خلافات أهل البيت(ع) والصحابة في إطار صلح الحسن(ع)
●سماحة السيد أمين السعيدي حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحیم.
سحائب تتجلى في “الخامس عشر من شهر الفضائل والجود والعطاء” .. بالمجد والكرم تتساقط في شهر كريم بين تلاوات معطرة ومناجاة الرب الجليل ..
فيا صاحب الكرم والعطاء تحية عشقٍ لك ولآلك يا رياحين الصفا .. ولكم أيها المؤمنين .. يا من فُضِّلْتُمْ على باقي الناس بولاية أمير المؤمنين “ع” .. فكم يسعدنا في جماعة أنبياء أولي العزم (ع) أن تبعث أشواق المودة والتهنئة بهذا المولد الشريف.
موضوعنا:-
من التساؤلات العقائدية التي طرحتها الأمة وحكام العصور الصلح الذي جرى بين الإمام الحسن عليه السلام ومعاوية بن أبي سفيان ، حيث ذهب البعض إلى إثارة شبهتين مهمتين حول هذا الصلح ، هما:
الأولى مفادها: أنّ أئمة أهل البيت عليهم السلام لم تكن بينهم وبين الصحابة خلافات.
والثانية: أنّ الإمام الحسن عليه السلام قد خالف نهج أبيه علي عليه السلام ــ والعياذ بالله ــ .
والجواب على ذلك بأمور:
1 . لم يكن الصلح الذي وقع بين الإمام الحسن عليه السلام ومعاوية منشؤه الدنيا ، ولم يكن زمامه تقديم المصالح الشخصية ، وهما الأمران اللذان يكوّنان أسس العلاقات السياسية على مر التاريخ ، ففي القاموس السياسي للحكام يكون عدو الأمس صديق اليوم وعدو اليوم صديق الأمس.
أما في قاموس شريعة السماء فـ«حلال محمد صلى الله عليه وآله وسلم حلال إلى يوم القيامة ، وحرامه حرام إلى يوم القيامة» ، ولذا: فمعاوية ومروان بن الحكم ونظراؤهما قبل الصلح هم أنفسهم بعد الصلح.
قال الإمام أبو عبد الله الحسين عليه السلام لمروان بن الحكم حينما أراد أن يخطب أم كلثوم بنت عبد الله بن جعفر وأمها العقلية زينب عليها السلام ، ليزيد بن معاوية ، فذكر أمام الحاضرين أن الغرض من هذه المصاهرة هو الإصلاح بين هذين الحيين.
فرد عليه الإمام الحسين عليه السلام قائلاً: «وأمّا صلح ما بين هذين الحيين ، فإنا قوم عاديناكم في الله ، ولم نكن نصالحكم للدنيا ، فلعمري فلقد أعيا النسب فكيف السبب»(1).
2 . أما الخلافات فلم تزل قائمة منذ أن توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فكل ما من شأنه أن يخالف كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اصطدم بعترة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبمن سار على هديهم وتمسك بحبلهم ، وكل ما وافق كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم احتضنته العترة واغدقت عليه بركاتها.
ولطالما أفصح أمير المؤمنين عليه السلام عن تلك الخلافات ، ولطالما كان يبث شكواه وآلامه من تلك البدع التي عصفت بشريعة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.
قال عليه السلام: «قد عملت الولاة قبلي أعمالاً خالفوا فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ناقضين لعهده مغيرين لسنته ، ولو حملت الناس على تركها وحولتها إلى مواضعها وإلى ما كانت في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؛ لتفرق عني جندي حتى أبقى وحدي ــ فكان من جملة ما ذكر ــ ورددت مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى ما كان عليه»(2).
3 . لم يكن صلح الإمام الحسن عليه السلام فيه خلاف لنهج أمير المؤمنين عليه السلام،بل هو في صميم هذا النهج ، ولقد أجاب الإمام الحسن عليه السلام على هذا الإشكال بنفسه حينما سأله أبو سعيد عقيصاً ، قال قلت للحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام: يا ابن رسول الله! لم داهنت معاوية وصالحته وقد علمت أن الحق لك دونه وان معاوية ضال باغ؟
فقال: يا أبا سعيد! ألستُ حجة الله تعالى ذِكره على خلقه وإماماً عليهم بعد أبي عليه السلام؟ قلتُ: بلى.
