رسالة التطبير15 (عقيدة أبي مخنف ومناقشتها/ سند ينابيع القندوزي لنَطْح زينب المَحْمَل)
? موجز عناوين الأبحاث المتقدمة وفهرست المنعقِد هنا:
تَقدَّم من الأبحاث (المَدْخل) و(الفصل الأول)، تم بعدها الشروع بالفصل الحالي (الثاني)؛ وهو الفصل المتکفل بذكر وتحقيق (أدلة التطبير بالعنوان الأولي الخاص الصريح)، وقد تقدَّم منه المبحث الأول بـ(بيان ألفاظ العنوان) في مسألتين؛ كانت الثانية منهما حول الإجابة -إجمالاً- عن (هل الحُكم الأولي الصريح متوفر في التطبير أم لا؟)؛ فابتدأتُ المبحث الثاني بطرح أول دليل أولي خاص؛ والذي كان (حادثة نطْح العقیلة زينب عليها الصلاة والسلام جبينها بالمَحْمَل في الكوفة)، بدأتُ الكلام في الحادثة ببحث سَنَدها باستحصاء جميع الكتب (المَصادر) ومجموعة شهيرة من الكتب (المَراجِع) التي ذكرَتْها في صدد سرد الخبر ورواية أحداث الطف؛ فانتهى بنا الكلام عند تحقيق أحوال ورِجال أسناد الخبر الورادة في هذه الكتب، والتي ابتدأتُها بسند الخبر في كتاب (ينابيع المودة)، فتقدم الكلام في مؤلِّفه سليمان القندوزي، وبعض أحوال أبي مِخْنَف لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف بن سُليم الأزدي الغامِدي الذي قال القندوزي أنه ينقل خبر النطح من كتابه (مقتل الحسين)، وفيما تتمة الكلام في حال أبي مخنف:
الفصل الثاني: (أدلة التطبير بالعنوان الأولي الخاص):-
? المبحث الثاني:
الدليل الأولي الخاص الأول (حادثة نطْح العقیلة جبينها بالمَحْمَل):-
● عقيدة أبي مخنف ورَدُّ المناقَشات:
أقول: وهو على الأظهر –على ما عليه التحقيق- شيعي بالمعنى الخاص، وليس شيعياً بالمعنى العام فحسب، خلافاً لمن ذهب لتشيعي بمعنى له هوىً ومَيل لأمير المؤمنين وأولاده عليه وعليهم الصلاة والسلام، لا أنه كان شيعياً إمامي العقيدة؛ واستدلَ على هذا بكثرة رواية السنة عنه وتعبيرهم بشيعي، وأنّ تعبير شيعي كان في مصطلَح القدماء الأوائل يشير إلى المَيل وليس للتشيع بالمعنى الخاص الذي هو اعتقاد إمامة علي والأئمة المعصومين من الله تعالى بالنَّص، بخلاف مصطلَح رافضي الذي يقصدون به خصوص المعتقِد بإمامتهم عليهم الصلاة والسلام.
والصحيح أنّ هذا الكلام ليس بشيء؛ إذ أنّ أبا مِخْنَف وإن روى عنه علماء السُّنّة الأوائل وعبَّروا في حقه بلفظ شيعي، إلا أنهم طَعنوا فيه كعادتهم غالباً بالطعن في من يعتقِد إمامتهم صلوات الله وسلامه عليهم بالنَّص، بل ذَكروا فيه أشنع العبائر وسقَّطوه جملةً وتفصيلاً؛ ففي ترجمة أبي الفَرَج الوَرَّاق (ت: 438هـ) له بفِهْرِسْته[1] لم يَتعرَّض لحاله بشيء، لكن هاهو شهاب الدين الحَمَوي (ت: 626هـ) تَرجَم له في معجم الأدباء، قال:
(كان راوية أخبارياً صاحب تصانيف في الفتوح وحروب الإسلام. قال يحيى بن مَعِين: هو كوفي وليس حديثه بشيء)[2]. وقال ابن شاكر الكتبي الداراني (ت: 764هـ) في فوات الوفیات: (كان راوية أخبارياً صاحب تصانيف، وكان يروي عن جماعة من المجهولين؛ قال أبو حاتم: متروك الحديث، وقال الدراقطني: أخباري ضعيف)[3]؛ ولا يَخفى عليك –وأنت لبيب- أنّ مجرَّد الرواية عن مجهولين، ليست موجِبة لتسقيط رجلٍ بكُلِّه، وإنما يُنظَر لخبره ومجاهيله إن كانوا، وإلا لو كان مجرَّد الرواية عن مجهولين موجِب للإسقاط؛ لسقط كثير من الرواة. وهاهو شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد الذهبي (ت: 748هـ) تَرجَم له في الديوان، قال: (تركه ابن حبان وضعَّفه الدارقطني)، وقال في كتابه المُغْني في الضعفاء: (لوط بن يحيى أبو مخنف ساقط تركه أبو حاتم وقال الدارقطني ضعيف)[4] انتهى.
فلماذا وأبو مِخْنَف بهذا الحجم والثُّقل، والمؤرِّخون عِيالٌ له، لا يستغني صغيرهم فضلاً عن كبيرهم عنه، سيّما وأنّ أساطين المؤرِّخين من أهل السُّنّة شَحنوا كتبهم بروايته واهتموا بالنقل عن كتبه والتحديث منها وعنها واختصارها ..! فلَمّا استُهلِك الرَّجل واستُفرِغت كتبه ونفدت؛ انهالت في حقه كلمات المتأخرين بالتسقيط؟! فهاهو الذهبي وابن حَجَر شهاب الدين أبو الفضل العسقلاني (ت: 852هـ) يجيبان على ذلك؛ قال الذهبي في ميزانه:
(لوط بن يحيى، أبو مخنف، أخباري تالف، لا يوثَق به. تركه أبو حاتم وغيره. وقال الدارقطني: ضعيف. وقال [يحيى] ابن معين: ليس بثقة. وقال مُرّة: ليس بشيء. وقال ابن عدي: شيعي محترِق، صاحب أخبارهم. قلت: روى عن الصعق [الصقعب] بن زهير وجابر الجعفي ومجالِد. روى عنه المدائني وعبد الرحمن بن مغراء)[5]. وهذا الذي ذكره الذهبي في الميزان، نفسه أورده ابن حَجَر في لسانه على ميزان الذهبي، فأردَفه قائلاً: (وقال أبو عبيد الآجري: سألت أبا حاتم عنه فنَفض يده وقال: أحدٌ يَسأل عن هذا؟! وذكره العقيلي في الضعفاء)[6] انتهى.
أفلا تلاحِظ كيف أنّ كلماتهم جَعلت تشيعه علة لضعفه؟!
وإذا سألتهم ما هي تلك الأخبار المحترِق –المتعصِّب- لها أبو مخنف في نظركم؟ فهاهو أبو حامد عبد الحميد بن هبة الله المعروف بابن أبي الحديد المعتزِلي (ت: 656هـ) يجيبك ببعض الجواب دون أن يَقصد؛ إذ قال في شأن الأراجيز التي رواها في وصاية النبي صلى الله عليه وآله لعليٍّ عليه الصلاة والسلام وصياً وخليفة: (ذَكر هذه الأشعار والأراجيز بأجمعها أبو مخنف لوط بن يحيى في كتاب وقعة الجَمَل)[7].
وروى الطبري، قال: (قال أبو مخنف عن الصقعب بن زهير عن الحسن قال: أربع خصال كن في معاوية لو لم يكن فيه منهن إلا واحدة لكانت موبقة: انتزاؤه على هذه الأُمّة بالسُّفهاء حتى ابتزها أمرها بغير مشورة منهم وفيهم بقايا الصحابة وذوو الفضيلة، واستخلافه ابنه بعده سكّيراً خِمّيراً يَلبس الحرير ويَضرب بالطنابير، وادعاؤه زياداً وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الولد للفِراش وللعاهِر الحَجَر، وقتْلُه حِجْراً ويلاً له مِن حِجِر وأصحاب حِجر مرتين)[8].
