أ- رسالة التطبير(6)
● موجز عناوين الأبحاث المتقدمة وفهرست الأبحاث المنعقدة هنا:
تَقدَّم الكلام في مَدْخل تمهيدي تلاه الدخول في الفصل الأول المعقود لتأسيس مسائل هامة تتصل ضرورةً بموضوعنا، تَقدَّم منها المسألة الأولى التي تكفّلَتْ بيان الصنف المخاطَب بهذه الرسالة. وتقدَّم من المسألة الثانية التي تكفَّلَتْ بيان أغراض ومبررات الرسالة، حيث افتتحتها بالسؤال: (لماذا الكلام في هذا الأمر؟)؛ ذلك بناءً على ما قد يتبادر لأذهان بعض المؤمنين بأنّ الحديث في هذه المسألة هو ضربٌ على وَتَر التفرقة وبثِّ النزاعات في المجتمع الواحد .. فأجبت بأن هذا التبادر ساقط؛ ذلك لمجموعة أمور تَقدَّم منها الغرض والمبرِّر الأول والثاني والثالث والرابع والخامس والسادس، وفيما الغرض والمبرِّر السابع:
الفصل الأول: (تأسیسٌ ضروري):-
● المسألة الثانية: (أغراض ومبررات الرسالة):-
● سابعاً: علاج جدليّة ’’تبصير الجاهل‘‘ و’’تنبيه الغافل‘‘:
1- بیان المصطلَحَین:
هذا المصطلَح من المصطلَحات الفقهية، ويُطرَق في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويتعلق بالعِلم المقابِل عموماً للجهل والغفلة، وخصوصاً للجهل، ويَرتبط بالتبليغ؛ وفهمُه يَتيسر بما يلي مع لحاظ أنني لست في وارد التفريق بين الجهل بفقد المَعرفة بـ’’الحُكم‘‘ والغفلة بالاشتباه في ’’الموضوع‘‘؛ تجنباً لتعقيد المَطلب والخوض في صياغة التعريف لهما؛ إذ يكفي الآن أن نَأخذ المعنى وفق ما يُفهَم عادةً من الجهل والغفلة؛ فهو يفي بإيصال المراد دون حاجة لإطناب، سيّما وأنّ البعض لا يرى فرقاً بين المصطلَحَين –أعني مصطلح تبصير الجاهل وتنبيه الغافل-؛ فأقول:
تبصير الجاهل يراد به تعليمه وإبلاغه بالتكليف. وتنبيه الغافل يراد به تذكيره بما غاب عنه؛ فالغافل ليس كالجاهل؛ الغافل يَعرِف الحُكم لكنه نسيه فنذكره؛ أما الجاهل فهو لا يعرفه أساساً فنعلِمه.
2- تشخیص حدِّه وبيان جهة انطباقه وجهة انتفائه:
عند لحاظ موضوع التطبير بصورة شاملة؛ فإنّه لا يَصح إطلاق ’’انتفاء تبصير الجاهل وتنبيه الغافل‘‘ عنه ككل؛ إذ يصح انتفاؤه من جهة ولا يصح من جهات كثيرة أخرى؛ أما الجهة التي يَصح انتفاؤه منها؛ فهي جهة علم المكلَّف بفتوى من يقلده وعدم غفلته عنها؛ فإنّ المكلَّف إذا كان يَعرف الحُكم ولم يكن ناسياً له فلا وجه لأن نعلمه إياه أو نذَكّره به؛ لأنه يعرفه وليس جاهلاً ولا غافلاً بحاجة لتبليغه إليه وتنبيهه.
وإنصافاً؛ بالدقة الموضوعية؛ إنّ تعليم المكلَّف بفتوى مَن يقلده تجاه التطبير ليس ما يمارسه الخطيب والمبلِّغ على أرض الواقع؛ إذ الخطباء والمبلِّغون إنما يَتناولون طرحاً يتعلق بـ’’إقناع المكلَّف‘‘ بجواز التطبير واستحبابه أو حرمته؛ بالتالي يصبح الكلام في مسألة إبلاغ فتوى المجتهِد للمقلِّد خارجاً أساساً عن ’’انتفاء موضوع تعليم الجاهل وتذكير الغافل‘‘ ولا وجه لتناوله بهذا العنوان؛ إذ غرضهم مختلِف؛ فنحن تارة نقول لا تَتكلموا وأخرى نقول بانتفاء التبصير والإرشاد، ففرقٌ بين الحالتين؛ فكلامنا –تحت هذا العنوان- عن هذا الانتفاء لا حول مطْلَق الكلام أو لا؛ بالتالي فإنّهم باعتبار كون غرضهم الإقناع لا وجه لنفي تبصير الجاهل وإرشاد الغافل.
