رسالة التطبير11 (تحقيق سند خبر نَطْح زينب المَحْمَل “المصادر”)
? موجز عناوين الأبحاث المتقدمة وفهرست المنعقِد هنا:
تَقدَّم الكلام في (مَدْخل تمهيدي)، تلاه الفصل الأول بتأسيس (مسائل ضروریة)؛ تكفّلَتِ المسألة الأولى منها بيان (الصّنف المخاطَب بهذه الرسالة)، وتكفَّلَتِ الثانية بيان (أغراضها ومبرراتها) ضِمن عشرة أمور، فشرعت بعدها بـ(الفصل الثاني) المتکفل بذكر وتحقيق (أدلة التطبير بالعنوان الأولي الخاص الصريح)، تقدَّم منه المبحث الأول بـ(بيان ألفاظ العنوان) في مسألتين؛ أجبت بالأولى عن (ماذا نقصد بالحكم الأولي الصريح؟)، وبيَّنت بالثانية (الحُكم الأولي الصريح في التطبير) بالتساؤل: (هل يتوفر لدينا حكم أولي في التطبير أم لا؟؛ بمعنى: هل التطبير -بصفاته ومشخصاته القائمة- له عنوان خاص صريح موجود في الشريعة مصبوب عليه حُكم إلهي مباشِر كالصلاة وغيرها؟)؛ فأجبت بـ(أن في التطبير يوجَد لدينا تارة روايات وأخرى التقرير يفيدان تجويزه ..)، وأنه (لا يوجد في الشرع لمسألة التطبير غير دليلين أوّليين خاصَّين)، وأنه (يكفي دليل واحد منهما لإثبات جوازه ولا حاجة لأكثر)، فتوقَّفت عندهما تاركاً بيانهما وتحقيقهما صحةً وبطلاناً لهذه الوقفة المتكفلة ببيان (المبحث الثاني) من هذا الفصل، كما يلي. فبالله أستعين وباسمه أشرع.
الفصل الثاني: (أدلة التطبير بالعنوان الأولي الخاص):-
? المبحث الثاني:
الدليل الأولي الخاص الأول (حادثة نَطْح العقیلة جبينها بالمَحمل):-
● تحقيق خبر نطح زينب (ع) جبينها بمقدَّم المحمل:
هذا الدليل الخاص؛ خبر نطْح العقيلة زينب عليها الصلاة والسلام مقدَّم المَحْمَل، هو دليلٌ اجتهادي على أساس النظر له كدليل فقهي؛ أي على فرض تماميته، يَكون مَرجِعاً للفقيه ولا يصير به الأمر إلى الأصل العملي الآتي بيانه في محله؛ فالفقيه إذا توفَّر لديه خبرٌ يفي باستنباط حُكم الشيء منه؛ فإنه يَلزَمه استنباط الحُكم منه لا من القواعد العامة؛ ذلك لأن الدليل الخاص مقدَّم؛ باعتباره متصدياً للأمر بلسان القرآن أو سُنّة المعصوم فيَكشف كشفاً مختصاً واضحاً عن الحُكم الإلهي الواقعي وأقرب للوصول إليه، بخلاف القواعد العامة؛ فإنّ دورها دور إعطاء الحُكم حال عدم وجود دليل شرعي خاص، فقد تصيب وقد تخطئ، دون علمنا بأقربية الإصابة والوصول للحُكم الإلهي الواقعي عند لحاظ الحُكم المتحصَّل منها للشيء بمفرده.
وهذا الدليل الخاص على التطبير -الذي هو خبر نَطْح العقيلة سلام الله عليها المَحْمَل- باعتباره الفقهي، يحتاج للبحث وفق الضوابط الفقهية كغيره من الأخبار والمَدارك؛ لذا سأبحثه تارة من جهة سنده، وأخرى من جهة متنه ودِلالته على المطلوب؛ فنرى هل يثبت به أم لا؟ وذلك كما يلي:
● 1- تحقيق سند خبر نطح المحمل:
أ- استحصاء المصادر والمَراجِع ومؤلفيها:
وقبل استحصاء ذلك، ينبغي أن نعْرِف الفارق بين الكِتاب ’’المَصْدَر‘‘ والكِتاب ’’المَرْجِع‘‘ من حيث الاصلاح البَحثي والتدويني؛ فإنّ كل منهما يختلِف عن الآخر، وللاختلاف بينهما أثرٌ علميٌ تحقيقيٌ مهم؛ فالمَصدر يُطْلَق –كاصطلاح- على المَنابع الأصلية التي هي الكُتُب الأم الحاوية للنصوص الأولية والمادة الأساسية فارغة عن مجرَّد التعليق والشرح لنَص آخر في البحث النَّقْلي، ومنها –أعني المصادر- ما هو مخطوط أو مطبوع وما هو قديم أو حديث؛ وذلك من قبيل المَعاجم الحديثية الأم الرئيسية والمؤلَّفات اللُّغَوية الأولى؛ ككتاب الكافي وكتاب صحيح البخاري والكُتب الأربعمائة ومعجم العَین للخلیل الفراهيدي ومعجم البارع لأبي علي القالي ..، وكذا من قبيل الدواوين الشِّعرية ..
