إشكال في شكر الخالق ووجْهُه بمصحِّح صُدور الفيض
• السائل:
السلام عليكم ورحمة الله سيدنا الغالي أرجو منكم إفادتي بخصوص التالي
إشكال في لزوم شكر المنعم
الله خلقنا لغاية وحتى يبقى هذا الخلق لابد له من مقومات البقاء والتي أوجدها الله في هذا الكون فكان لزاما على الله توفير هذه المقومات حتى تستطيع البشرية البقاء والقيام بما أمرها الله
إذن هذه النعم قد يقال ليست تفضلا وإنما واجب على الخالق
فعليه لا يجب شكر المنعم على شئ واجب عليه
مثلا تريد مني أن أكتب لك شيئا فتعطيني قلم
إعطاؤك القلم لي لا يلزمني شكرك لان هذه العطية تحقق غاية أنت تريدها فواجب عليك توفير القلم وإلا لا حجة لك علي في عدم كتابتي لك شيئا.
أفيدونا سيدنا جزيت خيرا
• جواب السيد أمين السعيدي:
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، تقبل الله أعمالكم، حياكم الله عزيزي ..، كيف أموركم؟ إن شاء الله بخير.
أولاً الدعوى المذكورة تبتني على مصادَرة؛ فالله تعالى وإن خلقنا لغاية، إلا أن هذه الغاية هي مجرَّد مصحِّح لصدور الفيض؛ بمعنى أن مانع العَبَثيّة هو قيام غاية؛ إذ نفي الغاية -الغاية الصحيحة- يعني العَبَثية مِن الفعل، والعبث محال على ذاته عز وجل الواجبة ذاتاً، ولَمّا نقول واجبة ذاتاً؛ فنعني أنها مطْلَقة من جميع الجهات؛ ولَمّا نقول مطلقة من جميع الجهات؛ فنعني أنها في أوج الكمال لا تحتاج لشيء بتاتاً وإلا كان ذلك خُلْف الواجبية الذاتية، والعبث -في جوهره حاجة- والعائد المقابِل أيضاً حاجة؛ فهما خُلْف الإطلاق من جميع الجهات.
وبعبارة واحدة: غائية الفعل -الفيض والإيجاد- تصَحِّح الفعل وتمنع محذور العبث الممتنع عقلاً عن الذات الواجبية.
وعليه؛ إنّ هذه الغاية عندما نقر بها؛ فهي لا تعني أنه سبحانه محتاج لشيء، فيكون الشيء له ما بإزاء؛ وهو المقابِل الذي عليه تقديمه جراء ما سيتلقاه لنفسه؛ لأنه لا يتلقى لنفسه شيئاً؛ فنفسه الكاملة يستحيل عليها الزيادة؛ إذ كما قلنا تعبِّر بأنها كاملة، والحال أن الكمال هنا ذاتي مطلق لا كالكمال المادي وما شاكله؛ فهو حتى فوق طَور التجرد، والعقل لا يَمتلك حتى إداركه بالحقيقة والواقع، وإنما يدركه إدراكاً كلياً بَدهياً مقشَّراً عن كل إمكان للإضافة والزيادة عليه.
بالتالي؛ يكون الفيض والإيجاد والخَلق عائده ((من أصل)) على ذات الخلق وليس على ذات الواجب سبحانه؛ فيسقط الإشكال.
وهنا، لك أن تضع سؤالاً؛ وهو:
ما هي الغاية التي على أساسها صدر الفيض منه؛ إذ نحتاج لفرض غاية تكون مبرراً للغرض، ومن ثم ننظر في تلك الغاية هل هي حقيقية ومِن جنس الغاية التي لا تتضمن معنى العائد الذاتي والحاجة أم لا، فإن تمّتِ الدعوى سقط الإشكال، وإلا بقي الإشكال قائماً يتطلب مبرراً يتوافق مع بَدَهي العقل الثابت.