هذا أولاً. وثانياً؛ إنّ تبصير الجاهلين وإرشاد الغافلين لابد من النظر له من جهتين؛ من جهة المقلِّد ومن جهة المجتهِد؛ فلا يصح قصْر النظر فيه على جهة المقلِّد فحسب؛ إذ العنوان شامل للإثنين معاً. نعم؛ لا نكران –كما سبق- في أنّ مناقشة العلماء نقاشاً تفصيلياً ينبغي أن تكون في أروقة العلم الخاصة؛ نظراً لما تتضمنه التفاصيل من عمق وجدل طويل لا يتناسب مع حال الأطرحات الخطابية والأروقة العامة ويتسبب –للأسف- ببَلبلات؛ حيث إنّ جملة من الناس وكذا جملة من الخطباء والمبلِّغين يتجاوزون الحد المتناسب ويتلافون الضوابط، كما أن المنبر العام إنْ فرَضنا أنه يستطيع تسيير المَطالِب للجمهور تسييراً تدركه أفهامهم بحيث كان الخطيب متمكناً من الأبحاث ومُفوَّهاً في الإيصال، فهو –أي الخطاب المنبري- لا يستطيع عادةً أن يبسط الأبحاث بالمقدار العلمي الذي تحتاجه؛ فهذا صحيح، لكنه –كما فصَّلَت أيضاً – يصح في إطار المحور المذكور؛ أما لو اتَّسَم الطرح بتناوله في موضع وفرصة علمية لا تعترضها هذه المعوقات وكان شأن المسألة وظرف الأداء العِلمي والحِراك المعرفي يَفرض هكذا حالة ..؛ فإنّ التبصير والإرشاد من خلال ذلك –وإن كان للمختص- يكون صِحّيّاً، بل هو الواجب المتعيِّن، سيّما إذا كان الباحث لا يَتمكن من التواصل المباشر مع الفقيه المعيَّن؛ نظراً لما في ذلك من الصعوبات الكثيرة، التي منها ما هو طبيعي –كضيق وقت أحد الطرفين وعدم تناسبه للآخر وطول المسافة وعُسر وسائل التواصل وتعقيدها ..- ومنها ما هو غير طبيعي –كالحَزازات والتعصب للرأي الذي ربما مع قَرْعِ باب العلم يؤدي أثراً طيباً بمراجعة الرأي المختار .. أو لا أَقَل إتمام الحُجة-، فالعالِم –بالنسبة لغير المعصومين- هو الذي يَكثُر صوابه ويقل خطؤه، لا أنه لا يُخطِئ، حتى أن الفقيه قد يَطبع في كل فترة رسالته العملية مجدداً لإبلاغ مقلِّده ما تَغيَّر لديه من فتوى عما سبق في النسخة السالفة. وهذا ليس عيباً ولا يَقْدَح في مقام العالِم، بل يزيده شرفاً وعلوّاً ووثاقة وقُرباً من الله؛ إذ فعلاً هذا الذي يَليق به ويدل على جِد واجتهاد مستمر وعدم توقُّف، فالحق ضالّته على الدوام وإلا سَقط منه أهم شرائط التقليد وهو العدلة. وفي ظل كل هذا ينبغي أيضاً التفريق بين الخِطابة المنبرية والخِطاب على هيئة الندوات والخطاب التدويني؛ فإنّ لكل واحد من هذه الثلاثة مميزاته الخاصة مع أنّ مِن الحاضر في كل منها عموم الناس أيضاً.
وهناك مسألة أخرى مهمة أيضاً؛ وهي تَتعلق بما لو قارنّا بين حالتين؛ الأولى تتعلق بمسار بيان العلم وإبلاغ الحقائق والحقوق، والثانية اجتماعية تتعلق بالتركيبة النفسية للمجتمَع؛ فإنه إذا كانت التركيبة النفسية للمجتمع ليست بمستوى المعايير العُقَلائية، وكان إبراز العلم والإبلاغ يَستلزِم التصادم مع المجتمع ولا يتحقق إلا بذلك؛ فعندئذٍ –عقلاً وشرعاً- يُقدَّم الإبلاغ ولا يُكتَرَث بالتصادم؛ لأن الإبلاغ يكون في هذه الحالة أهم، وهو فعلاً الواصل إلينا أيضاً من سِيَر جميع الأنبياء والأوصياء بما فيهم إمامنا الحسين عليه الصلاة والسلام؛ قال عز وجل: {ونُنَزِّلُ مِنَ القُرْآنِ ما هُوَ شِفآءٌ ورَحمةٌ للعالَمِين ’’ولا يَزِيدُ الظَّالِمِين إلا خَسَارا‘‘ .. ونَحْشُرُهُم يومَ القِيامةِ على وُجُوهِهِم عُمْيَاً وبُكْماً وصُمَّاً مَأْواهُم جَهنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدناهُم سَعِيرا}[الإسراء: 82، 97]؛ بالتالي تصبح المسألة على هذا المنوال مسألة أداء واجب للمسؤولية، شريطة عدم التصادم مع ضرورة أهم؛ كحِفظ الدِّين أو المذهب عن الزوال، بخلاف ما لو كان نفْس الإعراض مسبِّباً لزوال أحدهما.
