أ- رسالة التطبير16 (حقيقة كتاب أبي مخنف ونتيجة بحث المصدر الأول لخبر النطح)
? موجز عناوين الأبحاث المتقدمة وفهرست المنعقِد هنا:
تَقدَّم من الأبحاث (المَدْخل) و(الفصل الأول)، تم بعدها الشروع بالفصل الحالي (الثاني)؛ وهو الفصل المتکفل بذكر وتحقيق (أدلة التطبير بالعنوان الأولي الخاص الصريح)، وقد تقدَّم منه المبحث الأول بـ(بيان ألفاظ العنوان) في مسألتين؛ كانت الثانية منهما حول الإجابة -إجمالاً- عن (هل الحُكم الأولي الصريح متوفر في التطبير أم لا؟)؛ فابتدأتُ المبحث الثاني بطرح أول دليل أولي خاص؛ والذي كان (حادثة نطْح العقیلة زينب عليها الصلاة والسلام جبينها بالمَحْمَل في الكوفة)، بدأتُ الكلام في الحادثة ببحث سَنَدها باستحصاء جميع الكتب (المَصادر) ومجموعة شهيرة من الكتب (المَراجِع) التي ذكرَتْها في صدد سرد الخبر ورواية أحداث الطف؛ فانتهى بنا الكلام عند تحقيق أحوال ورِجال أسناد الخبر الورادة في هذه الكتب، والتي ابتدأتُها بسند الخبر في كتاب (ينابيع المودة)، فتقدم الكلام في مؤلِّفه سليمان القندوزي، وحال أبي مِخْنَف لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف بن سُليم الأزدي الغامِدي الذي قال القندوزي أنه ينقل خبر النطح من كتابه (مقتل الحسين)، وفيما يلي تتمة الكلام في بقية رجال السند وحقيقة كتاب أبي مخنف (مقتل الحسين وأصحابه) الذي بين أيدينا، واستخلاصات نتيجة أبحاث هذا المصدر (الذي هو ينابيع المودة لسليمان بن إبراهيم القندوزي):
الفصل الثاني: (أدلة التطبير بالعنوان الأولي الخاص):-
? المبحث الثاني:
الدليل الأولي الخاص الأول (حادثة نطْح العقیلة جبينها بالمَحْمَل):-
● تتمة بحث سند الخبر في المصدر الأول (الينابيع):
بعد أن عرفنا من هو لوط بن يحيى الذي أَسند القندوزي صاحب كتاب ينابيع المودة خبر نطح زينب عليها السلام المحمل إليه، وبعد أن اتضح لنا أن لوط بن يحيى ثقة، نسأل عن الرجلين الذين أَسند القندوزي في كتابه الخبر لهما مباشرة؛ وهما عبد الله بن عباس، وعبد الله بن قيس؛ من هما، هل هما ثقتان، وهل يمكن الاعتماد على روايتهما؟ ثم بعد ذلك ننظر في أمر كتاب أبي مخنف (مقتل الحسين عليه الصلاة والسلام)، وهل الرجلان موجودان فيه يَسند خبر نطح المحمل عنهما كما نَقَلَ كتاب ينابيع المودة عن كتابه مقتل الحسين بقوله أنه يروي ذلك عن كتاب أبي مخنف؟ وإذا لا؛ فهل هنالك طريق معيَّن لأخذ الخبر عن أبي مخنف مباشرة مادام اتضح لنا أن الرجل شيعي من الثقات؛ وذلك كأن نأخذ الخبر من كتابه مقتل الحسين مباشرة بغض النظر عن القندوزي وكتابه ينابيع المودة؟ هذا ما أبينه بحول الله تعالى فيما يلي:
عبد الله بن عباس:
أَمّا عبد الله بن عباس؛ فهو الصحابي الجليل، حِبر الأُمّة، مواقفه المشرِّفة فوق الوصف، ومؤازرته لأمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام يغبطها كل شريف، وإن كان الشيخ الكشي–العالم الرجالي- رحمه الله ذكر أخباراً شاذة تروى فيه تقتضي القدح به، وبعضها مذكورة في نهج البلاغة، إلا أنها ضعيفة لا تخدش في قدره، وما أكثر أن يُحسَد الشريف حتى يوضع فيه ما ليس به، وينافسوه بالفضائل على الرذائل، إلصاقاً بالتهم وإحداثاً مِن عَدَم. وقد استعمله أمير المؤمنين سلام الله عليه والياً على البصرة يوم أن انتهى من حرب الجَمَل، وكان عضداً للإمام الحسن عليه الصلاة والسلام بعد استشهاد أبيه، وردَّه إلى البصرة على ما قيل[1]، وله مواقف في مكة مع ابن الزبير ويزيد ودفاعه عن الإمام الحسين الشهيد المظلوم ..؛ فهذا بعضٌ يسير مما عنه مع شهرته الواسعة، والرجل مختَلَفٌ فيه، وقد تكلمتُ عنه بإيضاح بكتاب (شيخ المدينة علي بن الحسين بين التناقض والاستقامة)، إن شئتَ راجع، وقد أَفْلَح السيد علي خان المدائني بترجمته في كتابه الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة[2]، والشيخ محمد بن إسماعيل المازندراني في كتابه منتهى المقال في أحوال الرِّجال[3]، كلاهما بعنوان عبد الله بن عباس؛ إذ أَماطا فيه الإبهام ودَفعا عنه الغَمام بالبرهان المنير التام، فأجادا، بما عليه لا يُزادا.
