الحج بالاقتراض ، وحِـيـَـله الشرعية
سؤال وجواب مع السيد أمين السعيدي.
● السائل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته…
سؤال الى سماحة السيد
هل يجوز اخذ قرض من احد البنوك الاهلية لاداء فريضة الحج؟
علماً انني اقلد السيد السيستاني حفظه الله
– جواب السيد:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أهلاً بالأستاذ الفاضل، أرجو أن تكون بخير وعافية.
بالنسبة لسؤالكم؛ أولاً: القرض إن كان به فوائد فهو عقدٌ ربوي؛ فهو سُحْت ولا يجوز.
هذا؛ وهناك قروض تؤخَذ بطريقة ما يسمى بـ(الحِيَل الشرعية)، فهي عند السيد حفظه الله مباحة تجوز.
فمثلاً يمكن ذلك بأن يقرِّر المتقدم بطلب القرض (جُعلاً) للعاملين في المؤسسة إزاء قيامهم باستحصال موافقة المساهمين في رأس مالها على طلب القرض، وهذا (الجُعل) يمكن أن يكون بمقدار الفائدة المنظورة.
ثانياً: يُشترَط في صحة الحج: الاستطاعة المالية وتخلية السِّرْب (أي أمان الطريق) ..
والاستطاعة المالية عند السيد حفظه الله لا تتحقق بالاقتراض بالنسبة لغير المقتدِر؛ لأنه شرعاً فاقد لشرطية الاستطاعة الحقيقية الواقعية الشخصية المسقِطة لحَجة الإسلام
(فكل كلامنا في حجة الإسلام الواجبة، لا الحج المندوب “المستحَب”؛ فالمندوب يصح حتى لو بالاقتراض، ولكنه لا يقوم مقام حجة الإسلام الواجبة).
نعم؛ لو كان قد استطاع بماله الشخصي سابقاً، ثمَّ حلَّ موسم الحج، فتهاوَن ولم يحج، ففاته الحج؛ فهنا يجب عليه الحج ولو تَسَكُّعاً.
أمين – قم
———–
✿↩
● السائل مجدَّداً:
أحسنتم سيدنا
لو تم صرف القرض في الاحتياجات الشخصية والاسرية وتم عزل مبلغ لوحده بدون ان يختلط برصيد القرض ، فهل يصح الحج بحيث تكون الاستفادة من القرض كوسيلة وبطريقة غير مباشرة؟
بحيث انه بوجود القرض تكون هناك استطاعة الحج من الراتب الشهري فقط
وأيضاً ما معنى قولكم: تسكعاً؟
– جواب السيد أمين حفظه الله:
أهلاً بالأستاذ رعاك الله
العفو، بالخدمة
كلا؛ ففي ذلك إشكال؛ فهذه الحيلة لا تنفع إذا لم يكن هنالك مقدارٌ من المال الشخصي فائض على الحاجة وزائد عن متطلبات المصروف الحياتي والأُسَري.
نعم؛ كما قلت لك: لو كان قد مرَّ عليه موسمُ حجٍ وهو مستطيع وشروط وجوب الحج متحققة فيه، ثم تهاون ولم يحج ففَوَّتَ على نفسه الفريضة الواجبة (حجة الإسلام الواجبة مرة في العمر)؛ فهنا يجب عليه الحج حتى لو لم تتحقق له الاستطاعة؛ يحج وجوباً حتى لو تَسَكُّعاً.
ونقصد من (تَسَكُّعاً) أي حتى لو اضطر للنوم في الطرقات خلال الطريق وهناك في دار الحج، وحتى لو اضطر للطلب والاقتراض، بل يجب عليه الاقتراض إن استطاع، وإلا بتعبيرنا (يَطْر من الآخرين لتأدية الحج الواجب بعد أن فَوَّته متهاوناً في موسمٍ سابقٍ كان قد استَجمعَ فيه الشرائط).
وكلامنا كما قلنا كلُّه عن (حَجة الإسلام الواجبة)؛ لذا لو فرضنا أنه لم تتحقق لديه الاستطاعة، ولم يكن تهاون وفوَّتَ على نفسه الحج الواجب في فترة سابقة؛ فهنا لو اقترض وحج؛ فحجه يقع مندوباً لا واجباً؛ فهو لا يفي بحجة الإسلام الواجبة؛ لأنه لا يمتلك مالاً شخصياً يفي بنفقة الحج.
علماً أنّ تحصيل الاستطاعة ليس بواجب، فالاستطاعة يكفي أن تحصل أتوماتيكياً من نفسها حين اقتراب موسم الحج؛ فلا يجب مثلاً أن تَذْهب وتَعمل وتَكْدح لتجمع المال للحج، لكن لو عَمِلْتَ أو جاءتك جائزة بالصدفة أو ما شابه، فصارت عندك القدرة؛ فعندها يتوجب عليك الحج إن استمرت تلك القدرة إلى حين حلول بوادر الموسم.
هذا؛ وأضع لك هنا على مستوى تحصيل الاستطاعة بعض (الحِيَل الشرعية) التي يمكن لك من خلالها أن تقترض وتحج ويكون الحجُ مُجْزياً عن (حجة الإسلام) ووافياً بها، وذلك كما يلي:
١- مثلاً تَقترِض قبل الحج أو بعد الحج، ولكن قبل الحج تَجعل أحد المؤمنين يعطيك مالاً من عنده بعنوان الهدية، فتحج به، ثم بعد رجوعك من الحج تعطيه ماله -مثلاً- من القرض الذي اقترضتَه؛ فهنا حجك يكون صحيحاً ويفي بحجة الإسلام؛ لأنك ستكون حَججتَ بمال مِلْك لك لا مِلك لغيرك؛ فالهدية شرعاً مِلْك من أملاك الـمُهداة إليه.
