حكم الطلاق عن طريق الهاتف
● السائل:
رجل تزوج بامرة مومنة عن طريق التلفون لانه كان يعيش فى دولة وهي من دولة اخرى، اما الان يريد انفصالها فهل يصخ ذلك عبر التلفون ايضاً من دون حضور الشهود؟
بسم الله الرحمن الرحيم.
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، صبحكم الله بالخير والعافية، وتقبل أعمالكم، وبعد.
بالنسبة لعقد الطلاق؛ فهو على مذهب إخواننا السنة لا يجب فيه الإشهاد، بل يستحب، بينما يجب ذلك عندهم في عقد الزواج؛ أما عندنا نحن الشيعة فالمسألة بالعكس؛ إذ يجب الإشهاد في عقد الطلاق، بينما يستحب في عقد الزواج.
طبعاً الإشهاد في الطلاق يكفي في تحققه أن يكون برجلين، أو امرأتين بكل رجل، يعني امرأتين ورجل، أو أربع نساء بدل الرجلين، كما يشترط في الشهود أيضاً أن يكونوا عدولاً وبالغين.
وكذا يشترط في الطلاق أن يكون بإرادة الزوج واختياره لا عن إجبار، ولا عن عصبية تــَـخرج بعقله عن الإدراك، كما يجب في الزوج أيضاً أن يكون عاقلاً بالغاً.
وكذا يشترط في الطلاق أن يقع في طهر للزوجة لم يواقعها فيه الزوج؛ أي بحيث تكون قد حاضت حيضة لم يجامعها بعد تلك الحيضة، فالطلاق يجب أن يقع في طهر لم يحصل فيه جماع.
أما بالنسبة للطلاق في الهاتف فهو بلا شك يقع صحيحاً عند استجماعه للشرائط التي ذكرناها، وطريقة الهاتف يمكن لنا تصويرها بعدة أشكال مثل ما يلي:
1- أن يَـتصل الزوج بزوجته ويكون معه الشهود جالسين إلى جانبه فيقول لها: (زوجتي طالق، أو أنتِ طالق) وما شاكل من صيغ الطلاق المعتبرة كأن يذكر اسمها في الصيغة بدل زوجتي أو أنتِ مثلاً.
2- أو أن يتصل بها بنفس الطريقة لكن يكون الشهود إلى جانبها يسمعون كلامه وهو ينطق بصيغة الطلاق التي ذكرناها.
3- أو أن يتصل الزوج برجلين في آنٍ واحد ويقول صيغة الطلاق وهما يسمعانه بشكل مباشر، حتى لو لم تكن الزوجة عالمة بذلك، إذ أن علم الزوجة بالطلاق وسماعها لصيغة الطلاق من فم زوجها بشكل مباشر أو غير مباشر ليس شرطاً من شروط صحة الطلاق، وإنما يكفي إبلاغها بأن زوجها قد طلقها وفَـك عقدهما.
فالمهم هو أن يكون هنالك شهود عدول يسمعون صيغة الطلاق بالمباشرة من نفس الزوج أو من وكيله الذي وكله بأن يطلق زوجته عنه، فإن طلقها بنفسه مباشرة فهذا (طلاق شخصي) وإن أناب عنه شخصاً لتطليق زوجته فهذا (طلاق بالوكالة)، فالزوج مخيَّر بأي طريقة يريد إيقاع طلاقه لزوجته، وكل من الطريقتين صحيحة شرعاً.
إذن المهم أن يقع الطلاق في ظل وجود الشهود بالتفصيل الذي بيناه.
ثم إن مسألة فرض الهاتف في النطق بصيغة الطلاق ليست مهمة؛ لأن الطلاق يكفي في وقوعه أن يطلق الرجل زوجته بين الشهود، سواء بالهاتف أو بدونه، إذ يكفي فيه أن يكون الزوج أمام رجلين عادلين فيقول: زوجتي طالق؛ فهذا يكفي لتـَحقق الطلاق.
وكذا لو جاء رجل يريد أن يطلق زوجته، فوقف في المسجد بين المؤمنين، وفيهم نصاب العدول المطلوب كما بينا فقال: زوجتي فلانة طالق؛ فطلاقه صحيح بلا أية مشكلة بتاتاً؛ فالطلاق لا يحتاج لا لإيقاعه عند القاضي مثلاً ولا عند شيخ وما شابه، كما لا يجب أن يكون في أوراق رسمية للدولة؛ فالأوراق الرسمية للدولة إنما لأجل التنظيم تبعاً لقانون الدولة لا تبعاً للشرع؛ لذا لا يشترط في الطلاق أن يكون بأوراق رسمية من الدولة.
