سؤال حول خطبة الزهراء (ع)
سؤال وجواب مع سيد أمين السعيدي
● السائلة:
الله يعطيكم العافيه سيدنا في ميزان اعمالكم
عندي سؤال عن ايه ولكن ليس تفسيرا كما يبدو لي اذا امكن؟
السؤال كالاتي
لماذا سيدة نساء العالمين ذكرت في خطبتها الفدكيه هذه الايه بالتحديد قال تعالى ((لقد جاءكم رسولٌ من انفسكم عزيزٌ عليكم ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوفٌ رحيم)) لماذا لم تذكر ولقد ارسلناك رحمة للعالمين
◀ جواب سماحة السيد حفظه الله:
ويعطيكم العافية ويشرّفكم بنفحات وده.
بالنسبة لسؤال الفاضلة؛ فجوابه يُعرف من خلال سياق كلامها صلوات الله عليها في خطبتها الغَرَّاء؛ أي كلامها عليها الصلاة والسلام ما قبل الآية وما بعدها؛
حيث كانت قبل الآية تتحدث عن رحمة الله ببعثه أبيها الأعظم صلى الله عليه وآله وعن عِلل التشريع وحِكَم جعْل الأحكام الكبرى التي ذكرتْها سلام الله عليها قبل ذكرها الآية، إذ قالت عليها الصلاة والسلام:
«(.. أنتم عِبادَ اللهِ نُصْبُ أمرِه ونهيه، وحَمَلةُ دِينِه ووحيه، وأُمناء الله على أنفسكم، وبلغاؤه إلى الأمم، وزَعَمتُمْ حَقٌّ لكُمْ للهِ فِيكُمْ، عَهْدٌ قَدَّمَهُ إليكُمْ [وزعيمٌ حقٌّ له فيكم، وعهدٌ قدَّمَه إليكم]، وبقيّةٌ استخلفها عليكم:
كتابُ الله الناطق والقرآنُ الصادق، والنورُ الساطع والضياءُ اللامع، بَيّنةٌ بصائرُه، منكشفةٌ سرائرُه، مُنجليةٌ ظواهرُه، مُغتبِطةٌ به أشياعُه، قائدٌ إلى الرضوان اتّباعُه، مؤدٍّ إلى النجاةِ استماعُه، به تُنالُ حججُ اللهِ المنوَّرة، وعزائمُهُ المفسَّرة، ومَحارِمُهُ المحَذَّرة، وبيّناتُهُ الجالية، وبراهينُهُ الكافية، وفضائلُهُ المندوبة، ورُخَصُهُ الموهوبة، وشرائعُهُ المكتوبة.
فجَعل اللهُ الإيمانَ تطهيراً لكم من الشرك، والصلاةَ تنزيهاً لكم عن الكِبْر، والزكاةَ تزكيةً للنفس ونماءً في الرزق، والصيامَ تثبيتاً للإخلاص، والحَجَّ تشييداً للدِّين، والعدلَ تنسيقاً للقلوب، وطاعتَنا نِظاماً للمِلّة، وإمامتَنا أماناً من الفُرْقة، والجهادَ عِزّاً للإسلام [وذلاً لأهل الكفر والنفاق]، والصبرَ معونةً على استيجابِ الأجر،
والأمر بالمعروف مصلحةً للعامة، وبرَّ الوالدين وقايةً من السَّخَط، وصِلةَ الأرحامِ مَنْماةً للعَدَد [منسأةً في العمر ومنماةً للعدد]، والقِصاص حِصْناً [حقناً] للدماء، والوفاءَ بالنذرِ تعريضاً للمغفرة، وتوفيةَ المكاييلِ والموازينِ تغييراً للبَخْس،
والنهيَ عن شُرْبِ الخمرِ تنزيهاً عن الرِّجس، واجتنابَ القَذفِ حِجاباً عن اللَّعنة، وتَرْكَ السِّرْقةِ إيجاباً لِلعِفّة، وحرَّمَ اللهُ الشرك إخلاصاً له بالربوبية، {فَاتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إلا وأَنتُمْ مُسْلِمون}، وأطيعوا الله فيما أمَرَكُم به وما نهاكم عنه، فإنه {إنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ العُلماءُ})».
