[dropshadowbox align=”center” effect=”lifted-bottom-left” width=”870px” height=”” background_color=”#fbf9c8″ border_width=”3″ border_color=”#ffffff” ]
بيان سماحة السيد أمين السعيدي حفظه الله حول تفجير مسجد القديح بالقطيف
لسنا هنا لنقدِّم التعازي ونذرف الدموع ونَبث الأحزان؛ بل لنَفْرَح ونبارِك، وإذا قدَّمنا التعزية فإنما نقدّمها لتسلية أهلينا وذوينا، وأهلونا وذوونا لا نساويهم بالأثمان. ولأننا نمتلك إنسانية الإنسان؛ فإنّا لا نودع الجثمان للنسيان.
إنّ ما وقع -في الموافق لجُمعة الثالث من شعبان 1436هـ المصادِف 23 May 2015 في القطيف، تحديداً القديح، بما راح على إثره مئةٌ واثان (102) ما بين شهيدٍ ومصاب، كبارٍ وشبابٍ وأطفال- يَتجاوز حدَّ الاستنكار والحديث.
قديحُنا الوادعة، وكلنا قديحيون، ووفاؤنا لكرامة القديح، وعِرْضِ القديح، وشرف تراب القديح، وطهارة ماء القديح، وكرم قديحنا الوفية، وشموخ قديحنا الأبية، تترجمه الدماء الزاكية التي يستحقها حَجَر القديح العاطر، ونخيل القديح الشامخ.
لربما داعش لا تَعْي ما نقول، لكنّ إعلانها التبني للعملية الانتحارية الشيطانية، يضع أمام الجميع استفهاماتٍ مُلِحّة كثيرة، وتَستَتبِع إجراءات عملية جادة وحقيقية، تعلِّمهم بأنّ ما جرى لا ينتهي عند حد التبني وإنما يَجرّ التحمل للتَّبِعات الحاسمة.
أما داعش؛ فطربَتْ بنزيف دماء أبنائنا وأهلينا، وضربَتْ ضربةَ الجبان الهزيل الضعيف المرعوب المنهزِم، الذي يكيل الضرب ويفر من مواجَهة الرِّجال، وكل أبناء القطيفِ تلامذةُ عليٍّ والحسين رجالٌ وأبطالٌ تَفورُ فيهم أزهى وأنقى معاني الغيرة والشجاعة والحَميّة، فلا تَفْرح داعش كثيراً وتساوِم بما حققَتْه من الحماقة؛ لأنها على الواقع لم ولن تحقِّق شيئاً يُعتَد به لصالحها، بل فتحَتْ على نفسها باباً جديداً من الشرِّ يمتاز على غيرِه بما سيجرِّعها مَرارة الجزعِ والخَيبةِ والمِحنة، فإن فرحتم قليلاً فأنتم الباكون كثيراً بحول الله تعالى؛ أما فرحتكم فهي فرحة الجبناء الخائبين، وأما حزنكم فستُدرِكونه بما خبّأته لكم الأيام الواعدة على أيدي أبناء الهِمَم العظيمة والإيمان الحَصين؛ فلا تُجرِّبوا بسالة أبناء القطيف؛ فإنها تعلو ولا يُعلى عليها.
وإذا ما أردنا أن نضع سؤالاً في مقرِّه الصحيح؛ فأوَّل ما نَسأل:
لماذا أسمَتْ داعش دولتها المزعومة بدولة الإسلام في العراق والشام؟ لماذا لم تقُل مثلاً: دولة العراق والشام والحجاز؟ أو لماذا تجد في نفسها اختراق الحجاز من أسهل الأهداف المتاحة لها كما أعلنَتْ بثقةٍ غيرة مرَّة؟
الجواب يعرفه الجميع، وإن لم يُجِد برمجته البعض؛ فداعش منذُ زمنٍ طويل ترى أنّ مكة والمدينة بأيديها وبقبضة مؤيديها، وهي ليست بحاجة لأن تحقِّق نصراً مظَفَّراً على هذا الصعيد، وإلا كان تحصيلاً للحاصل؛ وتحصيل الحاصل باطلٌ مستحيل؛ فالكأس المملوء بالتراب لا يمكن إملاؤه بالتراب.