عبد الله بن قيس:
وهو –كما ذكرتُ- الناقل المباشر لخبر نطْح العقيلة زينب عليها الصلاة والسلام المَحْمَل في منقول القندوزي؛ فأي عبد الله يقصد؟ الصحابي النابغة الجعدي عبد الله بن قيس[4] الذي عده ابن شهرآشوب في المَعالِم من شعراء أهل البيت عليهم الصلاة والسلام المقتصدين وكانت له مواقف مع أبي موسى الأشعري –عبد الله بن قيس الأشعري- عامل البصرة زمن خلافة عثمان، وشارك في صِفِّين مع أمير المؤمنين وله مَدْحٌ فيه سلام الله عليه يوم صفّين الذي كان من المعمّرين أدرك الجاهلية والإسلام ومات في أيام حُكم عبد الله بن الزبير في المائة الأولى؟ أم ابن قيس الخولاني الملعون الخبيث الذي قتله المختار؟ أم ابن قيس بن الربيع؟ أم ابن قيس بن زائدة الذي هو ابن أم مكتوم؟ أم عبد الله بن قيس الماصر المذموم الذي له رواية يسأل فيها أبا جعفر عليه السلام عن علة تغسيل الميت على ما رواه الكافي في كتاب الجنائز؟ أم عبد الله بن قيس بن مخزمة الذي يقع في إسناد رواية أن النبي همَّ إلى مكة ليسمر بالمعازف والطرب كما يسمر الشباب[5]؟ أم عبد الله بن قيس بن عباد …!
فلم يَذكر القندوزي في كتابه هذا عبد الله بن قيس إلا مرتين؛ مرة هنا في خبر دخول السبايا إلى الكوفة، ومرة قبلها في المجلَّد الثاني في الباب الثالث والخمسين في ذِكر ليلة الهَرِير في صِفِّين وخطبة ووصية أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام[6]، حيث ذكر عبد الله بن قيس الذي هو أبو موسى الأشعري عند سرده حادثة الحَكَمَين في وقعة صِفِّين بين أمير المؤمنين علي سلام الله عليه ومعاوية؛ فلا أَعلم أي عبد الله بن قيس يقصد؟ هل ثقة من الثقاة ممدوح أم مقدوح أم مجهول ..؟! سيّما وأنّه يستحيل أن يكون الراوي هو أبا موسى الأشعري؛ فهو توفي قبل حادثة الطف بسنوات؛ فإنّ الطف وقعت سنة 61هـ وهو كما في طبقات ابن سعد[7] توفي سنة 42 وقيل على ما في أُسْد الغاب[8] توفي سنة 44هـ وقيل 45 وقيل 49 وقيل 52 وقيل 53هـ، وغير ذلك من الأسباب؛ كالجنبة العَقَدية ورواية مثل هكذا خبر، سيّما مع لحاظ طبيعة تعابیر الخبر والظرف الواقع فيه ..
ومما ينبغي الالتفات إليه أنّ الكتاب المنسوب لأبي مخنف يروي بالإرسال أيضاً عن شخصية مجهولة بنفس الاسم تدعى عبد الله بن قيس!
