أ- رسالة التطبير(2)
● موجز عناوين الأبحاث المتقدمة وفهرست الأبحاث المنعقدة هنا:
الموجز: تقدم الكلام في مَدْخل تمهيدي تلاه الدخول في الفصل الأول المعقود لتأسيس مسائل هامة تتصل ضرورةً بموضوعنا، تَقدَّم منها المسألة الأولى التي تكفّلَتْ بيان الصنف المخاطَب بهذه الرسالة. وفيما يلي فهرست المحتوى الحاضر:
● الفصل الأول (تأسيس ضروري):
● المسألة الثانية: (أغراض ومبررات الرسالة):
أولاً: تبليغ الفتوى للمقلِّد.
ثانياً: رفْعُ حيرة المتردِّد.
ثالثاً: إبراز التعددية للأمم الأخرى.
رابعاً: تبصرة عموم المكلَّفين لعموم المجتهدِين.
وذلك تِباعاً كما يلي.
الفصل الأول: (تأسیس ضروري):-
● المسألة الثانية: (أغراض ومبررات الرسالة):-
لابد وأنّ المطّلِع على أحداث ما نحن بصدده، يَنقدِح في نفسه سؤالٌ مفاده: لماذا الكلام في هذا الأمر؟
وجوابه يتضح ببيان مقدمة بسيطة، ثم ذِكر الأغراض والمبررات الصحيحة؛ أما المقدمة؛ فإنّه قد يتبادر لأذهان بعض المؤمنين أن الحديث في هذه المسألة هو ضربٌ على وَتَر التفرقة وبثِّ النزاعات في المجتمع الواحد .. لكنّ هذا التبادر ساقط؛ ذلك لمجموعة أمور أُضمِّنها في الأغراض والمبرِّرات كما يلي:
● أولاً: تبليغ الفتوى للمقلِّد:
إنّ المجتمع الديني الشيعي قائمٌ في شرعية أفعاله ومعامَلاته وتحركاته على مَبدأ الاجتهاد والتقليد؛ فكلُّ جماعةٍ تَعود في امتثال أحكام الشرع لتشخيص المجتهد الحُجّة في حقها وفق آليةٍ خاصة لتعيين المجتهد وتقليده. وهو حقيقةً مَبدأٌ حيويٌّ يمتاز على غيره. والمكلَّف بطبيعة الحال يَتَعلم ويَتدارس فتاوى مقلَّده -عادةً- من خلال نوافذ التعليم والإبلاغ؛ كمنابر المساجد والحوزات التثقيفية والمنابر العامة من منتديات توعوية وغيرها؛ بالتالي فإنّ الحديث في هذه المسألة هو حديث -مع المقلِّد- عن الرأي العلمي الاجتهادي لمرجعه الحُجة في حقه كغيرها مِن تبليغ سائر المسائل الأخرى من الطهارات والنجاسات والصلاة والحج والزكاة وأحكام البيوع والشفعة والبنوك ..
فلماذا الاضطراب والتوتر في هذه المسألة وهي كغيرها مسألة شرعية تَحتاج للتبليغ والإفصاح؟ بل إنّ ابتلائيتها الشديدة تَجعل منها أكثر حاجة للبيان عن غيرها؛ فهل وَصلْنا -ونحن تلامذة الحسين رمز العلم والحقيقة- لحد أننا بتنا لا نستطيع حتى مجرَّد سماع صوت العلم وفتاوى المجتهدين! فمنذ متى صار العلم منفِّراً للنفوس؟! العلم دائماً آثارُه النورانية تبعث على الأمل والراحة والسرور والنشوة، لا الاضطراب والاحتقان، سيّما مِن أَتْباع هكذا إمامٍ عظيمٍ هو مَفخرة على كل القادة، فإنّ القُبح يشتد بنا عندما يَصْدر مثل هذا الشعور منا تجاه العلم؛ فالقبيح قبيحٌ ومنك يا محبَّ الحسين أَقبَح.
وإنني وإن لم یکن خطابي في هذه الرسالة للذي لا يريد إلا العمل بالتقليد، إلا أنني لست مَعْفيّاً عن بيان الإرشادات اللازمة التي تتعلَّق بمقتضى تكليفه بعد عمله بتقليد فتوى مَن يقلِّد، بما يَنسجم مع نفْسِ فتوى فقيهه ومع بقائه على تقليده فتواه كما سيتضح لك جَلِيّاً، سواء كان مؤيداً للتطبير أم لا؛ فإنّ جميع المؤمنين محلُّ اهتمام ولست أخص الخير بشخصٍ دون آخر ولا أَحصر نفسي بجهة دون أخرى.
