رسالة التطبير13 (تحقيق سند ينابيع القندوزي لخبر نَطْح زينب المَحْمَل)
? موجز عناوين الأبحاث المتقدمة وفهرست المنعقِد هنا:
تَقدَّم من الأبحاث (المَدْخل) و(الفصل الأول)، تم بعدها الشروع بالفصل الحالي (الثاني)؛ وهو الفصل المتکفل بذكر وتحقيق (أدلة التطبير بالعنوان الأولي الخاص الصريح)، وقد تقدَّم منه المبحث الأول بـ(بيان ألفاظ العنوان) في مسألتين؛ كانت الثانية منهما حول الإجابة -إجمالاً- عن (هل الحُكم الأولي الصريح متوفر في التطبير أم لا؟)؛ فابتدأتُ المبحث الثاني بطرح أول دليل أولي خاص؛ والذي كان (حادثة نطْح العقیلة زينب عليها الصلاة والسلام جبينها بالمَحْمَل في الكوفة)، بدأتُ الكلام في الحادثة ببحث سَنَدها باستحصاء جميع الكتب (المَصادر) ومجموعة شهيرة من الكتب (المَراجِع) التي ذكرَتْها في صدد سرد الخبر ورواية أحداث الطف؛ فانتهى بنا الكلام عند تحقيق أحوال ورِجال أسناد الخبر الورادة في هذه الكتب، الذي هو محط البحث في هذه الوقفة كما يلي:
? الفصل الثاني: (أدلة التطبير بالعنوان الأولي الخاص):-
? المبحث الثاني:
الدليل الأولي الخاص الأول (حادثة نطْح العقیلة جبينها بالمَحْمَل):-
● 1- تحقيق سند خبر نطح المحمل:
ب- أحوال سند الخبر ورِجاله:
بعد أن عرفتَ جميع المصادر الأصول الأُم التي تروي خبر النطح؛ صار علينا أن ننظر في أسنادها للخبر، هي فحسب؛ ذلك لأنّ الكتب المَراجِع لا تعنينا من هذه الناحية بعد كونها مجرَّد كتب ناقلة عن هذه المصادر، سواء كانت هذه المراجع خالية من الإسناد ترسل الخبر إرسالاً أم لا؛ فكل من الحالتين لا تخدش في سند الخبر كما لا تقوّيه في ظل تبعيتها التامة لما في تلك الكتب الأصلية؛ لذا سأبحث -مبدئياً- في أسناد المَصادر كلها واحداً واحداً؛ لنرى مدى إمكانية اعتماد سند الخبر للاستدلال به على التطبير؛ فإنه دليلٌ متين ويمثِّل أحد أهم الأدلة لإثبات –على الأقل- جوازه؛ فالكلام في مجموع هذه المصادر مرتَّبة بالتسلسل الزمني؛ الأقدم فالأقدم حسب تاريخ حياة كل مؤلِّف كما يلي:
● أحوال سند الخبر ورِجاله في المصدر الأول (الينابيع):
والبحث في إسناد هذا الكتاب لخبر النَّطْح يقع من جهات كالآتي:
مصنِّف الكتاب؛ فمن هو القندوزي ناقل الخَبر؟
ذكرت بأنّ ينابيع المودة لذوي القربى هو تأليف سليمان بن إبراهيم القندوزي البلخي الحَنَفي. وُلِدَ القندوزي سنة 1225هـ، وتوفي سنة 1294هـ وقيل 1270هـ. لكن الصحيح هو الأول؛ لأن هِجرته من قندوز عبر إيران إلى بغداد كانت سنة 1269هـ، فوقع وصوله لبغداد سنة 1270هـ، فمَكث بها فأَخذ يرتوي أهل العِلم والسلوك من علومه، ثم توجه إلى الآستانة –دار الخلافة- عبْر المَوصل ودِيار بَكْر وأورفة وحلب، فأطال المَكث في هذه البلدان قرابة أكثر من الثلاث سنين، فلما وصل قونية مَكث بها ثلاث سنين وستة أشهر، ثم بذي الحجّة سنة 1277هـ توجه منها إلى دار الخلافة، وأَلَّفَ خلال هذه المدة بعد سنة 1270هـ العديد من كتبه ورسائله، واستَنسَخ بنفسه العديد من الكُتب؛ كالفتوح المكّيّة والفُصوص ..
