أ- رسالة التطبير(7)
● موجز عناوين الأبحاث المتقدمة وفهرست الأبحاث المنعقدة هنا:
تَقدَّم الكلام في مَدْخل تمهيدي تلاه الدخول في الفصل الأول المعقود لتأسيس مسائل هامة تتصل ضرورةً بموضوعنا، تَقدَّم منها المسألة الأولى التي تكفّلَتْ بيان الصنف المخاطَب بهذه الرسالة. وتقدَّم من المسألة الثانية التي تكفَّلَتْ بيان أغراض ومبررات الرسالة، حيث افتتحتها بالسؤال: (لماذا الكلام في هذا الأمر؟)؛ ذلك بناءً على ما قد يتبادر لأذهان بعض المؤمنين بأنّ الحديث في هذه المسألة هو ضربٌ على وَتَر التفرقة وبثِّ النزاعات في المجتمع الواحد .. فأجبت بأن هذا التبادر ساقط؛ ذلك لمجموعة أمور تَقدَّم منها الغرض والمبرِّر الأول والثاني والثالث والرابع والخامس والسادس والسابع، وفيما الغرض والمبرِّر الثامن:
الفصل الأول: (تأسیسٌ ضروري):-
● المسألة الثانية: (أغراض ومبررات الرسالة):-
● ثامناً: امتثال ’’حُكم الحاكم‘‘ وامتثال ’’فتوى المَرجِع‘‘:
● بيان:
عندما نقول حُكم الحاكم الشرعي فنعني به الفقيه –أو نائبه الخاص- الذي بيده حكومة البلاد وزمام أمور الرّعيّة؛ فهو له ولاية حاكميّة تقنينية وإجرائيّة لقوانين الدولة وتدبير نظامها، بغض النظر عن كونها ولاية مطْلَقة أو مقيَّدة، وسواء كان له مقلِّدون أم لا. ونعني بفتوى المَرجِع أو فتوى الفقيه كل مجتهِد له مقلِّدون يَرجِعون إليه في مسائل الحلال والحرام؛ فمصطلَح الحُكم -في قِبال مصطلَح الفتوى- يراد به رأي وتشخيص الحاكم على البلاد، ومصطلَح الفتوى -في قبال مصطلَح الحُكم- يراد به رأي وتشخيص المَرجِع الذي ليس حاكماً على البلاد؛ فالحاكم الشرعي إذا كان له مقلِّدون امتاز بميزتين؛ الأولى أنه حاكم على البلاد، والثانية أنّ له كل صلاحيات المجتهِد المقلَّد؛ فهو يساويه من جهة شؤون الفقاهة ويمتاز عليه بميزة إضافية بحاكميّته؛ فيَكون الحاكم الشرعي فوق جميع الفقهاء حتى لو كان الفقهاء –أو بعضهم- لا يؤمنون بولاية الفقيه المطْلَقة؛ إذ يكفي في مجالنا الولاية المقيَّدة، والفقهاء بأجمعهم يؤمنون بالولاية المقيَّدة للحاكم الشرعي؛ إذ لابد –ضرورةً؛ بالعقل والشرع- بِغَضِّ النظر عن ماهيّة نظام الحُكم في الدولة، لابد مِن وجود قائد مدبِّر للبلاد فوق الجميع يدير القانون ومجرياته على الجميع ويَسوس أمور الرَّعيّة داخلاً وخارجاً، سواء كانت القيادة مؤسَّسة أم فرداً.
● دُخولٌ في المَطْلَب:
سَبق أن قلتُ بأنّ الفقيه يَصح له أن يخاطِب المكلَّفين حتى لو لم يَكونوا من مقلِّديه وكانوا يقلِّدون فقيهاً آخر غيره، وأنّ فتواه تتوجَّه لهم وفق ما فصَّلت في العنوان السالف، وهنا أريد أن أشير إلى قضية أوسع من ذلك؛ وهي أن هنالك مِن الفقهاء مَن يَرى أنه ينبغي إبلاغ المؤمنين بالأحكام والفتاوى بغض النظر عن التقليد له من الآخرين، سيّما وهو يرى أنه الأعلم ورأيه المصيب، وسيما في المسائل الاجتماعية والتربوية العامة ذات الصلة بعموم المجتمَع ..، وسيما إذا كان الفقيه حاكماً مسؤولاً عن جميع الشعب والمواطنين ولديه دراسات تخصصية أَضْبَط واطلاع أوسع على جزئيات البلاد والرَّعيّة؛ بالتالي حُجة ’’نفي تبصير الجاهل وتنبيه الغافل‘‘ تَرتد على من يقول بها في هذا الأمر؛ إذ -أيضاً- لم تَعُد واردة بعد رؤية كون حُكم الحاكم الشرعي أو فتوى الفقيه قائمة في حق مقلِّديه على التبليغ في هذه المسألة للآخرين؛ بالتالي فإنّ نفْس الأمر على المَنابر وغيرها بعدم الكلام في المسألة نفياً أو إيجاباً هو فِعل معارِض لمَبدأ احترام التقليد والوقوف عند فتوى الفقيه لمقلِّدِيه؛ إذ نفْس الفقيه أَفتى لمقلديه بأنه ينبغي عليهم التبليغ في ذلك.
نعم؛ يبقى أنّه هل أصاب الفقيه بفتواه في أمره بالتبليغ في هذه المسألة أم لم يصِب؟ فهذا شأنٌ آخر سيكون بحسب موازين الداعي لسد باب الكلام أن تَتم محاكَمة الفقيه في الأروقة التخصصية الخاصة بعيداً عن عامة الناس؛ فيَكون التَّحكيم بالنسبة للداعي لسد باب الكلام خارجاً عن شأنه العام ولا يَصح منه التحدث فيه حسبما أَلزم به نفسه؛ فإذا تَحدَّث فيه على العموم اعترضناه بأن عليه أن يَلتزِم بما قَرّر على نفسه أو أن يعيد النظر فيما قرّره ويخالِفه إلى ما قررناه وفقاً للموازين الصحيحة في الحدود الصِّحِّيّة السليمة.