فكانت تخاطب الذين آمنوا به صلى الله عليه وآله وبما جاء به من أحكام بليغة وحكيمة، فأذعنوا لها في حياته، وهنا التفتت سلام الله عليها إلى الحضور في المسجد فقالت:
«(أيها الناس! اعلموا أنّي فاطمةُ وأبي محمد صلى الله عليه وآله، أَقولُ عَوْداً وبَدْءاً، ولا أَقولُ ما أَقولُ غَلطاً، ولا أفعلُ ما أفعلُ شَطَطاً، {لَقَدْ جاءَكُمْ رسولٌ مِن أَنفُسِكُم عَزيزٌ عليهِ ما عَنِتُّمْ حَريصٌ عليكُمْ بِالمؤْمنِينَ رَؤوفٌ رَحِيم}، فإن تعْزُوه وتعرفوه، تجدوه أبي دُون نسائكم، وأخا ابنِ عمّي دون رجالكم،
وَلَنِعْمَ الـمُعَزَّى إليه صلى الله عليه وآله. فبَلَّغَ الرسالةَ صادِعاً بالنِّذارة، مائلاً عن مَدْرَجةِ المشركِين، ضارباً ثَبَجَهُم، آخِذاً بأَكظامِهِم، داعياً إلى سبيل ربِّهِ بالحكمةِ والموعظةِ الحَسنة، يَكْسِرُ الأصنام، ويَنْكُتُ [يَنْكُثُ] الهام، حتى انهزمَ الجَمعُ ووَلُّوا الدُّبُر،
حتى تَفَرَّى الليلُ عن صُبْحِه، وأَسْفَرَ الحَقُّ عن مَحْضِه، ونَطَقَ زَعيمُ الدِّين، وخَرِسَتْ شَقاشِقُ الشياطين، وطاحَ وَشِيْظُ النِّفاق، وانْحَلَّتْ عُقَدُ الكفرِ والشِّقاق، وفهْتُم بكَلِمةِ الإخلاصِ في نَفَرٍ مِنَ البِيْضِ الخِماص، وكُنتم على شَفا حُفْرةٍ من النار، مذْقَةَ الشاربِ ونُهْزَةَ الطامِع، وقبْسةَ العجلان، ومَوْطِئَ الأقدام، تَشربونَ الطّرْق، وتَقتاتونَ الوَرَق [القدّ]، أذلةً خاسئينَ [صاغرين]، {تَخافُونَ أنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِكُمْ}،
فأنقذكم اللهُ تبارك وتعالى بمحمدٍ صلى الله عليه وآله بعد اللّتيّا والتي،
وبعد أن مُنِيَ بِبُهَمِ الرِّجالِ وذُئْبانِ العربِ ومَرَدةِ أهلِ الكِتاب، {كلّما أَوقَدوا ناراً للحَربِ أطفأَها الله}، أو نَجَمَ قَرْنٌ للشيطان [قرنُ الشيطان] أو فَغَرَتْ فاغِرةٌ من المشركينَ قَذَفَ أخاهُ في لَهَواتِها، فلا يَنكفئُ حتى يَطأَ صِماخَها بأَخْمَصِه، ويُخْمِدَ لَهَبها بسيفه،
مَكدوداً في ذات الله، مجتهداً في أمر الله، قريباً من رسول الله، سيدَ أولياءِ الله [سيداً في أولياء الله]، مُشَمِّراً ناصحاً، مُجِدّاً كادحاً، [لا تأخذه في الله لومة لائم]، وأنتم في رَفاهيةٍ من العيش، وادِعون فاكهون آمنون، تَتَربصونَ بنا الدّوائر، وتَتَوََكّفونَ الأخبار، وتَنْكُصونَ عند النِّزال، وتَفِرّون عند [من] القِتال.
فلما اختار اللهُ لنبيّه دارَ أنبيائه، ومَأْوى أصفيائه، ظَهَرَ فَيكم حَسيكةُ [حسكة] النِّفاق، وسَمَلَ جِلْبابُ الدِّين، ونَطَقَ كاظِمُ الغاوين، ونَبَغَ خامِلُ الأقَلِّين، وهَدَرَ فَنيقُ الـمُبْطِلِين، فَخَطَرَ في عَرَصاتِكم، وأَطْلَعَ الشيطانُ رأسَهُ مِن مَغْرِزِه، هاتفاً بكم، فأَلْفاكم لدعوته مستجيبين، ولِلْغَرّةِ فيه مُلاحِظين، ثم استنهضَكم فوجدكم خِفافاً، وأَحْمَشَكم فأَلفاكم غِضاباً، فَوَسَمـتُمْ غَيْرَ إبلِكُم، وَأَوْرَدتمْ غَيْرَ شِرْبِكُمْ [ووَردْتمْ غيرَ مَشْربِكم].
هذا والعهدُ قريب، والكَلِمُ رَحيب، وَالْجُرْحُ لَمّا يَنْدَمِلْ، والرسولُ لَـمّا يُقْبَرْ، ابْتِداراً زَعَمتُمْ خَوْفَ الفِتْنة! {ألا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا …)».
فكان من حكيم وبليغ وفصيح وشامل كلامها ودقيقه، أن تَذكر حقيقة هذه الآية المباركة في خصوص هذا الموضع من حديثها، وهذا المقام الاحتجاجي عليهم الذي هي -الآية- فيه، فكانت الآية كما نزل بها الوحي ((خطاباً لهم)) بدءً وآخِراً، فذكّرَتهم عليها الصلاة والسلام بالعهد والذِّمام، واحتجّت عليهم بـ: ما نزل فيهم من الوحي وكلام الله فآمنوا به بالأمس وتفاخروا به ونكثوه علناً بعد رحيل نبيهم بساعة وتغامضوا عنه.
بينما آية {أرسلناك} فـ((خطابها)) للنبي وليس فيها من الشمول ما يفي بالمقام ويقرع القلوب ويأتي على الحُجة المطلوبة التامةِ الكاملة.
والله العالم.
امين سعيدي – قم
٢٩جمادى الاخرة ١٤٣٥هـ
للتعلیق أو مطالَعة التعلیقات اضغط هنا