أ- رسالة التطبير17 (تحقيق سند كِتاب نور عين الاسفراييني لخبر نطْح زينب المَحْمَل)
? موجز عناوين الأبحاث المتقدمة وفهرست المنعقِد هنا:
تَقدَّم من الأبحاث (المَدْخل) و(الفصل الأول)، تم بعدها الشروع بالفصل الحالي (الثاني)؛ وهو الفصل المتکفل بذكر وتحقيق (أدلة التطبير بالعنوان الأولي الخاص الصريح)، وقد تقدَّم منه المبحث الأول بـ(بيان ألفاظ العنوان) في مسألتين؛ كانت الثانية منهما حول الإجابة -إجمالاً- عن (هل الحُكم الأولي الصريح متوفر في التطبير أم لا؟)؛ فابتدأتُ المبحث الثاني بطرح (أول دليل أولي خاص)؛ والذي كان (حادثة نطْح العقیلة زينب عليها الصلاة والسلام جبينها بالمَحْمَل في الكوفة عند رؤيتها رأس أخيها الإمام الحسين عليه الصلاة والسلام على الرمح)، بدأتُ الكلام في الحادثة ببحث سَنَدها باستحصاء جميع الكتب (المَصادر) ومجموعة شهيرة من الكتب (المَراجِع) التي ذكرَتْ الحادثة في صدد سرد الخبر ورواية أحداث الطف؛ فانتهى بنا الكلام عند (تحقيق أحوال ورِجال أسناد الخبر) الورادة في هذه الكتب، والتي ابتدأتُها بسند الخبر في المصدر الأول الذي هو كتاب (ينابيع المودة)، فتقدم الكلام في مؤلِّفه سليمان القندوزي، وأحوال ورجال سنده للخبر بما في ذلك حقيقة كتاب (أبي مِخْنَف لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف بن سُليم الأزدي الغامِدي) الذي قال القندوزي أنه يَنقل خبر النَّطْح من كِتاب لوط بن يحيى المسمى (مقتل الحسين وأصحابه)، فختمت الكلام في الوقفة السابقة باستخلاصات نتيجة ما بحثتُه في سند هذا المصدر، وفيما يلي الكلام فيما تبقى من (أسناد مصادر الخبر).
الفصل الثاني: (أدلة التطبير بالعنوان الأولي الخاص):-
? المبحث الثاني:
الدليل الأولي الخاص الأول (حادثة نطْح العقیلة عليها السلام جبينها بالمَحْمَل):-
● أحوال سند الخبر ورجاله في المصدر الثاني (نور العين):
انتهینا لحد الآن من المَصدر الأول؛ ووجدنا أنه لا ينفع لإثبات سند خبر نطْح العقيلة سلام الله عليها جبينها بمقدَّم المَحْمَل في الكوفة، وقلنا أنه ليس المصدر الوحيد، ويكفينا ثبوت ولو مصدر واحد؛ والآن نريد النظر في المصدر الثاني؛ وهو كتاب نُوْر العَيْن في مَشهد الحسين؛ فإن ثَبت لنا سند الخبر من خلاله؛ أمكننا اعتماده؛ وذلك كما يلي.
● فمن هو مصنِّف هذا الكتاب؟
هذا المصدر الثاني هو كتاب أبي إسحاق إبراهيم بن محمد الاسفرایيني (ت: 418هـ)؛ من أهل السُّنّة؛ شافعي. قال عنه شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي في الطبقة الثانية والعشرين:
(أبو إسحاق الإسفراييني الإمام العلامة الأوحد، الأستاذ، أبو إسحاق، إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران، الأسفراييني الأصولي الشافعي، الملقب ركن الدِّين. أحد المجتهدين في عصره، وصاحب المصنفات الباهرة.
ارتحل في الحديث، وسمع من: دعلج السجزي، وعبد الخالق بن أبي روبا، وأبي بكر محمد بن عبد الله الشافعي، ومحمد بن يزداد بن مسعود، وأبي بكر الإسماعيلي، وعدة، وأملى مجالس وقع لي منها.
