خداع المأمون للجواد(ع) وتزويجه ابنته وتوريط القاضي يحيى
طرح وتقديم العضوة الفاضلة: 【يا صاحب الزمان】
مراجَعة وتصحيح سماحة: السيد أمين السعيدي حفظه الله
يـا أبـا جعفر ومـا أنت إلاّ البـحـ * ـر جـوداً لـه الهـدى مـرســـــاةُ
كيف تقضـي سماً غـريباً وبـاسم * الله تجـري ولاسمــك الحـادثاتُ
أنـت أدرى بمــا أتـت فيـــه أم * الفضــل لكن شاءت لك النـازلات
سيدي أبا جعفر! وقفنا على بابك نطلب جودك وننخاك بأرواحنا المشتاقة لك يامولاي بطلب الغفران من رب العالمين.
ترفع (مؤسَّسة أنبياء أولي العزم”ع”) في أفق السماء رايتها السّوداء معزية رسول الله وآله الطاهرين صلى الله عليه وآله وسلم .. بالخصوص مولى المؤمنين السلطان أبا الحسن علي بن موسى الرضا وولي الأمر صاحب الزمان أرواحنا لمقدم الفداء .. كما تعزي كافّة المؤمنين .. فعظم الله أجوركم جميعاً ..
لما توفي الإمام الرضا عليه السلام بعد الصراعات التي عاشها في الخلافة ، والتي دامت من المأمون العباسي حتى عهد الإمام الجواد عليه السلام ، حاول المأمون بدهائه الماكر أن يجرب نهج السياسية بنفس ما انتهجه في عهد الإمام الرضا عليه السلام على الرغم من أن محاولات مع الرضا انتهت بالخيبة والخسران.
وممّا جعله يعاود الكرَّه من جديد هو أنه كان يرى أمامه هذه المره إماماً في مقتبل العمر ، حيث قد تفلح معه سياسة الاحتواء التي جربها سلفاً تجاه أبيه عليه السلام ، فالمأمون لما التفت لخطأ الحكام السابقين في الفتك بأهل البيت عليهم السلام ، حيث كان تعاملهم مع أئمة أهل البيت يسير على نهج القتل والسجن ، مما كان ذلك يزيد في قلوب النّاس حبّاً لأهل البيت وبغضاً للخلفاء.
فلمّا شعر المأمون بخطأ ذلك الأسلوب استبدله بأسلوب آخر ؛ وهو استقدام أهل البيت عليهم السلام إلى دار الخلافة من موطنهم لكي يشرف على حركتهم ، فاستمرّت منه هذه السياسة في حق الإمام الجواد عليه الصلاة والسلام.
لكن ما كان من المأمون عندما استقدم الإمام الجواد عليه السلام إلى مركز الخلافة إلا أن شغف به لما رأى فضله مع صغر السن في العلم والحكمة والأدب وكمال العقل.
هذا ولما توفي الإمام الرضا عليه السلام وقَدِمَ المأمون إلى بغداد ، اتفق أنّ المأمون خرج يوماً يتصيد ، فاجتاز بطرف البلدة ، فرأى الصبية يلعبون ومحمد الجواد عليه السلام واقف عندهم ، فلما أقبل المأمون كحاكم للدولة فرّ الصبية ووقف محمد الجواد عليه السلام ، وعمره تسع سنين ، فلما قرب منه المأمون قال له: ياغلام! ما منعك أن لا تفرّ كما فرّ أصحابك؟! فقال له الإمام الجواد مسرعاً: (يا أمير المؤمنين! فرّ أصحابي فرقاً والظنّ بك حسن أنّه لا يفرّ منك من لا ذنب له ، ولم يكن الطريق ضيق فانتحي عن أمير المؤمنين) ، فاَعجَب المأمون كلامه وحسن صوته ، فقال له: ما أسمك يا غلام؟ قال: (محمد بن علي الرضا -عليه السلام- فترحم على أبيه)”1″
عندها فكر المأمون في مشروع تزويج الإمام من بنته اُم الفضل وهو كفيل بتحقيق الآمال ، وكان حريصاً على إكرامه وتعظيمه وإجلال قدره.
غاية المأمون من خدعة التزويج:-
لقد طَرح المأمون فكرة التزويج ، وأصبحت تلك الفتاة مستقبل وجاسوس المأمون في بيت الإمام الجواد عليه السلام ، ولعلها ترزق بولد من الإمام فيتمكن المأمون من خلاله أن يدعي له قرابة ورحماً من ولد فاطمة الزهراء عليها السلام ويكون ذلك مدعاة لإخماد سخط العلويين الذين مابرحوا يتذمرون من حكم بني العباس.
