بيان حول (التصويت) المعلَن بقضية إعدام الشيخ النمر
صادر عن سماحة السيد أمين السعيدي حفظه الله – الجمعة 22 من ذي الحجة لسنة 1435هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي لا يُحمدُ على مكروهٍ سِواه، والصلاة والسلام على جدِّنا المصطفى محمدٍ وآله الطاهرين وصحبه الأنجبين.
وبعد..
بغض النظر عن موقفنا تجاه منهج الشيخ في مطالبته بالمَطالب، ومنهج الجهة الرسمية في التعامل مع المسألة. تَداعى أيها الإخوان إلى أسماع الكثيرين انطلاق حملة تصويت حول قضية (إعدام الشيخ نمر باقر النمر) بما يثير الاشمئزاز والبغضاء والكراهية بين أبناء الإسلام وقِبلة لا إله إلا الله.
وإننا لنَعجب كل العَجب في أن يكون مَدار (وِزانِ الحق والباطل) في تصويتٍ فارهٍ لهويٍّ كهذا؛ فأحكام الله تعالى وقِيَم السماء ودين أنبيائه وأوصيائه لا تصاب بالاقتراع أو التصويت!
وإنّ مِن أشدِّ ما يَعْظمُ في القلب وقْعُه أنْ نجد انتشاراً واسعاً لبعض الدعاوى لمثل ذلك، والحال أنّ هذه الدعاوى تستبطن أمرين حتميين لا يصيبُ التنكُّر لأيِّهما:
الأول هو أنّ هذه الدعاوى الدنيئة –أو الدعايات اللاهية- أَطْلَقَها ذووها لأجل حصدِ المال والشهرة الإعلامية الأهوائية البغيضة، التي تتاجر بمشاعر الدين والسماء والأنبياء والمؤمنين والمسلمين أجمع!
والثاني هو أن هذه الدعايات تَستهدِف وتَستهدي تجنيد جبهتين للتناحر والشنآن والتباغض والاقتتال، سواء كان ذاك من حيث يدري أصحابها أو لا يدرون.
ومعلومٌ أن هاتين الجبهتين ليستا غير المسلم وأخيه المسلم؛ ذلك لأن واقع هذه التصويتات التعيسة البائسة ليس إلا (قياس حجم جيشين للتأهيل ميدانياً للاصطكاك وتجنيد جبهتين متصارعتين قد تَنجح المحنة والـمَكيدة بتسييفهما ودَك جماجم بعضهما ببعض) ؛ وهما (جبهة الممانِع) و(جبهة المؤيِّد)، ومن ثم بعد حصول الحاصل حول قضية الشيخ بالنفي أو الإثبات على واقع الحُكم؛ عندها –بجميع الأحوال- تكون قد تمت عملية الإعداد والتجنيد الشيطانية الفتنوية، ومن ثم –بعد تأجج الأوضاع وبروز ثمرة الدَّسيسة العوجاء- سيجد الجميع أنفسهم أمام الدخول القهري في هذه الفتنة الأهوائية العمياء، سواء الرجل أو المرأة والكبير أو الصغير والحكيم أو السفيه والعاقل أو الجاهل ومَن صوَّت ومن لم يصوِّت والظالم والمسالِم؛ ذلك لأن المسألة بعد استفحال الأمر وفرْضِ نِكايـَتِه على الواقع ستكون عامة شاملة لكل فرد من أبناء هذه الأمة المسكينة المنكوبة.
لذا؛ كونوا أيها الإخوة الأحبة على قلبِ الإيمان وعقل الإسلام ووعيٍّ وفهمٍ ودراية، ولا تنْزِلوا أنفسكم المكرَّمة لهذا المستوى بانجرارٍ يزينه الهوى، فلا خير فيما زَيَّـنَتْـه الأهواء وأعان عليه الشيطان الرجيم، ولا تسمحوا للدُّخلاء أن يتضاحكوا طرباً بكم ويتلاعبوا بقِـيـَمكم ومشاعركم في دنياكم وأخراكم، ولا تكونوا خيرَ عونٍ لهم على التلهي بدين الله تعالى وتدنيس دساتير وجهود الأنبياء الجسيمة، وإلا فإن كان كلا ولابد؛ فاستَرخَص البعضُ ذاتَه وكرامتها لِنفعٍ يَصبُّ في كيسِ غيره وخسرانٍ تَحتطِب وزْرَه نفْسُه -فذاك الدخيل ربح دنيا دون آخرة وهذا الـمُعِين خسر الدنيا والآخرة- فأنزَلها هذا المنزل البائس الدنيء؛ فعلى أقل القليل فليَحفظ دين الله لديه وفيمَن حوْله من الأنفُس والكرامات؛ فدين الله لا يصاب بالأوهام والعقول، والحق لا يذلِّل عقيرَتَه للاقتراع، وحقيقة الحق لا توزن بهكذا دعاية لجهةٍ ليست لها بشرع الله دِراية ولا بصالح الأمةِ وِعاية.
إنّ لأوقاتكم وأعماركم إخواني عليكم حق، وهي أمانة عظيمة في أيديكم، وكل واحدٍ منا سيُسائله الله تعالى عن أوقات عمره فيما صرفها، وسيكون السؤال حين استردادِ الأمانة حَثيثاً؛ فلا تتلفوها في مثل هذه التلهيات والمَظان، ولا تتهاونوا بجسامة خطر مثل هذه المنكَرات العظائم والذنوب الجسائم، وإنّ الشر إذا شَحذ سيفَه اندلعَتْ خيلُه في كل وادٍ وبيت حتى يُصب الدانيَ والقاصي، الأهل والأعزة؛ فقُوا أنفسَكم وأعزتكم من سواد الفتن وظلامها، وقولوا الحق عند العلم به لا بسفهٍ واستهواء.
ثمَّ هَبْ أنّك أبيتَ إلا أن تَفعل! فهل يجد اللبيب في مثل هذه الإطلاقات الإعلامية اللاهية القاصدة للمال ولو بالفساد والإفساد، هل يجد اللبيب في الدخول بها نفعاً يرتجى أو مصلحة يمتطى على رنينها الغالي والنفيس؟!
لا والله؛ ولو كان فيها شيء من ذلك على فرْضِه، فالضر أكبر منه؛ وإذا كان الضر أكبر من النفع فالعقل يقضي بتقديم الأهم مِلاكاً والأقوى مصلحة وترجيح الراجح على المرجوح، وخلاف ذلك خلاف العقل والحكمة؛ فلا تَجعل كلمةً قصيرة اللفظ والثـَّبْت عظيمة المعنى والعنا تضمنها (نعم) و (لا) تُفـْضي بك إلى الخذلان وبوائق الخسران وسلْبِ التوفيق والبركة مِن يدِك وجسدِك وحياتك وأوقاتك وتوابعك؛ فما هذا أمرٌ بعثـَتْك عليه صلاتك ولا داعٍ دعتك إليه؛ فإنما ﴿الصَّلاة تَنْهَى عنِ الفَحْشاءِ والمُنـْـكَرِ ولَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ واللهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعونَ﴾.
إننا على شدة المحنة، وتداعي النفس بالحزن والألم، نرجو من الله العلي القدير أن يأخذ بأيدي الجميع للتّحاب والتواد والاعتصام بحبله المجيد والاتحاد والعدل والإنصاف وحُسن السيرة مع النفس والخالق والخَلق.
وفق الله الجميع لكل خير.
أمين السعيدي- قم المقدسة
الجمعة 22ذي الحجة المعَظَّم الحرام1435هـ
للتعلیق أو مطالَعة التعلیقات اضغط هنا