كما أن أبا مخنف يُسنِد لشيعة موالين عدول كُثُر؛ كأبي خالد الكابُلي أحد أصحاب وحواريي الإمام السجاد سلام الله عليه، وعُقبة بن بشير الأسدي صاحب الإمامين السجاد وابنه الباقر سلام الله عليهما، ومحمد بن قيس الكوفي صاحب الباقر والصادق عليهما الصلاة والسلام، وعبد الله بن شريك العامري الذي كان من حواريي الصادقَين سلام الله عليهما وجاء عنه في الحديث أنه يكر ويرجع بين يدي القائم أرواحنا فداه ويكون صاحب لواء عند ظهور الحُجة صلوات الله وسلامه عليه، وقُدامة بن سعيد بن زائدة الثقفي وعمرو بن خالد الواسطي صاحبَي أبي عبد الله عليه الصلاة والسلام، وأبي حمزة الثُّمالي الأزدي الكوفي الذي قال فيه الرضا عليه الصلاة والسلام أنه لقمان زمانه وقد خدم السجاد والباقر والصادق وأبا الحسن الكاظم صلوات الله وسلامه عليهم وكان من خيار أصحابنا ومعتمَديهم، كما يسند أبو مخنف أيضاً للأئمة المعصومين سلام الله عليهم ببروزٍ واضح؛ يسند لأمير المؤمنين والحَسن والحسين والسجاد والباقر والصادق صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين[9]، بخلاف عادة علماء السُّنَّة.
بل هل كان لمِثل أبي مِخْنَف أن يَكتب أحداث آل محمد وخواصهم بهذه التخصصية والاهتمام والتركيز والسعة مِن كثرة كُتبه فيهم وإعراضه الكبير عن بني أمية والكتابة في تاريخهم إلا ما ذكره ابن شاكر في وفاة الوفيات فيما عَدَّه مِن كُتبه (كتاب وفاة معاوية وولاية يزيد ووقعة الحَرَّة ومقتل عبد الله بن الزبير[10])[11]، وهو حقيقةً بعنوانه أيضاً قادحٌ فيهم كما ترى، وكذا إعراضه عن بني العباس ومُجانَبة الكتابة في تاريخهم مجانبة واسعة متعمَّدة، في ظل سيطرة بني أمية وبني العباس من بعدهم وتأمين أعوانهم ودعاتهم بزمن كان يُقتَل ويُنَكَّل فيه مَن يَذكر أئمة الهدى عليهم الصلاة والسلام ويروي عنهم ويؤرِّخ لهم ولشيعتهم، هل كان لمِثل أبي مِخْنَف أن يَفعل كل ذلك لو لا أنه كان شيعياً إمامياً موالياً خالصاً؟!
● دعوى رواية أهل السُّنّة عنه واقتصارهم على لفظ شيعي:
وأما رواية البعض منهم عنه أو اقتصارهم على لفظ شيعي فيه؛ فإنّ الرواية من بعض السُّنّة عن الشيعة حاصلة في كثير من العلوم والفنون، سواء الشيعة بالمعنى الأعم أم الأخص.
هذا من جهة. ومن أخرى؛ فإنّ أبا مِخْنَف متحدِّث -غالباً- عن المَغازي والوقائع والحروب، وهذا –غالباً- لا يشكِّل مُعْضلة لهم عند مجرَّد النقل عنه، على الأقل بالنسبة لمثل حاله وخصائصه؛ فأنت خبير في أنّ هذه ليست عقيدة، وإنما نقْل للحَدَث، والعقيدة تتشكل عليه لا أنها هي والنقل سواء؛ ألا ترانا نُعَبِّر مثلاً بأنّ ناقل الكُفر ليس بالضرورة كافراً؟؛ فهذا إشارة إلى أنّ الرواية لا تساوِق العقيدة، سيّما وأنّ الناقلِين عنه في حاجة واضطرار لِما كَتب وهو الأسبق والعَلَم الأوفر وله من الثقل ما لا يُستغنى عنه حتى عُدَّ أكبر المؤرِّخين الأولين في عصره وما سبقه وأستاذ هذا الفن وعنده أيام الناس ومختلَف الأخبار المتكثرة بوفْرَتها في قومه، وكون كُتبه كانت شهيرة بين العامة والخاصة لا يُنكر عليه صحة ما فيها ممن هم بقربه ممن عرفوا الأحداث وخَبِرُوها ..؛ لذا كان آنذاك مما يُسكن إلى كُتبه ويؤخَذ عنه، وكتابه المَقتل الكتاب القيِّم الثمين الجليل بموضوعه الكبير العظيم أول كتاب في تاريخ واقعة الطف على الإطلاق، ولا غنى لأحد عنه، بل لو استغنى مؤلِّفٌ –كالطبري والجزري ونظائرهما- عنه لكان ذلك نقصاً داخلاً عليه، بل سيّما وأن أبا مخنف يروي الأحداث –مثلاً أحداث الطف- بواسطة أو واسطتين أو ثلاث لا مباشرة.
كما لا يقين لدينا في أنّ تعبير كل أحد من قدماء السُّنّة أو تعبير أحد معيَّن منهم في شخص بلفظ الشيعي يعني دائماً –باطِّراد- مجرَّد المَيل فحسب. كل ذلك ناهيك عن أنّ فيهم متقصِّد وفيهم غير متقصِّد، وفيهم معتدِل وفيهم متعصِّب، والمتأخرون لا عِلم لهم بتفاصيل أحوال المتقدمين بنحو التمام، وقد شيء واضح للسابقين ولوضوحه كان غنياً عن الكلام؛ تماماً كتوثيق بعض المشاهير الأجلاء جداً الذين لا حاجة عندهم لتوثيقهم بعد وضوح وثاقتهم للكل.
وهاهو أبو المُنْذِر هشام بن محمد بن سائب الكلبي الكوفي النَّسّابة (ت: 204هـ وقيل: 206هـ) مع قربه من أبي عبد الله علیه الصلاة والسلام إلا أن بعض أكابر علماء السُّنّة أَخذوا عنه ووثقوه وشحنوا کتبهم منه رغم تصریحهم بأنه رافضي، فقد صَرَّح الشيخ النجاشي –الذي هو من أساطين علماء الشيعة في الرِّجال- بكونه إمامياً، قال فيه:
(العالم بالأيام، المشهور بالفضل والعلم، وكان يختص بمذهبنا. وله الحديث المشهور قال: اعتللت علة عظيمة نسيت علمي فجلست إلى جعفر بن محمد عليه السلام فسقاني العلم في كأس، فعاد إلي علمي. وكان أبو عبد الله عليه السلام يقربه ويدنيه ويبسطه[12]. له كتب كثيرة)[13]. قال ابن حَجَر في لسانه: (قال أبو حاتم: هو أَحب إليَّ من أبيه)[14]. وقال أبو الصفاء ابن أيبك الصَّفَدي الألبَكِي (ت: 764هـ) في الوافي: (قال ابن المعتز قال لي الحسن بن علية[15] العنزي كان يحيى بن معين يحسن الثناء على هشام وكان أحمد بن حنبل يكرهه)[16].
بينما نلاحظ ابن حنبل والدارقطني وغيرهما ضعَّفاه، وتركوه لأنه شيعي وراوية للمَثالِب؛ قال الذهبي في سِيَر أعلام النُّبَلاء: (ابن الكلبي العلامة الأخباري النّسّابة [الحافظ][17] الأوحد أبو المنذر هشام بن الأخباري الباهر محمد بن السائب بن بشر الكلبي الكوفي الشيعي أحد المتروكين، كأبيه. روى عن أبيه [أبي النضر][18] كثيراً، وعن مجالد، وأبي مخنف لوط، وطائفة. حَدَّث عنه: ابنه العباس، ومحمد بن سعد، وخليفة بن خياط، وابن أبي السري العسقلاني، وأحمد بن المقدام العجلي [وروى له البلاذري في تاريخه][19]. قال أحمد بن حنبل: إنما كان صاحب سَمَر ونَسَب، ما ظننت أن أحداً يحَدِّث عنه [يعني لم يكن من نَقَلَة الحديث][20]. وقال الدارقطني وغيره: متروك الحديث. وقال ابن عساكر: رافضي ليس بثقة. وله كتاب ’’الجَمهَرة‘‘ في النَّسَب[21] [وهو مشهور][22]، وكتاب ’’حِلْف الفضول‘‘، [وحِلْف عبد المطلب وخزاعة، وحلف تميم وكلب، وكتاب بيوتات قريش، وفضائل قيس عيلان، وبيوتات ربيعة، وكتاب الموردات،][23] وكتاب ’’المنافرات‘‘، وكتاب ’’الكُنى‘‘، وكتاب ’’ملوك الطوائف‘‘، وكتاب ’’ملوك كِنْدة‘‘. وتصانيفه جَمّة، يقال: بلغت [أزيد من][24] مائة وخمسين مصنفاً [سردها ابن النديم في كتابه الفِهْرِسْت، فبلغ ما سرده مائة وأربعة وأربعين كتاباً][25]. [وهشام لا يوثق به][26] وكان أبوه مفسراً، ولكنه لا يوثق به أيضاً، وفيه رفض كابنه [يعني رافضي إمامي]. مات ابن الكلبي على الصحيح سنة أربع ومائتين، وقيل: بعد ذلك بقليل، وقد ذكرته في ’’ميزان الاعتدال‘‘. وقيل: مات سنة ست ومئتين)[27].
