سكينة بنت الحسين عليه السلام من هي؟● السائل: السلام عليكم . هل كانت السيدة سكينة عليها السلام في كربلاء او لا ؟ هل زوجت بالقاسم ام لا؟ هل اسمها سكينة حقا ام لها اسم اخر؟
● رد سماحة السّيد أمين السعيدي حفظه الله:
عليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته. جواب السّؤال الأوّل:- بالنّسبة لابنة الحسين عليهما الصّلاة والسّلام، فليس اسمها “سكينة”، وإنّما اسمها – حسب المصادر التّأريخيّة – هو “آمنة”، وفي مصادر أخرى اسمها “أمينة” وقيل “أميمة”، أمّا سكينة فهو لقب لها وليس اسمها. والصّحيح بعد التّحقيق أنّ اسمها “آمنة” وليس “أمينة” ولا “أميمة”، هذا ما عليه القول الصّائب في أقوال كبار علماء السّنّة والشّيعة. نعم؛ سكينة لقب لها لقّبتها به أمّها الرّباب؛ ذلك لما كانت تحمله من سكون وهدوء في سلوكها وطبيعتها وتصرّفاتها، بما لها من حنكة وفطنة ووعي. قال أبو الفَرَج الأصفهاني في كتابه “الأغاني”: اسم سكينة أميمة، وقيل: أمينة، وقيل: آمنة، وسكينة لقب لُقِّبت به. لمراجعة مصادر السّنّة والشّيعة في ذلك انظر هامش رقم [2] من جوابنا هذا. تحليل وإلفات لشائعة منتشرة بين النّاس في الأمر:- لا شكّ في أنّ اشتهار اسم سكينة –اللّقب- بدل اسمها الحقيقي –آمنة- هو زلّة من سيّئات التّأريخ، الّتي تحتاج لتصحيح وتقويم، بل من المؤْسَف له أنّ اسم سكينة شاع حتّى بين الشّيعة من أتباع آل محمّد صلوات الله وسلامه عليهم، لا عن قصد منهم، وإنّما جهلاً بالأمر، وانخداعاً بالمكيدة الّتي حيكت لترويج اسم “سكينة” بدل اسم “آمنة” و”أميمة” و”أمينة”. أمّا ما هي المكيدة الّتي على أساسها تمّ ترويج اسم “سكينة” لابنة الإمام الحسين عليهما الصّلاة والسّلام بدل اسمها الحقيقي “آمنة”، فذلك يتّضح بالرّجوع إلى تأريخ كربلاء وما قبلها وما بعده، وبالخصوص لتأريخ الزّبيريّين وأتباع “عبد الله بن الزّبير بن العوّام” الّذي حكم مكّة بعد خروجه مع الإمام الحسين عليه الصّلاة والسّلام من المدينة فراراً من والي يزيد المريد بهما الفتك، والّذي –أعني عبد الله بن الزّبير- حكم الحجاز بعد قتل الحسين عليه السّلام في كربلاء وبعد حادثة الحَرَّة المخزية في المدينة وضرب الكعبة، ثمّ حكم الحجاز والعراقَين “الكوفة والبصرة” وغيرهما، إلى أن انتهى تأريخه على يد بني أميّة فقُتل في مكّة. فالزّبيريّون لا يشك محقّق في التّأريخ بكرههم وعدائهم لأهل البيت عليهم الصّلاة والسّلام، بدليل ما فعله عبد الله بن الزّبير بمحمّد بن الحنفيّة، وسَجْنِه له ولجماعة من بني هاشم في غرفةٍ أرضيّة قرب بئر زمزم، ونيله من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما الصّلاة والسّلام علناً في مكّة أمام النّاس أكثر من مرّة. طبعاً من الطّبيعي –الفاسد- أنْ يظهر كل هذا الحقد من آل الزّبير لبني هاشم، ولعلي عليه الصّلاة والسّلام وأبنائه بالخصوص؛ ذلك لما حَدث بأبيهم في واقعة الجمل، الّتي انفتلت بتحريك زوج النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم عائشة ومروان بن الحكم، حيث قضى فيها الزّبير بن العوّام صحابي رسول الله -والد عبد الله- صريعاً مكلّلاً بدمائه في معركة من أفضح معارك التّأريخ الإسلامي المحرجة. من هنا انطلق الحقد الزّبيري في أبناء الزّبير، وتجسّد بشكلٍ كبير بعد تمكّن ابنه عبد الله مِن حُكم العديد من البقاع الإسلاميّة، وامتداد نفوذه وتأمير مقرّبيه لا سيّما أخيه “مصعب” الّذي كان واليه على البصرة ثمّ الكوفة والبصرة بعد غدرهم بالمختار الثّقفي عليه الرّحمة. والسّؤال: ما ربط تلك الأحداث بآمنة بنت الحسين عليهما الصّلاة والسّلام، الفتاة الصّغيرة، الّتي حضرت معركة كربلاء في طفولتها، وقاستها بصمت؟ ج/: ربط ذلك بها أنّها سلام الله عليها بعد حادثة كربلاء كان لها دور كبير في إحياء المصيبة الأليمة الّتي زلت بالحسين صلوات الله وسلامه عليه، وبأولاده وصحبه، وببنات الرّسالة، حيث كانت محوراً رئيساً لفضح يزيد وأفعال بني أميّة في الطّف الدّامية، بحكم حضورها لأحداث تلك المعركة، كما كانت من الأعمدة الكبرى الّتي كان يستند لها الإمام زين العابدين عليه الصّلاة والسّلام في تبليغ وإيصال معاناة ومظلوميّة أهل البيت عليهم الصّلاة والسّلام في الجانب النّسوي. لذا؛ كان على الزّبيريّين أن يقضوا على كل عنصر فاعل يروِّج حقّانيّة آل محمّد عليه وعليهم الصّلاة والسّلام ويظهر محنهم في فترة تلك الّدولة الزّبيريّة. هذا من جهة، … …، ومن جهة أخرى، لـمّا اشتهر أمر “سكينة بنت خالد بن مصعب بن الزّبير بن العوّام” بالبغاء والملاهي، باجتماعها مع عمر بن أبي ربيعة في مجالس الغناء، ومحافل الشّعراء، كان لابدّ لبني الزّبير من تغطية تلك الفضيحة بإلصاقها بجهةٍ ما، أو إيجاد مموّهات تظلل الأمر، وتشكّك النّاس تجاه المقصود من تلك الزّبيريّة الّتي شاع عنها ذلك، في ظلِّ كونها حفيدة أخ المتسمّي بأمير المؤمنين في تلك الفترة “عبد الله بن الزّبير” كما أوضحنا. لذا؛ كان لقب “آمنة بنت الحسين عليهما الصّلاة والسّلام” الّذي هو “سكينة”، كان هذا اللّقب أفضل طريقة لتغطية فضيحة سكينة بنت خالد بن مصعب بن الزّبير، كما كان استغلال ذلك من الوسائل المحقِّقة لطموحات الزّبيريّين في سعيهم لتشويه سمعة بني هاشم ككل على العموم، وحركة الإمام الحسين عليه الصّلاة والسّلام وأهل البيت على الخصوص، سيّما وأن عبد الله بن الزّبير كان يجد نفسه في حرج كبير لِـما طال الحسين صلوات الله وسلامه عليه من محن ومصائب، من هنا كان لابدّ له من تشويه حركة كربلاء وتفهيم الجماهير بأنّ بقاءه في مكّة وعدم خروجه مع الحسين عليه الصّلاة والسّلام كان قراراً صائباً، وإن كان الحكم بعد معاوية حقّاً أكيداً للحسين سلام الله عليه بحكم صلح الإمام الحسن عليه الصّلاة والسّلام مع معاوية، في ظل انقلاب يزيد على بنود ذلك الصّلح واقتناصه الخلافة بوصاية من أبيه. هنا كان المنعطف، ومن هنا بدأت حادثة الاسم، سكينة