وقفة مع مولِد الإمام الشّهيد (ع)
●سماحة السيد أمين السعيدي حفظه الله.
حادثة تمرُّ علينا ولكن التّأمّل فيها له بابٌ وسيع، رؤيا لأمِّ أيمن تحكي الواقعة، وتثير الأفراح والأشجان في حالاتٍ من اختلاط الأنسِ بالألم، والبشرى بالمِحَن، تلك الرّواية الّتي لطالما تُقرِّعُ أسماعنا، وتقدّم لنا صوراً خلّابة وعظيمة عن الشّهيد الخالد، تقول الرّواية والمؤرِّخون على إطباق بوقوع ما جاء فيها، وحديثنا هنا لن يخرج عن الإجماعات والمشهورات الّتي لا حاجة لمصدرٍ يوثّقها:
أوّلَ رسول الله ((صلى الله عليه وآله وسلم)) رؤيا للسيدة أُمّ أيمن كانت قد فزعت منها حين رأت أنّ بعض أعضائه ((صلى الله عليه وآله وسلم)) ملقىً في بيتها، أوَّل ذلك ((صلى الله عليه وآله وسلم)) بولادة الحسين ((عليه السلام)) الذي سيحلّ في بيتها صغيراً للرضاعة، فقد ورد عن الإمام الصادق ((عليه السلام)) أنّه قال: أقبلَ جيران أُمّ أيمن إلى رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) فقالوا: يا رسول الله! إنّ أُمّ أيمن لم تنم البارحة من البكاء، لم تزل تبكي حتّى أصبحت، فبعث رسول الله إلى أُمّ أيمن فجاءته فقال لها: يا أُمّ أيمن! لا أبكى الله عينك، إنّ جيرانك أتوني وأخبروني أنّك لم تزلي الليل تبكين أجمع، فلا أبكى الله عينك ما الذي أبكاك؟ قالت: يا رسول الله! رأيت رؤيا عظيمة شديدة، فلم أزل أبكي الليل أجمع، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقصّيها على رسول الله فإنّ الله ورسوله أعلم، فقالت: تعظم عليّ أن أتكلّم بها، فقال لها::إنّ الرؤيا ليست على ما تُرَى، فقصّيها على رسول الله. قالت: رأيت في ليلتي هذه كأنّ بعض أعضائك ملقىً في بيتي، فقال لها رسول الله ((صلى الله عليه وآله وسلم) نامت عينك يا أُمّ أيمن، تلد فاطمة الحسين فتربّينه وتُلبنيه فيكون بعض أعضائي في بيتك.
::: وهكذا استرسل المؤرِّخون في نقل الحادثة تلو الحادثة في هذا الحدث التّأريخي العظيم، ابنٌ لرسول الله، ومن رحم فاطمة، وصلب علي، يطأ الأرض بقدميه، ويهزّ الوجود بوجوده، وينير الدّنيا بأنواره، ليتمَّ الرّاوي بقوله::
[ووضعت سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء ((عليها السلام)) وليدها العظيم، وزفّت البشرى إلى الرسول ((صلى الله عليه وآله وسلم))، فأسرع إلى دار عليّ والزهراء ((عليهما السلام))، فقال لأسماء بنت عميس: يا أسماء هاتي ابني»، فحملته إليه وقد لُفّ في خرقة بيضاء، فاستبشر النبي ((صلى الله عليه وآله وسلم)) وضمّه إليه، وأذّن في أُذنه اليمنى وأقام في اليسرى، ثمّ وضعه في حجره وبكى، فقالت أسماء: فداك أبي وأُمي، ممّ بكاؤك؟ قال ((صلى الله عليه وآله وسلم)):: «من ابني هذا». قالت: إنّه ولد الساعة، قال ((صلى الله عليه وآله وسلم)): «يا أسماء! تقتله الفئة الباغية من بعدي، لا أنالهم الله شفاعتي…». ثمّ إنّ الرسول ((صلى الله عليه وآله وسلم)) قال لعليّ ((عليه السلام)):: أيُّ شيءٍ سمّيت ابني؟ فأجابه علي ((عليه السلام)): «ما كنت لأسبقك باسمه يا رسول الله». وهنا نزل الوحي على حبيب الله محمّد ((صلى الله عليه وآله وسلم)) حاملاً اسم الوليد من الله تعالى، وبعد أن تلقّى الرسول أمر الله بتسمية وليده الميمون، التفت إلى علي ((عليه السلام)) قائلاً:«سمّه حسيناً».
