الإصلاح يمس الصغريات 【رسالتُـنا إلى كل عاشورائي】
•مقالة سماحة السيد أمين السعيدي حفظه الله.
إنّ مفهوم الإصلاح كما يشمل كبريات الأمور، كذلك يشمل صغرياتها، ومِن صغرياتها في هذه الأيام – حسب نظر البعض – والتي هي كبريات أحياناً أو غالباً أو دائماً:
فمثلاً: 1- في الموسم العاشورائي يتم توزيع الطعام ، لكن بصورة غير منتظمة ، بحيث يقع هنالك سَرَف وتبذير وقد نهى الله تعالى عن ذلك ، وبغضَ المسرفين ، وقَـرَنَ المبَـذِرين بالشياطين ؛ فلا يليق أن نمارس ذلك باسم الحسين (ع)، فالحسين رجلُ إصلاح ، لا داعية إفساد، ولا علة وشماعة لممارسة كبائر الذنوب التي يبغضها الله تعالى.
2- هنالك مجاميع من الناس همها جمع الأغذية لبيوتها ، بدعوى البركة والجوع، ومن ثم تَـتـكدس الأطعمة في البيوت، وتتلف وتذهب في نهاية طريقها إلى القمامة، مع أن هنالك مجاميع من الجوعى والفقراء قد لا يطالون من ذلك شيئاً حين توزيعه! فيتوجب الإيثار وعدم ممارسة هذه التصرفات الطامعة ، فإمامُـنا (ع) رجلُ إيثارٍ وتضحيةٍ وعطاءٍ كما تَعلمنا مراراً.
3- يحصل هنالك مجاميع عزائية جليلة ومؤثرة ، نحبها وتَـروق لنا ، لكن يجب أن يكون هنالك تهذيب لمسيراتها الولائية ، بحيث يتاح المجال لعبور النساء ، والأطفال ، والشيوخ العجزة ، والمعوقين ، والمَركبات .. ، لا سيما أنه قد يقع البعض في حالات طوارئ ضرورية تحتاج للاجتياز بانسياب وتداركٍ سريع.
لذا ؛ لا يصح لنا أن نضطر الآخرين لإطالة الطريق ، بحيث تختار المرأة أو الطفلة أو العجوز مثلاً طريقاً طويلاً من أجل الوصول لمآربها ، والحال أن هنالك طريقاً أقصر بكثير.
فالحسين (ع) خرج لإفساح طريق الدين ، ورفعِ الأشواك والعقبات عنه، وفي الدين تشريعات تَـنص على إماطة عقبات الطريق ، وحرمة إشغال الطرقات العامة التي هي مِلكٌ للقطاع العام ، بل في 【باب القضاء】 مسائل تفصيلية في شق الطريق المشترك والسقاية ومنازَعاتها وما شاكل.
4- الأفضل – إن كان كلا ولابد – هو بقاء المواكب العزائية الولائية في حالة سير مستمر دون التوقف ؛ ذلك من باب تقليل انزعاج البعض من طول العزاء بقرب ديارهم ، فنحن لا نعلم ما في بيوت المؤمنين ، فـرُبَّ مريضٍ هناك ، أو مَـن هو بحاجة للسكون والراحة.
طبعاً بلا شك أن هذه الأصوات العزائية تريح البعض ، وأنا من ذلك البعض ، حيث يروق لي سماع المواكب وعزائها عندما تمر بجانب بيتنا ، لكن البعض يــَـعــْـرض له الأذى ، مما يعني وجود حالة تَعارض بين نوعيتين من الناس ؛ وحل التعارض هنا يـــَـستوجب تقديم الأهم على المهم ، وهو راحة الفريق الذي يتأذى.
ورد في شرعنا الحنيف أنّ عيادة المريض تكون بمقدار حلب شاة ، فلا يجوز إيذاء المرضى ؛ فلا يكاد تخلو قرية من مريض.
5- يجب وجوباً حتمياً الحفاظ على نظافة الطرقات ، خصوصاً في اليوم العاشر ، حيث يــَـكثر إهمال هذا الأمر اللازم ، فإمامنا الحسين (ع) جميل ، وكل ما صنعه جميل ، وفي ديننا الحنيف: 【إنّ الله جميل يحب الجَـمال】 . وفيه: 【النظافة من الإيمان】.