بنت الحسين “اللّقب”، بدل آمنة بنت الحسين “الاسم الحقيقي”. لهذا نجد أنّه شاع في كتب التّاريخ أنّ سكينة بنت الإمام الحسين عليهما الصّلاة والسّلام، كانت بعد كربلاء وبعد أن اشتدّ عودها، كانت تستقبل الشّعراء في دارها، وتحدّث الرّجال، وتفتح مجلسها لاستقبالهم بذريعة نعي الإمام الحسين عليه الصّلاة والسّلام والجهر بمظلوميّته، كما شاع طمع الحجّاج بن يوسف الثّقفي –الفاسق- بالزّواج منها، لِـما رآه فيها من تجانس مع طبيعته الفاسدة. لهذا رأينا أنّ بعض من مَثَّل وصوَّر تلك الحقبة الزّمنيّة في الأفلام التّأريخيّة المصنوعة اليوم، كمسلسل “الحجّاج” الّذي عرض قبل فترة على شاشات التّلفاز، كان قد اعتمد في تمثيله على أنّ سكينة بنت الحسين علهما الصّلاة والسّلام كانت تستقبل الرّجال والشّعراء وتحادثهم! كل ذلك بفعل الخلط التّأريخي المتعمَّد بين “سكينة بنت خالد بن مصعب الزّبيريّة” الّتي كانت تجتمع مع عمر بن أبي ربيعة في مجالس الغناء، ومحافل الشّعراء، و”آمنة بنت الحسين عليهما الصّلاة والسّلام” الّتي أُلْصِقَ بها اسم “سكينة” بدل كونه لقبها لا اسمها. فكيف يسوغ لعقيلة بني هاشم، وبنت الوحي وشمّامة سيّد شاب أهل الجنّة أن تجالس الرّجال، وقد عُرِفَ عن بني هاشم ملازمتهم للطّهر والعفاف، لا سيّما وأن آمنة بنت الحسين عليهما الصّلاة والسّلام كانت تتحرّك تحت أنظار الإمام زين العابدين صلوات الله وسلامه عليه؟! لا يمكن لعاقل قرأ التّأريخ بصورة جيّدة أن يقبل مثل هذه الأقاويل الباطلة الممقوتة الّتي انطلقت على أيدي الزّبيريّين ورَوَّج لها الأمويّون وأتباعهم، فأصبحت من المسلّمات والمرتكزات الشّائعة لدى عوام النّاس دون علمهم بحقيقة الأمر! جواب السّؤالين (الثّاني) و(الثّالث):- اتّضح ممّا سبق أنّ آمنة بنت الحسين سلام الله عليها حضرت كربلاء، إلا أنّها لم تُزَوَّج بالقاسم بن الحسن عليهما الصّلاة والسّلام؛ ذلك لأنّها عليها السّلام كانت زوجة عبد الله بن الحسن الّذي هو أخ القاسم عليهم السّلام، بل أساساً هنالك خلاف تأريخي في أنّ الحسين عليه الصّلاة والسّلام زَوَّج القاسم في يوم عاشوراء أم لا، وإن كان بعض المؤرِّخين ذهبوا إلى أنّ الحسين عليه الصّلاة والسّلام زَوَّج القاسم بإحدى بناته، غير أنّ البعض نفى ذلك، وكان نفيهم يَعتمد على: 1- أنّ الحسين عليه الصّلاة والسّلام لم تكن لديه بنت مناسبة للزّواج في تلك الفترة، فمثلاً فاطمة الصّغرى كانت عليلة وبقيت في المدينة، وأمّا فاطمة الكبرى فقد كانت زوجة الحسن جريح كربلاء والّذي تشافا بعد ذلك، بينما آمنة كانت زوجة عبد الله أخ القاسم كما أشرنا. 2- ومن جهة أخرى أنّ من نفى من العلماء وقوع ذلك الزّواج نفاه لورود رواية تأريخيّة لا سند لها، تقول بأنّ الإمام الحسين عليه الصّلاة والسّلام زوَّج القاسم بابنته فاطمة، ولم تحدّد الرّواية أي فاطمة، فلربّما فاطمة الصّغرى الّتي بقيت في المدينة، إلا أنّ هذا بعيد، وإن دافع البعض عن هذه الرّواية من باب الاحتمالات وتقوية الظّنون دون أن يستطيع تعيين أي فاطمة تلك المقصودة. 