وقال في كتابه تاريخ الإسلام: (روي عنه قال: حفظت ما لم يحفظه أحد، ونسيت ما لم ينسه أحد. ومع فرط ذكاء ابن الكلبي لم يكن بثقة، وفيه رَفْض)[28]. وذكر ابن حَجَر في كتابه لسان الميزان ما ذكره الذهبي في ميزان الاعتدال، ثم قال:
(كان واسع الحفظ جداً ومع ذلك يُنسَب إلى غفلة[29]. وقرأتُ في كتاب البصائر والذخائر لأبي حيان التوحيدي عن الماهاني قال دخلت على هشام ابن الكلبي فأطعمني وقال في كلام دار بيننا لَمّا مات أبي ندم الخليفة أشد ندم فقلت أكان ضربه قال لا قلت أكان حبسه قال لا ولكن كذا أخبرني سعيد علامنا. وهذا تحامل على ابن الكلبي لاحتمال أن يكون ندمه لتفريطه في كثرة الأخذ عنه والاستفادة منه ونحو ذلك. وذكره ابن أبي طي في الإمامية وقَصَّ له قصة مع جعفر الصادق رحمه الله تعالى ولا أظن صحتها ونقل عن ابن مَعِين أنه وثقه[30] وليس كما قال[31]. ونقل أبو الفرج الأصبهاني عن أبي يعقوب الخزيمي قال كان هشام ابن الكلبي علامة نسّابة وراوية للمثالب غليه[32] فإذا رأى للهيثم بن عدي ذاب كما يذوب الرصاص[33]. وذكر في ترجمة دريد بن الصمة عدة أخبار ثم ختمها بأن قال وهذه الأخبار التي ذكرها عن ابن الكلبي موضوعة كلها والتوليد في أشعارها ظاهر إلى أن قال ولعل هذا من أحاديث ابن الكلبي. وقال يحيى بن معين غير ثقة وليس عن مثله يروى الحديث. قلت: واتهمه الأصمعي وذكره العقيلي وابن الجارود وابن السكن وغيرهم في الضعفاء)[34].
وقال الخليل الصَّفَدي بترجمته: (وقال الدارقطني وغيره متروك وفيه رفض قال ابن سعد توفي سنة ست ومائتين وقال الخطيب سنة أربع ومائتين وروى عنه خليفة بن خياط ومحمد بن سعد ومحمد بن أبي السري ومحمد بن حبيب وهو من أهل الكوفة قدم بغداد وحدث بها قال إسحاق الموصلي رأيت ثلاثة يذوبون إذا رأوا ثلاثة الهيثم بن عدي إذا رأى هشاماً الكلبي وعلوية إذا رأى مُخارِقاً وأبا نوّاس إذا رأى أبا العتاهية[35])[36]، وقد نقل عن هشام أساطين المؤرِّخين غير هؤلاء أيضاً، نقلوا عنه كثيراً؛ كابن سعد في طبقاته والطبري في تاريخه وياقوت الحموي وغيرهم.
● ومِثْله أبو سعيد عقیصا[37] بيّاع الكرابيس[38]
المُوالي الذي ذكره أبو الفضل العسقلاني قائلاً: (ذكره ابن حبان في الثقات فقال: روى عن علي [عليه السلام] وعمار. وعنه محمد بن جحادة. وقد أَخرَج له الحاكم في المستدرَك وقال ثقة مأمون ولم يتعقبه المؤلف في تلخيص المستدرك. وقال أبو حاتم هو لَيِّن وهو أحب إلي من أصبغ بن نباتة)[39]، بينما ترجمه الذهبي، قال: (أبو سعيد التيمي. عن علي [عليه السلام]. يقال اسمه دينار. شيعي. تركه الدارقطني. وقال الجوزجاني: غير ثقة. وروى عنه الأعمش، والحارث بن حصيرة. وقال ابن معين: رشيد الهجري سيء المذهب، وعقيصا شر منه)[40]، وقال بكتابه المُغْني في الضعفاء: (اسمه دينار شيعي جلد)[41]؛ يعني بجَلِد أي شديد التشيع لعلي عليه الصلاة والسلام. وقال الكناني:
([روى] عن علي رضي الله عنه. یُعَد في مَوالي بنى تيم قال النسائي ليس بالقوى. وقال الدارقطني متروك الحديث. وقال السعدي غير ثقة. وقال النسائي فيما نقله ابن عدي ليس بثقة. وقال البخاري يتكلمون فيه. وقال ابن عدي ليس له رواية يعتمد عليها عن الصحابة وإنما له قصص يحكيها وهو كوفي من جملة شيعتهم. وقال ابن معين ليس بشيء شر من رشيد الهجري وحبة العرني وأصبغ بن نباتة)[42]، وله ترجمة في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم الرازي تحت اسم دينار أبو سعيد عقيصا.
● ومِثله أيضاً أبوه
والد هشام محمد بن السائب بن بشر بن عمرو بن الحارث الكلبي، أبو النضر الكوفي، الذي كان من المخصوصين بالباقر والصادق عليهما الصلاة والسلام؛ ففي الكامل بعد أن ذَكر له أبو أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني (ت: 365هـ) بضعة أحاديث قال: (وللكلبي غير ما ذكرت من الحديث أحاديث صالحة وخاصة عن أبي صالح وهو [يعني محمد الكلبي] رجل معروف بالتفسير وليس لأحد تفسير أطول ولا أشبع منه وبعده [تفسير] مُقاتِل بن سليمان إلا أن الكلبي يفضل على مقاتل لما قيل في مقاتل من المذاهب الرديئة. وحَدَّث عن الكلبي الثوري وشُعبة وإن كانا حدثا عنه بالشيء اليسير غير المسند وحَدّث عن الكلبي بن عيينة وحماد بن سلمة وإسماعيل بن عياش وهشيم وغيرهم من ثقات الناس الشوم[43] بالتفسير وأما في الحديث فخاصة إذا روى عن أبي صالح عن ابن عباس ففيه مناكير واشتهر به فيما بين الضعفاء يَكتب حديثه)[44].
