المقصود من العلل المتماثلة
● رد سماحة السّيد أمين السعيدي حفظه الله: عليكم السّلام ورحمة الله تعالى وبركاته، بورك لكم في أيّامكم. بالنّسبة لسؤالكم عن معنى عبارة ( العلل المتماثلة توجد معلولات متماثلة)، فهو أنَّ العِلل يراد بها الأسباب، فالعلة هي السبب والفاعل، بينما المعلولات يراد بها المسبَّبات -بفتح الباء مشدَّدة- فمثلاً عندما تصنع أنت سيّارة، فأنت علّة وسبب صنْعها، وهي معلول ومسبَّب لك. وعليه؛ قالوا العلل المتماثلة، أي الأسباب المتشابهة بحيث تكون مثل بعضها البعض، هذه العلل المتماثلة توجِد وتصنع وتخلق معلولات متماثلة متشابهة أيضاً. فمثلاً النّار، هي علّة للحرارة، والحرارة معلول لها. لاحظ، نيران متماثلة كل واحدة تنتج حرارة مثل حرارة الأخرى، والحرارة في كل واحدة هي علة لنفس النّار المتولِّدة منها. فالعلل متماثلة -نيران متماثلة- تنتج معلولات -حرارة وحرارة وحرارة- متماثلة. أمّا بالنّسبة لسؤالكم (ما الفرق بين الضّرورة و الجبريّة و الحتميّة؟) فالجواب هو أنَّ كل لفظة من هذه الألفاظ -بغض النّظر عن معناها اللغوي- تعطي معنى بحسب الجملة العلميّة الواردة فيها. فمثلاً يقال في المنطق أو الفلسفة: إنّ الله ضروري الوجود؛ أي لابد أن يكون موجوداً، فوجوده واجب حتماً. أو يقال: النّتيجة تَـتْـبَع أَخس المقدّمات بالضّرورة؛ أي أنَّ النّتيجة في أي معادلة منطقيّة رياضيّة دائماً تتبع أخس مقدّماتها، بحيث عندما تكون إحدى المقدّمات في المعادلة خاطئة، فالنتيجة حتماً تكون خاطئة بحكم العقل، ولا تكون صحيحة؛ لأنّ إحدى المقدّمات أساساً خاطئة، وما بُني على باطل فهو باطل. بينما في الشّرعيّات كعلم الفقه مثلاً، فيقال على سبيل المثال: إن وجوب الصّلاة ضرورة من ضرورات الدِّين؛ أي الصّلاة لا يجوز التّشكيك في وجوبها من أي مسلم عند اعتناقه للإسلام؛ ذلك للإجماع من كافّة فقهاء المسلمين على وجوبها، وكذا جميع عامّة المسلمين وإن لم يكونوا فقهاء، فالصّلاة أمرها مشتهر على أنّها واجبة، ووجوبها متجذّر في نفوس الجميع، بحيث لا نحتاج حتّى للاستدلال على وجوبها وإثباته. وكذا يقال مثلاً -كمثال تقريبي- : عدم جواز الشَّفْت باليدين على البطن في الصّلاة ضرورة من ضرورات المذهب؛ أي أنّ كل من هو تابع للمذهب الشّيعي يقر بحرمة ذلك بلا حاجة للاستدلال على هذا الأمر. لاحظ هنالك فرق بين ضرورة العقل وضرورة الشّرع، وكذا هنالك فرق بين ضرورة دِين وضرورة مذهب، فضرورة الدِّين تقال لما هو معتقَد به بين عامّة المسلمين، بخلاف ضرورة المذهب فهي تقال لما هو معتقَد به بين أبناء المذهب الخاص من أتباع ذلك الدّين. وكذا ضرورة العقل لا يمكن تخلّفها وسقوطها، بينما ضرورة الدِّين وضرورة المذهب فهما أمران اعتباريّان تفرضهما طبيعة الدِّين والمذهب حسب الظّروف التّأريخيّة وحسب نوعيّة الحكم الشّرعي وما شاكل. وأمّا الجبريّة فيراد بها القسر، وفي العقيدة وعلم الكلام يذكرون الجبر في مقابل الاختيار والتّفويض، فيقال مثلاً: الإنسان مجبور في أفعاله فهو ليس مخيَّر من قِبَل الله تعالى، أو الإنسان مخيَّر في أفعاله فهو غير مجبَر من قِبَل الله تعالى، أو لا جبر ولا تفويض ولكن أمرٌ بين أَمْرين، وهكذا. وأمّا الحتميّة فيراد بها وقوع الشّيء وحصوله لا محالة، تقول: كان ذلك على ربِّك حتماً مقضيّا، أي كان ذلك قضاءاً إلهيّاً لن يتبدّل ولن يتغيّر، إلا أن يقدِّر الله سبحانه غيره، {يَمحُو اللهُ ما يشاء ويُثْبِت وعندهُ أمُّ الكِتاب}، ممّا يعني وجود قابلية بهذا اللحاظ لتغيّر المحتوم هنا رغم كونه أمراً حتميّاً، ذلك لتعلّقه بشرط الإرادة الإلهيّة والتّقدير الرّبّاني القابل للتّغيير دون مانع عقلي أو تكويني وما شاكل. بينما قد تأتي الحتميّة في عبارة ويُقصَد بها عدم وجود قابليّة أبداً للتغيّر، وذلك كأن تقترن الحتميّة بشيء ممنوع عقلاً مثلاً، كقولك: النّتيجة تتبع اخس المقدّمات حتماً؛ فهنا لا يمكن عقلاً أن توجَد معادلة تتبع نتيجتها أفضل المقدّمات، فتكون النّتيجة على سبيل المثال صحيحة رغم وجود مقدّمات فاسدة في تلك المعادلة المنطقيّة الرّياضيّة. إذن؛ هذه الكلمات تعطي معانيها حسب استعمالها في العبارة العلميّة. نسألكم الدّعاء السيد أمين السعيدي قم – 24 ذي القعدة 1432هـ |
للتعلیق أو مطالَعة التعلیقات اضغط هنا