المنبر الحسيني (ع) في 【صميم الإصلاح】
•مقالة سماحة السيد أمين السعيدي حفظه الله.
هنالك مواضيع علمية كثيرةٌ جداً تستحق الطرح، فمنبر الحسين (ع) منارٌ للعلم والمعرفة، ولا يوجد أعظم من العِلم، حتى أنَّ العالِم أفضل من ألف عابد، فالبكاء عبادة، والعلم عبادة، ولا أعظم من عبادة العلم ؛ لذا بكاء العالِم أعظم من بكاء الجاهل. إنّ الناس في هذه الأيام لديهم إقبال منقطع النظير على منبر الحسين (ع) ، فلا يحق لنا أن تكون منابرنا منابر مقتفية للتكرار الموجــِـب للتنفير ، والحال أنّ أبواب الدين واسعة، فأين علومه؟ أين علوم القرآن الذي قال عنه إمامنا عليٌ (ع) بحرٌ لُوجّــِــي لا تنفذ عجائبه ؟!
أين علم العقيدة المتلاطم ببحره ؟ أين التاريخ ومواعظه العظيمة التي لا تفنى ؟وأين علم الفقه الواسع الممتد ؟ وأين علم الأخلاق الذي لا حد لمعارفه ؟ وأين وأين … !!
قراءة المصيبة أمر مطلوب، بل ضروري، لكن لا بالحد الذي تستقصي الأبيات والرثاء طول المنبر وعرضه ؛ أبياتٌ في بداية الخطبة بقدر ربع أو ثلث ساعة، ثم أبيات في نهايتها ، بنفس المقدار ، ثم لطم وعزاء ، فكم يــَــفضل للعلم والدرس؟ هكذا نضيـع عاشوراء الثــّـرّاء التي لا تعود في السنة إلا مرة واحدة ومجتمعنا يعيش الجهل المُـدْقـِـع ؟! هذا دون 【الإلقاء الارتجالي】 الذي منتهاه إلى الركاكة وضعف الخطاب وقلة العطاء العلمي. أضف إليه الخطابات الحماسية الغير محسوبة ، من قبيل التحريض على المذاهب الأخرى ، أو الطعن في أناسٍ منا ، وتأجيج الفُرقاء على الفُرقاء بيننا ، فهذه الخطابات لا يجوز صدورها دون عقلانية ، بعيداً عن الفكر ، فالحق بذاته قوي لا يحتاج لإضافات لربما عادت عليه بالوهن والضعف ، وقد أفتى مجموعة من علمائنا العظام بحرمة التعرض والتحريض على المنبر باسم الحسين (ع) بما لا وَجـْه له ، وحرمة تمييل المنبر لـ【القضايا الشخصية】.
إنّ إمامنا الحسين (ع) رجلٌ استَـقبل أعداءه عند الفرات بالماء ، ورَشَّفَ خيلهم ، وسقاهم بيده الشريفة ،
وكذلك الإمام علي (ع) في صفين لما حُرمَ جيشه مِن السِّـقاء ، ثم غَلَبَ وسَـيطر على الماء ، تَـرك (ع) المجال للطرف الآخر ليــَـشرب ، لَحتى أصبح الرجل من جيشه (ع) يقف مع الرجل من جيش معاوية في صفٍ واحد على السِّـقاء ، فيشربان معاً ويستسقيان معاً.
●» منبر الحسين (ع) ليس لي ولك ولجماعة خاصة فحسب ، بل هو منبر للجميع كافة، وخطابه يجب أن يرقى للغة الجميع ، فإذا كان الخطاب ركيكاً ضعيفاً أو ارتجالياً أو تحريضياً ، كيف سيكون عندها منبر الحسين (ع) عاماً للجميع؟!
لا أعتقد أن الحسين (ع) يـَـقبل بمنبرٍ يُـنسب له يكون على هذا النحو ، فالحسين (ع) ذو رقةٍ وقلـبُـه قلبٌ رفيـقٌ رؤوف يــَـتسع لكل الناس ، كما اتَـسع قلب إمامِـنا السجاد (ع) لنـُـصـْـحِ يزيد عندما طَـلب منه يزيد أن يعلمه طريق التوبة إلى الله تعالى.