3- أنّه وردت رواية تأريخيّة أيضاً بلا سند، تقول أنّه عليه الصّلاة والسّلام زوَّج القاسم إحدى بناته؛ وهذه الرّواية فرقها عن تلك أنّها لم تقل زوّجه فاطمة، وإنّما قالت زوَّجه إحدى بناته، ناهيك عن أن ناقل الرّواية من المتأخّرين البعيدين تأريخيّاً عن زمن الحادثة، وهو فخر الدِّين الطّريحي صاحب كتاب “المنتخَب”، حيث توفّي في القرن الحادي عشر الهجري، بينما حادثة كربلاء وقعت في القرن الهجري الأوّل، علماً أنّه لم يذكر من أين أخذ الرّواية. 4- أنّ نفي البعض لوقوع ذلك التّزويج كان على أساس أنّ الوقت لم يكن مناسباً، فالموقف موقف حرب وقتال ودماء ومحنة، ولا مجال لانعقاد مراسم العقد والتّزويج. 5-أنّ بعض الرّوايات التّأريخيّة ذَكرت أنّ القاسم لم يبلغ الحلم في يوم العاشر من محرّم، مضافاً إلى أنّ نفس حادثة التّزويج لم تذكرها كتب المقاتل المشتهرة، وإن لم يكن هنالك إشكال شرعي في تزويج غير البالغ لمصلحةٍ ما يراها ولي أمره، من قبيل إحراز القاسم عليه السّلام نصف دينه قبل قتله، أو إبراز مظلوميّة أكبر له بتعلّق الظّلم بشاب قتيل له زوجة تنتظره، أو تشجيعه على الحياة والقتال ببسالة في ظل إحاطة الموت المؤكَّد، تماماً كما كانت تفعل العرب في الحروب، حيث كانت تلقي الشّاب في العشق أو تزوّجه ثمّ تأخذه للحروب، كي يرغب في البقاء والرّجوع لمعشوقته، فلا يرمي بنفسه في الموت رمي الّذي لا رغبة له في الحياة حينما لا يكن قلبه قد تعلّق بشيءٍ منها. لكن مع ذلك يبقى احتمال وقوع التّزويج وارداً، إلا أنّ تشخيص تفاصيله مشكل، وغير ممكن، خصوصاً وأنّ الكتب –مع الأسف- لم تذكر جميع مجريات وأحداث كربلاء، لدرجة أنّها أهملت تسليط الأضواء على دور آمنة بنت الحسين عليهما الصّلاة والسّلام، سواء أثناء المعركة أو في السّبي، إذ لا نجد لها دوراً واضحاً إلا بعد الرّجوع للمدينة، وكأنّ دورها كان الصّمت ومطالعة المجريات فحسب رغم كونها آنذاك بالغة رشيدة! الهوامش:- [1] الأغاني، لأبي الفرج الأصفهاني، المجلّد السّادس عشر ص146 و147. [2] راجع في ذلك “تأريخ مدينة دمشق” لابن عساكر: قِسم تراجم النّساء ص156، و”منتهى الآمال” للمحَدِّث الشّيخ عبّاس القمّي: المجلّد الأوّل ص818، و”المنتظم في تاريخ الملوك والأمم” لابن الجوزي: حوادث سنة 117هـ من الجلّد السّابع ص175، و”شذرات الذّهب” لابن العماد الحنبلي: وفيّات سنة 117هـ من المجلّد الثاني ص82، و”وفيّات الأعيان” لابن خلكان: المجلّد الأوّل في ترجمة سكينة ص378، و”النّجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة” لابن تغري: المجلّد الأوّل ص276، و”تذكرة الخواص” لسبط ابن الجوزي: ص249، و”أعيان الشّيعة” للسّيّد محسن الأمين العاملي: المجلّد الثّالث ص491، وغيرهم الكثير. السید أمين السّعيدي-قم المقدّسة 15صَفر 1433هـ |
للتعلیق أو مطالَعة التعلیقات اضغط هنا