● تحقيق كتاب أبي مخنف (مقتل الحسين عليه السلام):
بعد أن عرفنا بأن أبا مخنف لوط بن يحيى الأزدي ثقة، وعبد الله بن عباس الذي يُنسب له رواية خبر نطح المحمل مباشرة في كتاب أبي مخنف (مقتل الحسين) ثقة أيضاً؛ نتساءل: هل عبد الله بن عباس، أو عبد الله بن قيس الذي هو راوي الخبر في كتاب ينابيع المودة، هل هما موجودان فعلاً في سند خبر نطح المَحمل في كتاب أبي مخنف المنقول عنه في كتاب الينابيع، أم لا؟ وقبل ذلك ننظر في حقيقة كتاب أبي مخنف المتوفر اليوم بين أيدينا، وهل يمكن أن ندَع كتاب الينابيع الذي روى الخبر مرسَلاً بلا سند تام وننتقل لكتاب مقتل الحسين عليه الصلاة والسلام لنأخذ الخبر منه مباشرة ونعتمده؟ فهو –كما رأيتَ- الأصل والعُمدة لدى منقول القندوزي؛ فأقول:
الصحيح؛ إنّ نسخة كتاب مقتل الحسين وأصحابه المنتشرة اليوم في الأسواق والمكتبات، هي نسخة منسوبة لأبي مخنف، وليست له، وأن النسخة الحقيقية لم تصل لأيدينا ولا لأيدي مَن سبقونا بقرون، والتحقيق لنصوصها يجب أن يكون على أساس مقارنتها بنصوص كتب الماضين الذين وقعت تلك النسخة الحقيقية في أيديهم ونقلوا عنها؛ كأبي جعفر ابن جرير الطبري (ت: 310هـ) الذي ينقل منها كثيراً وأبي الحسن ابن الأثير الجزري (ت: 630هـ) في كتابه الكامل؛ إذ يَظهر من كيفية نقلهم أنّ الكتاب الحقيقي كان في أيديهم، سيّما الطبري في تاريخه الأمم والملوك الذي يَنقل عنه بلا واسطة وأحياناً بواسطة تلميذ أبي مخنف هشام بن محمد بن السائب الكلبي؛ فكِتاب المقتل يظهر أنه كان مشتهراً في تلك الأعصار المتقدمة، وكان للجمهور –عامةً وخاصة- استئناس به، واستناد إليه، والتحديث عنه، كما عملوا آنذاك على اختصاره في كتبهم، وقد اعتَمَدَتْ كتب المَقاتل في موضوعه عليه، لكنه اندثر منذ قرون بعيدة، على الأقل منذ القرن الثامن الهجري، والحال أن الطبري لا يوجد في كتابه التاريخي المعروف أي ذكر لخبر النطح، ولا ندري أيضاً هل أنه نقل مقتل الإمام عليه الصلاة والسلام وأصحابه ومجرياته من نسخة كتاب أبي مخنف كاملاً ولو باختصار أم نقل بعضه.
● دلائل بطلان نسبة كتاب أبي مخنف المنشور إليه:
ومن دلائل أن نُسخة الكتاب التي بين أيدينا اليوم ليست لأبي مِخْنَف أن فيها تخليطاً كثيراً؛ منه الرواية في الكتاب عن رجال لا يمكن أن يكون أبو مخنف يروي عنهم، والرواية عن متاخرين جداً عن أبي مخنف، مما يستحيل ان يكون مؤلفه أبو مخنف نفسه؛ فإن هذه النسخة تقول مثلاً: (روى الكليني في حديث ان معاوية لما حضرته الوفاة ..)[9] بينما الكليني توفي سنة 329هـ، فهو متأخر كثيراً عن زمن أبي مخنف، كما أن ما يرويه عن الكليني لا وجود له فيما يرويه الكليني ..
وكذا عدم تطابق المتون المروية عن أبي مخنف بعبارة (قال أبو مخنف ’’رحمه الله‘‘)، عدم تطابقها مع الموجود منها في كتب الأوائل التي ترويها عن أبي مخنف كتاريخ الطبري –الذي هو مِن أَقْدَم الكتب المعروفة بين أيدينا ممن يَنقل مرويات هشام بن محمد الكلبي في كتابه عن لوط بن يحيى- وغيره.
وكذا تخريفه في كثير من الوقائع وسرده الأكاذيب الغرائب؛ كقوله عند ذكر أحداث الكوفة وإدخال السبايا قصر ابن زياد بأن زينب عليها السلام كانت (قد أخذ قناعها وقرطاها وهي ناشرة الشعر وهي تستر رأسها بكمها)[10]! فعجباً.