وفي ميزان الاعتدال للذهبي: (قال ابن عدي: وقد حَدَّث عن الكلبي سفيان وشُعبة وجماعة، ورضوه في التفسير، وأما في الحديث فعنده مناكير، وخاصة إذا روى عن أبي صالح، عن ابن عباس)[45]، وفي الأعلام:
(قال النسائي: حدث عنه ثقات من الناس ورضوه في التفسير، وأما في الحديث ففيه مناكير)[46]، وقد روى عنه خلق كثير جداً من ثقات السُّنة وأكابر علمائهم؛ قال أبو الحَجّاج يوسف بن عبد الرحمن المِزّي (ت: 742هـ) في تهذيب الكمال:
(روى عنه: إسماعيل بن عياش، وجنادة بن سلم، والحَكَم ابن ظهير، وحماد بن سلمة، وخارجة بن مصعب، وروح بن القاسم، وسعد بن الصلت البجلي قاضي شيراز، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وسيف بن عمر التميمي، وشُعبة بن الحَجّاج، وعبد الله بن المبارك، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى، وعبد الملك بن جريج، وعبد الملك بن أبي مروان الجبيلي، وعثمان بن عمرو بن ساج، وعلي بن علي الحِمْيَري، وعمار بن محمد الثوري، وعيسى ابن يونس، ومحمد بن إسحاق بن يسار، وأبو معاوية محمد ابن خازم الضرير، ومحمد بن عبيد الطنافسي، ومحمد بن فُضَيْل بن غزوان، ومحمد بن مروان السَّدِّي الصغير، ومعمر ابن راشد، وأبو المغيرة النضر بن إسماعيل، وابنه هشام بن محمد ابن السائب الكلبي، وهشيم بن بشير، وأبو عوانة الوضاح بن عبد الله، ويحيى بن كثير أبو النضر، ويزيد بن زريع، ويزيد بن هارون، ويعلى بن عبيد الطنافسي، وأبو بكر بن عياش، والقاضي أبو يوسف الكوفي. [ثم قال:] قال محمد بن عبد الله الحضرمي: مات بالكوفة سنة ست وأربعين ومئة. روى له الترمذي، وابن ماجة في التفسير)[47].
فقد رووا عنه وهو شيعي إمامي مقرَّب للأئمة عليهم الصلاة والسلام وشَحنوا كتبهم منه في حين أن الذهبي يقول عن عقيدته: (الكلبي العلامة الأخباري، أبو النضر محمد بن السائب بن بشر الكلبي المفسر. وكان أيضاً رأساً في الأنساب إلا أنه شيعي متروك الحديث. يروي عنه ولده هشام وطائفة)[48]، ويقول ابن حَجَر في تهذيب التهذيب: (وقال الساجي متروك الحديث وكان ضعيفاً جداً لفرطه في التشيع وقد اتفق ثقات أهل النقل على ذَمّه وترْكِ الرواية عنه في الأحكام والفروع)[49].
بالتالي؛ ما الضير في أن يروي أهل السُّنّة عن أبي مخنف، وكثيراً، سيّما وأنه –كما سبق- راوية للأحداث والوقائع وأيام الناس؟! إنّ روايتهم عنه ليست دليلاً على أنه ليس شيعياً إماميّاً، وقد مرَّ عليك أيضاً قول ابن عَدي في أبي سعيد عقيصا المُوالي أحد خواص أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام: (ليس له رواية يعتمد عليها عن الصحابة وإنما له قصص يحكيها وهو كوفي من جملة شيعتهم)؛ مفرِّقاً -ابن عدي- بين رواية الحديث ورواية القُصص والأحداث، وكذا –كما مر عليك- التفريق بين رواية الحديث عن هشام ورواية السِّيَر والوقائع والأخبار والأنساب ..، بل أيضاً إنّ من أسباب القول بأنّ أبا جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن كثير الطبري -صاحب تاريخ الأمم والملوك- رافضي المذهب هو كثرة روايته عن أبي مِخْنَف حتى روى عنه خمسمائة وسبعاً وثمانين رواية، فما فَتِئَ يقول قال أبو مخنف وما انفَكّ يقول قال أبو مخنف، فتاريخه مشحون بروايته.
إنّ حال أبي مخنف ليس -مثلاً- كحال القندوزي الذي نُسِبَ للإثني عشرية بمجرَّد نقله روايات عن الصادق عليه الصلاة والسلام وجابر بن عبد الله رضي الله عنه وكُتُب أهل السّنة في مَناقب أهل البيت وإمامتهم عليهم الصلاة والسلام دون قرائن واضحة على تشيعه، بل مع كون القرائن على العكس تثبت خلاف ذلك كما سلف بيانه؛ فلوط بن يحيى أمرُه مختلِفٌ تماماً، والقرائن على كونه شيعياً إمامياً -كما لاحظتَ- وافية لإثبات ذلك.
● دعوى عدم مزاورته للأئمة وعدم روايته عنهم مباشرة:
وأما دعوى أن أبا مخنف لم يزاور بعض الأئمة المعصومين الذين كانوا في زمانه؛ وأنه لم يروِ مباشرة عن الإمامين السجاد والباقر ولا الإمام الكاظم رغم معاصرته له عشر سنوات حسب تاريخ وفاته الأخير، وإنما روى عن السجاد بواسطتين وعن الباقر بواسطة بينما لم يروِ عن الكاظم سلام الله عليه حتى رواية واحدة بواسطة؛ فهذه الدعوى على فرض صحة ما فيها؛ فإنها لا تَسلب التشيع الخاص ولا تثبت التشيع المَيلي؛ فما أكثر الذين عاشوا في ديار بعيدة عن الأئمة ولم يزاوروهم وكانوا من خيرة الموالين الثابتين! والعكس بالعكس؛ ما أكثر من حضروا مجالس علوم الأئمة سلام الله عليكم ولم يكونوا من مواليهم.
ناهيك عن أنه روى عن الصادق عليه الصلاة والسلام مباشرة دون وسيط، وله –كما سلف- أراجيز ذكرها ابن أبي الحديد في صِفِّين وإمامة أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام ستأتيك، واهتم بالرواية عن بقية الأئمة الذين عاصرهم، وعدم روايته عن الإمام الكاظم عليه الصلاة والسلام طبيعي أن يَحصل من رجل كان في أواخر سِنّه، والإمام سجين.
كما لا علم لنا هل روى عن البقيّة .. مباشرة أم لا؛ فكتبه للأسف لم تصل لنا. ولو كان المقياس أن يروي عن البقية أو لا يروي، بهذه الكيفية؛ فهل نلتزم فيه بإخراج كل من على هذا المنوال من عقيدة الإمامية أيضاً! هذا؛ ولعل اندثار كل كتبه الثمينة ونوعيّتها، فيه ما يدلك على ولائه.
كما أنه رجل لُفِّقَ له ما لم يكتبه وكثُرَتْ عليه الكذّابة بما يشير –بنوعيّته- لقوة إيمانه وصلاحه، كيف وهو شيخ الأخبار والأكابر وقد أَخذ ثقات الأصحاب عنه؛ كهشام بن محمد بن سائب الكلبي الكوفي النَّسّابة الأخباري الشهير المتقدِّم ذِكره. وکما روى هشام عن شيخه أبي مخنف روى أيضاً عن أبيه أبي النضر الكلبي المفسر وروى عن مجالِد بن سعيد بن عمير الذي أيضاً روى عنه أبو مخنف كما رأيتَ في سِيَر أعلام النُّبلاء وميزان الاعتدال للذهبي ولسان الميزان لابن حَجَر العَسقلاني، وقد نقل عنه الطبري في تاريخه كثيراً، ومجالِد هذا من رواة واقعة الطف. قال عنه بعض علماء السنة کما في ميزان الذهبي[50] إنه شيعي وسقَّطوه.