ونحن في الحجاز لن نكن صيداً سهلاً لهذه الزمرة الطاغية الخبيثة التي تسمِّينا أمام راعينا أنجاساً ومشركين وكفرة وكل ما يحلو لها من العَفَنِ والقذارة التي نشأَتْ وترعرعَتْ عليها في دُورِ العبادةِ والمدارِس. أما نحن؛ فكفانا عُذراً أن أَتممنا الحُجة بالسِّلمِ والصَّبرِ والتّحمّل ببراءة الوديع الذي لم يَعتدِ يوماً على أحدٍ كما هي سجية الشيعيِّ الحسينيِّ الأصيل في كلِّ مكان وأوان، وكلُّ العالَم يَعرف بأنّ الشيعي لا يُفَجِّر المسلمين والآمنين، وأنه خَلِيٌّ من هذه السُّنَّةِ الإبليسية العمياء براءةَ الذئبِ مِن دمِ ابنِ يعقوب، كما أتممنا الحُجة نفسها بما قُدِّم من الأبرار الأبرياء في الأحساء أولاً وفي القطيف ثانياً، واللبيبُ لا يَنتظِرُ الثالثة، والمؤمنُ لا يُلْدَغ من جحرٍ مرتين، والناس إنما صَمتوا سلفاً لإبلاغ الحُجة، لا لأنهم آمنون سالمون، وهذه هي ضريبة الحُجة قدّموها بأغلى الأثمان وأَتموها بأحسن ما يَكون من العُذر.
وإنّ مما يزيد في قَرَحِ الملح على الجُرح؛ هو أن نَسمع المقولة الدنيئة العابثة الخبيثة التي ادَّعت في بادئ الأمر أنّ إيران هي مَن قامت بالعملية الغادرة! إلى أن جاء رسولُ داعشٍ مدوِّياً يَقْرَع الطبول ويصرخ في النفوس أنه هو الفاعل وأنّ هذه من مَفازاته التي لا ينبغي لأحد أن يُفاخِر بها لنفسه وينسبها لبراعته دُونه فحَسْب؛ فنَسأل:
أليست هذه بوادر التمزيق بعينها؟!
لقد سَئِمَ الناس من هذه الأرجوحة العوجاء والسُّنة الهبلاء التي جَعلتْ مِن الفُرس شماعةَ كلِّ محنةٍ وفشل وعِوَج، ونبراساً للتغطية على كلِّ جريمة وإثمٍ وتقصير.
وهناك استفهامٌ آخر لا يَنكفئ عن أن يكون الأكثر أهمية، والأشد إلحاحاً؛ وهو أنّ الجرائد والصحف التي تُبَثُّ في بلادنا تحت النظر الرسمي والشرعي الحكومي وهو ينال أبسط مواضع الإعراب: أليست هي الغطاء التعبوي الإعلامي والمحرِّض العلني الذي مَهَّد منذ يومين لهذه الجريمة، وعلى أساسه قاس رُتبةَ التّأهُّل والتّأهُّب واستبَقَ الحدَث بتجنيد الصفوف لدعم الفعلة وتسبيب جميع الأسباب الممكنة لتحقيقها والدفاع عنها وإقامة جذورها على أحسن ما تأتي به من الثمار الشيطانية التي مِن ضِمْنِها تمزيق الناس وترويض الوحدة على وترٍ يَصرخ لا صوت يعلو صوت المعركة والتمزيق والطائفية؟
ألم يكن أولياء الأمور في هذا الوطن يقرؤون ويسمعون ذلك؟
ألم يكن الصمت أقوى مَشاعل الفتيل؟ ألم يعنِ ذلك أنّ السبيلَ سالكٌ والطريق معبَّدةٌ لِمَن يطمح لتحقيق مآرِبِه وإنجازات الدولةِ الداعشية المزعومة الدنيئة؟ ألم تكن أحداث القتل الفردية المتكررة في مختلَف قرى المحافَظة مؤشِّراً تاماً على هذا الذي حصل فتكون داعياً للحيلولة عن سيل هذه الدماء الجماعية البريئة؟ أم دماؤنا وأعرضنا ومشاعرنا باتت أقل قيمة من اللحوم الفاسدة التي تَأخذ عليها بلدية الدولة رسمياً الضرائب الغفيرة دون أدنى هوادة؟!