وفي كل ذلك تلاحَظ المرحلة؛ فإنّ المرحلة الأولى مِن التصادم مع المجتمَع أَهوَن من المرحلة الثانية، والثانية أهون من التي تليها، وهكذا ..؛ ذلك لأنّ المرحلة الأولى لا يَكون الأمر فيها مستفحِلاً بدرجة كبيرة وواسعة، بخلاف المرحلة الثانية والثالثة ..؛ فكلّما تَقَدَّمَتِ المراحل كلَّما كان العائد السلبي أكبر وأوسع، اللهم إلا أن يَكون السَّير الوضعي عكسياً؛ فإنّ بعض الأمور كلّما استَفحلَتْ كان التصادم معها أقلَّ كُلْفة؛ وذلك ما لو مثلاً كان أَثَر نفْس ذلك الشيء قد اجتاحت سلبيّاته المجتمَع وتَكَشَّفَتْ له أضراره؛ فالمجتمع عندئذٍ يكون أكثر تقبُّلاً لاستقبال الإبلاغ والنُّصح وإن بَرَز في البَيْن بعض المعانِدِين والمشاغِبين النَّفعيِّين أو الغُزاة المتحرِّكين دائماً في إطار تفتيت البشرية أو الأمَّة.
وينبغي التركيز على أنّ التصادم هنا يَتوافق مع طبيعة نفْس الإبلاغ؛ فهو تصادُم معرفي لا عدواني؛ فإذا وقع وقام أفراد من المجتمع بتجاوز الحد المَعرفي إلى الصِّراع العدواني؛ فهنا تنتقل المرحلة للحاكم الشرعي الذي بيده زمام التأديب؛ فيمارِس دوره الشرعي بتأديب المعتدي سالك سبيل الشيطان بتَجَرّيه على الآخرين بما لا يحق له، موقِعاً به القصاص أو التعزير حسب جرمه وجاعلاً منه عبرةً لمَن قد تُسَوِّل له نفسه؛ وهذا يعني أن عدم الاكتراث بالصِّراع يقتصر على مرحلة فقدان الطُّرُق الأخرى للإبلاغ؛ أما لو كانت طُرُقه الأخرى متاحة، وتم إيصال الحق العِلمي لذويه؛ فعندئذٍ يَترجَّح مجانَبة الصِّراع مِن الدرجة المستفحلة حفظاً للمَصالح الأهم، ويبقى لذوي العِلم –عامة وخاصة، بمختلف مراتبهم- قرار كل واحد منهم في أن يَعتنِق الحق إن رآه أو يضل عنه، والله فوق الكُل وحسيب الجميع. أما لو وصل المجتمع –أو غالبيته أو فئة جيّدة معتَد بها- لمرحلة متقدِّمة من الوعي يتفهَّم فيها طبيعة التّضاد العِلمي؛ فإنّ عائق الصراع يزول ويرتفع أثره؛ فلا تعود هنالك مشكلة من ناحيته؛ تماماً كالذي كان عليه عهد الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام وعلماء عصرهما؛ ذلك العهد الذي ازدهرت فيه المعرفة وبَلغت في عصره أجمل مراحل النبوغ الإنساني.
هذا بالنسبة لتبصير المختص أو إرشاده، وأما المقلِّد؛ فإنّ المسألة بالنسبة له من هذه الناحية أوسع؛ إذ مما تَقدَّم اتَّضح أنه بحاجة لإبلاغه بكثير من الأمور؛ والتي منها ’’إبلاغه نفس طُرُق بلوغ الحُكم الشرعي الواقعي الأربعة‘‘؛ فالمقلِّد –بإجماع الكل- يستطيع بكامل اختياره أن يَدَع تقليده كلياً أو جزئياً؛ فيَختار إما الاجتهاد في المسألة وفق الضوابط المقرَّرة، أو يختار طريق الاحتياط؛ فهو مطْلَق العنان.