حَدَّث عنه: أبو بكر البيهقي، وأبو القاسم القشيري، وأبو الطيب الطبري، وتخرج به في المناظَرة، وأبو السنابل هبة الله بن أبي الصهباء، وطائفة.
ومن تصانيفه كتاب ’’جامع الخلي[1] في أصول الدين والرد على الملحدين‘‘، في خمس مجلدات. وبُنيت له بنيسابور مدرسة مشهورة. توفي بنيسابور يوم عاشوراء من سنة ثماني عشرة وأربع مئة.
قال الشيخ أبو إسحاق في ’’الطبقات‘‘: درس عليه شيخنا أبو الطيب، وعنه أخذ الكلام والأصول عامة شيوخ نيسابور.
قال عبد الغافر في ’’تاريخه‘‘: كان أبو إسحاق طراز ناحية المشرق، فضلاً عن نيسابور، ومن المجتهدين في العبادة، المبالغين في الورع، انتخب عليه الحاكم عشرة أجزاء، وذكره في ’’تاريخه‘‘ لجلالته، وانتقى له الحافظ أحمد بن علي الرازي ألف حديث، وعقد مجلس الاملاء، وكان ثقة ثبتاً في الحديث.
وقال الحافظ ابن عساكر: حكى لي من أثق به: أن الصاحب إسماعيل ابن عباد كان إذا انتهى إلى ذكر هؤلاء، يقول: ابن الباقلاني بحر مغرق، وابن فورك صل مطرق، والإسفراييني نار تحرق.
قال الحاكم في ’’تاريخه‘‘: أبو إسحاق الأصولي الفقيه المتكلم، المتقدم في هذه العلوم، انصرف من العراق وقد أقر له العلماء بالتقدم. إلى أن قال: وبني له بنيسابور المدرسة التي لم يُبنَ بنيسابور مثلها قبلها، فدرس فيها.
ومن كلام هذا الأستاذ قال: القول بأن كل مجتهد مصيب أوله سفسطة وآخره زندقة. فقال أبو القاسم الفقيه: كان شيخنا الأستاذ إذا تكلم في هذه المسألة، قيل: القلم عنه مرفوع حينئذ -يعني أبا إسحاق- لأنه كان يشتم ويصول، ويفعل أشياء.
وحكى أبو القاسم القشيري عنه أنه كان ينكر كرامات الأولياء ولا يجوزها، وهذه زلة كبيرة)[2].
● هوية كتاب نور العين في موضوع خبر نَطْح زينب (ع) المَحْمَل:
يُشَكِّل كتاب الاسفراييني –كما سبق أن ذكرت- أقدم الكتب في نقل الخبر؛ فهو أقدم من كتاب ينابيع المودة للقندوزي. وإنما قدَّمتُ كتاب القندوزي عليه ببَرَكة أنّ كتابه الينابيع مرتبط بكتاب أبي مِخْنَف بتصريحه بنقله عنه، وكتاب أبي مخنف مقتل الحسين أَقدم بكثير جداً من كتاب الاسفراييني؛ مما جَعلني أُقَدِّم الينابيع عليه بعد التعهد بدراسة مصادر الخبر واحداً واحداً الأقدم فالأقدم.