هذا ونظراً إلى أننا رأينا في الآونة الأخيرة تشكيكات ووساوس من البعض حول أمثال هذه الأمور تجاه البعض، فالوسواسي يكرر الطلاق بسبب هلوسته في صحة طلاقه أو طلاق غيره، والمشكــِّـك يسعى لزرع الشقاق بين المؤمنين وربما حتى بين الأقارب والأرحام، سواء بتوجه وعمد أو بغير توجه وعمد؛ لذا يَـلزم علينا أن نحذِّر عن ذلك بالقول:
إن مسألة عقد الطلاق وأحكامه وقعت موقع الجهل عند كثير من الناس؛ والسبب فيه يعود بالدرجة الأولى إلى عدم تثقفهم في دينهم، فلربما اتهموا البعض بأن طلاقه باطل أو غير صحيح بفعل الجهل بتلك الأحكام، فيقعوا في الإفتاء المحرم أعاذنا الله من ذلك، فعن نبينا الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم قال:
(مَن أفتى بغير علم فليتبوأ مقعده من النار)! والنبي صلى الله عليه وآله وسلم بلا شك يخبر عن الحقائق، ويقول أن مآل المُـفتي بغير علم يوم القيامة هو جهنم.
طبعاً –كما قلنا- لربما افتـَعل البعض هذه الأمور توهماً أو عمداً لأجل إيقاع الفتنة بالمؤمنين، أو كذا اللعب بأعراض الناس، أو إشغال وقت الفراغ بالحديث الباطل بدل الانشغال بتحصيل العلم والاستعداد للقبر والآخرة، في حين أن تخطئة عقد الطلاق الصحيح لأحدٍ ما أمرٌ خطير للغاية، وقد يسبب انهياراً فضيعاً للمجتمع؛ ذلك لأنه يجر مصائب كبيرة على الآخرين؛ إذ عندها أقل القليل سوف يتم التشكيك في الزواج الجديد للمرأة المطلقة برجل آخر، كما سيتم التشكيك بأولادها من زوجها الجديد، إذ سيُـعتــبَـرون –بالتهمة والإفك- أبناء زنا أو أبناء شبهة والعياذ بالله، والسبب في ذلك هو أولئك الذين يشككون في الطلاق الصحيح الواقع من الآخرين، فتذهب في أعناقهم ضحايا في المجتمع واختلاطات وفجائع وفتن ينظر لها الله بعين الغضب والجبروت والطرد من رحمته والنقمة؛ أعاذنا الله وإياكم من مقته وغضبه وطرده وإبعاده.
فمن ذا الذي يتجرأ على أعراض المسلمين وقد ورد عن أهل البيت عليهم الصلاة والسلام قولهم بما مضمونه أن الله تعالى يقول: (من عادى لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة، وما أنا بتاركٍ وليي)، فمحاربة الله لا ينتصر فيها إلا الله جلت عظمته؛ فأمثال دوافع القول بغير علم يجب أن لا تتمكن من المرء وتصير به إلى مواجهة الله بالمحاربة؛ قال تعالى:
{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا}[سورة الإسراء: آية36]؛ فهذه الجوارح ستشهد يوماً لا محالة على صاحبها في قبره، وفي محضر الله يوم القيامة أمام الأنبياء والأوصياء وأمام الناس في ظل مسامعهم يوم يفضح الله العاصي المحارِب بمعاصيه.
هذا ناهيك عن أن كثيراً من هذه الفعال تندرج تحت البُـهتان، والبهتان من كبائر الذنوب العظمى كما أن الغِـيبة من الكبائر العظمى، بل البهتان أشد من الغِــيبة؛ لأن البهتان هو “غيبة + كذب”، ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في نقل أبي ذر الغفاري قال صلى الله عليه وآله وسلم:
(إن ذكرته بما فيه فقد اغتبتــَـه، وإن ذكرته بما ليس فيه فقد بَـهـَتـَّه)؛ فذِكــْـر المسلم من وراء ظهره بالسوء بما يَـكره إذا كان عن صدق يسمي (غِـيبة)، وذِكــْـره من وراء ظهره بالسوء بما يَـكره إن كان عن اتهام وكذب يسمى (بهتاناً)، والغيبة كما في نَص الحديث: (إدام كلاب النار) وفي حديث آخر ما نَصه:
(الغِـيبة أشد من ستة وثلاثين زنــْـيَـة، كلها بذات محْرم، وأهونها- أي أهون الـ 36 زنية- أن يزني الرجل بأُمـِّـه)! ومعلوم أن نكاح المَـحْْرَم حرام شنيعٌ ذميم وزنا لا يساويه زنا في السوء والمبغوضية، فكيف بالزنا بالأم؟! وكيف بالستة وثلاثين زنية بالأم؟! فالزنا بذات البعل يَـقتضي شرعاً الرجم أمام أعين الناس، فكيف بالزنا بالمحارم؟!