بخلاف الكتب المَراجِع؛ فهي تأتي –كاصطلاح- في الدرجة الثانية، وتمارِس عملية الاقتباس من المصادر الأصول في دراسات وبحوث ورسائل ومقالات، بغرض ترتیب أبحاثها أو توسيعها بدمجها مع غیرها أو اختصارها أو شرحها أو تحليلها أو نقدِها وتطويرها أو كتابة تعليقة عليها ..، ومنها أيضاً ما هو مخطوط أو مطبوع وما هو قديم أو حديث، وقد البعض يميِّز بين قديمها وحديثها بظرف خاص أو تاريخ معيَّن؛ من قبيل القول بأنّ القديم ما كان قبل وجود المَطبعات العصرية وما قبْل حملة نابليون على مصر عام 1798م، إلا أنّ هذا الوجه من التمييز لا يستقيم عندي. وغير ذلك من الفروق، وقد يتحول مَرجِع بسبب عوامل معيَّنة إلى مَصدر؛ وذلك ما لو اندثر المصدر وحَلَّ المرجع محله، کما أيضاً يُطْلَق المصدر بمفهومه العام على المصدر بمفهومه الاصطلاحي وغيرِه ..؛ بالتالي -على هذا- أقول:
وردَ خبر نَطْحِ العقيلة زينب بنت علي بن أبي طالب عليهم الصلاة والسلام للمَحْمَل -عند رؤيتها رأس أخيها الحسين صلوات الله وسلامه عليه على رمحٍ حين دخول سبايا آل محمدٍ صلى الله عليه وآله الكوفة- في عدة كُتب؛ منها أربعة أصلية ’’مَصادر‘‘، والبقية تَنقل عنها، حسب البيان الآتي:
● استحصاء المصادر ومؤلفيها:
قبل استعراض الکتب المَصادر، ينبغي العلم بأنّ أصحاب هذه الكتب لا يعني ذكرهم لخبر النَّطْح في كُتُبهم أنهم يفتون بالتطبير؛ ذلك لأن كُتبهم لم تصنَّف بهذا الغرض، كما أن بعضهم عاش في زمن ما قبل ظهور التطبير بقرون ممتدة جداً، وبعضهم أيضاً ليس شيعياً؛ فهم إنما ذکروا الخبر من باب الغاية التي على أساسها صنَّفوا مدوَّناتهم هذه؛ والتي هي استعراض تاریخي لأحداث الطف وأحوال السبايا خلال رحلة السبي ..
فلنقف على هذه المَصادر الأُم الأصل الأُولى المتوفّرة؛ فنحصيها بأجمعها؛ فهي ما یلي:
كتاب المنتخَب في المَراثي والخُطَب
المسمى (منتخَب الطريحي) والمشتهر بـ(الفَخري) للشيخ فخر الدين بن محمد علي الطريحي الأسدي المنتهي نسبه إلى حبيب بن مظاهر رحمه الله الصحابي الجليل الشهيد في كربلاء؛ وهو كتاب مؤلَّف بمجالس من الليلة الأولى من محرم إلى ليلة العاشر، في أبواب تتناول كثيراً من أحداث الطف وما رافقها، ضَمَّنها الشيخ الطريحي أكثر قصائده في أهل البيت عليهم الصلاة والسلام والتي أكثرها في رثاء الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه، ويحوي بعضاً مما يُروى في فضائلهم عليهم الصلاة والسلام والأشعار الرثائية المعروفة التي تُقرأ من الشيعة في مجالس العزاء، فهو كتاب يهتم به الخطباء کثیراً ومحط ارتيادهم. ذكر الخبر في مجلده الثاني بالمجلس العاشر الباب الثاني صفحة أربعمائة وخمسة وستين.