يُعتبَر سليمان القندوزي حنفياً؛ باعتباره –على الأقل- كان من أعلام الحنفية في الفروع، إلا أنّ بعض أهل السُّنّة وصفوه بأنه من غُلاة الصوفية؛ باعتباره من أعلام النقشبندية في المَشْرب والطريقة ومن أَتْباع ابن عربي حسب النَّظر، وقال البعض أنه شيعي إثني عشري؛ بناءً على ذِكره روايات عن الإمام جعفر الصادق عن آبائه وعن جابر بن عبد الله .. في نفس كتابه هذا حول وصاية النبي صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين علي وللأئمة الإثني عشر من بعده[1]، وكذا بحجة ذِكر الآقا بُزُرْگ الطهراني -(ت: 1389هـ)- له في كتابه الذَّريعة إلى تصانيف الشيعة ..![2]؛ مع أن الشيخ الطهراني وإن كان كتابه الذريعة يختص بتصانيف الشيعة، إلا أنه تَرجم فيه لكُتب العديد من أهل السُّنّة والصابئة وغيرِهم؛ بلحاظ كون تلك الكتب تَتناول فضائل أهل البيت عليهم الصلاة والسلام أو شروح نهج البلاغة ..، فذَكرها ضِمن كتابه الذريعة على سبيل الشيء من باب الشيء يُذْكَر؛ فهذا ليس دليلاً على كون الرجل شيعياً؛ فمثلاً نجد الشيح الطهراني يَذكر في تاريخ آل بُوَيه:
(كِتاب ’’التاجي‘‘ المؤلف باسم عضد الدولة المعروف بتاج الملة ألَّفه أبو إسحاق إبراهيم بن هلال الصابي المتوفى سنة 384 وهو صابئي لكن رثاه السيد الشريف الرضي لغاية فضله بداليّته المشهورة)[3]، كما مثلاً يَذكر مِن السُّنّة مَن احتَمَل البعض تشيعهم أو من له كتاب بمسمى مشابه لكتاب شيعي؛ كالحمويني –وتُنطَق الجويني- (ت: 730هـ) الذي صَرَّح بأنه عامي ومع ذلك ذكره في كتابه الذريعة؛ قال:
(’’فرائد السِّمْطَين في فضائل المرتضى والبتول والسِّبْطين‘‘ قال في ’’الرِّياض‘‘: انه لبعض فضلاء الأصحاب، وحكى عنه في ترجمة المفيد عبد الرحمان بن أحمد الخزاعي النيسابوري، وبعد صفحة حكى في ترجمة النقيب عبد الرحمان بن عبد السميع الهاشمي الواسطي، عن كتاب ’’فرائد السمطين‘‘ للحمويني من العامة مكرراً، ولذا استَظهر منه ان النقيب المذكور أيضاً عامي وصَرَّح بان العامي معاصِر للعلامة الحلي، وانه تلميذ السيد عبد الحميد بن فخار بن معد النّسّابة، كما في ترجمته، وبالجملة فيَظهر من تصريحه في الأول أنه لبعض فضلاء الأصحاب، وذِكره للثاني مصرحاً بأنه للحمويني من العامة، أنهما كتابان أحدهما لبعض الأصحاب، والآخر للحمويني العامي، والحمويني العامي صاحب ’’فرائد السمطين‘‘ غير الحموي صاحب ’’منهج الفاضلين‘‘ في الإمامة فإنه محمد بن إسحاق بن محمد الحموي، وهو أيضاً غير سعد الدين الحموي محمد بن المؤيد بن أبي الحسن بن محمد بن حمويه، والد صدر الدين إبراهيم وخليفة نجم الدين الكبرى، بل العامي صاحب ’’فرائد السمطين‘‘ هو الولد يعني صدر الدين إبراهيم بن سعد الدين الذي أسلم على يده غازان محمود في 694.
وقد سماه ب’’فرائد السمطين في فضائل المرتضى والبتول والحسنين‘‘ مرتَّباً على سمطين السمط الأول في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام في سبعين باباً وخاتمة، والسمط الثاني له خطبه مستقلة أولها[الحمد لله الذي تنزه جناب جلاله عما لا يليق بكبريائه وتبارك وتوحد في قدسيته ..] وهو في فضائل البتول والحسنين في 72 باباً …
وهو غير ’’دُرر السِّمْطَين‘‘ في فضائل المصطفى والمرتضى والسبطين للمحدث الحر ، جمال الدين محمد بن يوسف الروندي المتوفى 750، كما في ’’كشف الظنون‘‘ وينقل عنه نور الدين بن الصباغ المتوفى 855 في ’’الفصول المهمة‘‘ أشعار الشافعي .. وبالجُملة تَرجَم صاحب ’’الرِّياض‘‘ صدرَ الدين إبراهيم هذا في ذيل عنوان المحتمَل تشيعهم)[4].