وينفرد أيضاً في خبر مسلم وهانئ بن عروة بقوله في عنوان مسير الحسين إلى العراق: (قال أبو مخنف: لمّا قُتِل مسلم بن عقيل عليه السلام وهاني ابن عروة انقطع خبرهما عن الحسين عليه السلام فقلق قلقاً عظيماً فجَمع أهله وأخبرهم بما حدّثَتْه نفسه وأَمَرَهم بالرحيل إلى المدينة فخَرجوا سائرين بين يديه إلى المدينة حتى دخلوها فأتى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله والتزمه وبكى بكاءً شديداً فهَوَّمَتْ عيناه بالنوم فرأى جده رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يقول:
يا ولدي العَجَل العَجَل الوحا الوحا فبادِرْ إلينا فنحن مشتاقون إليك.
فانتبه الحسين عليه السلام قلقاً مشوقاً إلى جده صلى الله عليه وآله فدخل إلى أخيه محمد بن الحنفية وأخبره الخبر بما في نفسه وقال له: يا أخي أريد الرحيل إلى العراق فإنّي قلق على ابن عمي مسلم)[11]!
ويقول أيضاً في عنوان نزول ابن سعد وعسكره كربلاء، بأن عدد عسكره بَلغ فيها إلى ثمانين ألف فارس!؛ وهذا نصُّه: (قال أبو مخنف رحمه الله: وأول راية سارت لحرب الحسين عليه السلام راية عمر بن سعد وتحتها ستة آلاف فارس ثم دعى شبث بن ربعي وعقد له راية وضم إليه أربعة آلاف فارس ثم دعى بعروة بن قيس وعقد له راية وضم إليه أربعة آلاف فارس ثم دعى بسنان بن أنس وعقد له راية على أربعة آلاف فارس قال: فاكتمَلوا ثمانون ألف فارس من أهل الكوفة ليس فيهم شامي ولا حجازي حتى نزلوا قريباً من عسكر الحسين عليه السلام)[12]! وقال تحت عنوان كيفية حرب كربلاء:
(قال أبو مخنف رحمه الله: ثم إنّ عمر بن سعد جمع أصحابه للحرب ميمنة وميسرة فجعل في الميمنة الشمر بن ذي الجوشن ومعه عشرون ألف فارس وجعل في الميسرة خولي بن يزيد الأصبحي ومعه عشرون ألف فارس ووقف بباقي الجيش في القلب)[13]!
وينفرد بالنقل عن أبي مخنف تحت عنوان مقتل العباس فيذكر حَفراً لبئر بقوله: (واشتد العطش بالحسين عليه السلام وأصحابه فقال الحسين عليه السلام لأخيه العباس عليه السلام يا أخي اجمع أهل بيتك واحفروا بئراً ففعلوا ذلك فلم يجدوا فيها ماء)[14]!
ويذكر أن العباس بن علي عليهما الصلاة والسلام استشهد قبل الأنصار وبني هاشم[15]!
وكذا أساليب التعبير وسكْب العبائر بصورة لا تشابه أساليب كلام الأقدمين وإنشاءاتهم.
وغير ذلك، وإن كان الكتاب من حيث تأليفه عموماً جيد يمتاز بسلاسة العبارة والتبسيط الجميل والوضوح، لكن ينبغي الحذر عند قراءته عما فيه من مَساقط شاذة أو علمية أو عند الأخذ منه، كما ان على الدعاة استقاء الحقائق من المصادر الصحيحة وإن كان الكتاب يظهر عليه أن مدوِّنه شيعي إمامي إثني عشري، إلا ان أصل ادعاء كون مؤلفه أبو مخنف فهو قطعاً أمر باطل، سيّما وأن من الواضح –حسب أسلوبه- أن تصنيفه متأخر وليس قديماً. والظاهر أن المؤلِّف كان يريد محاكاة كتاب أبي مخنف الذي يروي عنه الطبري وغيرُه؛ فضمَّنه بعضاً منه لا كُلّه، وأنه –أعني المؤلِّف- جعله مقروناً بأبي مخنف من باب كون أبي مخنف شيعياً وعَلَماً بارزاً في رواية الطف وروايته محل عناية الفريقين ولأن مصنَّفه هذا أغلبه يَنقل عنه ولو بالمعنى في ظل استهدافه التبسيط .. والله العالِم بحقائق العالَم.
● استحصالات وتسجيل ملاحظات:
فمما تَقدَّم أسجِّل الملاحظات التالية:
* إنّ سند خبر نطح العقيلة زينب عليها الصلاة والسلام جبينها في الكوفة بالمَحْمَل، الوارد في كتاب القندوزي، ينابيع المودة، هو خبر مرسَل لا يتصمن سلسلة رواة تتصل ببعضها إلى الراوي الأصلي الرائي المباشر للحدث.