فكم مِن المؤشِّرات يحتاج راعينا ليدرِك بأنّ عليه أن يَلتزِم جِدِّياً بحماية الناس التي تَعهَّدها على نفسِه بتبوِّئه مقعده أمام الله تعالى ورسوله والمؤمنين؟ فالبيعة والحُكم ليسا مَنصباً تشريفياً؛ إنما هما المسؤولية، وكلُّ راعٍ مسؤولٌ أمام الله والمؤمنين عن رعيته.
وعلى نفْس الوطر، لو أردنا الوقوف على المجريات الميدانية بتقييم الجريمة احترافياً؛ فإنّها بَلَغَتْ أقصى درجات الصَّيْب؛ من نقطة اختيار المادة إلى نقطة الزمان والمكان؛ إذ اختار الضالُّ عدوُّ الله وعدوُّ رسوله، اختار أكبر مساجد المنطقة، وأكبر مساجد القديح التي تقع في غَيابات جُبِّ القطيف، وانتَخبَ أكثر الأوقات لحصدِ أكبر ما يمكن من النفوس الإلهية الطيّبة الطاهرة العابدة؛ فمِن أين حصل لديه كلُّ هذا الذكاء الحاد والاستقصاء الدقيق لمعلومات التنفيذ المحْكَم؟!
فهذا الضال عدوّ الله وعدوّ رسوله غريبٌ عن المنطقة، واستهدافه للموقع لم يكن اعتباطياً ولا اجتهاداً فردياً عابراً؛ فهو على مستوى الموضع إذا نظرنا له بقياسات الظروف الوضعية الميدانية لن نصفه بأقل مِن أنه فعلٌ مخطَّطٌ مدروسٌ بإتقان وبأعلى المعايير؛ وهذا كما يَجعل استفهاماً قائماً بنفسه، كذلك يدعو للحذر الكامل التام من أحداث مماثِلة لاحقة في مختلَف القرى غير مستبعدٍ وقوعها في القريب الآتي، خصوصاً بعد ضبط الناس لغيرِ واحدٍ من الأوغاد المجرمين الذين حاولوا القيام بأمثال هذا الحدث في نفس الوقت وبأساليب متعدِّدة.
لذا؛ من هذا المنطلق، نجد أنفسنا أمام هذه التهديدات الجبانة وفي ظل غلاء أرضنا وآبائنا ونسائنا وأبنائنا وأعراضنا، نجد أنفسنا أمام كل هذه التداعيات في وضعٍ يلزمنا بالوصف الصريح، ووضع الأمور في مواضعها التي سيحاسبنا الله تعالى عنها أشدَّ الحساب جميعاً؛ والتي منها ما يلي:
● أولاً:
لا مناصّ مِن تشكيل جهة شعبية محلية تقوم بدور حماية الناس في المنطقة بعنوانها الوطني المشرِّف، دعماً للدولة ودون ترقُّبٍ للدعم والتصحيح الجاد والفاعل إن لم يَحْصَل كما لم يَحصَل في الدالوة المغدورة الجريحة، سيما في ظل تلكؤ وتباطُؤ قوات الأمن عن نجدة الناس كما وقع أمام الجميع؛ إذ لم يبادِروا لموقع الحدث تلْوَ إبلاغِهم إلا بعد قرابة الساعة إلا ربع رغم قرب المسجد من مقر شرطة القطيف! ولَمّا حضر نفرٌ قليلٌ منهم بعد كل هذه الفترة الطويلة من التأخُّر قال أحد الضباط في وسط المسجد المهدَّم والناس المثكولين بذويهم أمامه وهو واقف على جثة المجرِم العفنة الممزَّقة بالتفجير الإبليسي الشيطاني: (الله يرحمه)! مما شَدَّ على قلوب الناس بالبأساءِ والضَّرّاء والغضبِ والتَّفَجُّع. والمرءُ لا يلومه العاقلُ المنصِف على شعوره المَكْلوم.