وأيضاً فإنّ الشيخ الطهراني رحمه الله إذا قال فلان شيعي؛ فلا يعني ذلك أنه القول الفصل؛ فهل مثلاً الحمويني شيعي لأنه ذكر كتابه باعتباره يحمل موضوعاً يتناسب مع مذهب الشيعة وباعتبار أنه ذكر احتمال تشيعه واستظهار صاحب الرياض –وكذا السيد محسن الأمين- أنه شيعي مع أنه شافعي المذهب؟!
زِدْ عليه أنّ الشيخ الطهراني صَرَّح بعدم العِلم بتشيع القندوزي؛ إذ قال في ترجمته كتابه: (والمؤلِّف وإن لم يُعْلَم تشيعه لكنه غنوصي)[5]؛ ويعني بالغنوصيGnostic [6] اتجاه المَدرسة الغنوصيةGnosticism التي هي العرفان والتَّصوُّف، وتسمى أيضاً الغنوسطية؛ وهي غير الاتجاه الأغنوصي –الأغنوسي- Agnostic / المدرسة الأغنوصيةAgnosticism ؛ فالغنوصية تعني التنوير الحق والمَعرفة أو الخلاص من الأَسْر المادي والتحرر الروحي من العالَم السفلي والتجرد من الحَد الزَّماني إلى عالَم الأنفُس القدسية وعوالم الشُّهود أو التوحد مع الصانع الواجب الأزلي المطْلَق بقهر الذات الشَّقائيّة والفَناء به إليه وفيه؛ من خلال التصفية والتطهّر بتحلية النفس بالفضائل والمَناقِب وتخليتها عن الرذائل والمَثالِب، والزهد وممارسة الخير، والتَّبَتُّل والمُناجاة، والسعي وراء الحكمة عن طريق التّأمُّل والتفکر ومساعدة الآخرين والعدل والصِّدق وإنارة طريق العِباد وبث التَّسامي والعُروج والسَّيْر بعبور أسفار مجاهَدة النفس المتعاقِبة ..
وأما كون القندوزي يروي في أهل البيت عليهم الصلاة والسلام أحاديث الوِصاية عن النبي صلى الله عليه وآله فيهم بالخلافة بعده ومَناقبهم؛ فهذا أيضاً بمجرَّده ليس دليلاً كافياً على التشيع؛ إذ ما أكثر السنة المعتدلين الذين صَنَّفوا في ذلك وذكروا الوصاية والمناقب في كتبهم؛ كأبي عبد الله الشافعي (المتوفى: 204هـ) الإمام المعروف صاحب المذهب الشافعي مؤلِّف كتاب الأم، وكذا من رووا -مثلاً- حديث الثقلين؛ كأبي إسحاق الثعلبي –الثعالبي[7]– (ت: 427هـ) في كتابه الكشف والبيان في تفسيره آية {واعتَصِموا بحَبْلِ اللهِ جَميعاً}[آل عمران: 103]، والحاكم أبي عبد الله النيسابوري (ت: 405هـ) في مستدرَكه على الصحيحين[8]، وغيرهم الكثير كما هو معلوم ولا حاجة لبسطه؛ فهل مثلاً الشافعي إمام المذهب الشافعي الذي يقول في قصیدة من قصائده الكثيرة في مدح أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام:
وماتَ الشافِعِيُّ وليسَ يَدري * عليٌّ رَبُّهُ أَمْ رَبُّه اللهُ. هل نقول هو شيعي لأنه ألّف هذه القصائد ..؟!
وسيأتيك في كلام القندوزي من خُطبة كِتابه جَمْعٌ كبير ممن كَتبوا في وِصاية النبي صلى الله عليه وآله لعلي وأئمة أهل البيت عليهم الصلاة والسلام وكَتبوا في مناقبهم؛ فلاحِظْ.