* إنّ الخبر في ينابيع المودة مسنود لرجل واحد؛ وهو عبد الله بن قيس -لا لعبد الله بن العباس- وقد اتضح أن عبد الله بن قيس غير معلوم مَن المقصود، وحتى لو فرضنا أن الراوي هو عبد الله بن عباس الثقة رضي الله عنه؛ فالخبر ضعيف بالإرسال.
* إنّ أبا مخنف لوط بن يحيى الأزدي –الذي قال القندوزي أنه ينقل خبر النطح من كتابه مقتل الحسين- هو رجل من الموالين، ثقة، لكن للأسف كتابه لم يصل لنا.
* من أين جاء القندوزي بخبر النطح وإسناده الذي ذكره للخبر وهو من العلماء المتأخرين جداً؛ حيث توفي على الأقل –على ما قيل- سنة 1270هـ، بينما نسخة كتاب أبي مخنف الحقيقية مفقودة منذ قرون ممتدة، ولم يحظَ بها حتى أكابر العلماء الذين جاؤوا في الأعصار المتقدمة على القندوزي بكثير؟
* إنّ مؤلِّف كتاب مقتل الحسين وأصحابه المطبوع المنتشر اليوم في المكتبات والأسواق هو شخص مجهول، وقد نسبه لأبي مخنف زوراً.
* إنّ الإسناد المذكور في كتاب المقتل المزوَّر المنسوب لأبي مخنف مرسَل أيضاً.
* من أين جاء صاحب كتاب مقتل الحسين الذي نسبه لأبي مخنف، من أين جاء بخبر النطح؟ مع أنه من الواضح أنّ مؤلِّف الكتاب الذي نسبه لأبي مخنف لم تقع في يده النسخة الأصلية المندثرة، كيف وهو –حسب الأمارات والعلائم الكثيرة- من المتأخرين جداً؟!
* بل المشكلة الأكبر ما سيأتي في نَص النسخة المنسوبة لأبي مخنَف عند تحقيق نصوص متون الخبر.
* وأكبر منها أنّ نُسخة المقتل المنسوبة لأبي مخنف تروي الخبر مباشرة عن رجل واحد؛ هو جديلة الأسدي؛ إذ جاء في عنوان دخول السبايا إلى الكوفة: (روى جديلة الأسدي قال: كنت في الكوفة سنة قتل الحسين ..)[16]، وهذا كما ترى بخلاف ما أسنده القندوزي، كما أنه غير موجود في أي كتاب آخر معتد به؛ فلا الطبري ولا غيره ذكر الخبر عن جديلة أو عن عبد الله.
* إنّ جديلة الأسدي مجهول، ولو فرضنا غضضنا الطرف عن جديلة؛ فالخبر ضعيف الإسناد بالإرسال.
* من خلال ما تقدَّم اتضح لك سر جعلي كتاب أبي مخنف في المَصادر مقروناً بكتاب الينابيع، وسيتضح لك أيضاً ذلك أكثر لاحقاً في بحث المتون والدلالة.
هذه تتمة الكلام في سند المصدر الأول لخبر نطح العقيلة زينب عليها الصلاة والسلام جبينها الشريف بعمود المحمل في الكوفة عند رؤيتها رأس الإمام الحسين عليه الصلاة والسلام على الرمح، فيأتي في الوقفة القادمة بحوله تعالى الشروع في سند المصدر الثاني للخبر.
أمين السعيدي
أواسط رجب 1438هـ
________________________
الهوامش:
[1] أقول: الاستعمال والتولية بحد ذاتها خالية ليست دليلاً؛ فإنّ أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام ولى بادئ الأمر أبا موسى الأشعري على الكوفة وعزله وولى عبيد الله بن عباس على اليمن وله زلازل.
[2] الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة، للسيد علي خان المدائني: ص99.
[3] منتهى المقال في أحوال الرِّجال، للشيخ محمد بن إسماعيل المازندراني: ج4 ص197.
[4] في أسد الغابة: اختلف في اسمه فقيل قيس بن عبد الله وقيل عبد الله بن قيس وقيل حبان بن قيس بن عمرو بن عدس بن ربيعة بن جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة العامري الجعدي. نسبه هكذا أبو عمر. وقال الكلبي: هو قيس بن عبد الله بن عدس بن ربيعة اه.