●» إنّ كل ما يقال على هذا المنبر يقال باسم الحسين (ع) ؛ بالتالي أي خرافات أو أقاصيص خرافية فهي تقع باسم الحسين (ع) ، وهذا لا يجوز بتاتاً ، فنحن إذا كنا نتساءل عن مسألة طبيعية: 【هل يجوز العمل في اليوم العاشر أم لا يجوز؟】 كيف ونحن نتساءل عن مثل هذا الأمر البسيط نرتـكب ما هو عظيم من المحرمات؟!
قال تعالى:【 فَـوَيْـلٌ لِلذينَ يَـكْـتُـبُـونَ الكِـتابَ بأَيْـدِيـهِمْ ثُـمَّ يَـقـولونَ هذا مِنْ عِـنْـدِ اللَّهِ لِـيَـشـتَـرُوا بهِ ثَـمَـناً قليـلاً ، فَـوَيْـلٌ لَـهُـمْ مِـمَّا كَـتَـبَـتْ أَيْـدِيـهِمْ وَوَيْـلٌ لَـهُـمْ مِـمَّـا يَـكْسِـبُـونَ 】 [البقرة: 79].
يتوجب أن لا تأخذنا الحماسة على المنبر ، فإن الشيطان يلازِم ذلك المقام ، لعله يسـوِّل للمتكلم ، ويغوي به جماعة عريضة ، فيقلــِّـل على نفسه عناء إغواء الجماعة من خلال إغواء الواحد ، ويــَـستـعمل العقيدة التي هي أقوى طريق للإحراف والإضلال ، ومن ثمَّ يكلِّـف الصلحاء كلفة باهظة في طريق التصويب والتصحيح وإصلاح ما أفسد.
●» إنّ عاشوراء معركة ، لكنها معركة في صالح الأمة ، لا ضد الأمة وقضاياها الشائكة الحساسة ، وقد اختصر الحسين (ع) ذلك بقوله البليـغ الموجَـز:【إنما خرجتُ لطلب الإصلاح في أمة جدي】. إنّ أي إخلال بتماسك المسلمين وصلاحهم هو حرام لا يقبله الله ورسوله وأئمتنا الأطهار (ع) بتاتاً ، فمصالح الأمة الكبرى ليست من باب الثورة على الطاغوت والطاغية ، وإنّ لنا في قول عليٍ (ع) أسوة حسنة حيث قال: 【لَاُسالِمَـنَّ ما سَلِـمَـتْ أمور المسلمين ، ولو لم يــَـكُن فيها جورٌ إلا علَـيَّ خاصة】.
●» ثم إنه في بعض مجالات التواصل تشاع بعض المقولات لبعض النواصب ، الذين لا هَمَّ لهم إلا تفكيك بناء الإسلام وتمزيق تكاتفِ الأمة وإشغال الناس بما لا يستحق ؛ فيجب أن لا نتفاعل مع هذه الخطابات البلهاء كثيراً ، وأن لا تأخذنا الحماسة في طريقٍ خاطئ ، فـنَـنال من جميع إخواننا المسلمين ، فنــُـعِـين النواصب الظلمة على ما استأمَـلوه ، ونَـجعل الكراهية في قلوب المسلمين لنا ، ففرقٌ بين الناصبي وإخواننا السنة ؛ يجب أن نفرّق بين هذين . لا تختلط علينا الأمور.
جاء في خطبة الوسيلة عن سيد البلغاء (ع) :【بالحِلم عن السفيه يــَــكثــُـرُ الأنصار عليه】، وقال (ع) : 【الحِلمُ فِــدامُ السفيه ؛ فلنـفدم ظهور الأعداء بالحِلم وعدم الإصغاء، فالإصغاء يكاثــِـرُ من إنجابهم للمقولات الجاهلية الخارجية.
●» نحن والمسلمون كلنا نعيش على أرضٍ واحدة ، والسِّـربُ مشترك ، فيجب أن نعرف أسس الشراكة، وأن نَــكون البادئ في تعليمها ، فلا يسبقنا الآخرون إلى الخير .
●» علينا أنْ نطيـع الله ورسوله وأئمة الهدى (ع) دون غيرهم ، إلا أن يكون ذلك الغير يوصلنا إلى أمر الله الحق.
ختاماً ؛ أقَـدِّم تحية إجلال وإكبار لجميع خدمة الحسين (ع) ، الشيعة والسنة منهم ، لا نخص بذلك أحداً ، فالكل خَـدَمة ، والكل على نيتهِ يــَـسير ، والحق ضالة المؤمن ، ولله دستورٌ ومَـصير.
السيد أمين السعيدي
9محرم الحرام1435هـ
للتعلیق أو مطالَعة التعلیقات اضغط هنا