حُجّة طباعة الشيعة كتاب عالم سُنّي ونقلِه من المَغازلي:
وقد يَحتج البعض أيضاً بكون القندوزي شيعياً بدعوى أن الشيعة اهتموا بكتابه ينابيع المودة وطبعوه لموافقته مَشْربهم! إلا أن هذا لا يكفي أيضاً لإثبات هكذا مدَّعى؛ إذ موافقة المَشْرَب وطباعة كتاب فيه حق ودلالة على المخالِفين شيء وكون المؤلِّف شيعياً شيءٌ آخر، بل ما أَكثر الكتب السُّنّيّة التي طبعها الشيعة واهتموا بها، والمكتبات المعاصرة خير شاهد على ذلك لِمَن لديه أبسط اطّلاع على الكتب والمطبوعات! فلو طبع إخواننا أهل السنة كتاباً شيعياً لموافقته مَشْربهم؛ هل يكون ذلك الكاتب بالضرورة سنياً؟ قطعاً لا. بل إنّ القندوزي قال في خُطبة كِتابه:
(ولله الحمد والشكر على مَنّه، إذ .. جعلنا من أهل الجماعة وسُنّته [يعني سُنة نبيه]، ومن المحبين الموادين لأهل بيته وآله وصحبه، ومن المتمسكين بآدابهم وآثارهم، ومن المهتدين بهداهم وأنوارهم .. وصلى الله على ملوك حظائر القدس، ورؤساء أبناء الجنس، من الرسل والأنبياء، والأوصياء والأولياء، والصديقين والشهداء، والأصفياء والصالحين، لا سيما على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين الهادين، وأصحابه الكاملين الناصرين، المتأدبين بآدابه، والمهذبين بأخلاقه، والعارفين بأسراره.
ثم صلوات الله وسلامه، وصلوات ملائكته وأنبيائه ورسله وجميع خلقه، على حبيبه ورسوله، وخير خلقه، وخاتم أنبيائه، سيدنا محمد، وعلى آله وأهل بيته وعترته وصحبه، دائمة بدوام الله، وباقية ببقاء الله، أبداً سرمدا. اللهم اجعلنا من زمرتهم)[9]. وذَكر فيها أنه يَذكر هذه الأحاديث والمَناقب عن كتب أهل السنة وعلماء الحُرُوف؛ حيث يقول:
(ولمّا كانت مودتهم [يعني مودة قُربى النبي] على طريق التحقيق والبصيرة موقوفة على معرفة فضائلهم ومناقبهم، وهي موقوفة على مطالعة كتب التفاسير والأحاديث التي هي المعتمد بين أهل السنة والجماعة. وهي الكتب الصحاح الستة من: البخاري ومسلم والنسائي والترمذي وأبي داود -باتفاق المُحَدِّثِين المتأخرِين-. وأما السادس من الصحاح، فابن ماجة، أو الدارقطني [أو الدارمي][10]، أو المُوَطَّأ -فبالاختلاف-.
فجَمَعَ مناقب أهل البيت كثير من المحَدِّثين وألفوها كتباً مفردة: منهم: أحمد بن حنبل، والنسائي، وسَمَّياه “المناقب”. ومنهم: أبو نعيم الحافظ الأصفهاني، وسماه بـ”نزول القرآن في مناقب أهل البيت”. ومنهم: الشيخ محمد بن إبراهيم الجويني الحمويني الشافعي الخراساني، وسماه “فرائد السِّمْطَين في فضائل المرتضى والزهراء والسِّبْطَين”. ومنهم: علي بن عمر الدارقطني سماه “مسند فاطمة”. ومنهم: أبو المؤيد موفق بن أحمد أخطب خطباء خوارزم الحنفي سماه “فضائل أهل البيت”. ومنهم: علي بن محمد الخطيب الفقيه الشافعي المعروف بابن المغازلي سماه “المناقب”. ومنهم: علي بن أحمد المالكي سماه “الفُصول المُهِمّة” رحمه الله.
وهؤلاء أَخَذوا الأحاديث عن مشايخهم بالسياحة والأسفار، وبالجد والجهد في طلب الحديث من أهل القرى والأمصار. فكتبوا في كتبهم إسناد الحديث إلى الصحابي السامع الراوي بقولهم: حدثنا، أو أخبرنا فلان، مثل أصحاب الصحاح الستة. ومنهم: من جمع فضائل أهل البيت في كتاب مفرد، وسماه “المناقب” ، ولكن لم يظهر اسم المؤلف. ومنهم: من جمعها وكتب فيها كتاباً مفرداً آخذاً عن كتب المفسرين والمحَدّثين المتقدمين: كصاحب “جواهر العقدين”، وهو الشريف العلامة السمهودي المصري -رفع الله درجاته، ووهب لنا بركاته-، وصاحب “ذخائر العُقبى”، وصاحب “مودة القربى”، وهو جامع الأنساب الثلاثة، مير سيد علي بن شهاب الهمداني -قدس الله سره، ووهب لنا بركاته وفتوحه-.