وفي الإصابة: قيس بن عبد الله بن عدس الجعدي قيل هو اسم النابغة، وقال أيضا : قيس بن سعد بن عدس الجعدي هو النابغة سماه هكذا ابن أبي حاتم، وقال في باب الحاء والياء المثناة التحتانية: حيان بن قيس قيل هو اسم النابغة الجعدي.
وفي الاستيعاب: حيان أو حبان بن قيس هو النابغة الجعدي الشاعر. وفي الأغاني في النسخة المطبوعة: هو على ما ذكره أبو عمرو الشيباني القحذمي وهو الصحيح حسان بن قيس هكذا بالسين المهملة، ولما كانت نسخة الأغاني المطبوعة غير مضمونة الصحة كان من المظنون انه حبان لا حسان فإنه لم يذكر أحد غيره ان اسمه حسان وانما قالوا حبان أو حيان، ثم قال: وهذا وهم ممن قال إن اسمه قيس وليس يشك في أنه كان له أخ يقال له وحوح بن قيس وهو الذي قتله بنو أسد، وأجاب صاحب الإصابة بأنه يمكن ان يكون أخاه من الرضاعة. انتهى. أعيان الشيعة، للسيد محسن الأمين: ج10 حرف النون ص199 عنوان النابغة الجعدي.
[5] تاريخ الطبري، لمحمد بن جرير الطبري: ج2 ص34.
[6] ينابيع المودة، للقندوزي: ج2 ب53 ص19.
[7] الطبقات الكبرى، لأبي عبد الله محمد بن سعد الزهري: ج6 ص95.
[8] أسد الغابة في معرفة الصحابة، لأبي الحسن عز الدين علي بن محمد المعروف بابن الأثير الجزري: ج3 ص265.
[9] مقتل الحسين عليه السلام ومَصرع أهل بيته وأصحابه في كربلاء، (النسخة المنسوبة) لأبي مخنف لوط بن يحيى الأزدي: المقدمة ص12.
[10] المصدر السابق: دخول السبايا إلى الكوفة ص166.
[11] المصدر السابق: مسير الحسين إلى العراق ص61.
[12] المصدر السابق: نزول ابن سعد وعسكره في كربلاء ص80.
[13] المصدر السابق: في كيفية حرب كربلاء ص99.
[14] المصدر السابق: مقتل العباس ص89.
[15] المصدر السابق: مقتل العباس ص89 – 93.
[16] المصدر السابق: دخول السبايا إلى الكوفة ص158 – 162.
[alert color=”” icon=””]
موضوعات ذات صلة:
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11344/”]أ- رسالة التطبير1 (مَدْخَل، والصنف المخاطَب بهذه الأبحاث)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11381/”]أ- رسالة التطبير2 (أغراض ومبررات)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11444/”]أ- رسالة التطبير3 (الطُّرُق الحُجة لإحراز الحُكم الشرعي، ومراتبها، والطريق المختار)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11459/”]أ- رسالة التطبير4 (الإصلاح الداخلي للدليل)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11479/”]أ- رسالة التطبير5 (تشجيع العوام والمثقَّفِين على الجُرأة في الدِّين)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11495/”]أ- رسالة التطبير6 (علاج جدليّة: “تبصير الجاهل” و”تنبيه الغافل”)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11510/”]أ- رسالة التطبير7 (امتثال ’’حُكم الحاكم‘‘ وامتثال ’’فتوى المَرجِع‘‘)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11523/”]أ- رسالة التطبير8 (إحراز القطع وتفعيل أثره)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11540/”]أ- رسالة التطبير9 (لا أَتَكلَّم فيه بشيء)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11556/”]أ- رسالة التطبير10 (الفصل الثاني: أدلة التطبير بالعنوان الأولي الصريح)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11580/”]رسالة التطبير11 (تحقيق سند خبر نَطْح زينب المَحْمَل/ المصادر)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11598/”]رسالة التطبير12 (المَراجِع/ تحقيق سند خبر نَطْح زينب المَحْمَل)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11606/”]رسالة التطبير13 (تحقيق سند ينابيع القندوزي لخبر نَطْح زينب المَحْمَل)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11615/”]رسالة التطبير14 (أبو مخنف لوط/ سند ينابيع القندوزي لنَطْح زينب المَحْمَل)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11622/”]رسالة التطبير15 (عقيدة أبي مخنف ومناقشتها/ سند ينابيع القندوزي لنَطْح زينب المَحْمَل)[/button]
[/alert]
للتعلیق أو مطالَعة التعلیقات اضغط هنا