هارون الرشيد و راهب آل البيت (ع)
●قمر الزمان و السيد أمين السعيدي .
هارون لم يـكْـفِـهِ سـلـب الخلافة … سـمّ بن بنت الهدى يا لَلصّلافـه
ألقاه نعشا على جسـر الرصــافه … وجـسمـه أثــقـلــوه بـالـقيـــود
بين يدي نور الله المغيب في غياهب السجون، ذكرى وفاة الإمام الصابر
راهب بني هاشم، الإمام موسى الكاظم عليه السلام
نرفع أحر التعازي إلى مقام سيدي ومولاي الإمام المهدي المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) روحي له الفداء , وإلى جميع العلماء والمراجع العِظام والأمة الإسلامية جَمعا , بذكرى استشهاد الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) , وتعزيكم جماعة أنبياء أولي العزم بهذا المصاب الأليم.
موضوعنا :-
يَنقل لنا التاريخ أنَّ الرشيد عندما زار مدينة رسول الله(ص) ،
توجَّه لزيارة النبيِّ(ص) ومعه الناس ، فتقدّم إلى قبر رسول الله(ص) وقال : السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا بن العم ـ وكأنَّه يريد أن يفهم كل مَن حوله بأنَّه يملك الخلافة على أساس قرابته من رسول الله(ص) ؛ فتقدّم أبو الحسن الكاظم(ع) إلى القبر فقال : ” السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا أبتاه “، وتغيّر وجه الرشيد وتبيّن الغيظ فيه “ (1). وكأنَّه(ع) يريد أن يقول إذا كنت تتحدّث عن قرابتك للرسول(ص) على أساس أنَّه ابن عمِّك ، فهو(ع) أبو فاطمة الزهراء(ع) ، والرشيد عندما تغيّر وجهه ، فباعتبار أنَّ الكاظم(ع) لم يترك له مجالاً ليأخذ عنفوانه وزهوه على هذا الأساس .
ويسأله هارون الرشيد “لِمَ جوّزتم للعامة والخاصة أن ينسبوكم إلى رسول الله(ص) ويقولون لكم : يا بَني رسول الله ، وأنتم بنو عليّ ، وإنَّما يُنْسَبُ المرء إلى أبيه وفاطمة إنَّما هي وعاء ، والنبيّ جدُّكم من قِبَل أمّكم ؟ فقال(ع) : لو أنَّ النبيّ(ص) نُشر فخطب إليك كريمتك هل كنت تجيب؟ فقال : سبحان الله ولِمَ لا أُجيبه ؟ بل أفتخر على العرب والعجم وقريش بذلك. فقال(ع) : لكنَّه(ص) لا يخطب إليَّ ولا أزوّجه. فقال : ولِمَ؟ قال(ع) : لأنَّه ولدني ولم يَلِدْك “ (2).
لم يكن الإمام(ع) يريد أن يركّز على مسألة الخلافة والإمامة من موقع القرابة كما كان العباسيّون يفعلون عندما كانوا يقدّمون أنفسهم للناس على أنّهم أبناء عمِّ الرسول(ص) ، لأنَّ الأئمة(ع) ينطلقون في مسألة الإمامة من خلال النصّ الإلهيّ الذي يحدّد ذلك ويجعلهم أولياء الأمر بعد رسول الله(ص) .. فكان الإمام(ع) يريد أن يسقط هذا العنفوان والاستكبار لهارون الرشيد..
ومن هنا قرّر الرشيد حبس الإمام(ع) بعد أن عرف تأثيره في المجتمع الإسلامي ، ورأى أنَّ هذا التأثير يمكن أن يمتدَّ ويقوى ويتعمّق بالمستوى الذي قد يجعل للإمام(ع) امتداداً أكبر ، فيهدّد حكمه بعد ذلك ، ولذلك يُقال : بأنَّ هارون وقف أمام قبر رسول الله(ص) معتذراً منه(ص) بأنَّه يريد حبس الكاظم(ع) “لأني قد خشيت أن يلقي بين أمتك حرباً يسفك فيها دماءَهم “!(3).
هذا منطق كلِّ الطغاة الذين يتحدّثون عن أيّة قوة معارضة بأنَّها تفرّق بين النّاس ، وتهدّد أمنهم ، وما إلى ذلك من الكلمات..
ويصدر هارون أمراً بإلقاء القبض عليه ، حيث يسيّره إلى البصرة ، وبعد ذلك إلى بغداد ، ثم يُوضع(ع) في سجن السندي بن شاهك الذي كان رجلاً فظّاً غليظاً ، ويُقال إنَّه لم يكن مسلماً ، فضيَّق عليه ووضعه في “طامورة ” لا يُعرف فيها الليل من النهار ، ودسَّ إليه السُّمَّ في طعامه فاستُشهد(ع) في سجنه ” (4).
وعلى الرغم من أنَّ الإمام(ع) لم يكن يعترف بشرعية خلافة الرشيد ، إلاَّ أنَّه كان يلتقيه ويحاوره ويناظره ، وكان الرشيد لا يملك إلا أن يعظّمه ، ما أدّى إلى اعتراض المأمون على أبيه لجهله بالإمام ، فقال له : إنَّ النّاس لو عرفوا من فضل هذا وأهل بيته ما نعرفه لما تركونا في مواقعنا. فقال له المأمون : لِمَ لم تتنازل عن موقعك إذا كنت تعرف من فضله ما تقول ؟ فقال له : “إنَّ المُلْكَ عقيم ، ولو نازعتني عليه لأخذتُ الذي فيه عيناك ” (5).
إذا مـــا دهــــــاك الــدهر يوماً بمعضلٍ وأنـــــزلت فـــي واد من الهول مخطر
وحـــــاطت بـــك الأهوال من كل جانبٍ عليك بـباب الله موسى بن جعفر.
حياتك عبادة وموتك عبادة , فسلام الله عليك يا موسى بن جعفر الكاظم , أيها الإمام المظلوم المقتول بسجن هارون , السلام عليك يا حبيس السجون , السلام عليك يا أسير المَنون , السلام عليك يا صاحب السجدة الطويلة ..
مأجورين جميعا بذكرى وفاة الإمام موسى الكاظم”ع”..اللهم ارزقنا زيارته في الدنيا وشفاعته في الآخرة.
——————-
المصادر:-
(1)راجع الإرشاد للمفيد ص: 234. وتاريخ بغداد”الخطيب البغدادي ج:13، ص:31
(2)راجع بحار الأنوار”العلامة المجلسي”، ج:48، ص:127ـ128.
(3)راجع بحار الأنوار”العلامة المجلسي”، ج:17، ص:296.
(4)راجع عيون أخبار الرضا،”الشيخ الصدوق ج:1، ص:93.
(5)راجع بحار الأنوار”العلامة ألمجلسي ج:48، ص:129ـ131.
طرح وتقديم طالبة العلم: (يا صاحب الزمان). مراجعة كل من:
قمر الزمان و السيد أمين السعيدي
للتعلیق أو مطالَعة التعلیقات اضغط هنا