بالتالي؛ فإنّ إبلاغه بالطُّرق الحجة الأربعة يَفسح له المجال أكثر؛ وهذا يعني أن المسألة لا تَرتبط بالتبليغ فحسب حتى يقال ندَع كل شخص يسير على فتوى المجتهد الذي يقلده وخَلُصَ الأمر؛ إذ التقليد ليس طريقاً منحصراً، فهنالك غيره متاح، لكل مكلَّف، بل قد عرفتَ أن التقليد هو أدنى المراتب عقلاً وعند الله، وأن العمل بطريق الاحتياط أَشرف منه، كما سبق أن فصَّلت؛ وهذا يعني أنّ تبصير الجاهل وإرشاد الغافل وجيهٌ حتى بالنسبة للمقلِّدين في الوقت الذي أيضاً يكفي المكلَّف –كما ذكرتُ بدايةً- الاقتصار على فتوى المجتهد الحُجة الجامع للشرائط المتعيِّن عليه تقليده؛ فهي منجَّزة في حقه متى أراد أن يكون في الدرجة الأدنى مقلِّداً لا في الدرجة الأعلى محتاطاً، ومتى عمل بفتوى المجتهد الحُجة لم يَجز لبقية المقلِّدين والمحتاطين نهي هذا المكلَّف عنها بعنوان النهي عن المنكر؛ إذ لم يخالِف المعروف بعد التزامه رأي الفقيه الحُجة المقرَّرة حُجيّة فتواه، لكن يَجوز لهم ’’إرشاده‘‘ بدعوته للدرجة الأعلى وهي الاحتياط المتاح له كالتقليد، فإنْ اختاره كان بها وإلا فهو حُر باختياره الدرجة الأدنى.
نعم؛ يَجوز للفقيه الآخر ومن في رتْبته أن يَنهى المقلِّد أو يَأمره بنفس عنوان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ ذلك لأنّ الفقيه الآخر يَختلف حاله عن حال بقيّة الناس؛ فهو بحُكم اجتهاده يَكون في درجة موازية للفقيه الذي يقلِّده المكلَّف حتى وإن لم يكن هذا المكلَّف يقلِّد ذلك الفقيه الآخر؛ ولهذا يمكن للمقلِّد أن يَعدل عن تقليد فقيه إلى تقليد آخر إذا ثبت له أنه الأصلح كما يجوز له في المسائل الاحتياطية لدى فقيهه أن يرجع للأعلم فالأعلم بَعْدِه، وكما أيضاً يجوز له في المسائل الاحتياطية لدى فقيهَيه أن يرجع للأعلم فالأعلم بَعْدِهما؛ لأنه تتوجه له فتاوى الفقهاء الآخرين إما بالتوازي والتساوي في الدرجة العِلمية، أو بتَدَرُّج درجات الفقهاء –كما في فتاوى الأَحوَط- فتتنجَّز فتاواهم في حقه مباشرة متى ما صار الدور إليها، كما أيضاً تتوجه للمكلَّف فتوى الفقيه الأعلم فيما لو أَخطأ بتقليد الغير أعلم؛ ولهذا أُفتِيَ بوجوب إعادة المكلَّف جملة من أعماله عند اكتشافه خطأه بتقليد الغير أعلم ..، وإذا تساوى فقيهان في الأعلمية، والأَورَعيّة أيضاً؛ فيقلِّدهما معاً محتاطاً جامعاً بين آرائهما؛ فلو كان أحدهما يفتي بالإباحة أو الاستحباب أو الوجوب والآخر يفتي بالحرمة أو الكراهة أو الإباحة؛ لَزم على المقلِّد أن يَجمَع بين العمل برأييهما في موارد الإلزام والترخيص؛ وهو يقتضي تقديم الحرمة على الإباحة والاستحباب، وتقديم الوجوب على الكراهة والإباحة؛ ذلك لأقوائيّة الأمر اللزومي –عقلاً- على الترخيصي؛ إذ المحرَّم والواجب لازم التَّرك والمباح والمستحب ترخيصيان لا إلزام فيهما، والترخيصي لا يُغالِب الإلزامي، وأما في موارد تعارُض الإلزامين؛ بأن كان أحدهما يفتي بالوجوب والآخر يفتي بالحرمة؛ فالمكلَّف يكون مخيَّراً بين أحد الفَتوَيَين حسب بعض المَباني. ولكنه عليه حينئذٍ أن يَتوخى إصابة الواقع لا الاختيار بالمشتهَى؛ فلو شخَّص –بطريقٍ ما ولو بمراعاة الأكثرية أو الأمارات المنطقية التي يَقتنع بها- أنّ الحرمة أقرب لإصابة حُكم الله اختار التَّرك، وإن شَخَّص أنّ الوجوب هو الأقرب اختار الفعل؛ فهذا -كما ترى- كله محتاج للإبلاغ.
