رحمة الله
أيها العزيز!
عندما تتأمل قوله تعالى: {لِيَجزيَ الذينَ أساؤوا بما عَمِلوا ، ويَجزيَ الذينَ أحسنوا بالحُسنى}[النجم: 31] تعي عندها عظَمة آفاق الرحمة؛ ففي صدر الآية قال سبحانه بما عملوا ولم يحدِّد ذلك من حيث الجزاء، بينما في ذيل الآية حدَّد الجزاء بالحُسنى؛ فلم يقل في صدرِ الآية عن الذين أساؤوا مثلاً ليجزي الذين أساؤوا بما أساؤوا أو ليجزي الذين أساؤوا بالسوأى ..، وإنما جعل الباب مفتوحاً في مقاضاته ومُجازاته سبحانه للمسيئين؛ فإما أن يقاضيهم بالسوأى بقدر عصيانهم سواء بسواء لِما أساؤوا، أو أن يقاضيهم بالعفو والرحمة بعقاب أقل من درجة فعلهم السيء، أو أن يقاضيهم بالعفو الكامل.
وطبيعي أن يكون صدرُ هذه الآية مقيَّداً ومحصوراً -بقرينة الآيات والروايات الأخرى- بمن لم يرتكب ذنوباً مِن جنسِ الذنوب التي لا تقبل المغفرة.
كما أنّ المقاضاة منه تعالى بالتخفيف أو العفو لابد وأن تَعود إلى علل كامنة في ذات العبد أو ما يتصل به، مع تعويض المُساء إليه إن كان السوء صدرَ من المسيء في جانب (حقوق الخَلق)، أو أن تَعود للتعويض بالاقتصاص بالتكافؤ من حقِّ المسيء لحق المساء إليه ومن حق المساء إليه بحق المسيء فيما لو كانت الإساءة متبادَلة بصنفين من الذنوب بينهما، أو أن تَعود إلى حكم عام يشمل به سبحانه جميع الخلائق على السواء؛ تحقيقاً للعدل الكامل؛ وإلا فإنه عز وجل لا ولد له ولا أب ولا قريب؛ فأحكامه ناشئة عن حكمته بالتكوين والخالقية والربوبية.
وفي نفس الوقت، فإنّ ذيل هذه الآية يتصدَّر مبحثاً كلامياً مهماً؛ إذ صرَّحتِ الآية بأنّ الله تعالى لا يجازي المحسن إلا بالحسنى؛ حيث حددت جزاء الذين أحسنوا؛ وبالتالي يستحيل منه تعالى الظلم بأن -مثلاً- يعذِّب المؤمن بالنار كما ادعت بعض الفِرَق.
وأما نحن أيها العزيز؛ فيجب أن نتجنب الإساءة، سواء كانت مِن جنسِ (حقوق الله) أو (حقوق النفس) أو (حقوق الآخرين؛ كالوالدين والأولاد، والمعلِّمين والعلماء، والشعب والرعية والمحكوم والحاكم، والزوج والزوجة، والإخوة والأعمام والأخوال والأرحام، والأصدقاء والجيران … أو الملائكة أو الحيوانات أو البيئة)، فلا نتهاون ونغري أنفسنا ونغرّها بذلك البتّة؛ ذلك لأنّ الرحمة التامة أكثر ما تكون محتمَلة؛ لأنها ليست أمراً مضموناً بأيدينا، والعاقل لا يَعقد عنق مصيره بالمحتمَلات، ناهيك عن أنّ التّجرّي أحياناً يكون أحد موانعها.
ثمّ إنه علينا أن نتصف بالصفة الإلهية الفيضية الكامنة في الواجب سبحانه؛ ذلك باعتبارها صفة كمالية، والمكلَّف مطالبٌ بتحصيل الكمال في هذا السَّفَر بهذا العالم الناسوتي المحدود النازل؛ فنمرِّس أنفسنا على الكرم والعفو والتسامح والرفق والرأفة.
أمين السعيدي – قم
2 صفر الخير 1437هـ
للتعلیق أو مطالَعة التعلیقات اضغط هنا