وهاهو الشيخ الطوسي يتكلم عن تقيّة هشام، يقول في مختاره من رجال الكشّي: (محمد بن إسحاق، ومحمد بن المكندر، وعمرو بن خالد الواسطي، وعبد الملك بن جريح، والحسين بن علوان، والكلبي، هؤلاء من رجال العامة إلا أن لهم مَيلاً ومَحبه شديدة. وقد قيل: أن الكلبي كان مستوراً ولم يكن مخالِفاً)[51]؛ يعني كان مستوراً بالتُّقْية؛ فلا يَبعُد أن يكون أستاذه أبو مِخْنَف مثله متستراً متقياً بكيفيّةٍ ما؛ فظروف الشيعة كانت آنذاك محفوفة بالمخاوف الشديدة وملازَمة التَّسَتُّر، علاوة على أن خصوص هذه الشجرة الكوفية من الأزد معروفة بالولاء الشديد لعلي عليه السلام، وجد لوط مِخْنَف بن سليم الصحابي الجليل كان لَصيقاً من مقرَّبي أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام وأعمدته وقادته وولاته البارزين البارين وأخواه –مثلاً- الصّقعب وعبد الله بن سليم قُتِلا في معركة الجَمل معه سلام الله عليه، وقیل قُتِل يومها أيضاً أخوهما مخنف بن سُليم الذي هو جد أبي مخنف لوط بن يحيى؛ ففي وقعة الجَمَل -وهي أول معارك أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام بعد تسلُّمه الحُكم وتوجُّهه من المدينة إلى البصرة فجاءه أنصاره من الكوفة- أَورَد المؤرِّخون –ومنهم البلاذري (ت: 279هـ) وابن الأثير (ت: 630هـ) والمقريزي (ت: 845هـ)- قالوا:
(كانت راية الأزد من أهل الكوفة مع مخنف بن سليم، فضُرِب على رأسه فسقط، وأخذ الراية منه الصقعب بن سليم أخوه فقُتِل، ثم أخذها عبد الله بن سليم فقُتِل، وأخذها العلاء بن عروة فكان الفتح وهي بيده)[52]، وقد مَرَّ عليك صُحْبة أبيه يحيى -أو جده سعيد[53]- له عليه الصلاة والسلام. ولو كان في لوط بن يحيى زَيْغٌ وانحراف لكان من الوجيه أن يَنهى أبو عبد الله علیه الصلاة والسلام هشامَ الكلبي عن ملازمة أبي مخنف وتقويته وقراءة كتبه عليه وكتابتها والتحديث بها وترويجها وهو بهذا القدر بين الناس ويفوق حتى عوانة بن الحَكَم بن عياض الكلبي الكوفي الضرير[54] الأخباري المؤرِّخ الكبير في ذلك العصر (ت: 158هـ وقيل: 147هـ[55]) وهم سلام الله علیهم موجودون والعِلم مخزون فيهم، تماماً کما فعلوا علیهم الصلاة والسلام في توجیهاتهم لأصحابهم وصیانتهم کمحمد بن قيس الكوفي الذي ذُكر في رجال الكشي أنّ أبا عبد الله عليه الصلاة والسلام نهاه عن (السَّمْع من فلان وفلان)[56]. أو أن يقع بينهما –أعني بين هشام وأبا مخنف- كلام يمايزهما خصوصاً في ظروف زمانهما؛ فلا شيء من الأمرين وقع؛ فهشام بقي ملازِماً لشيخه أبي مخنف منسجماً معه حتى بعد وفاته ..
● مناقشة كلام ابن أبي الحديد في عقيدة أبي مخنف:
ثمَّ إنّ كلام أبي حامد المعتزلي عن أبي مِخْنَف بأنه (من المحَدِّثِين، وممّن يرى صحة الإمامة بالاختيار)[57] مما أَوقع البعض في تصوُّر عدم إمامية أبي مخنف واختيار ذلك بحقه، فكلامه هذا لا يكفي حجة على كون لوط بن يحيى كان شيعياً فحسب لا شيعياً إمامياً؛ فلا يَبعُد أن يكون ابن أبي الحديد لم يلتفِت لما سلف بیانه مما يتوجّه في حقه حسب زمن وجوده وهو –حامد المعتزلي- المولود سنة 586 والمتوفى 656هـ، کما أنه متأخر عن الشيخ الكشّي المعاصِر للغَيبة الصغرى صاحب المرحوم الكليني؛ فالشيخ الكشي وإن لم تحدد المصادر تاريخ ولادته لكنه من علماء القرن الرابع توفي سنة 350هـ، وهو –ابن أبي الحديد- متأخر أيضاً عن الشيخ النجاشي؛ إذ قيل بأن النجاشي ولد سنة 372هـ، ومتأخر أيضاً عن الشيخ الطوسي؛ فإنّ ولادته وقعت سنة 385هـ، ومتأخر أيضاً عن أبي جعفر المازندراني المولود 488 وقيل 489 والمتوفى 588هـ، .. وهؤلاء كبار المختصين الشيعة بالرجال لم يصدر عنهم شيء من قبيل قول ابن أبي الحديد؛ فمن أين جاء بهذه الفتوى في حق أبي مخنف هي وتتمتها الآتية مع أنك رأيت أقوال جملة من علماء السنة فيه بالتشيع والتلف والاحتراق ..؟!
بل مما يمكن أيضاً تسجيله على كلامه هذا؛ روايته الأراجيز وإمامة الوصي أمير المؤمنين سلام الله عليه؛ فإنّ فيها من المعاني ما ينقض القول بأنه ليس إمامياً؛ فمن الغرائب أن يتكلَّم ابن أبي الحديد بهذا الكلام بعد أن نَقل أشعاراً کثیرة عن أبي مخنف تنص على إمامة أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام بتنصيب من الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله تَعنَّى أبو محنف لجمعِها وتدوينها وحِفظِها وتخليدها!؛ فإنّ أبا مخنف لو لم يكن إمامياً محترِقاً لَمَا نقلها مع لحاظ عصره وسيطرة بني أمية ثم بني العباس وعدم دليل على كونه كان تابعاً للعباسيين وإلا لظفر بالمديح والثناء لا التهجم والتكذيب والطعن الشديد وهو على هكذا حال؛ فهي على العكس شاهدة بولائه الخاص، فاقرأ معي ما خلَّده لنا أبو مخنف ببركة مجهوده الجسیم، وسأسردها كلها لضرورتها؛ قال ابن أبي الحديد في عنوان ما ورد في وصاية علي من الشِّعر:
(ومما رويناه من الشعر المقول في صدر الإسلام المتضمن كونه عليه السلام وصي رسول الله قول عبد الله بن أبي سفيان بن الحرث بن عبد المطلب:
ومنا علي ذاك صاحب خيبر * وصاحب بدر يوم سالت كتائبه
وصي النبي المصطفى وابن عمه * فمن ذا يدانيه ومن ذا يقاربه!
وقال عبد الرحمن بن جعيل:
لعمري لقد بايعتم ذا حفيظة * على الدِّين، معروف العفاف موفقا
علياً وصي المصطفى وابن عمه * وأول من صلى، أخا الدِّين والتقى
وقال أبو الهيثم بن التيهان وكان بدرياً:
قل للزبير وقل لطلحة إننا * نحن الذين شعارنا الأنصار
نحن الذين رأت قريش فعلنا * يوم القليب أولئك الكفار
كنا شعار نبينا ودثاره * يفديه منا الروح والأبصار
إن الوصي إمامنا وولينا * برح[58] الخفاء وباحت الأسرار
وقال عمر بن حارثة الأنصاري، وكان مع محمد بن الحنفية يوم الجَمَل، وقد لامه أبوه عليه السلام لما أمره بالحَمْلة [على العدو]، فتَقاعس:
أبا حسن أنت فصل الأمور * يبين بك الحل والمحرم
جمعت الرجال على راية * بها ابنك يوم الوغى مقحم
ولم ينكص المرء من خيفة * ولكن توالت له أسهم
فقال رويداً ولا تعجلوا * فإني إذا رشقوا مقدم
فأعجلته والفتى مجمع * بما يكره الوجل المحجم
سمى النبي وشبه الوصي * ورايته لونها العندم
وقال رجل من الأزد يوم الجمل:
هذا علي وهو الوصي * آخاه يوم النجوة النبي
وقال هذا بعدي الولي * وعاه واعٍ ونسي الشقي
وخرج يوم الجمل غلام من بني ضبة شاب معلم[59] من عسكر عائشة، وهو يقول:
نحن بنو ضبة أعداء علي * ذاك الذي يعرف قدماً بالوصي
وفارس الخيل على عهد النبي * ما أنا عن فضل علي بالعمي
لكنني أنعى ابن عفان التقي * إن الولي طالب ثأر الولي
وقال سعيد بن قيس الهمداني يوم الجمل وكان في عسكر علي عليه السلام:
