وفي المقابل إذا اخترت أصدقاء سيئين وقنوات متشائمة أو إجرامية ومتدنّـية ؛ فستأتيك في «صفحة الأخبار» وفيما اخترت لجهازك من «القنوات» : منشورات سيئة وبرامج متشائمة ومتدنّـية تنعكس بالبُـؤس على النفس ، وتجلب اليأس والقنوط ، والتعب والتعاسة ، وتجعلك منغمساً بالدنيا وكثير الهم والغم ، وترى الحياة سوداوية لا جمالية ولا خير فيها وبعيدة عن الله تعالى ؛
وهكذا هو (قلب الإنسان) ، فكما تختر له من الحياة والأفكار والأصدقاء والزوج أو الزوجة والأبناء البؤساء ، وكما تدخله في السيئات والذنوب والابتعاد عن الله ؛ فسوف يجيء للروح والعقل من ذلك القلب البائس أحاسيس وتوجهات بنفس تلك الشاكلة ؛
بحيث لا تصفك عاشقاً لذكر الله والاختلاء به ، ولا ترغب في سماع ما يبهج الروح ، ولا تستلذ بالمعاني الإلهية والروحانية العظيمة ، ولا تميل لعباده الأنقياء الأتقياء الممتلئة أرواحهم بالجمال الإلهي الروائعي الزاكي ،
فتكون (ميول هذا القلب) تجاه «أفكار العقل وحاجات الروح» غالباً أو دائماً منغمسة بالدنيا والآلام المميتة ، وبعيدة عن أولياء الله والروحانيين وعن السعادة الحقيقية والأفكار الصحيحة والعروج الجميل المستلذ الخلاب ؛
أما إذا (حافظت على قلبك) وجعلته مرتبطاً بالله ، وتَخيرت له من الحياة الأفكار الصافية والأصدقاء الأوفياء والزوج أو الزوجة والأبناء الأنقياء ؛
فلن يأتِ لـ (الروح والعقل) منه إلا الطهر والصفاء والراحة والقناعة والرضا ، وحب الله والعيش معه والاستئناس بذكره والاتلذاذ بعشقه العظيم وحب الخلوة به ، وحب أوليائه والروحانيين وأرواحهم المنتشِـية كثيرة اللذائذ واللطائف ،
ثم لن تجد إلا السعادة الحقيقية حتى لو كنت في «أشد لحظات الألم» ؛ ذلك لأن الألم بداية للشعور بالراحة والسرور ، وبدونه لا يمكن تمييز السعادة عن غيرها.
إن الفلاسفة يُعَـرِّفون السعادة بأنها: «زوال الألم» و«الشعور بالملائِم».
وكذا قال رئيس الحكماء صلوات الله وسلامه عليه في رده على صاحبه كميل بن زياد حينما سأله قائلاً:
يا أمير المؤمنين!
عَرّفْني نفْسي. فقال عليه الصلاة والسلام: وأيُّ النّفوسِ تريد؟ قال كميل: أوليست هي نفسٌ واحدة يا أمير المؤمنين؟!
قال عليه الصلاة والسلام: بل أربع نفوس. ثم عَدَّدَهن صلوات الله وسلامه عليه وبَـيَّنَ صفات كل نفس منهن ، وذَكَرَ فيهن «القدسية الإلهية» ، وبَـيَّنَ الصفات بأن هذه النفس تَشعر بالشَّـبَع وهي جائعة ، وبالارتواء وهي عَطِشة ، وبالراحة وهي متعَبة ، فقال صلوات الله وسلامه عليه عنها:
[الكلية الإلهية لها خمس قوى: بقاءٌ في فناء ، ونعيمٌ في شقاء ، وعِـزٌ في ذل ، وفقرٌ في غِنى ، وصبرٌ في بلاء !
ولها خاصيتان: الرضا والتسليم ؛ وهذه التي مبدؤها من الله وإليه تعود] ‘‘1’’.
إنها «النفس الإلهية» التي قلبها مليء بالجمال والطهر ، ولا يصل منه للعقل والروح إلا الجمال الإلهي الساحق ؛ فالألم ليس دائماً على نقيض السعادة وبخلافها.
وفي المقابل على طرف النقيض قال الإمام الصادق سلام الله عليه في الحديث المشتهر: [الدنيا كماء البحر ؛ مَن شَـرِبَ منها ازداد عَطَشا].
‘‘1’’ نهج البلاغة.
أمين السعيدي
6 ربيع الأول 1434هـ – قم المقدسة
***
قسم الإعلام والتوعية في جماعة أنبياء أولي العزم(ع) – الزاوية الاُسَرية وعلاقة الزوجين والخطيبَين والتربية.
للتعلیق أو مطالَعة التعلیقات اضغط هنا