حدد موقفك واعمل .. فالحياد والسكوت فسادٌ في الشريعة:
•من سماحة السيد أمين السعيدي حفظه الله.
كلــُّـنا معنيوين بالمشاركة في (الصالح العام) ، لا يوجد شخص منا مستثنى من الدخول في العمل الإصلاحي ، وأي شخص يتجنب الدخول في ذلك فهو ليس من الحسين (ع) وأهل البيت (ع) والدين الحنيف في شيء.
كل واحد منا عليه أن يحدِّد موقفه ؛ إما أن يكون داخلاً في الطريق الأنبيائي المرتكِز على (الإصلاح الذي هو نهج الحسين) ، أو أن يكون ضده ؛ أما أن تقول: لستُ مع هذا ولا ذاك ، بمعنى أنك محايد ؛ فأنت سيءُ الحال في نظر الشريعة.
إنّ المحايد مثيل مَن يقول: أنا لست مع الحق ولا مع الباطل ؛ هذا هو معنى الحياد ، و(السكوت) صنفٌ من أصناف الحياد أيضاً ، والحياد مآلُه (تكثيرُ سوادِ الباطل) كيفما كان شكله.
جاء في بستان الواعظين:
[قال الحر بن رياح القاضي: رأيتُ رجلاً مكفوفاً ، قد شَهــِـدَ قَـتلَ الحسين – عليه السلام – ، وكان الناس يأتونه ويسألونه عن ذهاب بصره؟ قال: فكان يقول:
شَهــِـدْتُ قتلَ الحسين – عليه السلام – ، ولكن لم اَضــْـرِب بسيف ، ولم اَرمِ بسهم ، فلَمّا قــُـتل الحسين – عليه السلام – ، رَجعتُ إلى المنزل ، وصليت العشاء الآخرة ونمت ، فأتاني آتٍ في منامي ، وجذبني جذبة شديدة ، وقال لي:
أجبْ رسول الله – صلى الله عليه وآله -. فقلت: مالي وله؟! فأخذني وجذبني جذبة أخرى شديدة ، وانطلقَ بي إليه ، فإذا رسول الله – صلى الله عليه وآله – جالس في المحراب مغــْـتَـمَّـاً حاسراً عن ذراعيه ، أخذ نجدة ، بين يديه نطع ، ومَلَك قائم بين يديه ، وبين يدي الملك سيف من نار ، وكان أتي إلي تسعة من الأصحاب ، فقَـتَـلَ – يعني المَلَك – أصحابي التسعة ، فكلما ضَرب الملك منهم واحداً ، التهب نفسه ناراً ، فكلما قام الملك صاروا أحياء ، فقتَـلهم مرة بعد أخرى حتى قتلهم سبع مرات.
فدنوت من النبي – صلى الله عليه وآله – وحبوت إليه ، فقلت: السلام عليك يا رسول الله ، ما ضَربتُ بسيف ، ولاطَعنتُ برمح ، ولا رَميتُ
بسهم. فقال لي: صدقتَ ، ولكن كـثــَّـرتَ على ولدي السواد ، ادنُ مني . فدنوت منه ، فإذا طشت مملوء دماً ، فقال: دمُ ولدي الحسين . فكحــَّـلَـني من ذلك الدم ، فانتبهت أعمى لا أبصر شيئاً). [بستان الواعظين: 1105 / 158].
هذا هو حال من يــَـتــَّـخذ الحياد ، فهو يكثــِّر السَّـواد ، ويضاعِف عدد ومساحة جهة الباطل بسكوته، وإن كان بقلبه ليس مع الباطلين. وفي القرآن الكريم نماذج عديدة وكثيرة تدل على هذا المعنى.
نهايةً: على كل شخص أن يمارِس دوره الإصلاحي بحدود منزلته وقدره ، كلٌّ من موقعه ، دون التجاوز لما لا يتناسب ، فمثلاً أصحاب المواكب يصلحون في حدود المواكب بما يتناسب مع موقعيتهم ، والمواطن البسيط يصلح ما يليه من الأمور الموازية لمقداره وخبرته ومعرفته، والخطباء يمارسون دورهم في حدود منزلتهم ومواقعهم، والمفكرون كذلك ، ومِثله العلماء.
بالتالي ؛ مِن الخطأن أن يجيء الفرد البسيط ويمارس مهمة الإصلاح في حق العالِم، كما مِن الخطأ الدخول فيما لا تمتلك الخبرة في سبيل تعديله وتقويمه،فإنك ستفسد أكثر مما ستصلح ، إن كنت – على الفرض أساساً – ستصلح شيئاً في مثل هذه الحالة.
إنَّ المفسِد أشد بلاءً مِن المحايد الذي هو بلاءٌ في نفسه أيضاً على نفسه وعلى مَن حوْله.
السيد أمين السعيدي
4محرم الحرام1435ه
للتعلیق أو مطالَعة التعلیقات اضغط هنا