ثم إنه لمّا أراد المأمون تزويج ابنته اُمّ الفضل من الاِمام الجواد ثقُل ذلك على العباسيين وقالوا له:
ننشدك الله أن لا تقيم على هذا الأمر الذي عزمت عليه من تزويج ابن الرضا ؛ فإنّا نخاف أن تخرج به عنّا أمراً قد ملّكَناه الله! وتـَنزع منّا عزّاً قد ألبسَناه الله! فقد عرفت ما بيننا وبين هؤلاء القوم قديماً وحديثاً ، وما كان عليه الخلفاء الراشدون قبلك من تبعيدهم والتصغير بهم ، وقد كنّا في وهلة من عملك مع الرضا حتى كفى الله المهمّ من ذلك -إلى أن قالوا- :
إنّ هذا الفتى وإن راقك منه هديه ، فإنّه صبي لا معرفة له ، فأمهله حتّى يتأدّب ويتفقّه في الدين ثمّ اصنع ما ترى.
فقال المأمون:
ويحكم ؛ إنّي أعرَف بهذا الفتى منكم ؛ وإنّ أهل هذا البيت علمهم من الله تعالى و اِلهامه ، ولم يزل آباؤه أغنياء في علم الدين والاَدب من الرعايا الناقصة عن حدّ الكمال ، فإن شئتم فامتحنوا أبا جعفر حتّى يتبيّن لكم ما وصفت لكم من حاله. قالوا: رضينا. فخرجوا واتّفق رأيهم على أنَّ يَحيى بن أكثم يسأله مسألة وهو قاضي الزمان ، فأجابهم المأمون على ذلك.
واجتمع القوم في يوم اتّفقوا عليه ، وأمر المأمون أن يُفْرش لأبي جعفر دست ، ففُعِل ذلك ، وجلس يحيى بن أكثم بين يديه ، وقام الناس في مراتبهم ، والمأمون جالس في دست متّصل بدست أبي جعفر -عليه السلام- ، فقال يحيي بن أكثم للمأمون: أتأذن لي يا أمير المؤمنين أن أسأل أبا جعفر؟
فقال: استأذنه في ذلك. فأقبل عليه يحيى وقال: أتأذن لي ـ جعلتُ فداك ـ في مسألة؟
فقال: «سل إن شئتَ”. فقال: ما تقول ـ جعلتُ فداك ـ في مُـحْرم قتلَ صيداً؟
فقال أبو جعفر -عليه السلام- : “في حلٍّ أو حرم؟ عالماً كان المحرم أو جاهلاً؟ قتله عمداً أو خطأ؟ حرّاً كان المحرم أو عبداً؟صغيراً أو كبيراً؟ مبتدئاً كان بالقتل أو معِـيداً؟ من ذوات الطير كان الصيد أم غيرها؟ من صغار الصيد أم كبارها؟ مصرِّاً كان على ما فعل أو نادماً؟ ليلاً كان قتله للصيد أم نهاراً؟ محرماً كان بالعمرة إذ قتله أو بالحجّ كان محرماً؟
فتحيّر يحيى ، وبان في وجهه العجز والانقطاع ، وتلجلج حتّى عرف أهل المجلس أمره. فقال المأمون: الحمد لله على هذه النعمة والتوفيق لي في الرأي ، ثمّ قال لأبي جعفر -عليه السلام- اخطب لنفسك فقد رضيتك لنفسي وأنا مزوِّجك اُمّ الفضل ابنتي.”2″
وتم الزواج بإصرار كبير من المأمون ، وزفت أم الفضل إلى بيت الإمام أبي جعفر الجواد -عليه السلام- في احتفال ضخم أحاطه المأمون بجميع وسائل البذخ والبذل مما ندر بمثله من قبل.
إلا أن الإمام الجواد صلوات الله وسلامه عليه استطاع بذكائه وفطنته أن يفشل أهداف المأمون بشكل متيقّظ كما سنبيِّن لكم أحبتنا في مناسبة الجواد القادمة.
فعظم الله لكم الأجر وأحسن لكم العزاء بالمصاب الأليم .. وسلام الله عليك يا أبا جعفر يوم ولدتَ ، ويوم استشهدتَ بالسمّ النقيع ، ويوم تبعثُ حيّاً .. سلام الله عليك أبداً ما بقيت وبقي الدهر ، ولا جعله الله آخر عهدنا بالوقوف بين يديك الرحيمة.
ــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:-
(1)- الفصول المهمّة (لشرف الدين ): 266.
(2)- الاِرشاد(للمفيد): 319 ـ 321، إعلام الورى(:تأليف أبي علي الفضل بن الحسن) 352.
للتعلیق أو مطالَعة التعلیقات اضغط هنا