الغيبة و الامر بالمعروف والنهی عن المنکر
● السائل:
السلام عليكم ورحمة وبركاته
السوال: إذا وقعت غيبة ولم أأمر بالمعروف أو لم أنهى عن المنكر عند وقوعها فهل يجب علي الأمر أو النهي بعد المضي الوقت بعد وقوعها؟ وهل هناك تحديد للزمن مثلا دقيقتين أو يوم ؟
•رد سماحة السيد أمين السعيدي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ثابكم الله ، وأسعد الله أيامكم بالمولد المبارَك.
إن الغِيبة من كبائر الذنوب ؛ والدليل على أنها من الكبائر هو ذِكرها في القرآن الكريم ؛ ذلك لأن القرآن الكريم لم يَذكر إلا الكبائر ، أما صغائر الذنوب فلم يَذكرها.
والغِيبة مفسدة عظيمة، تمزق المجتمع وتهتك الأعراض ؛ لذا هي -كما في الروايات- أشد من الزنا ؛ ذلك لأن الزنا فيه هتك للأعراض وكشف للعورات ، وكذلك الغيبة ، لكنها أشنع وأشد من الزنا لما فيها من هتك فضيع واعتداء سافر من المساكين ذوي الجهلة والغافلين ذوي العصيان والعدوان ، بل في الخبر:
الغيبة أشد من 36 زنْية ؛ أي ليست فقط أشد من الزنا ، بل أشد من زنا الإنسان 36 مرة بأعراض الناس والعياذ بالله ؛ هذا ولو أن شخصاً قيل له اذهبْ وازنِ لربما امتَنع ولم يتقبل ذلك من نفسه، بينما تجده يستغيب ، والحال أن الغيبة أشد من 36 زنية كما ذَكرنا!
هذا ناهيك عن صورها الغيبية في (البرزخ) وفي (يوم القيامة) ، حيث أنها -كما وَرَد- إدام كلاب النار ، وأن صاحبها يأكل الجيفة ، فضلاً عن أنها تحرق الأعمال والحسنات كما تحرق النار الحطب ، وتأكل دِين الرجل سريعاً وتفتك به ؛ ويجب شرعاً في التوبة منها الاعتذار من الشخص المستغاب ، وغير ذلك من الأمور المهيبة الواردة فيها. أعاذنا الله وإياكم من ذلك.
وعليه ؛ فإن الأمر بالمعروف والنهي عن هذا المنكر الذميم والداء الخبيث واجب شرعي بلا أدنى ريب ؛ بل جاء في الروايات أن مستمع الغيبة الذي لا يردها يكون أحد المغتابين.
وهذا يعني أن (المستغيب) و(السامع له) كلاهما يرتكبان نفس الجرم والمعصية ؛ وبالتالي فإن هذا وذاك من الفساق في حكم الشريعة المقدسة ، وتسقط عدالتهما ، ولا تجوز الصلاة خلفهما ؛ لأن ارتكاب الكبيرة عن علم وجرأة يسقط العدالة من العبد ، إلا أن يتوب ، والتوبة تكون بالاعتذار للمستغاب والنهي والاستغفار ، وبمجرد حصول التوبة الصادقة العازمة تعود العدالة.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشكل عام واجب إلهي ، وهو من فروع الدين الكبرى كالصلاة التي هي من الفروع وعمود الدين ، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشكل عام واجب شرعي ؛ أي سواء في الغيبة أو غيرها من المنكرات.
ويجب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقهياً وشرعاً البدء بالنصح الليِّن والتحذير بذكر ما ورد عنها من عواقب دنيوية وبرزخية وأخروية مخيفة ومهولة ، فإن لم يفد ذلك فينتقل لمرحلة الإنكار وإبراز الكراهية للفاعل والإعراض عنه وعدم تكليمه.
أما إذا لم يَـأمر المستغيب بالمعروف وينهاه عن المنكر ، بحيث فات الموقف، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في هذه الحالة لا يرتفع ، بل يبقى على وجوبه مادام المنكر باقياً، فالعِرضُ عِرضٌ والشرفُ شرفٌ، سواء فات موقف الفعل أم لا زال باقياً.
نعم تجب شرعاً المبادرة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفق الأسس التدرّجية التي ذكرناها ، فلا يجوز تأخير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا لغرض عقلائي وجيه ، كما يجب في هذه الحالة قطع حديث المستغيب بالقول للحضور مثلاً:
صلوا على محمد وآل محمد ؛ أو بتغيير الحديث كي لا يَسترسل ذلك الغافل المسكين في معصيته وهتكه لعرض وحرمات الآخرين.
أما إذا أجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لغرض عقلائي وجيه ، ثم عندما زال الغرض تهاونَ في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فلم يأمر الفاعل ولم ينهه ؛ فهنا يكون حكمه كحكم المستغيب مرتكباً لكبيرة من الكبائر ومشارِكاً له في جرمه ، وتسقط عنه العدالة وينال عقاباً ونكالاً كعقاب ونكال المستغيب والعياذ بالله.
نعم ؛ إذا قام شخص آخر في البَيْن واَمَر المستغيب بالمعروف ونهاه عن المنكر ولو اتفاقاً ؛ فهنا يرتفع التكليف عن الأول إن كفى ذلك الشخص بالنصح وأدى الواجب.
وكذا لو التَفَت المستغيب من نفسه فتاب وأناب واعتذر من المستغاب بدون حاجة لمن ينصحه ويردعه ؛ فهنا أيضاً يرتفع التكليف عن ذلك الشخص.
أما لو التَفَت المستغيب لكنه لم يَتُب ولم يعتذر من المستغاب ؛ ففي هذه الحالة يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بتبيين الحرمة والعواقب وما يجب في الإنابة والتوبة من هذه الخصلة الشيطانية، ناهيك عن أن الإصرار على المعصية ذنب أعظم وأشنع.
طهرَ الله قلوبنا وقلوبكم من الدَّنـَس والجهالة، وحمانا وإياكم من المصير إلى أفعال ذوي الغفلة والحماقة والسَفَه والمسكنة، ومَلأ أوقاتنا وإياكم بذكره، وبالعلم والمعرفة، والاشتغال بالمراتب الكاملة العالية ، وبذلِ الجهد للقرب منه ومن إمام الزمان وولي العصر والنعمة عليه أفضل الصلاة والسلام.
نسألكم الدعاء
السيد أمين السعيدي -القطيف
أواخر جمادى الثاني 1434هـ
للتعلیق أو مطالَعة التعلیقات اضغط هنا