أية حرب أضرمت نيرانها * وكسرت يوم الوغى مرانها[60]
قل للوصي أقبلت قحطانها * فادعُ بها تكفيكها همدانها
* هم بنوها وهم إخوانها *
وقال زياد بن لبيد الأنصاري يوم الجمل، وكان من أصحاب علي عليه السلام:
كيف ترى الأنصار في يوم الكلب * إنا أناس لا نبالي من عطب
ولا نبالي في الوصي من غضب * وإنما الأنصار جد لا لعب
هذا علي وابن عبد المطلب * ننصره اليوم على من قد كذب
* من يكسب البغي فبئسما اكتسب *
وقال حجر بن عدي الكندي في ذلك اليوم أيضاً:
يا ربنا سلم لنا عليا * سلم لنا المبارك المضيا
المؤمن الموحد التقيا * لا خطل الرأي ولا غويا
بل هادياً موفقاً مهديا * واحفظه ربي واحفظ النبيا
فيه فقد كان له ولياً * ثم ارتضاه بعده وصيا
وقال خزيمة بن ثابت الأنصاري، ذو الشهادتين -وكان بدرياً- في يوم الجمل أيضاً:
ليس بين الأنصار في جحمةِ * الحربِ وبين العداة إلا الطعانُ
وقراع الكماة بالقضب * البيض إذا ما تحطم المران
فادعها تستجب فليس من * الخزرج والأوس يا علي جبان
يا وصي النبي قد أجلت * الحرب الأعادي وسارت الأظعان
واستقامت لك الأمور سوى * الشام وفي الشام يظهر الاذعان
حسبهم ما رأوا وحسبك منا * هكذا نحن حيث كنا وكانوا
وقال خزيمة أيضاً في يوم الجمل:
أعائش خَلي عن علي وعيبه * بما ليس فيه إنما أنتِ والده
وصي رسول الله من دون أهله * وأنتِ على ما كان من ذاك شاهده
وحسبكِ منه بعض ما تعلمينه * ويكفيكِ لو لم تعلمي غير واحده
إذا قيل ماذا عبتِ منه رميتِه * بخذل ابن عفان وما تلك آبده
وليس سماء الله قاطرة دماً * لذاك وما الأرض الفضاء بمائدة
وقال ابن بديل بن ورقاء الخزاعي يوم الجمل أيضاً:
يا قوم للخطة العظمى التي حدثت * حرب الوصي وما للحرب من آسى
الفاصل الحكم بالتقوى إذا ضربت * تلك القبائل أخماساً لأسداس[61]
وقال عمرو بن أحيحة يوم الجمل في خطبة الحسن بن علي عليه السلام بعد خطبة عبد الله ابن الزبير:
حَسَن الخير يا شبيه أبيه * قمت فينا مقام خير خطيبِ
قمت بالخطبة التي صدع الله * بها عن أبيك أهل العيوبِ
وكشفت القناع فاتضح الأمر * وأصلحت فاسدات القلوب
لست كابن الزبير لجلج في * القول وطأطأ عنان فسل مريب
وأبى الله أن يقوم بما قام * به ابن الوصي وابن النجيب
إن شخصاً بين النبي -لك * الخير- وبين الوصي غير مشوب
وقال زحر بن قيس الجعفي يوم الجمل أيضاً:
أضربكم حتى تقروا لعلي * خير قريش كلها بعد النبي
من زانه الله وسماه الوصي * إن الولي حافظ ظهر الولي
* كما الغوي تابع أمر الغوي *)[62].
كما أن ابن أبي الحديد تجاوز ذلك لحد نفى حتى مجرَّد أن يكون أبو مِخْنَف معدوداً من رجال الشيعة؛ إذ يقول في تتمة كلامه: (يرى صحّة الإمامة بالإختيار، وليس من الشيعة ولا معدوداً من رجالها)[63]! فليس ببعيد أن يكون ابن أبي الحديد تأثر بلكلمات أصحابنا، علماء الرجال المتقدِّمين عليه، عند كلامهم -المتقدِّم ذِكْره- عن أبي مِخنف، سيّما كلام الشيخ النجاشي الآتي؛ باعتباره هو الوحيد من علماء الشيعة الرجاليين أشار لعقيدة أبي مخنف وتوثيقه؛ فربما فَهم ابن أبي الحديد من ذلك ما قاله مشتبهاً، كما ربما أوقعته أسماء الكتب في ذلك ..؛ فالتَفِتْ واغتَنِم.
لقد حَفظ لنا أبو مخنف تراثاً عظيماً ثميناً كاد أن يُمحى من الوجود لولا بركات قلمه الشامخ الفَذ المُبِيْن، وأَسَّس مدرسةً في التاريخ والأحداث وأيام الناس امتدت في عرض هذا الفن وطوله، وطَأطأ لها العظماء رؤوسهم راغبين أو مُرْغَمين.
● وثاقته:
وعلى أي حال؛ فالرجل عندنا من الثقات مسكون لما يرويه حَسَنٌ، سواء قيل بأنه سُنّي شيعي الهوى أم قلنا شيعي إمامي.
وثَّقَه المرحوم أبو العباس النجاشي، قال: (لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف بن سالم[64] الأزدي الغامدي، أبو مخنف، شيخ أصحاب الأخبار بالكوفة ووجْههم، وكان يُسْكَن إلى ما يرويه)[65]. کما أنّ طريق الشيخ الطوسي إليه صحيح؛ إذ أحمد بن محمد بن موسى ونصر المنقري صاحب كتاب صِفِّين ثقتان على الأظهر.
أمين السعيدي
أوائل رجب 1438هـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
[1] الفِهرست، لابن النديم محمد بن إسحاق البغدادي: المقالة الثالثة الفن الأول ص122.
[2] انظر معجم الأدباء، المسمى إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب، لشهاب الدین ياقوت بن عبد الله الحموي: ج5 حرف اللام ص2252 ر926.
[3] انظر فوات الوفيات، لمحمد بن شاكر بن أحمد بن عبد الرحمن: ج3 حرف اللام ص225 ر405/1.
[4] المغني في الضعفاء، لمحمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز المعروف بالذهبي: ج2 حرف اللام ص234 ر5121.
[5] ميزان الاعتدال، لمحمد بن أحمد بن عثمان الذهبي: ج3 ص419 – 420 ر6992.
[6] لسان الميزان، لابن حجر أحمد بن علي بن محمد الكناني العسقلاني: ج4 ص492 – 493 ر1568.
[7] شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد المعتزلي: ج1 ص147.
[8] تاريخ الطبري، لمحمد بن جرير الطبري: ج4 تسمية مَن قُتل مِن أصحاب حِجْر رحمه الله وتسمية من نجى منهم ص208.
[9] هذا بحسب كتب الرجال المتقدمة نصوصها في عنوان صُحبته لأئمة آل محمد صلى الله عليه وآله.
[10] وفي معجم الأدباء، للحموي ج5 باب اللام ص2253 ر926 ذكر اسم الكتاب هكذا: (وفاة معاوية وولاية ابنه ووقعة الحَرَّة وعبد الله بن الزبير) ثم ذكر له كتاباً آخر باسم: (مقتل عبد الله بن الزبير). ومرَّ عليك ما هذا قبيله عن فهرست ابن النديم عند استعراضنا كُتب أبي مخنف في عنوان كُتُبه.
[11] فوات الوفيات، لمحمد بن شاكر بن أحمد بن عبد الرحمن: ج3 باب اللام ص225 ر405/1.
[12] وأُثْبِتَتْ: ينشّطه بدل يبسطه.
[13] رجال النجاشي، فهرست أسماء مصنفي الشيعة، لابن الكوفي أبو العباس أحمد بن علي: باب الهاء ص434 ر1166.
[14] انظر لسان الميزان، لابن حجر العسقلاني: ج6 ص197 ر700.
[15] تَعدَّد تدوين اسمه بين عليك وعلية ..
[16] الوافي بالوفيات، لخليل بن أيبك بن عبد الله الشافعي: ج26 ص54 – 55 ر32. ج27 ص212 ر3.
[17] انظر تاريخ الإسلام، لمحمد بن أحمد الذهبي: ج14 ص419.
[18] ميزان الاعتدال، لمحمد بن أحمد الذهبي: ج4 ص304 ر9237.
[19] انظر ميزان الاعتدال، لابن أحمد الذهبي: ج4 ص305 ر9237.
[20] ولهذا جاء في الكامل لعبد الله بن عَدِي الجرجاني ج7 ص110 ر9 / 2026 قال: (سمعت ابن حماد يقول حدثني عبد الله سمعت أبي يقول هشام بن الكلبي من يحدث عنه إنما هو صاحب سمر ونسبة وما ظننت أن أحداً يحدِّث عنه وهذا كما قال أحمد هشام بن الكلبي الغالب عليه الأخبار والأسمار والنسبة ولا أعرف له شيئا من المسند)؛ فهو راوية للأحداث والسِّيَر والأنساب والطرائف والشعر .. وليس من رواة الحديث.