ثم إنّ كلنا يعرف قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا
وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ}[سورة الحجرات: آية12]؛ وق
و فــَـسَّـرَتِ الروايات “اللحم” الذي يأكله المستغيب في الآية بأنه لحم الأخ الميت؛ لأن الغائب عند ذِكــْـرِه في غَيبته كالميت، فالمستغيب يأكل لحم الميت ولحم الميته والجيفة. علماً أن لحم الإنسان الميت جيفته أشد من جيفة الكلب؛ لذا لربما ذكر القرآن لحم الإنسان بالخصوص لعدم وجود جيفة أشد من جيفته، مضافاً لاستقباح الذوق الفطري العام لأكل لحم الإنسان، ولذا ورد في الحديث عن علي عليه أفضل الصلاة والسلام قوله:
(إياك والغيبة فإنها إدام كلاب النار)؛ وقد فَـسَّـر العلماء ذلك بأن المراد هنا من “إدام كلاب النار” هو أن المستغيب يكون في جهنم فتأكله كلاب النار، ويكون في جهنم فيأكل لحم كلاب النار، فهو يأكل لحم كلاب النار، وكلاب النار تأكل لحمه!
وفي حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مر يوماً في رمضان بامرأة تستغيب، فقال لأصحابه ضعوا المائدة، فقيل: يا رسول الله! نحن في نهار رمضان، فقال: ضعوها أمام هذه المرأة؛ فافترش أصحابه مائدةً من الطعام، …فقال صلى الله عليه وآله وسلم لتلك المرأة: اجلسي كـُـلي!
يريد بذلك صلى الله عليه وآله وسلم أن يقول لتلك المرأة المغتابة: أنتِ لست صائمة ولا قيمة لصيامك!
والكثير الكثير من الأحاديث المخيفة المهيبة التي تقشعر لها الجلود وتذرف منها العيون قيحاً ودما؛ فإذا كانت الغيبة التي هي من أشد الكبائر هكذا حالها وبهذا المستوى من القبح والشناعة، فكيف بالبهتان الذي هو “غيبة + كذب”؟! ناهيك عن أن الحديث يسأل فيه الراوي من النبي صلى الله عليه وآله وسلم قائلاً:
{يا رسول الله! أيكون المؤمن بخيلا قال نعم قالوا أيكون المؤمن جبانا قال نعم قالوا أيكون المؤمن كذابا قال لا}.
فحذارِ حذارِ من أعراض الناس، حذارِ حذارِ من أعراض الناس، ففي الحديث: (إن الله غيور) ولا يدع حق عبده يذهب جفاءاً وهباءا، وأنه –كما في الخبر- (من هتك عرض مؤمنٍ هتك الله عرضه ولو في قعر بيته)، بل وقوله عليه الصلاة والسلام: (إن الكاذب عندما يكذب تخرج من فمه رائحة نتنة تصعد إلى العرش تؤذي الملائكة)، أضف إليه قوله تعالى:
{ وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَانِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنْ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ * حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَالَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ}[الزخرف: من آية36 إلى38]. فحذارِ من أعراض الناس.
علماً أن أمثال الغيبة والبهتان لا يغفرها الله أبداً إلا بالاستسماح من نفس الشخص الذي تم اغتيابه أو وقع في حقه البهتان.
هذا وكما أن هنالك من يفتعل بعض الافاعيل المحرمة لأجل التنزه والترفه بها وإيقاع الوساوس والفتن بالمؤمنين، كذلك هناك من يمارس هذه الافعال حنقاً وغيظاً بهدف الانتقام من المطلق لطلاقه بنته أو صديقة أو قريبة وما شاكل، والحال ان الله تعالى يقول:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}[سورة المائدة: آية8]؛ في حين أن كثيراً من حالات الطلاق لم تقع إلا عن معاناة حقيقية، تم بسببها فك رابطة الزواج بالمعروف كما تم عقد رابطة الزوج بالمعروف، والله جعل لعباده من التشريعات ما يصلح أمورهم كلها وأحوالهم كافة ويرفع آلامهم ومحنهم ومتاعبهم، ومنعهم من ارتكاب العسر والحرج وإيذاء النفس والإلقاء بها في التهلكة والمهالك، فقال:
{ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }[سورة البقرة: آية195].
فالله –كما بينا في محله- جعل حتى لأنبيائه حق الطلاق رغم عصمتهم، حيث قال تعالى مجده: {عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا}[سورة المائدة: آية66].
وختاماً ننوه إلى أن عباد الله مقامات، وباختلاف مقاماتهم يتعاظم الذنب ويكبر، فمثلاً إيذاء وسب النبي ليست كإيذاء وسب سائر الناس، والغِـيبة الواقعة على العالِم الولي ليست كالغِـيبة الواقعة في حق بقية الناس، والإضرار الواقع على قــَـرابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس كالإضرار الواقع على من ســِواهم، والاتهام الواقع على الأرحام ليس كالاتهام الواقع على غيرهم، وهكذا…، فكل هذا شنيع وكلما تعاظم مقام الشخص عند الله كان ارتكاب الذنب في حقه أشد وأشنع وأسرع لمقت الله وخذلانه وانتقامه.
نسأل الله لنا ولكم العافية والسلامة، وغفران الذنوب، وصلاح الأمور، وحسن الخاتمة، والعصمة من عذاب القبر والآخرة، ومن نكاله تعالى في الدنيا قبل القبر والآخرة، ومن غصص خروج الروح ووحشة الفراق.
السيد أمين السعيدي
1جمادى2-1433هـ
للتعلیق أو مطالَعة التعلیقات اضغط هنا