ومنهم: من ذكر فضائلهم في كتبهم من غير إفراد كتاب لها: كصاحب “الصواعق المحرقة”، وهو المُحَدِّث، الفقيه، الفاضل، الشيخ ابن حجر الهيثمي الشافعي، الثقة والمعتمَد بين علماء الشافعية. وصاحب كتاب “الإصابة” وهو الشيخ الحافظ ابن حجر العسقلاني الشافعي -رحمهما الله-. وصاحب كتاب “جمع الفوائد” الذي جمع فيه من الكتابين الكبيرين: أحدهما: “جامع الأصول” الذي جمع فيه ما في الصحاح الستة للشيخ [الحافظ][11] مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد الأثير الجزري المَوصلي. وثانيهما: كتاب “مجمع الزوائد” للحافظ نور الدين أبي الحسن علي بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي، جمع فيه ما في مسند الإمام أحمد بن حنبل، وأبي يَعلى الموصلي، وأبي بَكر البَزّار، ومَعاجم الطبراني الثلاثة.
وصاحب “كنوز الدقائق”، وهو الشيخ عبد الرؤوف المناوي المصري. وصاحب “الجامع الصغير”، وهو الشيخ جلال الدين السيوطي المصري.
ومنهم: من جمع الأحاديث الواردة في قيام القائم المهدي “عليه الصلاة والسلام”، ك”علي القاري الخراساني الهروي” وغيره. فالمؤلِّف الفقير إلى الله المَنّان، “سليمان بن إبراهيم .. القندوزي” -غفر الله لي ولهم ولآبائهم وأمهاتهم ولمن ولدوا بلطفه ومَنِّه- أَلَّف هذا الكتاب اخذاً من هؤلاء الكتب المذكورين، ومن كتب علماء “الحروف”. ملتجِئاً إلى الله ومستعيذاً به من التّعصُّب والجهل المركب[12]، وكتْمِ الحق، وإنكار الصدق، وإظهار الباطل، وقبول ما لا طائل تحته)[13].
وأما نقْل القندوزي لِما ذكره أبو الحسن علي بن محمد ابن المغازلي[14] المتوفى سنة 483هـ بكتابه مَناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه –وغيره- مِن غَثِّ وسَمينِ كُتب أهل السُّنّة من الأخبار الموضوعة والروايات المَناكير حسب تقييماتهم أو بالأخص حسب تقييمات الشيخ ابن تيمية ..؛ فهو أيضاً لا يَدل على أن القندوزي شيعي المذهب؛ إذ –على الأقل- كما يقول المَثَل (ناقِلُ الكُفْرِ ليس بالضرورة كافراً)، وهاهو ابن المغازلي ذكرها وهو سُنّي مالكي المذهب؛ ولهذا فإنَّ أهل العِلم أو الكثير -أو غالب- أهل السُّنة لم ينتقدوا كتاب القندوزي، سيّما من عاصروه.
وللأسف لم يصلنا من مؤلَّفاته غیر الثلاثة الأسماء التي أشار إليها في كتابه الينابيع هذا؛ وهي: أجمع الفوائد ومشرق الأكوان وينابيع المودة، ومن هذه الثلاثة أيضاً لم يصلنا إلا کتابه ینابیع المودة، إلا أنه وفق ما أُرِّخَ عنه ونوعية تلاميذه والحافّين به والوظائف التي شَغَلها ووفق -المتَّفق عليه من- عقيدته في الفروع ليس بشيعي بالمعنى المصطَلَح، سيّما وأنه –حتى في غير كتابه هذا- لم يرد نقد من أهل زمانه له مع سعة تحركه. هذا؛ ومن الغرائب العجيبة والعجائب الغريبة أن يقال عن شخص هو في الفروع حنفي المذهب وفي العقيدة شيعي المذهب! فكيف يَعتقِد بإمامة وخلافة أهل البيت عليهم الصلاة والسلام ثم يأخذ الفروع من غيرهم!
لكن لا يَبعُد عندي اعتداله، خصوصاً وأنه لم يكن التعصب للمذاهب في عصره بالصورة التي وصل إليها في القرن الأخير وما قاربه بمُدّة .. والله العالِم بمكنونات العالَم، نسأل الله الهِداية وحُسن العاقبة لنا وللعالَمِين.