[21] وهو المرجع الوحيد الذي يعول عليه أهل العلم بالنسب، وتوجد منه قطعة صغيرة تتألف من 13 ورقة، ولم يعثر له حتى الآن فيما نعلم على نسخة كاملة منه، وقد اختصره ياقوت الحموي في 167 ورقة، وذكر في نهايته أنه انتهى منه في العشرين من ذي الحجة سنة عشر وست مئة، وعندنا منه نسخة مصورة عن أصل كُتِب عن أصل المؤلف، وذكر كاتبها أنه فرغ من كتابتها سنة خمس وستين وست مئة، وهي نسخة في غاية النفاسة والضبط. (محقِّق المَصْدَر)
[22] تاريخ الإسلام، لابن أحمد الذهبي: ج14 ص420.
[23] تاريخ الإسلام، لابن أحمد الذهبي: ج14 ص420.
[24] ميزان الاعتدال، لمحمد بن أحمد الذهبي: ج4 ص305 ر9237. وانظر تاريخ الإسلام، للذهبي: ج14 ص420.
[25] قال ابن النديم محمد بن إسحاق البغدادي فِهْرِسْته ج1 المقالة الثالثة الفن الأول ص124: (أخبار هشام الكلبي: قال محمد بن سعد كاتب الواقدي هو هشام بن محمد بن السايب بن بشر عالم بالنسب وأخبار العرب وأيامها ومثالبها ووقائعها أخذ عن أبيه وعن جماعة من الرواة قال إسحاق المصلي كنت إذا رأيت ثلاثة يرون ثلاثة يذوبون علويه إذا رأى مخارقاً وأبا نواس إذا رأى أبا العتاهية والزهري إذا رأى هشاماً وتوفي هشام في سنة ست ومائتين وله من الكتب المصنفة ما انا أذكره على ترتيبه من خط أبي الحسن بن الكوفي) فسرَد أسماء كتبه.
[26] ميزان الاعتدال، لابن أحمد الذهبي: ج4 ص305 ر9237.
[27] انظر سير أعلام النبلاء، لمحمد بن أحمد الذهبي: ج10 ص101 – 103 ر3.
[28] انظر تاريخ الإسلام، لابن أحمد الذهبي: ج14 ص419 – 420.
[29] يعني حادثة نسيانه عِلمه وارتوائه إياه بكرامة أبي عبد الله الصادق عليه الصلاة والسلام، وقوله كما مرَّ في ترجمة الذهبي له بتاريخ الإسلام: (نسيت ما لم ينسه أحد).
[30] وأثبتها البعض بدل (وثقه) هكذا: (ونقله عن ابن مَعِين أنه وقفه) كما في المَصدر.
[31] لأن ابن مَعِين –کما ذكر ابن حَجَر بعد قليل- قال: (غیر ثقة وليس عن مثله يروى الحديث).
[32] ربما قصد غالٍ؛ أي عنده غلو. وأثبتها البعض: عيابة.
[33] أقول: الهيثم بن عدي كذاب ضعيف عند الفريقين، وهذه الرواية باطلة؛ إذ لا تليق بحال رجل كهشام برجل كالهيثم، والرواية المتعقَّلة هي الآتية في وافي الصَّفَدي الشافعي بالمجلَّدَين السادس والعشرين والسابع والعشرين؛ فتكون هذه معكوسة إن كان لها واقع مضمون شبيه. أو الرواية التي ذكرها أبو الفرج الوَرَّاق المعتزلي في فِهْرِسْته، المتقدِّمة في هامشٍ قريبٍ سابق، وابن النديم أَقدَم من ابن حَجَر والصَّفَدي بقرون ممتدة، بل والصفدي أقدم من ابن حجر بقرن؛ فالأول توفي سنة 438هـ، والثاني سنة 852هـ، والثالث 764هـ.
[34] انظر لسان الميزان، لابن حجر أحمد بن علي العسقلاني: ج6 ص196 – 197 ر700.
[35] تقدَّم الكلام -في الهامشٍ ما قبل السابق- حول ما ذكره ابن حَجَر والصَّفَدي وابن النديم من الذوبان.
[36] الوافي بالوفيات، لأبي الصفاء خليل بن أيبك بن عبد الله الصفدي الألبَكِي: ج26 ص53 – 54 ر32. ج27 ص212 ر3.
[37] ویجعله البعض بألف مقصوراً (عقيصى) كما كتبه الفيروزآبادي في القاموس، وهو لقب أبي سعيد التيمي.
[38] الكِرْباس ثوب غليظ يُتخَذ عادةً من القطن.
[39] انظر لسان الميزان، لابن حَجَر أحمد بن علي بن محمد الكناني العسقلاني: ج2 من اسمه دينار ص434.
[40] ميزان الاعتدال، لمحمد بن أحمد الذهبي: ج3 عقيصا ص88 ر5701. لسان الميزان: لابن أحمد بن علي الكناني: ج4 عقيصا ص180 ر466.
[41] المُغْني في الضعفاء، لأبي عبد الله بن أحمد الذهبي: ج2 ص64 ر4159.
[42] لسان الميزان، لابن حجر العسقلاني: ج2 من اسمه دينار ص433 – 434.
[43] هكذا في المَصدر، ولعلها سهو من النُّسّاخ أو مصحَّفة تحريفاً مكان: ورضوه؛ أي بدل (وشوم بالتفسير): (ورضوه بالتفسير) كما في نسخة أخرى وفي مختصر الكامل لتقي الدين أحمد بن علي المَقريزي في حرف الميم ص652 ر1626.
[44] الكامل، لعبد الله بن عدي الجرجاني: ج6 ص120 ر5 / 1626.
[45] ميزان الاعتدال، لمحمد بن أحمد الذهبي: ج3 ص558 ر7574.
[46] الأعلام، لخير الدين الزركلي: ج6 ابن السائب الكلبي ص 133.
[47] تهذيب الكمال، ليوسف بن عبد الرحمن بن يوسف بن عبد الملك بن أبي الزهر المزي: ج25 ص246 – 247 و ص252 – 253 ر5234.
[48] سير أعلام النبلاء، لابن أحمد الذهبي: ج6 ص248 ر111.
[49] تهذيب التهذيب، لابن حَجَر أحمد بن علي العسقلاني: ج9 ص159 ر268.
[50] انظر مجالد في ميزان الاعتدال للذهبي: ج3 ص438 ر7070.
وقال ابن النديم محمد بن إسحاق في كتابه الفِهرست بالمقالة الثالثة في أخبار الإخباريين والنسابين وأصحاب الأحداث والآيات الفن الأول في أخبار الإخباريين والنسابين وأصحاب السِّيَر والأحداث وأسماء كتبهم ص119: (مجالد بن سعيد بن عمير: من همدان ويكنى أبا عمير وكان الهيثم بن عدي يروي عنه ويكثر وكان راوية للأخبار وقد سمع الحديث وكان ضعيفاً عند المحدثين وتوفي سنة أربع وأربعين ومائة) وقیل توفي 143هـ.
[51] اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي)، للشيخ أبي جعفر محمد الطوسي: ج2 ص687 ر733. وخالفه كتابه في مَثالب العرب، راجع أعلام: علي وفاطمة والحسنين عليهم الصلاة والسلام.