هذا بالنسبة لفتوى الفقيه، فما بالك بحُكم الحاكم الشرعي الذي هو أَوسَع نطاقاً مِن حدود التقليد باعتباره حاكماً فوق الكل؟ فالحاكم الشريعي إذا شَخَّص مصلحةً ’’تنظيمية‘‘ وأَمَر بالتزام قانونٍ للبلاد مدبِّراً لشأنٍ ما؛ فعلى جميع أهل البلاد طاعته وإن لم يكونوا تحت جناح تقليده، بل ووجب على الفقهاء أيضاً الطاعة باعتبارهم جزء مِن الرَّعيّة، وكذا عدم التصادم مع حُكمه حتى لو كان الحاكم مخطِئاً في نظرهم وإلا اقتَرَفوا جُرماً شَنيعاً بين يدي الله تعالى وأَثموا إثماً مُوبِقاً؛ إذ حِفْظ نظام الناس ومعاشهم أهم وأولى من الاختلاف والتصادم معه في جزئية، سيّما إذا لم يَكن الفقيه على صلة بتدابير الحاكم وما يريد أن يَسوس به المسألة ومراحلها في نظام الدولة وسياستها؛ إذ الحاكم الشرعي أكثر بصيرةً واطلاعاً في ظل امتلاكه العِلم التفصيلي المختص بمعونة المتخصصين المحيطين به في كل مجالٍ وشأن والتصاقه القريب جداً بالمُجرَيات بفعل شُغله ووظيفته وقدرته على السَّير ضِمْن تخطيطٍ مَرْحليٍّ منتظِم يراه، كونه المدير والمدبِّر، ويَبقى على الفقهاء والمختصين توجيهه توجيهاً علمياً واعياً بالمستوى اللائق حال كونه مخْطِئاً في نظرهم، ففرقٌ بين التوجيه له والمصادَمة معه.
اللهم إلا أنْ يَتجاوز الحاكم الشرعي الحد بصورة فادحة لا يمْكِن معها الاقتصار على توجيهه؛ وذلك ما لو كانت تراكَمَت أخطاؤه بحد فاحش غير معتبَر ولا مغتفَر، أو ارتَكب خطأً كبيراً جداً مخالِفاً لثابتٍ شرعيٍّ صريح بحيث صار إصلاحه ضرورة أهم، وكابَر ولم يَسترشِد في الحالتين للتوجيه والإنابة لحد سقوط العدالة عنه ومِن ثم سقوط وصْف الشرعي عنه تبعاً لسقوط عدالته؛ فيَكون التصادم معه جينئذٍ وجيهاً بل لازماً حتى وإن استَلزم سفْك الدم والشهادة، بخلاف ما إذا كان الاختلاف معه فقط في مجرَّد تشخيصِ قضيةٍ من الفرعيات أو الصغريات قابلة لتعدُّد وجهات النظر؛ فإنّه يُكتفى بإبراز النظر الآخر -تبصيراً أو تذكيراً- له، ولا يَجوز حينئذٍ بأيِّ حال الخروج عليه أو توهين رأيه بما يَحمل المواطنين والرعايا على الجرأة عليه وعلى أُسُس القيادة والحُكم ومجاوَزة واجب الطاعة والتوقير؛ إذ يَستوجِب ذلك مَفاسد عظمى لا تَنجبِر وتَخرم النظام خَرماً لا يَندمِل وتوجِد اختلاطاً للأمور وتُدخل الحياة في فوضى هَرْجٍ ومَرْجٍ وفِتن واضطرابات لا طائل لها. كما يَحق لكل فقيه أن يمارِس وظيفة الإفتاء لمقلِّديه في العبادات ومسائل الحلال والحرام وتعيين وظائفهم بكل مرونة وهدوء مع السعي الدائم -بأقصى ما أَمْكَن- لرعاية وضْع الحاكم الشرعي وقرارات الدَّولة. بالتالي؛ لماذا نَختزِل كل هذه الكُبرَيات المهمة العظمى وغيرها في جزئية واحدة تَكمن في أهواء التفريق وبث العصبية والنزاع العقيم فحسب، ومن ثم نَمنع الكلام في هذه المسائل ونُفَوِّت كبريات المَصالح الواسعة التي تَفوقها بمراحل كبيرة جداً؟!
● تاسعاً: إحراز القطع وتفعيل أثره: يأتي إن شاء الله تعالى في الوقفة الآتية.
أمين السعيدي
أواسط ربيع الثاني 1438هـ
[alert color=”” icon=””]
موضوعات ذات صلة:
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11344/”]أ- رسالة التطبير1 (مَدْخَل، والصنف المخاطَب بهذه الأبحاث)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11381/”]أ- رسالة التطبير2 (أغراض ومبررات)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11444/”]أ- رسالة التطبير3 (الطُّرُق الحُجة لإحراز الحُكم الشرعي، ومراتبها، والطريق المختار)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11459/”]أ- رسالة التطبير4 (الإصلاح الداخلي للدليل)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11479/”]أ- رسالة التطبير5 (تشجيع العوام والمثقَّفِين على الجُرأة في الدِّين)[/button]
[button color=”” url=”http://anbyaa.com/?p=11495/”]أ- رسالة التطبير6 (علاج جدليّة: “تبصير الجاهل” و”تنبيه الغافل”)[/button]
[/alert]
للتعلیق أو مطالَعة التعلیقات اضغط هنا