زيادة علم المعصوم
فإذا كان علم الامام قابل للزيادة ، معناه أن علمه فيه نقص؟ أليس ما يقبل الزيادة يكون فيه متسعًا بحيث يكون ناقصًا ؟ فإذا كان علم الإمام أو النبي ناقص هذا يعني أنه ليس كاملًا ؟ فلما ذا يحتاج الإمام للقوة القدسية و هو عارف بتفسير القرآن الذي يحوي على دقائق الأمور بأجمعها ؟ و من جهة ٍ أخرى .. إذا كان عند الأأمة ميراث وهو الجفر الأبيض كما في الرواية عن الحسين بن أبي العلاء قال سمعت ابا عبدالله عليه السلام يقول : ( إن عندي الجفر الأبيض )قال: فقلت أي شيء فيه ؟ و بالنسبة إلى مصحف فاطمة فـكما ذكر فيه علم ما يكون ففي رواية حماد بن عثمان عن الإمام الصادق عليه السلام و هو يتحدث عن محتوى المحصف ( … أما أنه ليس فيه الحلال و الحرام و لكن فيه علم ما يكون ) فهل بـ هذا يكون الإمام علمه قابل للزيادة ؟ ● رد سماحة السّيد أمين السعيدي حفظه الله: بسم الله الرّحمن الرّحيم
والصّلاة والسّلام على محمّد وآله الطّاهرين، السّلام عليكم. علم الإمام المعصوم ذهب البعض فيه إلى قبوله الزّيادة، كما أنَّ ما نقلتموه عن كتاب عقائد الإماميّة شامل للنّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أيضاً؛ ذلك لخطاب الله تعالى له في الآية، وهو عليه صلوات الأوّلين والآخرين أولى بها قبل غيره. لكن زيادة العلم لا يعني وجود النّقص، كلا، فمجرَّد امتلاك القدرة على معرفة علم الشّيء بالتّوجّه إليه هو عين الكمال والتّمام. وقد ورد في الحديث المشهور عندنا: أنَّ اسم الله الأعظم 73 حرفاً، 72 عندنا أهل البيت واختصَّ الله بواحد.فاختصاص الله تعالى بذلك الواحد لا يعني وجود النّقص في النّبي أو الإمام المعصوم. وممّا هو معلوم أنَّ موسى عليه وعلى نبيّنا أفضل الصّلاة والسّلام كان نبيّاً، ومن أنبياء أُلي العزم عليهم صلوات الله وسلامه، لكنّه مع ذلك خفيت عليه أمور في حادثته مع الخِضر عليه السّلام الّذي هو ليس من أنبياء أُلي العزم، فهل هذا نقص في النّبي موسى عليه السّلام ونبوّته؟ كلا. نعم؛ أهل البيت عليهم الصّلاة والسّلام هم وجدّهم الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم أعلم من الأنبياء السّابقين، لكن توجّه نفوسهم للشّيء والعلم به بعد ذلك لا يقدح في كمالهم، فالكمال فعلي متحقّق فيهم بلا نقص مادامت القوّة القدسيّة في أيديهم. وهم عليهم الصّلاة والسّلام كانوا يقولون: لولا آية في كتاب الله لأخبرناكم بما يكون، وهو قوله تعالى {يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب}. كما أنَّ القرآن يؤكِّد على أنَّ النّبي الأعظم صلوات الله وسلامه عليه لا يعلم بكل شيء، تماماً كما في سؤال النّاس له عن السّاعة كما جاء في صريح الآية: {يسألونك عن السّاعة أيّان مرساها؟ قل إنّما علمها عند ربي لا يجلّيها لوقتها إلا هو ثقلت في السّماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنّك حفيٌّ عنها قل إنّما علمها عند الله ولكن أكثر النّاس لا يعلمون} (الأعراف: 187 ) لاحظ؛ قال: {إنّما علمها عند الله} وإنّما في اللغة تفيد الحصر؛ أي لا يعلمها إلا الله، والنّبي صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله لا يمازح في قوله أنّه لا يعلم بذلك، فهو ينطق بالوحي والآية من كلام الله الصّادق الحق، وقد أكّدت الآية ذلك بقولها: {يسألونك كأنّك حفيٌّ عنها}، ممّا يعني أنّ النّبي لا علم له بها فهي لا تأتي إلا بغتة. بل والآية التّألية مباشرة لهذه الآية تقول: فإذا كان النّبي أو المعصوم لا يعلم بكل المغيّبات من هذا القبيل -لاحظ نقول المغيّبات الّتي من هذا القبيل لا الّتي ترتبط بكمال النّبي والمعصوم وبالرّسالة والتّبليغ-؛ فعلمه إذن يزيد، لذا قالت الآية: {قل ربِّ زدني علماً}، وقالت الآية السّابقة: {إلا ما شاء الله} أي بمشيئة الله أعلم وأدفع وأمسك. لكن كما قلنا هذا لا يعد نقصاً؛ لأنَّ العلم وإن كان كمالاً، إلا أنّ الكمال له حدود ومستويات، فهو في الله يجب أن يحيط بكل شيء بما يتوافق مع قدرته المطلقة، بينما في النّبي والمعصومين عليهم الصّلاة والسّلام يكون بمستوى القابل، وفي حدود ما يشاء الله تعالى. لذا ذهب بعض العلماء إلى أنَّ الإمام الحجّة جعلنا الله وإيّاكم من أنصاره وخدمته يستفيد خلال غيبته الكبرى من الحوادث ويكتسب الخبرة التّامّة بتعليم الله تعالى له، وهو قول إن قُبِل فإنّه يعود لفلسفة الزّيادة. والدّقّة أنّه: مادام النّبي والأئمّة عليهم الصّلاة والسّلام لديهم قدرة المعرفة بمجرَّد الّّتّوجّه والرّغبة، فهذا بحد ذاته هو العلم، فالعلم لا يكون إلا بتوجّه النّفس للشّيء، فأنت إذا لم تتوجّه نفسك للشّيء كيف تعلم به؟ لذا قال الفلاسفة (توجّه النّفس للشّيء فرع العلم به). لاحظت كيف؟ فهذا هو العلم، وهم يمتلكوه، فبمجرّد التّوجّه للشّيء المراد معرفته يحضر عندهم العلم به، بلا حاجة للاستدلال والبرهان والاستفادة من أحد غير الله تعالى، فلا نقص. وعلم السّاعة وما شاكل لمّا كان من خصائص الله تعالى الّتي اختصَّ بها نفسه، لم يعد الجهل بها نقصاً. فهذا مثله مثل التّجرّد، فهو كمال، لكن لمّا اختصّ الله بالتّجرّد وافتقده وجود المعصوم في الدّنيا كونه بشر {إنّما أنا بشرٌ مثلكم} لم يعد هنالك قابليّة لهذا الكمال فيه بمادّته البشريّة، وبالتّالي لا يعد هذا نقصاً. والسّلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. السيد امين السعيدي |
للتعلیق أو مطالَعة التعلیقات اضغط هنا