وقفة مع الرضا (ع) في رده لكيد المأمون العباسي
●سماحة السيد أمين السعيدي حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم
شــــــوقي إليـك يُحْـرِقــُـنـــــــي * مولاي بينَ أحضانِـكَ ضُـمَّـنـــي
أيا ســــاكـنَ ذا الضــريح ليتنــي * في سُبحاتِ قـُدسِـكَ تَـعُـدُّني
إني عليـــلٌ سقيـم، فاشفنـــي * عَطِـشٌ مِن ر يِّـكَ فاسقنــــي
وَلـَهي لذي القبةِ الشقـراءْ إنني * مُـغْـــرَمٌٌ بينَ الأنام تُـجـِــنُّـنــي
(مقتطَف من أبيات للسيدأمين السعيدي)
سيدي أيها الرضا المرتضى! تهيم الروح في محطة عشقِ هواك .. ترجو أن تحظى بنيل نظرة حانية منك .. وقد زَرعَتْ ذاك العشق في أترابها لتزدهر بنورك الطاهر وعذب تغاريد زهورك وعبيرك فتحلق كأملاك السماء حول فلك ملكوتك الصافي الرحيب..
سيدي!
لك التهاني تنبعث باسم جماعة أنبياء أولي العزم تبارك لك بالتهاليل الإلهية والتسبيحات القدسية بمولدك الشريف .. مبارِكة لمولى الموحدين ولي عصر الله الأمين صاحب الزمان أرواحنا له الفداء وإلى العلماء العظام والسادة الكرام وجميع المؤمنين..
من منطلق الغربة والولاية لمولانا الإمام علي بن موسى الرضا عليه الصلاة والسلام
ومن الدوافع التي دعت المأمون لفرض (ولاية العهد) على الإمام عليه السلام،كان المأمون العباسي ذكياً، في اختياره الإمام الرضا عليه السلام لهذا المنصب ، باعتباره يمثل التجمع الآخر الذي هو القوة المعارضة للحكم.
ولكن الإمام الرضا كان أعرف وأبصر عندما امتنع عن قبول هذا المنصب ، بعد تمنعه أولا عن قبول الخلافة ، حين عرض عليه المأمون التنازل عنها ، فعن الهروي أنه قال:
والله ما دخل الرضا في هذا الأمر طائعاً ، وقد حُمِلَ إلى الكوفة مكرَهاً ، ثم اُشخِصَ منها على طريق البصرة وفارس إلى مرو “1”
ويُـروَى أن المأمون خاطب الرضا عليه السلام في حديث (ولاية العهد) فقال له:
إني رأيت أن أوليك العهد -أي الخلافة- فقال له عليه الصلاة والسلام:
اعفني من ذلك يا أمير المؤمنين ؛ إنه لا طاقة لي بذلك ، ولا قوة لي عليه.
قال له:
فإني موليك العهد من بعدي.
فقال له:
اعفني من ذلك يا أمير المؤمنين.
فقال له المأمون كلاماً فيه كالتهدد له على الامتناع عليه ، وقال في كلامه: إن عمر بن الخطاب جعل الشورى في ستة ، أحدهم جدك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، وشرط فيمن خالف منهم أن يُضرب عنقه ، ولابد من قبولك ما أريده ، فإني لا أجد مَحيصاً عنه ؛
فأجابه الإمام عليه الصلاة والسلام إلى ما التمَس.
ويروى أيضاً أنه جرى بينهما حديث طويل عرض فيه المأمون على الإمام عليه السلام الخلافة ؛ فامتنَـع ، ثم عَرض عليه (ولاية العهد) ؛ فامتنع أيضاً ، فقال له:
إنك تتلقاني أبداً بما أكرهه ، وقد أمنتَ سطوتي ، فبالله أقسم لئن قبلتَ ولاية العهد وإلا أجبرتك على ذلك ، فإن فعلت وإلا ضربت عنقك “2”
لقد أراد المأموم من هذا الأمر أيضاً أمراً آخر له من الأهمية الشيء الكبير، قد لا يلتفت إليه البعض، وهو إظهار أئمة أهل البيت عليهم الصلاة والسلام بمظهر الطالب للدنيا الراغب بما فيها ، وأن زهدهم فيها وعزوفهم عنها إنما جاء كنتيجة لعجزهم عن الوصول إليها كما هو صريح بعض الروايات ، وكما عليه بنى البعض.