● ثانياً: رفْعُ حيرة المتردِّد:
هنالك مجموعة كبيرة -جداً- من الناس واقفة على الشَّطِّ وأرصفة المتابَعة، مجاميع من المترددين، هل ندخل في هذا الصراع أم لا، ومجاميع من المترددين، هل نَدخل في ساحة المطبرين وأصحاب الأقفال ومسيرات الكلاب البشرية وممارسة المشي على الجمر ومَحافل إدماء المَنكَبين ومواكب التدحرج على فُتات الزجاج وممارسة حلْقِ الرأس نصفياً بكتابة اسم الحسين ورسمِ ضريحه والمنارتين على القِسم المُبان والدخول في عزاء الشّور والدِّيجي والانضمام لعزاء اللطم على الرؤوس بالنعل ..، أم لا؟ هل نكون مع هؤلاء أم مع هؤلاء؟
هذان وجهان من التردد الكامن في النفوس الكثيرة المتحيرة، وهؤلاء المؤمنون بحاجة لما يرفع عنهم حيرتهم وينير لهم القرار إلى أي وجهةٍ يتوجَّهون، فإنْ –مثلاً– سَكت أهل العلم؛ بقوا بلا تکلیف! أو فهِمُوا من سكوتهم صحة هذه الممارسات ومن ثم اتَّخَذوا قراراً قد يكون خلاف ما هم –العلماء- عليه وغير ما هو عليه تكليف المتردد؛ وهذا يعني أن السكوت ليس هو الحل، كما أنه ليس من الإنصاف إلزام فئة بالسكوت بحد ينتهي به الأمر لِتَزايُد جهة على جهة دون وازعٍ علمي معتبَر یقتضیه سکوتنا؛ ومن ثم –قد- إيقاعهم فيما بعد الممارَسة –فعلاً أو رفضاً وتَركاً- في حرج النهي عنها في ظل ما جُبِلَت عليه نفس الإنسان من الكبرياء والعناد واستتباب العادة والعصيان، والجهل بطبيعة المرونة في تَغيُّر الرأي الاجتهادي طِبقَ تداعياته المعتبَرة ..
● ثالثاً: إبراز التعددية للأُمم الأخرى:
هنالك مَن يتابِع وضْع المذهب الشيعي باهتمام، ويَرْبط كثيراً من وظائفه التكليفية العملية الإنسانية والفكرية والوطنية .. بواقع هذا المذهب؛ فهو في عَوَزٍ ماسٍّ لأن يبصر وُجهات النظر التي تتلاءم مع وظيفته العملية المتعينة عليه، ومذهب أهل البيت عليهم الصلاة والسلام يمتاز بسعة أفقه ومرونته العالیة، سيّما امتيازاته الآتية من إفاضات حيوية الاجتهاد الذي عليه علماؤه؛ بالتالي فإنّ التعددية الدينية والعملية في المذهب تفسح مجالاً واسعاً طيباً أمام الدعاة والمصلحين والوطنيين من الأديان والمذاهب الأخرى العاملين مِن مَواقعهم وصُرُوحِهم الدينية والمذهبية والموظِّفين لجهات العمل المنطبقة معهم؛ مما يتيح لهم النظر والتدبر والقول مثلاً: ليس كل الشيعة يؤيدون الأمر الفلاني، أو العكس؛ ليس كل الشيعة لا يؤيدون الأمر الفلاني ..؛ وهذا بلا شك يمثِّل مَكسباً كبيراً للمذهب. والكلام في هذا الغرض العظيم حوْل الرُّوّاد الصالحين الثابتين على الثوابت طبعاً، لا الخونة والمتملِّقين لمصالحهم الشخصية ومنافعهم الضالة ..
● رابعاً: تبصرة عموم المكلَّفين لعموم المجتهدِين:
إنّ المجتهِد، يَعود في كثير من المسائل الاجتماعية .. لتشخيصها وإصدار الرأي الفقهي فيها لِما يرسمه له المكلَّفُ نفْسُه. وبتعبير آخر: إنّ بَيْن المجتهِد وعموم المكلَّف علاقة ربط تكاملية وثيقة لا تَنفك حركياً على طول مساحة الفقه وفتوى رسالته العملية، وهذه العلاقة غير محدودة بالمجتهِد مع مقلِّديه فحسب؛ بل هي عامة ممتدة مع عموم المجتمع حتى مَن لا يقلده وحتى الصغير الذي لم يصل مرتبة البلوغ، بل عموم المجتمعات الإنسانية وغير الإنسانية؛ كالطبيعة؛ ذلك باعتبار وجود ترابط حقيقي وثيق بين جميع أجزاء الوجود والانعكاس الحاصل مِن تَبادُل الأثر المتولِّد مِن أي كائنٍ بَيْنَ مختلف الكائنات، بما فيها الحية والصلبة.