بحار الأنوار الجامعة لدُرر أخبار الأئمة الأطهار
للمرحوم محمد باقر المجلسي الملقب بالعلاّمة المجلسي، والمجلسي الثاني[1]، وكتابه البحار هو موسوعة حديثية كبرى تحوي كثيراً من المعارف والفنون ..، لا يستغني عنها محقِّقٌ وباحث. وقد ذكر الخبر في مجلّده الخامس والأربعين الباب التاسع والثلاثين الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه صفحة مائة وخمسة عشر.
كتاب ينابيع المَودة لذوي القُربى
لسليمان بن إبراهيم القندوزي البلخي الخراساني، نسبةً لبلخ أفغانستان شمالاً الواقعة سلفاً بخراسان القديمة؛ وكتابه هذا كتاب تاريخي روائي مَناقبي. ذكر خبر النطح في مجلّده الثالث بباب الحادي والستين في الصفحة السابعة والثمانين تحت عنوان دخول السبايا إلى الكوفة.
وهناك كتاب آخر مهم جداً؛ وهو كتاب أبي مخنف
سيأتي الكلام عنه في عرض الكلام عن كتاب الينابع؛ لعلّة خاصة أبيّنها هناك.
ويوجد كتاب خامس؛ هو كتاب نُور العَين في مَشهد الحسين
يشَكِّل هذا الكتاب أقدم الكتب في نقل الخبر، لرکن الدين أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الاسفرایيني[2]؛ نسبةً لمدينة إسفرايين[3] الواقعة في عصرنا شمال غربي محافظة خراسان الشمالية؛ وهو كتاب تاريخي مختص برواية مَصرع الإمام المظلوم أبي عبد الله الحسين عليه الصلاة والسلام وأحداث خروجه من المدينة وما بعد المَصرع من وقائع تحفُّ به، وقد ذكر الخبر في صفحته السابعة والخمسین. لكن هذا الكتاب لا يمكن لنا عَدّه مِن مَصادر خبر النَّطْح؛ لتفصيل سيأتي بحوله تعالى.
هذا بالنسبة للمَصادر التي أوردت الخبر، وأما المَراجع؛ فأذكرها في الوقفة الآتية.
أمين السعيدي
أواسط جمادى الآخرة 1438هـ
______________
الهوامش:
[1] الثاني في قبال أبيه الملقب بالمجلسي الأول المولى محمد تقي رحمه الله.
[2] أُثبِتَتْ ألفه في معاجم اللغة بهمزة مفتوحة: الأَسْفَرايينِيِّ، ومكسورة: الإِسْفَرايِينيّ.
[3] تنطق اليوم بالفارسي اِسْفَرايِن، تعود لاسفرائين وسبراين واسپرائين، وتعادل سپهرآيين، اسم لمادة معدنية..
[alert color=”” icon=””]
موضوعات ذات صلة:
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11344/”]أ- رسالة التطبير1 (مَدْخَل، والصنف المخاطَب بهذه الأبحاث)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11381/”]أ- رسالة التطبير2 (أغراض ومبررات)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11444/”]أ- رسالة التطبير3 (الطُّرُق الحُجة لإحراز الحُكم الشرعي، ومراتبها، والطريق المختار)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11459/”]أ- رسالة التطبير4 (الإصلاح الداخلي للدليل)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11479/”]أ- رسالة التطبير5 (تشجيع العوام والمثقَّفِين على الجُرأة في الدِّين)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11495/”]أ- رسالة التطبير6 (علاج جدليّة: “تبصير الجاهل” و”تنبيه الغافل”)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11510/”]أ- رسالة التطبير7 (امتثال ’’حُكم الحاكم‘‘ وامتثال ’’فتوى المَرجِع‘‘)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11523/”]أ- رسالة التطبير8 (إحراز القطع وتفعيل أثره)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11540/”]أ- رسالة التطبير9 (لا أَتَكلَّم فيه بشيء)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11556/”]أ- رسالة التطبير10 (الفصل الثاني: أدلة التطبير بالعنوان الأولي الصريح)[/button]
[/alert]
للتعلیق أو مطالَعة التعلیقات اضغط هنا