ثم إن امتناع الإمام عليه السلام لم يكن عن زهد في الخلافة التي هي واجبه الإلهي، وأنها لعبة بارعة من المأمون ، يريد أن ينفذها على أكتاف الإمام الرضا عليه السلام.
انتصار المأمون ظاهرياً في كل الخيارات التي عرضها:- فالمأمون حين يعرض التنازل عن الخلافة للإمام عليهالسلام ، كان يُقدِّر أن الأمر لا يعدو عن حالتين ؛فإما أن يَـقبل الإمام عليه السلام ،
وإما أن لا يَـقبل ؛ وهو على أي من الحالتين سيحرز انتصاراً لنفسه وللخلافة العباسية ، فقبول الإمام عليه السلام لابد أن يكون مشروطاً من جانب المأمون بجعل (ولاية العهد) له ، وبذلك يضمن شرعية خلافته بعد الإمام عند جميع الفرقاء.
وإلا فالمأمون ليس بهذه المثابة من السذاجة وقصر النظر أن يَـترك مركزه ويقدمه لقمة باردة للعلويين ، ليصبح بعد ذلك من الرعية ، حكمه حكم الآخرين في نظر الحكم. وحينما يصبح المأمون ولياً للعهد ، يسهل عليه في حينه القضاء على الإمام الرضا عليه السلام ليستلم من بعده مركز الخلافة ، دون أن يشعر أحد بذلك ، ويكون بذلك أرضى طموح العلويين للحكم ، وأقنع شيعتهم بشرعية خلافته.
سبب قَـبول الرضا (ع) بولاية العهد بعد ذلك:-
يدرك البعض بأن عدم قبول الإمام عليه الصلاة والسلام للخلافة سيعرضه للنقد الواسع من قِـبَـل شيعته وأتباعه -كما يتصور المأمون- لاعتقادهم بأن الخلافة حق له، وعليه أن يقبل ذلك، لكن أصحاب الإمام عليه السلام الخاصين كانوا بمثابة من الوعي السياسي، بنحو لا تنطلي عليهم خدعة المأمون هذه. لقد كان الإمام عليه السلام مطمئناً إلى عدم تمامية هذا الأمر له ، فقد ذكر المدائني عن رجاله قال: لما جلس الإمام الرضا في الخلع (بولاية العهد) ، فأقام بين يديه الخطباء والشعراء وخفقت الألوية على رأسه ، فذكر بعض من حضر ممن كان يختص بالرضا أنه قال: كنت بين يديه في ذلك اليوم ، فنَـظر إلي مستبشراً بما جرى ، فأومأ إلي أن أدْنُ. فقال لي من حيث لا يسمعه غيري:
لا تشغل قلبك بهذا الأمر ولا تستبشر له ، فإنه شيء لا يتم “3”
وهكذا قَـبِـل الإمام عليه السلام (بولاية العهد) ، ثم بَين للناس من موقع القوة بأنه كان مرغَماً عليها ، وأن المأمون كان يهدف للسلطة والباطل ، خصوصاً في ظل كون المأمون أصغر سناً من الإمام بسنوات عديدة ، وأن الموت أقرب للإمام لكبر عمره أو لقرب الحاكم وأعوانه الطغاة منه!
(فسلام الله عليك ياغريب الغرباء .. السلام عليك يابعيد المدى .. السلام عليك يا أنيس النفوس .. السلام عليك ياساكن أرض طوس)
إلهنا ومولانا نسألك القبول والصفح والعفو بحق إمامنا ومقتدانا صلواتك وسلامك عليه وعلى آبائه الطاهرين .. اللهم أنلنا شفاعته وشفاعتهم ..
“بوركتم أعزتنا بولادة شموس الشموس علي بن موسى الرضا (عليه السلام)”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:-
1- عيون أخبار الرضا(الشيخ الصدوق) ج2 ص141
2- مقاتل الطالبيين (لأبي الفرج الأصفهاني) الإرشاد(للشيخ المفيد) ص290 -375 ، علل الشرائع(للشيخ الصدوق) ج1 ص266
3- الإرشاد(للشيخ المفيد) ص291
***
* طرح وتقديم عضو الجماعة: ياصاحب الزمان. تصحيح ومراجعة: سماحة السيد أمين السعيدي حفظه الله
السيد امين السعيدي
للتعلیق أو مطالَعة التعلیقات اضغط هنا