علاقة المختار بابن الأشتر
● السائل:
السلام ُعليكم ، السؤال هو من عدة ِ أسئلة ٍ كالتالي : لما أصبحت الأمور بين إبراهيم و المختار بها بعض الحزازية ؟ فكما قرأت أنه قيل أن إبراهيم خرج َ عن طاعة ِ المختار ؟ فهل هو خرج عن طاعته ؟ حيث كما قرأت أن المختار ْ قد أمر َ إبراهيم ْ بالتوجه ِ إلى قتال ِ مصعب فرفض إبرهيم بحجة ِ أنه ُ من َ المحتمل ِ أن مروان قد يُرسل ُ جيشًا للموصل ؟ و هل إبراهيم أراد أن يأخذ بدم المختار بعد مقتله ؟ و كيف هو يريد أن يأخذ بدمه و هو الذي لم يستجب لأوامره ؟ هل علم أنه على خطأ بعد ذلك ؟
● رد سماحة السّيد أمين السعيدي حفظه الله:
السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته، جواب أسئلتكم المذكورة حول الرّجلين كما يلي:
أوّلاً: لم تكن في علاقة المختار الثّقفي وإبراهيم بن مالك الأشتر توتّرات بما هي علاقة شخصيّة، غاية الأمر أنَّ إبراهيم قائد جيش المختار في كثير من مراحل ثورته، والمختار ليس إماماً معصوماً ولا رجلاً مخوَّلاً من الإمام المعصوم؛ نعم ذكرنا في الجواب السّابق أنّ المختار في بداية حركته أخرج لإبراهيم مرسولاً من محمّد بن الحنفيّة ذكر فيه أنّه موجّه لإبراهيم بن مالك، كما ذكرنا أنّ إبراهيم قَبــِل الانضمام إلى المختار وحركته على أساس هذا المرسول، وبالتّالي لا محمّد بن الحنفيّة -مع الحفاظ على جلالة قدره ومكانته- بمعصوم، ولا المختار -كذلك- بمعصوم، وإبراهيم رجل له ثقله ومكانته ونفوذه وتشخيصه ومعرفته ودرايته، ومن الطّبيعي أن تحصل خلافات بين “قائد الثّورة” و”قائد الجيش” في تشخيص طريقة تحقيق الأهداف المرسومة، تماماً كما يختلِف الابن مع أبيه في التّشخيص والرّأي تجاه أمرٍ ما، خصوصاً عند ملاحظة ما سنذكره لاحقاً، مضافاً لملاحظة وضع الكوفة امتلائها بالغَدَرة والحيْلة والمكر وجواسيس السّلطة الأمويّة، بدليل ما حصل من انقلابات كثيرة فيها على المختار من نفْس مَن بايعه كما ذكرنا فيما سبق، فلا نعيد.
إذن؛ لم يكن هنالك توتّر حقيقي شخصي في العلاقة بين الرّجلين، وإنّما -إن صحَّ ما نقله بعض المؤرِّخين- هنالك اختلاف -حسب وجهة نظرنا- في التّشخيص وفي كيفيّة بلوغ الأهداف، فلا إبراهيم خرج عن طاعة المختار ولا المختار أبعده عن تسلّم زمام الأمور، بدليل بقائه على جيشه.
ثانياً: يظهر لي أنّ السّائل قد طَرح سؤالاً بليغاً ومتيناً كان يجب أن يصوغه هكذا:
هل إبراهيم رفض مقاتلة مصعب وذهب بالجيش إلى نواحي الجزيرة وترك المجال لمصعب بن الزّبير القابض في البصرة قرب الكوفة حتّى يأتي للكوفة ويقتل المختار رغم علم إبراهيم بقدرة مصعب على ذلك وامتلاكه جيشاً جرّاراً؟ وهل بعد أن علم إبراهيم بأنّ مصعب قتل المختار ندم على فعله فعاد للأخذ بدم المختار؟
يظهر لي أنَّ هذا هو مراد السّائل، فإن كان هذا مراده فالجواب:
هو أنَّ إبراهيم لم يتعمّد ترك المختار في تلك الظّروف، بل لم يكن على علم بقدرة مصعب على مواجهته، خصوصاً وأنّ بين المختار وعبد الله بن الزّبير أمير مصعب عهداً وأنّ الشّاميّين في تحرّك قريب لمواجه عبد الله بن الزّبير والمختار معاً، بل خصوصاً وأنّ المختار لم يكن وحيداً مجرّداً عن العون في الكوفة، حيث كان معه من الرّجال عدد كبير، غاية الأمر أنّ الهزيمة وقعت به بسبب غدر أهل الكوفة به وتسلّلهم من جيشه وعدم ثباتهم معه على المواجهة.