::: وفي اليوم السابع أسرع الرسول ((صلى الله عليه وآله وسلم)) إلى بيت الزهراء ((عليها السلام)) فعَقّ عن سبطه الحسين كبشاً، وأمر بحلق رأسه والتصدّق بزنة شعره فضّة، كما أمر بختنه. وهكذا أجرى للحسين السبط ما أجرى لأخيه الحسن السبط من مراسم].
::: فهل لنا أن نغوص قليلاً في الأعماق، وننفذ بأفكارنا للجوهر، بعيداً عن الظّواهر الّتي لا تنفكّ عن البواطن؟
ماذا يعني أنّه من أجزائه أو أعضائه ((صلى الله عليه وآله وسلم))؟ وماذا يعني قوله لعلي ((عليه الصّلاة والسّلأم)): ماذا سمّيت ابني، بنسبِ البنوّة إليه؟
وماذا؟ وماذا؟ كلماتٌ عظيمةٌ تحملها هذه المرويّات قد لا نمنح عقولنا أن تستلهم معانيها وحقائقها من رجلٍ لا ينطقُ عن الهوى!
فهذا الحسين عليه الصّلاة والسّلام هو ذلك الإمام الّذي توجَّهت بعض الوجوه المقهورة لتشويه مكانته وعظمته ومقامه!هذا الحسين الّذي لطلما كنّا ولازلنا نسمع بأنّ عيني رسول الله رف قيحاً لما يؤذيه!
الحسين أحد أئمّة أهل البيت المطهّرين من الأدران والأرجاس بشهادة الكتاب المقدّس “القرآن”!ذالحسين سيّد شباب أهل الجنّة بإجماع المحدّثين!
الحسين أحد الأربعة الّذين باهل بهم رسول الله ((صلى الله عليه وآله وسلم)) نصارى نجران بنصِّ القرآن، باتّفاق كلِّ متّفِق! وهو أقرب القربى الذين أمر الله تعالى في كتابه بمودّتهم بلا مقدّمة.
وهو أبو عبد الله جوهر الثّقل الإلهي من الثقلين اللذَين مَن تمسّك بهما نجا ومن تخلّف عنهما ضلّ وغوى!
لنعرف بعد ذلك من هذا الّذي غوى وكيف ضلَّ وهوى!نشأ الحسين في أحضان طاهرة، وحجور طيّبة مباركة، وتربَّى تحت أنظار أكابر المربّين، كجّدّه محمّد، وأبيه علي، وأمّه فاطمة بنت النّبي، فما أعظمها من أسماء، وهل الخبرة إلا فيهم، والعِلم إلا منهم؟! وكان الحسين وما زال ما أبَّى الدّهر فليأباه إماماً في غَرَّة الدّنيا، وشعاعاً في مناحي القلوب الصّافية النّبيلة، وقد صرّح رسول الله بإمامته للمسلمين في أكثر من موقف بقوله ((صلى الله عليه وآله)): «الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا»، كما قال فيهما: «اللّهمّ إنّي أُحبّهما فأَحب من يحبّهما». وبعدُ فليخسأ كلُّ عقيمٍ عن الفهم، وليبصر العاقل الكيّس الشّهم؛ ثمَّ مالنا ومن ناوأه، فحريٌّ بمن يناطح الجبل أن لا ينال منه شيئاً، وليَفهم المقصودُ أنّه المقصود، وليَشرع في إيقاف الإساءة بسوئه المعقود، فإنَّ لنا في الحسين قلباً، بل في كلِّ قلبٍ تجد حسينا.
شعبان المعظَّم 1432هـ
::: ** {أكّد أغلب المؤرّخين أنّه ((عليه أفضل الصّلاة وأتم التّسليم)) ولـِد بالمدينة في الثّالث من شعبان في السنّة الرّابعة من الهجرة، وثمّة مؤرّخون أشاروا إلى أنّ ولادته ((صلوات الله وسلامه عليه)) وقعت في السّنة الثّالثة من الهجرة بفارق عامٍ بين النَّقلين}**
::: تهنئ جماعة أنبياء أٌلي العزم (ع) صاحب العصر والزّمان الإمام الحجّة (ع) وكافّة المحبِّين بميلاد سيّد شباب أهل الجنّة الإمام الحسين(ع).
نسألكم الدعاء –(جماعة أنبياء ألي العزم (ع)-قِسم المناسبات الميمونة).
السید أمین السعیدی
للتعلیق أو مطالَعة التعلیقات اضغط هنا