إنّ هذه الجهة الشعبية التي فرَضَها الواقعُ ضرورةً، تشكِّلُ درعاً حصيناً مساعِداً ورائداً في مثل هذه المسائل المصيرية، سيما إذا أخذنا بعين الاعتبار طبيعة المجتمع العربي ومعرفة الناس في القرى لبعضهم البعض؛ مما يسَهِّل عملية الحماية ويقلِّص الجهود والانعكاسات السلبية التي تترافق بالعادة مع آليات الضبط والتفتيش؛ إذ ليس من الصحيح استعمال أبناء المحافظات البعيدة لحماية محافظات أخرى لا يعرفون أهلها، فهؤلاء الأماجد العاملين –جزاهم الله خير جزاء المحسن- لا يجدي توظيفهم بهذه الصورة نفعاً بمثل هذه الظروف الدقيقة والأحوال الحرجة الحاسمة. فليس من الصحيح إزواء وعزل وإقصاء أبناء المنطقة عن حفظ أمن منطقتهم بأنفسهم وهم الأخبر بها والأعرف بأهلها والأسرع في إقامة دعائم الأمن والاستقرار وانتظام الأمور المتعلقة بتحقيق ذلك، وبأقل كلفة ممكنة، ليكونوا جنباً إلى جنب الضّبّاط الأماجد مِن أبناء المحافظات الأخرى العاملين في سلك الأمن والدولة لدى المحافظة، مع خالص الشكر لجهودهم المُقَدَّرة.
فهذا خيارٌ بات لا مناص منه بتاتاً، وقد أصبح مَطلبَ الناس جميعاً في هذه الناحية الشيعية لدى هذه الأقلية المستهدَفة، كما أنه يشكِّل هدية ثمينة للدولة والحكومة، شريطة أن يبقى ذلك بعنوانه الشعبي وباختيار الناس لأفاضلهم والمؤمنين الثقاة المخْلصين منهم.
● ثانياً:
وضع قوانين رسمية حقيقية جادة وحادة وصارمة تجرِّم أيَّ عملٍ من شأنه زعزعة الأمن وتفريق المواطنين وضعضعة الوطن، تشمل الدعاة والإذاعات والصحف والمواقع الإلكترونية سواء، وبحيث تكون معلنةً مشهورةً تُبَلَّغ للناس في مختلف الأماكن والأوقات إنذاراً وتذكيراً، وأن لا يقل التجريم في مستواه عن التجريمات التي نشاهدها في قرارات مجلس الشورى حول اللحوم الفاسدة ..، وأن يَحكمه السرعة والتوازن والعدل دون أدنى تهاونٍ ومُجاراةٍ وتسويف، وأن يكون التهاون بتطبيق ذلك أشد جرماً من الجريمة نفسها.
وهذا أيضاً أمرٌ لا مناص مِن جَعْله، وبات من المهام الملحَّة للدولة ومن أولى أولوياتها وامتحاناً واضحاً للجدية في درء المفاسد وردع الظالمين والقبض على الوطن بيدٍ حديدية قوية متماسة تُشعِر الناس بالطمأنينة المنكوبة والاستقرار المسلوب.
● ثالثاً:
إصلاح المناهج الدراسية الدينية برمَّتها كاملة دون استثناء؛ فإنّ هذه المناهج التي لا توَلِّد إلا الشرور هي أجدر بالتحريق وأن لا ترى النور بعد يومها.