أضف إليه أنّ إبراهيم كان في مهمّة دفاعيّة على نواحي الجزيرة، ونواحي الجزيرة قريبة من الكوفة، بمعنى أنّه حال طلب المختار النّجدة منه يمكنه السّير له والوصول سريعاً، إلا أنّ إبراهيم –وفق ما ذكره المؤرِّخون- لم يتلقَّ مرسولاً من المختار بسبب ما حل به، لذا لـمّا أقلقه الأمر عاد على الفور للكوفة، فما وصل إلا وقد وافاه نبأ مقتل المختار على يد الزّبيريّين، وبالتّالي كان تشخيصه ما ذكرناه من الاستمرار على إنجاز بقيّة أهداف ثورة المختار وعدم المساس بمصعب الّذي أبدى خوفه وقلقه من إبراهيم وجيشه وقدّم له العهود والمواثيق، فانطلقا معاً في مواجهة الشّاميّين وعبد الملك بن مروان رأس السّلطة الأمويّة.
ثمّ إنّ هنالك قضيّة مهمّة يجب الالتفات إليها ترتبط بالخلاف في وجهة النّظر بين الرّجلين إن تمّ ما ذُكِر من وقوع خلاف بينهما في ذلك، وهذه القضيّة هي أنَّ عبد الله بن الزّبير الّذي ولّى أخاه مصعباً على البصرة هو نفسه سلّم زمام الكوفة للمختار وفق مشارَطات كان من أهمّها الاتّحاد في مواجهة الشّاميّين وحكومة بني أميّة، رغم كون أهداف كل من المختار وعبد الله بن الزّبير تختلف عن بعض اختلافاً جوهريّاً وشاسعاً، فعبد الله يريد الخلافة ويعتبر المختار والياً له بالتّقسيط وبفعل الحاجة المؤقَّتة إلى أن يقضي الله أمراً فيقوم بعزل المختار فيما بعد، والمختار يريد الثّأر بدم المظلوم قتيل كربلاء ابن رسول الله صّلى الله عليه وآله وسلّم، فجرى ما جرى، ووقعت الوقائع إلى أن تمكّن عبد الله بن الزّبير من مد نفوذه في مساحة شاسعة من نواحي البلاد الإسلاميّة، ممّا جعله يرى في المختار ندّاً له على الكوفة، بل ممّا حذا بواليه على البصرة “مصعب” لأن يدير معه المواجهة طمعاً، وحسداً منه له، وجهلاً بعواقب الأمور الّتي انتهت بظفر بني أميّة به وقتلهم له ولإبراهيم وتمزيق سلطة عبد الله بن الزّبير، (والغدر على الغادِر، وعواقب السّوء على أهلها تعود).
وهذا بالتّالي يفيدنا بأنَّ إبراهيم لربّما وجد في مواجهة المختار لمصعب في تلك الفترة أنّها زلل يجب الابتعاد عنه، وتوطيد الجهود بكاملها في سبيل مواجهة الأمويّين وجيش الشّام، بينما كان المختار على علم بنوايا مصعب، كما كان على دراية كاملة بعنجهيّته وحقده وحسده له منذ أيّامه الّتي قضاها في مكّة إلى جوار عبد الله بن الزّبير لمواجهة جيش بني أميّة وفق الشّروط المقطوعة بينهما.
هذا وينبغي أن نذكّر كل من يطالِع كتب التّأريخ بـ: عدم الاعتماد على أي خبر تشويهي يرد فيها تجاه الأمر؛ ذلك نظراً لما ذكرناه في من أنّ بعض المؤرّخين كان يهدف ويتعمّد تشويه سمعة إبراهيم وحركته، كما هدف البعض منهم لتشويه سمعة المختار وحركته.
نلتمس منكم الدّعاء.
السيد أمين السّعيدي-القطيف
22شعبان1432هـ
للتعلیق أو مطالَعة التعلیقات اضغط هنا