هكذا قال المؤرخون في «حبيب الأسدي» بالكوفة وعند وصوله كربلاء
طرح وتقديم طالبة العلم العضوة الفاضلة: 【يا صاحب الزمان】
مراجَعة وتصحيح سماحة: السيد أمين السعيدي حفظه الله
أحبيبُ أنـتَ إلى الحسينِ حبيبُ **
إن لـم ينـط نـسبٌ فأنتَ نسـيبُ
يا مـرحباً بابـن المظاهرِ بالــــولا **
لو كان يَـنهضُ بالـولا الـترحـــيبُ
من ساحة الإباء والإيثار ، من حب الحسين ثورة العشق ، ترتفع الرايات موشحة بالسواد هاتفة ببروز الإيثار لدى شخص الفداء والتضحية الداعم للنهضة الحسينية حبيب بن مظاهر الأسدي الشيخ الهَرِم الطاعن في السن صاحب رسول الله “صلى الله عليه وآله وسلم” وأمير المؤمنين “عليه السلام” .. بالمصاب العظيم لهذا الشيخ الوفي تنعاه مؤسَّسة أنبياء أولي العزم (ع) معزية بقية الله في أرضه عجل الله فرَجه به وبمصائب المولى أبي عبد الله الحسين “عليه السلام” وآل بيته وأصحابه الأوفياء ، وعظم الله أجوركم يا مؤمنين.
قال تعالى في كتابه العزيز:
{تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَـلُهَا للذينَ لا يُرِيدُونَ عُـلُـوّاً في الأرضِ ولا فساداً والعاقِـبَةُ للمُـتَّـقِـين}[1].
من منطلق الآية يأخذنا الحديث لوزير الحسين “عليه السلام” حبيب بن مظاهر الأسدي الذي ترك الدنيا الفانية وتوجّه للآخرة وواجباته نحو الشرع ، إذ نظر إلى أن الصلاة والصوم بالإضافة إلى الجهاد الواجب الأكبر متلازمون لا انفكاك بينهم ، فالجهاد ضد الجائرين الظالمين واجب لازم ، والآخرة الّتي هي الجنة لن تكون للمتكبرين والمفسدين والظالمين أبداً ، بل هي للمؤمنين الذين أنعم الله بها عليهم.
ومن أحب الدنيا كانت أكبر همه.
قال الإمام الحسين “عليه السلام” في مسيره إلى كربلاء:
(إِنَّ هذه الدُّنيا قد تَغَـيَّـرَتْ و تَـنَـكَّـرَتْ و اَدبَـرَ مَـعْـرُوفُـها فـلَم يَـبْقَ منها إلا صُـبَـابَـةٌ كصَـابـَّةِ الإناءِ و خَسيسُ عَـيْـشٍ كالمَـرْعَى الوَبـيلِ ، ألا تَـرَونَ أنَّ الحقَّ لا يُـعْمَلُ بهِ و أنَّ الباطلَ لا يُـنْـتَـهَى عنه؟!
لِـيَـرْغَبَ المؤمنُ في لقاءِ اللَّهِ مُحِـقّـاً ، فإِنِّي لا أرَى الموتَ إِلا الحيَـاةَ و لا الحيَـاةَ مع الظالمِـينَ إِلا بَـرَماً ؛ إنَّ النَّاسَ عَبـيدُ الدنيا و الدِّينُ لَـعْـقٌ على ألْسِـنَـتِـهِمْ ، يَـحُـوطُـونَـهُ مَا دَرَّتْ مَـعايشُـهُمْ ، فإذا مُـحِّـصُوا بالبلاءِ قَـلَّ الـدَّيــَّـانُـون)[2].
بينما حبيب لما رأى أهل الكوفة يجمعون معدات الحرب لقتل ابن الرسول “عليه السلام” بكى وقال: والله لا تُصْبغ هذه -وأشار إلى لحيته وشيبته- إلا من دم منحري دون الحسين.
فدخل حبيب على زوجته وجلس ، وإذا بطارق يطرق الباب ، فخرج ، قال من هنا؟ قال: أنا رسول الحسين إليك ، ففتح الباب وأخذ الكتاب فإذا به: (أما بعد ، يا حبيب فأنت تعلم قرابتنا من رسول الله ، وأنت أعرف بنا من غيرك ، وأنت ذو شيمة وغيرة ، فلا تبخل علينا بنفسك ، يجازيك جدي رسول الله يوم القيامة)[3].
فبكت زوجته ، وقالت: بالله يا حبيب لا تقصر في نصرة ابن فاطمة ، فقال: أجل حتى أقتل بين يديه وتصبغ شيبتي من دم نحري ، ثم قال حبيب لعبده: خذ الجواد وانتظرني في البستان ، فأخذ العبد الجواد ومضى وبقي ينتظر ، فلما تأخر حبيب قال العبد للجواد: يا جواد! إن لم يأتِ صاحبك لأعلونك وأذهب لنصرة أبي عبدالله “عليه السلام” فسمع حبيب الغلام ، فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، العبيد يتمنون نصرتك ، فكيف بالأحرار؟ فقال للغلام: أذهب انت حر لوجه الله ، فأبى الرحيل إلاّ مع حبيب.
فنزل حبيب عن جواده وقَــبَّل الأرض وقال:
(الحمد لله الذي جعلني أدركت الإمام الحسين) ، فسلم على الإمام ، فسمعت زينب فقالت:
(بُـنَي علي الأكبر مَن التحق بنا؟) ، فقال لها:
عمتي زينب إن حبيباً قد وصل ، فلما سمعت باسم حبيب قالت: (ولدي علي بَــلِّـغْ حبيباً عنّـي السلام) ، فذهب إليه وقال: إن عمتي زينب تقرئك السلام ، فجعل يلطم وجهه ويقول:
(من أكون حتى تسلم علَيَّ زينب بنت أمير المؤمنين )[4] ، فاستأذن من الإمام حتى يسلم على زينب.
فهنيئاً لحبيب بن مظاهر بتاج الفخر والتضحية ، الذي نال وساماً من العز والشهادة الحمراء يزهو به يوم القيامة ..
وإننا والله لو تفكرنا في تصرفات هذا الرجل واحداً واحداً فسنحار في بيان ما كان يَـفعل .. كيف لا وهو ذلك العالِم العظيم والعارف صاحب المنزلة والمكانة الرفيعة بين المسلمين وقومه وعند أهل البيت “صلوات الله وسلامه عليهم” لدرجة أنَّ الحسين “عليه السلام” بنفسه يرسل له كتاباً ويخصّه من دون الجميع لحضور كربلاء.
ــــــــــــــ
المصادر:
(1) سورة القصص 83.
(2) بحار الأنوار “للمجلسي (ره)”: ج75 / ص116.
(3) نفس المهموم ـ نهج الشهادة: ص66 ; وراجع مصائب آل محمد “للهنداوي” في حبيب بن مظاهر الأسدي.
(4) معالي السبطين”للحائري”: ج1 / ص371 ; مصائب آل محمد “للهنداوي”: ص271.
للتعلیق أو مطالَعة التعلیقات اضغط هنا