المؤمن والتسلية والمزرعة السعيدة
نتمنى لكم تسلية جميلة واستمتاعاً لطيفاً رائعاً.
جميل أن يُرفِّه المؤمن عن نفسه في ((بعض الأوقات)) ؛ فعن الإمام علي عليه الصلاة والسلام بما مضمونه قال: «إنّ القلوب تَكِـلُّ -أي تَتعب- كما تَكِـلُّ الأجساد ، فرَفِّهوا عنها ساعةً بعد ساعة»[1].
لكن..
يَلْزَم أن لا يستغرق ذلك كل وقتنا وأن لا يشغلنا عن الأمور الأهم كـ ((الصلاة في وقتها)) ، والتعلم لـ ((المسائل الشرعية الابتلائية)) التي هي في مَعرض ابتلائنا حالياً أو مستقبلياً ، فيجب تَعَلُّم تلك المسائل والأحكام الشرعية -كما قال كل الفقهاء رضوان الله عنهم- قبل الوقوع فيها ، وقبل الابتلاء بها ، ((فالأهَم دائماً مقدَّم على المهم)). قاعدة عقلية وشرعية.
ومن وسائل الترفيه: السياحة مع الزوج أو الزوجة ومع الأولاد ، وكذا ممارسة الألعاب المسلية كالجري وكرة القدم والمزرعة السعيدة وركوب الخيل وكرة اليد وكرة الطائرة والسباحة ، وملاعَبة الأطفال ، وما شاكل ذلك من الألعاب المستحبة شرعاً أو المباحة ، خصوصاً تلك التي تقوي الأمل في الحياة وتَبعث على التأمل والتدبر نظير السياحة في الأرض والنظر في صنيع الله تعالى وإبداعه في الخَلق والتعرف على الشعوب وثقافاتهم وآدابهم وازدياد آفاق العِلْم والمَعرفة والتَّحَصُّن واكتساب قدرة جيدة على التعامل واكتساب أصدقاء أَماجد جُدُد واتساع خيارات الأداء والعمل والمَعِيشة .. كما أن ملاعَبة الأطفال ومشاركتهم ألعابهم أمرٌ ممدوح كثيرُ النفع ويوجِب الصلة بالطفل وإشعاره بالقُرب والأمان والتعرف على مشاعره والبِرَّ به والسعادة للطرفين فضلاً عما يوجده في النفس من التأمل والتذكُّر ..
إن الاستمتاعات المستحبة والألعاب المحلَّلة تشغلكم عن دنيا الانحرافات ، فإشغال الوقت بالأمور الطيبة والنزهة الجميلة والترفيه المعتدل يحمي الإنسان من وقت الفراغ القاتل والخطِر ومن آثار الأحداث الأليمة وتَكدُّسات الحياة والأتعاب النفسانية والأورام الروحانية والقلبية ، ويجنِّبه احتمال ارتكاب المعاصي بفعل فراغ الوقت .. ، وهو بلا ريب مطلوبٌ محمودٌ عقلاً وشرعاً.
هذا..
والتسلية تحَفِّز الجسم لإفراز هرمونات إيجابية تنعكس عليه بالطمأنية والراحة والاستقرار الجميل والانفتاح النفسي في الأخلاق ، كما أنها تقوي لديه المناعة ضد الأمراض ، وكذا تكسبه الحيوية باستمرار ، وتقوي الجسد للعبادة فيما إذا كانت التسلية رياضة بدنية مثلاً ، وتقوي العقل فيما إذا كانت التسلية لعبة تفكرية أو رياضة ، فـ((العقل السليم في الجسم السليم)). ومن العوائد الطيبة للترفيه عن النفس اشتداد ميل المشاعر الزوجية وتجددها واستقوائها عن الضعف والفتور بفعل تفاعل النفس البشرية طبيعياً مع التجاذبات الوجودية في الخارج ، كما أنّ بعض حالات العُقم تَتحرَّر بشيء من الترفيه النفسي المنشِّط لفاعلية أفعال الروح في البدن والمؤثر على اتزان عمل أعضائه والمعالِج للاضطرابات العَرَضيّة القابلة للزَّوال ..
وأيضاً فإن التسلية تقوي الأواصر وتوجِد الالتقاء الاجتماعي فيما لو كانت تسلية ثنائية أو جماعية من فردين أو أكثر ، مما يعزِّز الحُب والود والأَلَفة والانسجام مع الآخرين ، ومما يفتح أبواباً إيجابية أخرى حال كون التسلية تسير بالشكل الإيجابي ، وكذا يصنع ذكريات جميلة ، …
لكن..
يجب أن لا يدخلنا الاستمتاع في دائرة اللعب المذموم والمنحرف ؛ فالدِّين والعقل لا يَقبلان ذلك للإنسان عموماً والمؤمن خصوصاً ؛ حيث يَنعكس عليه بالأضرار خلافاً للمأمول ، والروايات تقول: «المؤْمِن مشغولٌ عن اللعب»[2]؛ أي اللعب الداخل في إطار تضييع الوقت المهم بلا وجه صحيح ، أو اللعب الذي يُغْـفِل الإنسان عن مسؤولياته ومَهامه ، ويَستهلك حياته بعيداً عن التعلم وما هو نافع لدنياه وقبره وآخرته ومَن هم حوله وتحت مسؤوليته ويوقعه في التقصير والفشل والذنوب ..
حفظكم الله ورعاكم
وتمنياتنا لكم بالفوز والأنس والسعادة.
أمين السعيدي
الهوامش:-
[1] راجع موسوعة الحديث ، العقل وفضله لابن أبي الدنيا ، القلوب تمل كما تمل الأبدان: ح89. وغيرها.
[2] كتاب الخصال ، للشيخ الصدوق: ص27.
● إعداد قسم التوعية والإعلام في مؤسَّسة أنبياء أولي العزم (عليهم السلام) – الزاوية الاُسَرية وعلاقة الزوجين والخطيبَين والتربية.
للتعلیق أو مطالَعة التعلیقات اضغط هنا