[52] انظر أنساب الأشراف، لأبي بكر أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري: ج2 اشتباك الحرب .. ص241. الكامل في التاريخ، لابن الأثير أبي الحسن عز الدين علي بن محمد الجزري: ج3 ذِكر مسير علي إلى البصرة والوقعة ص251. إمتاع الأسماع، لتقي الدين أبي محمد أحمد بن علي المقريزي: ج13 ذِكر خبر وقعة الجمل ص247. وكذا تاريخ الطبري، للطبري: ج3 بخبر وقعة الجمل في رواية أخرى ص529، قال ناقلاً عمر عن أبي الحسن عن أبي مخنف عن عمه محمد بن مخنف، قال: (حدَّثني عِدّة من أشياخ الحيّ كلُّهم شهد الجَمَل قالوا كانت راية الأزد من أهل الكوفة مع مخنف بن سليم فقُتل يومئذٍ فتناول الراية من أهل بيته الصعب [الصقعب] وأخوه عبد الله بن سليم فقتلوه). وغیرهم؛ كالطبقات، لابن سعد: الطبقة الرابعة ر287 ذكر مخنف بن سُليم في طبقة الفتحيين، قال ذاكراً مقتل أخوَيه: (هو بيت الأزد بالكوفة وله إخوة ثلاثة: عبد شمس قتل يوم النخيلة، والصقعب قتل يوم الجمل، وعبد الله قتل يوم الجمل)، ونقل هذا إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرِّجال، لعلاء الدين مُغْلَطاي بن قليج: ج11 ص116 ر4471. ومثل ذلك ذُكِر في ذيل المذيّل، للطبري، المطبوع مع تاريخه: ج13 ص36.
والصحيح أن مخنف بن سليم عاش إلى صِفِّين، وشارك فيها مع أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام، وكان حامل راية الأزد كما روى جمع من المؤرخين، بل وعاش إلى ما بعد صِفّين إذ لم يُذكر أنه قُتل في صفين، وذُكِر فيه أحداث بعدها، وفي تقريب التهذيب ذكر أنه استشهد بعين الوردة في جيش التوابين سنة 64هـ، بينما صَرَّح الطبري في ذيل المذيّل في ج11 ص547 أنه عاش إلى سنة 80هـ.
فمن الشواهد على وجوده لما بعد وقعة الجَمَل؛ ما ورد في تاريخ الطبري، لمحمد بن جرير الطبري ج3 تحت عنوان القتال على الماء [في صِفِّين] ص567 –568؛ إذ جاء فيه: (قال أبو مخنف وحدثني أبي يحيى ابن سعيد عن عمه محمد بن محنف قال كنت مع أبي مخنف بن سليم يومئذ وأنا ابن سبع عشرة سنة ولست في عطاء [يعني لستُ من الجُند ليُفرَض لي عَطَاء] فلما منع الناس الماء قال لي أبي لا تبرحن الرحل فلما رأيت المسلمين يذهبون نحو الماء لم أصبر فأخذت سيفي وخرجت مع الناس فقاتلت قال وإذا أنا بغلام مملوك لبعض أهل العراق ومعه قربة فلما رأى أهل الشأم قد أفرجوا عن الشريعة اشتد حتى ملأ قربته ثم أقبل ويشتد عليه رجل من أهل الشأم فيضربه فيصرعه وسقطت القربة منه قال وأشِد على الشامي فأضربه فأصرعه واشتد أصحابه فاستنقذوه فسمعتهم وهم يقولون لا نأمن من عليك ورجعت إلى المملوك فاحتملته فإذا هو يكلمني وبه جرح رغيب فما كان أسرع من أن جاءه مولاه فذهب به وأخذت قربته وهي مملوءة وأتى بها أبي مخنفاً ..).
وفي كتاب وقعة صفين، لابن مزاحم المنقري (ت: 212هـ) تحت عنوان خروج محمد بن مخنف إلى القتال [في صِفِّين] ص 183 – 184: (نصْر: عمر بن سعد، عن رجل قد سماه [يعني عن أبي مخنف لوط بن يحيى] عن أبيه، عن عمه محمد بن مخنف قال: كنت مع أبي يومئذ وأنا ابن سبع عشرة سنة، ولست في عطاء، فلما منع الناس الماء قال لي: لا تبرح. فلما رأيت الناس يذهبون نحو الماء لم أصبر، فأخذت سيفي فقاتلت، فإذا أنا بغلام مملوك لبعض أهل العراق، ومعه قربة له، فلما رأى أهل الشام قد أفرجوا عن الماء شد فملأ قربته ثم أقبل بها، وشد عليه رجل من أهل الشام فضربه فصرعه، ووقعت القربة منه، وشددت على الشامي فضربته وصرعته، وعدا أصحابه فاستنقذوه. قال: وسمعتهم يقولون: لا بأس عليك. ورجعت إلى المملوك فأجلسته فإذا هو يكلمني وبه جرح رحيب، فلم يكن أسرع من أن جاء مولاه فذهب به، وأخذت قربته وهي مملوءة ماء، فجئت بها إلى أبي ..).
[53] نظراً لقوّة احتمالية عدم إدراك أبيه يحيى لأمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام بالنظر لتواريخ سلسلة نسل أُسرته، وأنّ جده سعيد هو المعني في كلمات الرجاليين بصحبة أبيه له عليه الصلاة والسلام.
[54] هو الآخر شیخ هشام الكلبي أيضاً ويروي عنه في كتابه المَقتل، ولم يكن تتلمذ هشام عنده كتتلمذه لدى أبي مخنف.
[55] (كان صدوقاً في نقله. قال محمد بن إسحاق النديم: توفي سنة سبع وأربعين ومائة) سِيَر أعلام النُّبلاء، لمحمد بن أحمد بن عثمان الذهبي: ج7 ص201.
[56] اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي)، للشيخ أبي جعفر محمد الطوسي: ج2 ص631 ر630.
[57] شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد أبي حامد عبد الحميد بن هبة الله المعتزلي: ج1 ص147.
[58] برح: أي ذهبَ، وبَرز وانكشف واستبان وظَهر وانجلى.
[59] المعلم، بكسر اللام: الذي علم مكانه في الحرب بعلامة أعلمها. (هامش المَصْىَر)
[60] المران: الرماح الصلبة اللدنة، واحدة مرانة. (هامش المَصْدَر)
[61] یقال لمن يظهر شيئاً ويريد غير: ضرب أخماسا لأسداس. والخمس والسدس من أضماء الإبل، والأصل فيه أن الرسل إذا أراد سفراً بعيداً عود إبله أن يشرب خمساً، ثم سدساً، حتى إذا أخذت في السير صبرت عن الماء. مجمع الأمثال 1: 418. (هامش المَصْدَر)
[62] شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد المعتزلي: ج1 ص143 – 147.
[63] شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد أبي حامد عبد الحميد بن هبة الله المعتزلي: ج1 ص147.
[64] في نسخة: سليم.
[65] رجال النجاشي، فهرست أسماء مصنفي الشيعة، لابن الكوفي أبو العباس أحمد بن علي: باب اللام ص320 ر875.
[alert color=”” icon=””]
موضوعات ذات صلة:
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11344/”]أ- رسالة التطبير1 (مَدْخَل، والصنف المخاطَب بهذه الأبحاث)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11381/”]أ- رسالة التطبير2 (أغراض ومبررات)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11444/”]أ- رسالة التطبير3 (الطُّرُق الحُجة لإحراز الحُكم الشرعي، ومراتبها، والطريق المختار)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11459/”]أ- رسالة التطبير4 (الإصلاح الداخلي للدليل)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11479/”]أ- رسالة التطبير5 (تشجيع العوام والمثقَّفِين على الجُرأة في الدِّين)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11495/”]أ- رسالة التطبير6 (علاج جدليّة: “تبصير الجاهل” و”تنبيه الغافل”)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11510/”]أ- رسالة التطبير7 (امتثال ’’حُكم الحاكم‘‘ وامتثال ’’فتوى المَرجِع‘‘)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11523/”]أ- رسالة التطبير8 (إحراز القطع وتفعيل أثره)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11540/”]أ- رسالة التطبير9 (لا أَتَكلَّم فيه بشيء)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11556/”]أ- رسالة التطبير10 (الفصل الثاني: أدلة التطبير بالعنوان الأولي الصريح)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11580/”]رسالة التطبير11 (تحقيق سند خبر نَطْح زينب المَحْمَل/ المصادر)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11598/”]رسالة التطبير12 (المَراجِع/ تحقيق سند خبر نَطْح زينب المَحْمَل)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11606/”]رسالة التطبير13 (تحقيق سند ينابيع القندوزي لخبر نَطْح زينب المَحْمَل)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11615/”]رسالة التطبير14 (أبو مخنف لوط/ سند ينابيع القندوزي لنَطْح زينب المَحْمَل)[/button]
[/alert]
للتعلیق أو مطالَعة التعلیقات اضغط هنا