فهل من أحدٍ بات في شكٍّ اليوم بفساد هذه المناهج التي ينمو عليها الطفل منذ نعومة أظافره، وأنها مناهج مليئة بالتعبئة التكفيرية والعدوانية والبغضائية؟
هل هنالك من بات يشك اليوم بأن هذه المناهج لا تقيم حقاً ولا تزرع حرثاً وأنها تحارِب أبسط الأوامر الإلهي وأَبده المبادئ الإنسانية؟ أم هل عجزَتْ عقولُ الرجال وكفاءات أبناء الوطن الشرفاء عن بلورة مناهج عصرية صالحة تؤتي أُكلها كلَّ حينٍ بما تحتاجه من التجدد والتجديد والتحديث الدؤوب والمستمر؟ أم ضعُفَتْ بلادنا بخلاً عن النفقة على ذلك وهي التي حباها الله تعالى بعباءة البترول والثروات الطائلة الممتدة؟
إنّ التربية والتعليم هما العصب الفاعل في إقامة الناس على المنهاج الصحيح السليم، وتهذيب نفوسهم بالفضائل والحب والإخاء والتسامح والتآلف والتواد والتعايش المثالي الوطني الجميل، ونبذِ العُنف ودعاة الإرهاب وترسيخ ذلك في النفس بمختلف القِيَم الدينية المؤثِّرة والفنون الإنسانية الفاعلة بجدارة، وإعمار العِباد والبلاد كما أَمر الله عز وجل، فما نراه من عوائد هذه المناهج من إحراف العِباد وإهلاكِهم وإفساد البلاد وتخريبها لَهوَ من أعظم الدلائل على فسادها وعدم إمكانية التغاضي عن بقائها تَرزح في المدارس والجامعات للحظة واحدة.
وهذا مطلبٌ بات أيضاً من الأمور الضرورية الحاسمة العاجلة جداً.
● رابعاً:
تعزيز المؤتمرات الوحدوية الصادقة، والإكثار منها بعزمٍ تام، وإعطاؤها مستحقّاتها الموضوعية الكاملة، بحيث تسع الجميع، وتشمل الجميع، وبحيث لا تكون مؤتمرات الوحدة هذه أشد حاجة للوحدة!
فيَلزَم أن تكون كفوءة وحريصة على تحقيق ما أريدت له من أهدافٍ إنسانيةٍ نبيلة، وأن تحوي من الرجال والدعاة الصالحين المصلحين ذوي البصائر والإخلاص والكفاءة العالية والمرونة المثالية دون انتقائيةٍ عجواء واستعمالاتٍ تسييسيةٍ عمياء، فتكون هذه المؤتمرات ذات صبغةٍ إلهيةٍ نزيهة خالية من كافة الاستغلالات الهجينة وبعيدة عن المفاخرات الشخصية والحكومية وشكليتها مَيتة الباطن والفعل.
وفي هذا الإطار يَلزَم تكوين لجنة متعددة الوجوه وتعددية الاتجاهات، تكون مستقلَّة يحدَّد لها موقعاً دائمياً ومقراً ثابتاً يتسم بثباته وتجواله معاً، وإحكامه بالأُسس والضوابط التي لا تفارِق العقوبة للمخلِّين بها ممن التزَموا على أنفسهم بالمشاركة البنّاءة، على أن يكون من جملة الضوابط الالتزام بتأسيس أواصر الوحدة بين العلماء ضِمن حريم المؤتمَر، لا الدعوة والمناظرة وإثبات حقانية مذهبٍ على آخر كما يحصل. هذا داخلياً؛ وأما خارج المؤتمر؛ فتَكون مهمّة المشارِكين التطبيق بالخطب والكتابة وغيرهما والرقابة جنباً إلى جنب الدعوة الجميلة لمذاهبهم دون عدوانٍ على الغير، بحيث تكون كلمة الحق والبحث هما الفصل والحُجة، ويُترَك المجال للمستمِع بأن يَقبَل الحُجة ويعتنِقها أو لا؛ فإنّ الوحدة لا تعني التخلي عن المذهب بتاتاً.