قال: ألست الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لي ولأخي: الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا؟ قلتُ: بلى.
قال: فأنا إذن إمام لو قمت وأنا إمام إذا قعدت ، يا أبا سعيد علة مصالحتي لمعاوية هي علة مصالحة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لبني ضمرة وبني أشجع ولأهل مكة حين انصرف من الحديبية ، أولئك كفّار بالتنزيل ومعاوية وأصحابه كفّار بالتأويل. يا أبا سعيد إذا كنتُ إماماً من قِـبَل الله تعالى ذكره لم يجب أن يسفَه رأيي فيما أتيته من مهادنة ، وان كان وجه الحكمة فيما أتيته ملتبساً.
ألا ترى الخضر عليه السلام لما خرق السفينة وقتل الغلام وأقام الجدار سَخَّطَ موسى عليه السلام فعلُه لاشتباه وجه الحكمة عليه حتى أخبره فرضي؟ ؛ هكذا أنا سخطتم عليّ بجهلكم بوجه الحكمة فيه ، ولولا ما أتيت لما تُـرِك من شيعتنا على وجه الأرض أحد إلا قُـتِـل»(3).
ويرد الإمام الحسن عليه السلام على هذه الشبهة بموضع آخر فيقول عليه السلام: «والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوني إليه سلماً ، فوالله لأن أسالمه وأنا عزيز ، خير من أن يقتلني وأنا اَسِـيره ، أو يمنّ عليّ فتكون منّة على بني هاشم إلى آخر الدهر ، ومعاوية لا يزال يَمن بها وعقبه على الحي منّا والميت»(4).
ولعل هناك ما هو أعظم من هذا ، فمعاوية الذي استحل قتال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وصحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كعمار بن ياسر ، ومحمد ابن أبي بكر ، وحجر بن عدي الكندي ، وغيرهم ، كيف لا يأتي بما هو أعظم من قتل الإمام الحسن عليه السلام ، وهو ما صرح به الإمام الباقر عليه السلام في حديثه مع سدير ، قائلاً له:
«يا سدير! أذكر لنا أمرك الذي أنت عليه ، فإن كان فيه إغراق كففناك عنه ، وان كان مقصراً أرشدناك.
قال: فذهبت أن أتكلم ، فقال أبو جعفر عليه السلام: أمسك حتى أكفيك ، إن العلم الذي وضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند علي عليه السلام من عَرِفَهُ كان مؤمناً ، ومن جحده كان كافراً ، ثم كان بعده الحسن عليه السلام.
قلتُ: كيف يكون بذلك المنزلة وقد كان منه ما كان دفعها إلى معاوية؟! فقال: أسكتْ ؛ فإنه أعلم بما صنع ، لولا ما صنع لكان أمراً عظيماً»(5).
على أبواب الخير وقفنا نهنئهم بمولد سبط النبي المصطفى صلى الله عليه وآله النجبا داعين المولى عز و جل أن يرزقنا في هذه الأيام المباركة خير الدارين .. و قضاء الحوائج .. و أن يوفقنا وإياكم لخدمة محمد و آل محمد بكل ذرة من دمائنا التي هتفت بولاية سادة الخلق من الأولين و الآخرين محمد و آله الطيبين الطاهرين .. وكل عام وأنتم بألف خير .. أعادنا الله جميعاً لشهر الصيام ومسراته بالخير واليمن والبركات والصحة والغفران ..
——————————-
المصادر:-
(1) راجع المناقب “لابن شهر”: ج4، ص 38.
(2) راجع الكافي “للشيخ الكيلني”: ج8، ص59.
(3) راجع علل الشرائع “للشيخ الصدوق”: ج1، ص 211.
(4) راجع الاحتجاج “للشيخ الطبرسي”: ج2، ص10.
(5) راجع علل الشرائع “للشيخ الصدوق”: ج1، ص211
طرح وإعداد عضو الجماعة: [يا صاحب الزمان]. مراجعة وتصحيح:
السيد أمين السعيدي
للتعلیق أو مطالَعة التعلیقات اضغط هنا