كن جميلاً كإمامك ليقال: هذا أدبُ جعفر . وليقال باقتداء وعجب وضَــرْبِ مثلٍ جاذب: ملايين من الناس تحضر هذه المناسبة ، وشوارعهم جميلةٌ نظيفة! لا تكن سبباً في أن يقال: قمامات الشيعة ووساخاتهم ، هذا أدب جعفر ، وهؤلاء هم الجعفرية.
6- مواقف السيارات ، قضية شائكة ، تتطلب وعياً من الجميع ، فأصحاب البيوت ينبغي لهم التسامح والتساهل مع أصحاب المركبات عند إيقافهم مركباتهم في قبال الأبواب الرئيسية لمنازلهم ، فالتكافل مطلوب ، كما يتوجب – حتمياً – على أصحاب المركبات عدم إيقاف سياراتهم في وجه 【كراج】 منازل الآخرين ، وكذا عدم سد الطرقات بمركباتهم.
قد البعض يعيب على المواكب العزائية إغلاقها للطرقات ، وتعطيل الناس ، لكنه لا يلتفت لنفسه عندما يمارِس مثل هذا التصرف بمركبته. إنَّ أي إيذاء يستجلب ضرراً على الناس فإنه يــَـسلِـب المثوبة والأجر ، فالله تعالى لا يطاع من حيث يعصى ، وإذا كان حضور مجالس الحسين (ع) من المستحبات المؤكدة ، فمقدِّمة الواجب إذا كانت حراماً ، فالواجب لا يـُـقــْـبــَـل ، فكيف بالمستحب إذا كانت مقدماته محرمة؟ الحسين (ع) لم يرتضِ العطش لأعدائه ، فكيف بالمؤمنين حينما تضر أنت بمصالحهم الضرورية باسم الحسين (ع)؟ فهل عندها تكون اقتديت بإمامك بأقل ما يمكن؟
7- يجب ممارسة الشعائر والبكاء بصورة محزنة وأليمة ، تظهر من خلالها المأساة ، فكربلاء عاطفة وعِلْم ، لا ينفك فيها هذا عن ذاك ، بل هي تمتاز بالعاطفة ، وإلا فسيرة الإمام علي (ع) – بلا شك – أعظم ، حيث يقول الصادق (ع): كلنا في الفضل سواء إلا علي بن أبي طالب.
فسيرة أمير المؤمنين (ع) أعظم ، لكنها لم تحظَ بما حظيت به عاشوراء ؛ ذلك لأن العاطفة في عاشوراء أشد وأقوى وأكبر ، فلا يوم كيوم الحسين (ع) ، يومٌ بكت فيه السماء دماً عبيطا ، ويومه اَقــْـرَحَ عيونَ أئمة الهدى (ع). لذا ؛ يجب تقديم هذه الشعيرة بصورتها المبكية الحزينة ، بعيداً عن أي ممارسات من شأنها أن تَسلب منها ذلك ، وبعيداً عن الممارسات التي يــَـجتمع عليها المتهورون للتسلية ، الذين هم في بقية الأيام من العام يشغلون أنفسهم بصور أخرى من التهور وإيذاء للناس.
8- يتوجب حال توزيع الأطعمة أن يكون ذلك بصورة هادئة وحضارية ، بعيداً عن الشجار والتعاصر والتضييق ، فأرض الله رحبة. لذا ؛ ليزم اختيار مواضع فسيحة ، بحيث يتم فيها توزيع الأغذية بشكل منظم ومحترم يتناسب مع الحزن والفجيعة والعزة.
9- أصوات الحسينيات والمنابر ، ينبغي ضبطها بشكل متوازن حسب الحاجة ، فلا تتعارك الأصوات بالأصوات ، فأحياناً نجد جماعة في حسينية تسمع صوت منبر الحسينية الأخرى ، فلا تدري مَن تستمع ، المنبر الذي أمامهما أم منبر الحسينية المجاورة.
لتكن أصوات المنابر ذات وتيرة متناسبة مع الحاجة ، فلا وجه للإفراط في رفع الأصوات إذا كان ذلك فقط لأغراض لا تصل حد الحاجة المتعقلة.
ختاماً ؛ إنَّ الحُـسـْـنَ حسنٌ ومنك أحسن.
لا تنسَ صاحب العصر (عج) فإنه ينظر إليك ، وتبلغه أعمالك.
السيد أمين السعيدي
9محرم الحرام1435هـ
للتعلیق أو مطالَعة التعلیقات اضغط هنا