وأن يَتم الترحيب بجميع الدعوات المماثِلة ومساندتها الحقيقية ودعمها وتقويتها وتغليب صوتها في كافة الأرجاء على قاعدةٍ واحدة لا تفارِق: لا إكراه في الدِّين، وأنّ الله يحاسِب العِباد على قناعاتهم، وأنّ وظيفة الدعوي هي الإبلاغ والتبشير والإنذار لا الوكالة على الخَلْق، وما عدا ذلك مِن سنِّ القوانين وتطبيقها فهو موكولٌ لشأن الدولة والقضاء المتوازن العادل القائم على الأُسس الصحيحة مع كل فرقةٍ بما آمنت به مقتنة، على قاعدة: ألزموهم بما أَلزَموا به أنفسهم.
● خامساً:
لذا؛ كان لابد من التعريض بالقضاء، والوقوف على أهميته القصوى في سلامة الحياة وإقامة الحقوق؛ فلا يجوز أن يكون القضاء ذا سِمَةٍ واحدة ومبنىً واحد؛ إذ اللازم الصحيح في القضايا الحقوقية الشخصية هو أن يُحكم كل أناسٍ بما عندهم، كما أمر الله ورسوله، دون تحميلٍ جزافيٍّ للأحكام والإجراءات بصفتها العامة على الجميع بلا وجهٍ صحيح، وبصورة ظالمة ومفسِدة؛ فالقضاء والفساد وجهان لا يلتقيان؛ وهذا يُحَتِّم أن تكون لكل أَتباعِ مذهبٍ ما يحتكمون إليه مما أَلزَموا أنفسهم به، فإنّ الدين الإسلامي أكثر مرونة مما نراه في واقع المحاكم الجارية المتفردة بأحكام مذهبٍ واحد تُجرى على مَن تسالَم عليها ومَن ليس لديه إيمانٌ بها.
هذا في المذاهب الإسلامية، وأما غيرها من المذاهب الأخرى؛ فهي بحمد الله باتت تتسالم على القوانين الوضعية، والقوانين الوضعية جيدة في حقهم بدرجةٍ لا بأس بها إلا ما كان منها يحتاج للتوافقات القائمة على المباني الواضحة والأَنفعِ والأنجَحِ الأصلَح على قاعدة الالتزامات والتعهدات الموضوعة.
هذا كلُّه من حيث الحقوق الشخصية، وأما القضايا المتعلِّقة بحقوق الدولة؛ فالدولة كفيلة بتوحيد القانون الحكومي الوطني العادل العام الشامل لجميع المواطنين والرَّعايا؛ ذلك باعتبار مطاطية الأمر من هذه الجهة وخضوعه للشَّرطِ والمعاهَدة ضِمْن المَصالح المتغيّرة حسب تَفاوُت وتَغاير العلل المحلية والظروف التنظيمية.
● سادساً:
تنقية الحرمين الشريفين ومختلف المواقع الحساسة في البلاد من المتعصِّبين، وتعميم المواقع العبادية والوطنين لكافة المواطنين دون استثناء، وفسح المجال للجميع بممارسة شعائرهم السمحاء دون تضييق؛ فلا صوت يعلو صوت البرهان والإقناع والدعوة الحسنة.
وهذا أيضاً هو الآخر وسابِقه مِن أشد المَطالب إلحاحاً، ويمثِّل تحدياً كبيراً لكفاءة الدولة الموقَّرة وولاة أمرِها.
إنّ هذه الخطوات الحَصينة الجادة هي الجديرة وحدها إخواني بالحفاظ على نظام حياة الناس وسلامة وطننا العزيز، وقصمِ ظهر الإرهاب، والرد على داعش وأضرابها بما يفل طغيانهم وشوكتهم ويبدِّد طموحاتهم بعد أن حَسبوا لأنفسهم بأنّ أهدافهم باتت قاب قوسين أو أدنى من التحقق وأَعلَنوا ذلك صراحةً في كلماتهم وتسجيلاتهم الشيطانية الظَّلْماء، فخيْبَتُهم إنما تتحقق بالمعاجَلة السريعة الكاملة في إصلاح هذه الأركان الوطنية المهمة الأجدر بالاهتمام فوق كل الأولويات.