فالمكلَّف يقدِّم جزء الصورة للواقع، والفقيه يَتَلقّف الصورة بالتدقيق والنظر بعنایة؛ ثم يَصوغ فتواه لخصوص مقلِّده من جهة، ويقدِّم بها إشارة علمية خاصَّة للمجتهِد الآخر؛ بالتالي فإنّ الكلام في هذه المسألة يقدِّم للفقيه الثروة المعرفية التي يحتاجها من المجتمعات، مما يزيح عنه غَمام الإبهام الحاجز له عن أداء دوره الفتوائي والقيادي كما ينبغي بالمستوى الأتم والمطلوب؛ فقد يقول العمل الفلاني يجوز، وقد يقول لا يجوز، وقد يجوزه في بلد ويحرمه في آخر؛ فـ–مثلاً- قد يَتعامل مع بيع شيء معيَّن بضوابط المَكِيل والمَوزون في بلاد خاصة، بينما يَتعامل مع نفس ذلك الشيء بضوابط بيع الغير مَكيل في بلاد أخرى؛ باعتبار أنّ المكلَّفِين في البلد الأول تعارفوا على بيعه بالميزان، بينما المكلَّفِين في البلد الآخر تعارفوا على بيعه بيع الآحاد والجُملة دون وزن، أو كتجويزه لكشف الوجه في بلد وتحريمه ذلك في آخر حسب حال مجموع المكلَّفين.
كلُّ ذلك شريطة أن لا يتجاوز الأمرُ الثوابت؛ فمثلاً حرمة إظهار المرأة زَنْدها مما يلي رُسْغ مِعْصَم يدها للرجل الأجنبي أمرٌ ثابت لا يَقبل التغيّر بتغيّر أحوال المكلَّفين. إذاً؛ المكلَّف يساهِم برسم الصورة للفقيه ویَکشف له الواقع كشفاً معرفياً، والفقیه یَتَسلَّم الواقع الذي رسمه المكلَّف مشخِّصاً ومُصِيغاً الحُكم بما يتطابق مع المعلوم الشرعي والقواعد الخاصة سواء كان ذلك المكلَّف يقلده أم لا، وسواء كان كبيراً بالغاً رشيداً أم لا؛ فقد يجوِّز الفقيه عملاً في حين ثم يتراجع فيما بعد بتحريمه، وقد العكس..؛ ذلك لأن الفقيه وإن كان هو المسلَّط على ضوابط الإخبار عن الحكم الشرعي وبلْوَرَتِه للمكلَّفين، إلا أنه ليس معصوماً بالحد الذي یَعْلَم الشيء دون حاجة للفحص عنه، ولا یَتمكَّن من أن يَبقى دائماً في ثبات على الحُكم المتغيِّر المخْبِر عنه أو إبقاء أحوال المكلَّفين ثابتة، فهذه هي طبيعة الاجتهاد، وليس الاجتهاد إلا معرفة المَدارك المعرفية المقرَّرة للصناعة الفقهية وامتلاك القواعد وإتقانها بدرجة وافية وإحراز مَلكة القدرة على إجالتها بإعمالها في منافذ التدقيق والتمحيص التي هي بدورها قابلة للتغيير في الرأي وتبديل النظر حسب الظروف والمتغيرات وتَوافُر الأدلة المعتَد بها؛ فهذا غرض من مهمات الأغراض والمبررات.
● خامساً: (الطرق الحجة لإحراز الحُكم الشرعي، ومراتبها، والطريق المختار): يأتي إن شاء الله تعالى في الوقفة الآتية.
أمين السعيدي
أواخر ربيع الأول 1438هـ
[alert color=”” icon=””]
موضوعات ذات صلة:
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11344/”]أ- رسالة التطبير1 (مَدْخَل، والصنف المخاطَب بهذه الأبحاث)[/button]
[/alert]
للتعلیق أو مطالَعة التعلیقات اضغط هنا