كل هذا ناهيك عما سيأتي من الإرشاد الواسع للمكلَّف على خط فرعيات المُسَلَّم؛ أعني بذلك أنه لو فرضنا أن التطبير جائز، أو تناولناه كمفتين بجوازه، ونظرنا لثوابتنا الأخرى؛ فإنّ المكلَّف يَحتاج لابد لبيان جملة من المسائل له؛ لأنه إما جاهل بها أو غافل عنها؛ إذ ليس كل الناس علماء، بل أغلبهم يحتاج للتعليم والتذكير، وما وظيفة المبلِّغ إلا ذلك، وهذه المسائل التي لابد يَحتاج المكلَّف لبيانها له هي تارة أَمْريّة وأخرى زَجْريّة، وهو ما أُبيّنه إن شاء الله في محله تحت عنوان خاص قادمٍ بحوله تعالى. هناك –أيضاً- تَبرز مسألة وأهمية التفريق بين الاشتباه في الحُكم والاشتباه في الموضوع.
ثمَّ إنّ هنالك مسائل ضرورية أخرى، تُلحَظ من جوانب شتّى؛ منها مجموعة الأمور المتقدمة التي ذكرتها؛ من قبيل رفع حيرة المتردد، ومن قبيل إبراز التنوع في الرأي تجاه المسألة، وإبلاغ رسالة تَعدديّة لخارج دائرة المَذهب ..، ويبقى على الشيعة أن يتحلَّوا بالمَبادئ اللازمة مِن توحُّد وتَحاب واجتماع على مشروع أبي عبد الله عليه الصلاة والسلام مهما اختَلفوا في بعض الفرعيات والجزئيات؛ فروايات أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم على أنها –مثلاً- تَحمل اختلافات فيما بينها بفعل الظروف والمتغيرات واختلاف فهْمِ الرواة وعوامل الدُّخَلاء، إلا أنّ الأئمة عليهم الصلاة والصلاة هم الأئمة وهم المعصومون الطاهرون المطهّرون ونتفق عليهم جميعاً ونجتمع تحت مظلَّتِهم الواسعة الرّحبة.
وهناك ثلاث مسائل أخرى مهمة تَرتبط بهذا الأمر، أَبحثها تحت العناوين الثلاثة التالية لاستقلالية أبحاثها من بعض الجهات.
● ثامناً: امتثال ’’الحُكم‘‘ و’’امتثال الفتوى‘‘: يأتي إن شاء الله تعالى في الوقفة الآتية.
أمين السعيدي
أواسط ربيع الثاني 1438هـ
_____________________
الهوامش:
[1] في آخر وقفة تقدَّمَتْ.
[2] سبق –في خامساً الذي تكفّلَ بيان الطُّرُق الحُجة للإحراز- بیان معنى الأورعية ودورها في اختيار الفقيه وتقليد؛ هناك أشرت إلى أنّ المقياس الفارق في اختيار المَرجِع المقلَّد بعد تَكافُؤ المجتهِدين في الأعلمية هو الأَوْرَعِيّة؛ والأورعية تعني أكثرية التَّـثَـبُّت وشدة التحوط في الإفتاء وعدم الإعراض والتساهل نوعیاً في تصدير الفتوى وإصابة الواقع الشرعي حال وجود مَطلب احتياطي مهم يقارِعه ويصادمه محتمَل آخر أو مصلحة ضرورية أو محتمَلة معتبَرة ..
[alert color=”” icon=””]
موضوعات ذات صلة:
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11344/”]أ- رسالة التطبير1 (مَدْخَل، والصنف المخاطَب بهذه الأبحاث)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11381/”]أ- رسالة التطبير2 (أغراض ومبررات)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11444/”]أ- رسالة التطبير3 (الطُّرُق الحُجة لإحراز الحُكم الشرعي، ومراتبها، والطريق المختار)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11459/”]أ- رسالة التطبير4 (الإصلاح الداخلي للدليل)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11479/”]أ- رسالة التطبير5 (تشجيع العوام والمثقَّفِين على الجُرأة في الدِّين)[/button]
[/alert]
للتعلیق أو مطالَعة التعلیقات اضغط هنا