وأما خبر النَّطْح؛ فيذكره القندوزي في كتابه هذا بإسناده إلى عبد الله بن قيس عن أبي مخنف الآتي الكلام في الوقفة القادمة عن مدى وثاقتهما وإمكان اعتمادهما أو عدمه.
أمين السعيدي
أواسط جمادى الآخرة 1438هـ
________________________
الهوامش:
[1] ينابيع المودة، للقندوزي: ج1 باب15 عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام وجعله وصياً ص239 ر12، ج2 باب56 المودة العاشرة في عدد الأئمة وأن المهدي منهم ص316 ر911، ج3 باب 77 تحقیق حديث بعدي اثنا عشر خليفة ص291 ر7، – ج3 باب94 إيراد ما في كِتاب غاية المرام الذي جُمِع فيه الأحاديث الواردة في المهدي 398-399 ر54.
[2] ذكره الطهراني في الذريعة في ج25 ص290 ر165 ينابيع المودة.
[3] الذريعة إلى تصانيف الشيعة، لآقا بُزُرْگ الطهراني: ج3 ص211 – 212 ر782 تاريخ آل بويه.
[4] الذريعة إلى تصانيف الشيعة، لآقا بزرگ الطهراني: ج16 ص135 – 137 ر312 فرائد السمطين.
[5] الذريعة إلى تصانيف الشيعة، لآقا بزرگ الطهراني: ج25 ص290 ر165 ينابيع المودة.
[6] أي روحي.
[7] تنطق باللفظين، وهو لقب له وليس بنسب.
[8] المستدرك، لأبي عبد الله الحاكم النيسابوري: ج3 ص109.
[9] ينابيع المودة لذوي القربى، لسلیمان القندوزي: ج1 خُطبة الكِتاب ص24 – 25.
[10] هكذا في النُّسخة الحجرية المطبوعة في مشهد سنة 1308هـ. (نقلاً عن المحقِّق بهامش المَصْدَر).
[11] هكذا في النُّسخة الحجرية المطبوعة في مشهد سنة 1308هـ. (نقلاً عن المحقِّق بهامش المَصْدَر).
[12] الجهل المُرَكَّب هو مصطلَح منطقي، وهو في قبال الجهل البسيط؛ فالجاهل بالجهل المركَّب يَحسب نفسه يَعْلَم بالشيء بينما هو في الحقيقة غير عالم به؛ فهو جاهل لا يدري بجهله؛ أما الجهل البسيط؛ فهو عدم العلم بالشيء مع العلم بعدم العلم به؛ فهو جاهل يدري أنه جاهل.
[13] ينابيع المودة لذوي القربى، لسلیمان القندوزي: ج1 خُطبة الكِتاب ص25 – 32.
[14] يُعْرَف بابن المغازلي.
[alert color=”” icon=””]
موضوعات ذات صلة:
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11344/”]أ- رسالة التطبير1 (مَدْخَل، والصنف المخاطَب بهذه الأبحاث)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11381/”]أ- رسالة التطبير2 (أغراض ومبررات)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11444/”]أ- رسالة التطبير3 (الطُّرُق الحُجة لإحراز الحُكم الشرعي، ومراتبها، والطريق المختار)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11459/”]أ- رسالة التطبير4 (الإصلاح الداخلي للدليل)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11479/”]أ- رسالة التطبير5 (تشجيع العوام والمثقَّفِين على الجُرأة في الدِّين)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11495/”]أ- رسالة التطبير6 (علاج جدليّة: “تبصير الجاهل” و”تنبيه الغافل”)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11510/”]أ- رسالة التطبير7 (امتثال ’’حُكم الحاكم‘‘ وامتثال ’’فتوى المَرجِع‘‘)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11523/”]أ- رسالة التطبير8 (إحراز القطع وتفعيل أثره)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11540/”]أ- رسالة التطبير9 (لا أَتَكلَّم فيه بشيء)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11556/”]أ- رسالة التطبير10 (الفصل الثاني: أدلة التطبير بالعنوان الأولي الصريح)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11580/”]رسالة التطبير11 (تحقيق سند خبر نَطْح زينب المَحْمَل/ المصادر)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11598/”]رسالة التطبير12 (المَراجِع/ تحقيق سند خبر نَطْح زينب المَحْمَل)[/button]
[/alert]
للتعلیق أو مطالَعة التعلیقات اضغط هنا