٢- مثلاً تَقترِض القرض باسم زوجتك أو أي أحد من المؤمنين، على أنه هو مَن سيسدِّد أقساطه، ولكنه لك، يهديه إليك، فتحج به؛ فهنا حجك أيضاً يكون صحيحاً ويفي بحجة الإسلام؛ لأنك ستكون حججت بمال مِلْك لك لا ملك لغيرك، حتى لو كنتَ تَعلم أنك فيما بعد أنت مَن ستَدفع أقساط القرض لا هو.
وغير ذلك من الطرق الشرعية التي بها تتحقق الاستطاعة.
** ملاحظة ومعلومة:-
* أما الملاحظة:
كل كلامنا حول من اقترض وليس لديه مالٌ شخصيٌ في يده يزيد على نفقة الحياة والعيال ومسؤولياته ويكفي للحج؛ فهذا لو اقترض وحج؛ فحجه يقع مندوباً (مستحباً)، ولا يفي بحجة الإسلام؛ فهي مشروطة بالاستطاعة.
وهذا بخلاف ما لو كان لديه مالٌ شخصي يكفي لأموره الحياتية ومسؤولياته الحالية ولأداء فريضة الحج، ومع ذلك اقترض وحج بذلك القرض؛ فهنا حجه يفي بحجة الإسلام؛ لأن الاستطاعة متحققة لديه من أساس لا أنها تحققت بسبب القرض.
* وأما المعلومة:
يستطيع صاحب الهدية أن يَدْفع عن نفسه الخوف من احتمال عدم الوفاء برد ماله إليه؛ وذلك من خلال (الهدية الغير معوَّضة) والتي ليست (لذي رَحِم)؛
فمثلاً الهدية التي تكون من الأخ لأخيه لا يجوز للـمُهدِي استرجاعها من الـمُهدَى إليه ومطالبته بها؛ ذلك لأنّ الأخ من الأرحام، والهدية التي تكون للرحم لا يجوز المطالَبة بها.
بخلاف الهدية التي ليست من الأرحام؛ فيجوز المطالَبة بها واسترجاعها.
وكذا الأمر في (الهدية المعوَّضة)؛ أي الهدية التي تُقابَل مثلاً بهدية في مقابِلِها؛ فهي لا تَجوز المطالبة بها حتى لو لم تكن الهدية في هذه الصورة من جهة الأرحام.
نعم؛ يجوز للمُهدَى إليه أن يرد الهدية إلى رحمِه فيما بعد من نفسه، وكذا الهدية المعوَّضة.
ونفس الأمر يجري في (الهدية المشروطة بعدم المطالَبة)؛ كما لو مثلاً أهداك شخص ليس من رحمك شيئاً، ولم تعطه في قِبال ذلك شيئاً كعِوَض، لكنك شرطتَ عليه وقلت مثلاً:
عزيزي أقبل منك هديتك لكن بشرط أنه ليس لك حق المطالَبة؛ فقَبِل؛ فهنا لا يحق له المطالبة، مع أنّ الهدية هنا ليست معوَّضة ولا من ذي رحمة، وإنما (هدية مشروطة بإسقاط حق المطالَبة)؛ والسبب في عدم جواز المطالَبة هو الشرط؛ من باب عموم قاعدة (المسْلمون عند شروطهم).
وعليه؛ يمكن لي مثلاً أنه إذا عرفتُ بأنَّ صديقي تشتاق نفسه للحج، ولكنه الآن ليس لديه مال شخصي يَمْلكه، وقد اقترب موسم الحج، وكان بودي مساعدته وتحقيق أمنيته وإسعاده؛ فهنا يمكن لي أن أقَدِّم له مالاً بعنوان الهدية ليحج، ثم لو حَصل وأردتُ مالي بعد عودته من الحج؛ فيمكن له مثلاً أن يَعمل أو يقترض ويرده علَي.
وإذا فيه سؤال فبخدمتكم إن شاء الله تعالى
———-
✿↩
● سائل آخر:
سماحة السيد ماذا عن العارية اي لو استعار شخص مالاً من شخص بمقدار يفي بنفقة الحج ، فهل تحقق الاستطاعة؟
– السيد:
كلا مولاي الفاضل؛ لا تتحقق الاستطاعة المشروطة بتوجُّه وجوب الحج؛ لأنّ الاستعارة هنا كالقرض؛ فهي ليست مِلكاً له؛ لذا فإنّ فعلية وجوب الحج لا تتوجه له أساساً.
نعم؛ لو حج بذلك؛ فإنه يقع حجه مندوباً ولا يكفي عن حجة الإسلام، فمتى ما تحققت لديه الاستطاعة في المواسم الآتية فحينذاك يكون وجوب حجة الإسلام فعلياً عليه.
اشملْ أخاك بالدعاء
أمين السعيدي – قم المقدسة
١٠ جمادى الثاني ١٤٣٥هـ ..
__________
✿ طرح وترتيب: قسم النشر في 【جماعة أنبياء أولي العزم عليهم السلام】..
للتعلیق أو مطالَعة التعلیقات اضغط هنا