يقول الاسفراييني في بداية كتابه: (إنه طُلِبَ مني أن أروي ما ورد في مصرع الحسين رضى الله تعالى عنه فالفت هذا الكتاب وسميته نور العين في مشهد الحسين … توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمره ثلاث وستون سنة وولى الخلافة بعده أبو بكر الصديق رضي الله عنه وهو اول الصحابة اسلاما على ما في الصحيح، وافضل الصحابة رضي الله عنهم اهل الحديبية رضي الله عنهم وافضلهم اهل بدر وافضلهم العشرة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد، سعيد وعبد الرحمن بن عوف! وابو عبيدة عامر بن الجراح، رضى الله عنهم، وافضلهم الخلفاء الاربعة سموا خلفاء لانهم خلفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاحكام والخلفاء الاربعة متفاوتون في الفضيلة فافضلهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه لانه ولى الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم باجماع الصحابة وكانت مدة خلافته ثلاث سنين وقيل وثلاثة اشهر، ومات وسنه كسن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يليه في الفضيلة عمر بن الخطاب رضي الله عنه لانه ولى بعده الخلافة باجماع الصحابة وكانت مدة خلافته عشرة اعوام وتوفى وسنه كسن ابي بكر رضي الله عنه، ثم يليه في الفضيلة عثمان بن عفان رضي الله عنه لانه ولى الخلافة بعده باجماع الصحابة وكانت مدة خلافته ثلاث عشرة سنة ثم قتل ظلما رضي الله عنه، ثم يليه في الفضيلة علي بن ابي طالب كرم الله وجهه لانه ولى الخلافة بعده باجماع الصحابة وكانت مدة خلافته اربعة اعوام وقيل خمسة)[3].
● نِسبة الكتاب للاسفراييني وصورة إسناده الخبر:
يأتي إن شاء الله في الوقفة القادمة.
أمين السعيدي
أواخر شوال 1438هـ
________________
الهوامش:
[1] كذا الأصل بالخاء المعجمة، وفي ’’الوفيات‘‘ و’’الوافي‘‘: ’’الحلي‘‘ بالحاء المهملة، وفي ’’طبقات‘‘ السبكي و’’شذرات الذهب‘‘ و’’طبقات الأصوليين‘‘: ’’الجامع في أصول الدين …‘‘ وفي ’’كشف الظنون‘‘ و’’هدية العارفين‘‘: ’’جامع الجلي والخفي …‘‘. (هامش المصدر).
[2] سِيَر أعلام النُّبَلاء، لشمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي: ج17 ص353 – 355 ر220.
[3] نور العين في مشهد الحسين، لأبي إسحاق الاسفراييني: ص2-4.
[alert color=”” icon=””]
موضوعات ذات صلة:
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11344/”]أ- رسالة التطبير1 (مَدْخَل، والصنف المخاطَب بهذه الأبحاث)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11381/”]أ- رسالة التطبير2 (أغراض ومبررات)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11444/”]أ- رسالة التطبير3 (الطُّرُق الحُجة لإحراز الحُكم الشرعي، ومراتبها، والطريق المختار)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11459/”]أ- رسالة التطبير4 (الإصلاح الداخلي للدليل)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11479/”]أ- رسالة التطبير5 (تشجيع العوام والمثقَّفِين على الجُرأة في الدِّين)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11495/”]أ- رسالة التطبير6 (علاج جدليّة: “تبصير الجاهل” و”تنبيه الغافل”)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11510/”]أ- رسالة التطبير7 (امتثال ’’حُكم الحاكم‘‘ وامتثال ’’فتوى المَرجِع‘‘)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11523/”]أ- رسالة التطبير8 (إحراز القطع وتفعيل أثره)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11540/”]أ- رسالة التطبير9 (لا أَتَكلَّم فيه بشيء)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11556/”]أ- رسالة التطبير10 (الفصل الثاني: أدلة التطبير بالعنوان الأولي الصريح)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11580/”]رسالة التطبير11 (تحقيق سند خبر نَطْح زينب المَحْمَل/ المصادر)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11598/”]رسالة التطبير12 (المَراجِع/ تحقيق سند خبر نَطْح زينب المَحْمَل)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11606/”]رسالة التطبير13 (تحقيق سند ينابيع القندوزي لخبر نَطْح زينب المَحْمَل)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11615/”]رسالة التطبير14 (أبو مخنف لوط/ سند ينابيع القندوزي لنَطْح زينب المَحْمَل)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11622/”]رسالة التطبير15 (عقيدة أبي مخنف ومناقشتها/ سند ينابيع القندوزي لنَطْح زينب المَحْمَل)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11627/”]أ- رسالة التطبير16 (حقيقة كتاب أبي مخنف ونتيجة بحث المصدر الأول لخبر النطح)[/button]
[/alert]
للتعلیق أو مطالَعة التعلیقات اضغط هنا