشار إليه، فهو مجرّد تجرداً حقيقياً لا صورياً، كما أنه واحد ووحدته وحدة حقيقية، فهو ليس بجسم ولا قابل للتركيب كي يتجه إليه جسمٌ ما، والحال أن واقعة المعراج تتضمن أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تجاوز حد جبرائيل عليه السلام ووطأ العرش الأعظم، وتشرف بالتشريفات الإلهية التي لم يرقَ إليها نبي من الأنبياء غيره، فالقول بأن الروايات ناظرة للعروج الجمساني يتعارض مع هذه الحقائق التامة، بل إن الروايات على عكس ذلك تماماً، حيث ذكرت مستنكرةً في بيانه المعراج بأن الله لا يحده حد ولا جهة له ويمتنع تشبيهه بخلقه.
ومن تلك الروايات الحديث المشتهر عن الإمام الكاظم عليه الصلاة والسلام، الذي روي بعدة أسناد، حيث رواه الشيخ الصدوق في كتابه التوحيد، قال: حدثنا علي بن الصلت رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن علي بن الصلت، عن عمه أبي طالب عبد الله بن الصلت، عن يونس بن عبد الرحمن، قال: قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر عليهما الصلاة والسلام:
«لأي علة عرج الله بنبيه صلى الله عليه وآله وسلم إلى السماء، ومنها إلى سدرة المنتهى، ومنها إلى حُجُب النور، وخاطبه وناجاه والله لا يوصَف بمكان؟
فقال عليه الصلاة والسلام: إنّ اللّه تبارك وتعالى لا يوصَف بمكان ولا يَـجري عليه زمان، ولكنّه عزّ وجلّ أرادَ أن يشرِّف به –أي بالنبي- ملائكته وسكان سماواته، ويكرمهم بمشاهدته، ويريه من عجائب عظمته ما يخبِر به بعد هبوطه، وليس ذلك على ما يقوله المشبِّهون، سبحان اللّه وتعالى عمّا يشركون» .
ورواه الشيخ الصدوق عليه الرحمة في علل الشرائع بإسناد آخر قال: حدثنا الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدب وعلي بن عبد الله الوراق وأحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنهم قالوا حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن يحيى بن أبي عمران وصالح بن السندي عن يونس بن عبد الرحمن قال: قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام… الحديث، وفي ذيله: « … سبحان الله وتعالى عما يصفون» .
رد الاعتراض الأول:-
إننا في المقام نتكلم عن أمر خارق، مرتبط بالقدرة الإلهية لخالق الكون العارف بجميع قوانينه ومفاصله، الذي لا حد لعلمه واقتداره؛ وبالتالي ففرض استحالة حفظ الجسد وتسريعه في ظل المادة ومجرياتها فهو أمر يتعلق بالبشر وغيرهم لا بالله تعالى المتسلط على كل شاردة وواردة، أضف إليه أن السرعة وقعت بقوة الضوء الذي هو أسرع شيء، إذ أن المعراج وقع بالبُراق، وبالبراق مركبة نورية ضوئية، سرعتها بسرعة الضوء؛ وبالتالي لا استحالة في وقوع الحادثة بصورة خاطفة في فترة زمنية وجيزة جداً.
رد الاعتراض الثاني:-
لا شك أن الله تعالى يمتنع وصفه بالزمان والمكان والجهة، وأنه مجرد، تام الفاعلية والكمال، ولهذا فإن هذا الاعتراض قوي، وهو جدير بالاهتمام، ولا حل له إلا وفق نظريتنا الثالثة التي نطرحها في هذا المجال، والتي تتوافق مع العقل والمعتقدات والروايات وكافة أحداث واقعة المعراج؛ لذا نقول في بيان نظريتنا هذه ما يلي:
النظرية المقترَحة:-
إن العروج قد يكون وقع بالجسد والروح، وذلك بأن يكون في مرحلة الانتقال من البيت الحرام إلى المسجد الأقصى جسدياً، ومن المسجد الأقصى إلى عوالم ما وراء الطبيعة -الميتافيزيقيا- يكون روحياً أو منامياً، ثم الرجوع إلى مكة يكون جسدياً؛ وهذا كما نلاحظ يتوافق مع ادعاء وجود روايات تقول بأن العروج عروج جسدي، كما يتوافق مع الروايات المشنعة على من حد الله تعالى بجهةٍ ما، فقال بتوجه جسد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى تلك الجهة.
ومن هذه النظرية أيضاً نجد التوافق مع عبور النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقافلة قريش وشربه الماء منها في أواخر لحظات معراجه.
وبهذه النظرية الجديدة أيضاً يتجه استغراب قريش وتعجبها وتكذيبها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
————————-
المصادر:-
[1] الإسراء: 1.
[2] التوحيد، للشيخ الصدوق رحمه الله: ص175.
[3] علل الشرائع، للشيخ الصدوق رحمه الله: ج1 ص132 – البحار، للعلامة المجلسي رحمه الله: ج3 ص315 نقلاً عن علل الصدوق.
نسألكم الدعاء
السيد امين السعيدي
القطيف-3شعبان1433هـ
للتعلیق أو مطالَعة التعلیقات اضغط هنا