● ختاماً:
نتقدَّم بأحر التعازية لأقاربنا وأهلينا وذوي جميع المؤمنين الأحبة الذين قَضوا في الحادث الغادر، فنِعْمَ الشهادة، وما أحلاها من خاتمة يتمناها كل مؤمن؛ إنها والله السعادة، فمِن جميل المِنّة الربانية والانتخاب الإلهي التشريفي العظيم أن يَختار اللهُ سبحانه عبداً من عباده في حال الصلاة ويوم عيدٍ وفي مناسبةٍ شريفةٍ ميمونة، ويخرج من الدنيا إلى روضة القبر بوسام الشهداء الذين أَخذ الله العهد على نفسه أن يدخلهم الجنة برحمته مِن واسع أبوابها وأعلى قرارها فلا يحاسبهم، بل يفيض عليهم فوق المِنّة بالمِنَن الكبيرة الكثيرة، ويفاخِر بهم بجليل الصنيع تعويضاً لهم عما فارقوه من حطام هذه الدَّنِيّة الدانية الفانية، {فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ ويَسْتَبْشِرُونَ بالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ، يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللهِ وفَضْلٍ وأَنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ}[آل عمران: 170، 171]، ويُذيق المجرِمين شرَّ الهوان، فـ{مَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَن يُذْكَرَ فِيها اسْمُهُ وسَعَى فِي خَرَابِها؟ أُوْلَـئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوها إلاَّ خآئِفِينَ لهُمْ في الدُّنْيا خِزْيٌ ولَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ}[البقرة: 114]؛ إنها إخواني خير العطايا والهدايا، وجديرٌ بكلِّ مؤمنٍ أن يَفرح بمثل ذلك، وأن يرجوه لنفسه ويبكي على فوتِه عنه وعدم نيل هذا المَفاز العظيم الجسيم.
وفي الوقت الذي نسأل الله تعالى أن يمن على الشهداء والجرحى وذويهم بجميل مِننه ويزيدهم من جوده اللامتناهي أضعافاً كثيرةً مضاعَفة، ندعو الجميع لإظهار الفرح وعدم التوجّع والتفَجّع وإشمات الأعداء وإسعادهم، والتوقُّظ عن تكرر مثل هذه الجرائم والمِحَن، والحذر من الفتن. كونوا إخواني في الفتنة كابنِ اللَّبُون؛ لا ضَرْعَ لهُ فيُحْلَب، ولا ظَهْرَ لهُ فيُرْكَب. عليكم بالعمل الدؤوب على الاتحاد والتوحد والتماسك والتعاضد ونبذ الخلاف لتفويت الفرصة على الأوغاد وشركائهم المتجبِّرين وأعوانهم الغزاة، وتفويت غاياتهم جمعاء، وتوجيه أشد الصفعات لوجوههم النكراء، وترجمة ذلك بالسماحة، وسعة الصدور الممتزجة بالحنكة والحكمة والشهامة والبسالة والشجاعة والقوة والإباء والأَنَفة والحمية وعشق الشهادة التي عليها راح أئمتنا الأعاظم صلوات الأولين والآخرين عليهم أجمعين، وتقديم الصورة المشرَِّفة للدين والنبي والأئمة عليه وعليهم من الله أفضل الصلاة والتّسليم، وتمثيل خير وسامٍ للقدوة المثلى.
كما نهيب بترجمة ذلك بمختلف الأشكال المحمودة؛ كالتظاهرات السلمية، والحِداد العلني الفاضح، وإعمار بيوت الله وأماكن العبادة أكثر فأكثر، وتعريف المعزِّين بالكرم والجود والظليمة التي حيكت بالمؤمنين وتعرية النوازل التي اجتاحت قراهم، بمختلف الفنون؛ من الندوات العلمية والخطب الوعظية والشعر الناصع والتصاوير الواقعية البليغة النافذة، والإكثار من قراءة القرآن والابتهال بالصلاة والدعاء، وأن يكون الله تعالى هو العماد الأول والآخير، فإنّه عز وجل يرى كل شيء، ولا يعزب عنه مثقال ذرةٍ في الأرض ولا في السماء؛ فهو المَلِك الحقيقي والحاكم الجبار الحكيم:
{الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إنَّ النّاسَ قَدْ جَمَعوا لَكُمْ فاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إيماناً وقالُوا حَسْبُنا اللهُ وَنِعْمَ الوكِيلُ * فانقَلَبوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللهِ وفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ واتَّبَعوا رِضْوانَ اللهِ واللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إنّما ذَلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءهُ فَلا تَخافُوهُمْ وخافُونِ إن كُنتُم مُّؤْمِنِين}[آل عمران: 173 – 175].
واعلموا كل العلم أنّ الفرجَ قريبٌ قريب، وأنّ العدل شَرَع أحضانه ليَحل في الأرض بنوره الأبهج على عهد اللهِ لا مَحالة؛ فلا تبتئسوا؛ فالدرس جليلٌ ونفعه إذا استُثمِر أَجَلّ، فهذه ضريبة الحُب وضريبة النصر الكبير الحافل، وفيها من اللطائف الكثير من الجلائل؛ وليس إحداها إلا التّأهُب لأيام الله والاستعداد لأنوار وليِّه الأعظم والشعور بمعاناة الشعوبِ المظلومةِ المنكوبة.
إخواني! ألفٌ وزُهاء أربعمائة سنة والدنيا تعانِد الحسين، ما الذي نَتَج؟! فها هو الحسينُ في كلِّ حينٍ يَنتصِر، ويمتدُّ صيتُه، وتشرقُ شمسه، عاماً بعد عام، وفي كل زمانٍ وآن، وقديحنُا الأبية، صامدةٌ قوية، منذُ سنين وهي تَستلهِم ثبات الحسين وضياء الطَّف الشَّهباء، وتُفاخِر بقاع الدنيا باسمها الفريد العريق ونِحْلَتِها الأَخَّاذة (النَّجَف الصُّغرى)، فحريٌّ بمن ارتووا بمائها وناموا على ترابها أن يكونوا بحقٍّ نجفيين أبناء علي بن أبي طالب صريع المحراب، وشهيد الحقِّ والصواب.
وأخيراً لا يَفوتنا أن نتقدَّم بفائض التقدير والاعتزاز لمبادرة مجموعة من إخواننا السنة الشرفاء والجيران الأوفياء بإدانة حادثة الإجرام، وشجبهم للإرهاب الضال، وصدقهم في قول كلمة الفصل، جعلهم الله تعالى خير عونٍ وسندٍ لدينه والأُمة، وكثَّر سوادهم وأثابهم خير الجزاء.
والسلام عليكم أيها المؤمنون الصابرون ورحمة الله وبركاته.
أمين السعيدي
4 شعبان المعظَّم 1436هـ
[/dropshadowbox]
صور للواقعة وبعض الشهداء تغمدهم الله بواسع رحمته:
اصيلة المذهب
ش 5 شعبان 1436ﻫ 23-5-2015م در ساعت 9:27 ب.ظإن ما جرى من تفجير غيلة وحقدا متوارثا منذ الآلاف السنين ليس له تبيررا شريعا ولا حتى عقليا لمن يكن عقله على مستوى من الإدراك إنما هو الكفر بعينه لمن يرمينا بتلك التهمة الغبيه وكيف يكون ذلك لنا ونحن نتسب إلى مذهب أهل البيت الذي أصله نور النبوة محمد والذي ينفي الشرك والكفر ونحن نتبع ذلك فلسنا من الكفر والشرك في شي فلعبادة في مذهبنا هي لله وحدة لاشريك له وأهل البيت هم الوسيلة والنور الذي أوصلنا لذلك فحبنا لهم واتباعنا لا أمرهم هو فرض من الله الذي بيدة كل شي وجودنا ارزاقنا حياتنا مماتنا وحسابنا وكل أمر بيدة سبحانه