والجواب:
إنّنا -مبدئياً- ليس بالضرورة نستطيع إدراك الغاية الفعلية من الإيجاد. وهذا لا يكفي لمعارَضة ما ذكرناه؛ والعلة في ذلك تكمن في نفس طبيعة البَدَهي العقلي؛ إذ البدهي العقلي حُجّيّته ذاتية، وبالحكمة النظرية والحكمة العملية لا يمْكن زعزعته بحال أبداً، ومتى ما تَعارَض شيء معه؛ فإنه يبقى ثابتاً ولا يُلتَفَت للمعارِض إن لم يمْكن حله أو تأويله؛ وعندها نعلم بأن العقل لا يدرك ذلك، أو نعبِّر بالعبارة الاصطلاحية: (شبهةٌ في قِبال بَديهة)؛ فعبارة الشبهة في قبال بديهة هي تعبير آخر عن صورة من صور عجز الإدراك عما وراء البدهي المقطوع به.
أما لماذا لا يمكن زعزعته بالحكمة النظرية -أو ما يسمى بالفلسفة النظرية-؛ فالسر في ذلك يكمن في أن البدهي المقطوع أمرٌ ثابت لا شك فيه، بينما مُعارضه أمر شَكّي محتمَل؛ وفي التعارضات النظرية متى ما تعارض اليقيني مع الشَّكّي قُدِّم اليقيني.
وأما الحكمة العملية -أو ما يسمى الفلسفة العملية-؛ فالسر فيها يكمن في أن العقل العملي يَستقبح هدم المنظومة البدهية على حساب موهومات أو شكيات أو احتماليات ..؛ ويرى أن قوَام البشرية واستقامة نظامها ومعاشها منحصر في الحفاظ التام على المنظومة البدهية التي هي مَنشأ العلوم ومُوَلِّدها؛ وهذا الغرض الحَسن المهم جداً لا يمكن للعقلاء التنازل عنه بحال أبداً، وإلا هلك كل شيء وفسدت حياة الجميع.
هذا مبدئياً.
لكننا مع ذلك ورغم كفايته، نستطيع أيضاً تصوير غاية فعلية جيدة تصحِّح الفيض الإلهي دون حاجة كامنة في الذات الواجبية وبلا عائد خاص عليها، وقد سعى العلماء منذ القِدَم لإبراز ذلك، ووضعوا مجموعة من الغايات الجيدة؛ منها ما يصطبغ بصبغة فلسفية تجريدية، ومنها ما يصطبغ بصبغة دينية أو مذهبية. هذا؛ وقد أَفردَ مثلاً الشيخ الرئيس رحمه الله -كفيلسوف إلهي إسلامي من الأقدمين- بحثاً حول هذه الغاية في كتابه الإشارات، يمكن مراجعتها جميعاً في مواضعها.
وعلى أي حال؛ أريد هاهنا أن أبرز غاية أخرى، أرجو أن يكون فيها كامل اقتناع؛ وهي تتقوم على أساس شيئية الوجود وكمالية الانوجاد ولا شيئية العدم ونقصان الانعدام؛ أما كيف؟ فذلك يتضح بالبيان التالي:
إنّنا بالتدبر في صفات الوجود والعدم كنقيضين لا ثالث لهما، أو حتى على نظرية المتكلمين بوجود الثالث مع الحصر بالثلاثة: الوجود والعدم والواسطة بينهما؛ فإنّ الواسطة نستطيع أن نحسبها في صالح الوجود ولو بالقوة ولو بوجهٍ ما ..؛ بالتالي نبقى بين ثنائي الوجود والعدم؛ ثم نتساءل:
أيهما أفضل؟ أيهما أكمل؟ أيهما المطلوب عقلاً؟ أكرر عقلاً وبعيداً عن جميع الحيثيات المُعَكِّرة لصفو الشيء، هل الوجود أم العدم؟
لا شك أننا نحكم وبسرعة خاطفة بأن الوجود أفضل بل هو الفاضل والحسن من هذا الحيث والمطلوب؛ إذ أن العدم بطلانٌ مَحْضٌ ولا شيئية له من أساس؛ فلا يقاس بالوجود في شيء؛ فهذا ظهور ونور وذاك ظلام واضمحلال، وشتان بينهما.
والبرهان عليه من الوجدان أيضاً؛ أن وجداننا يشعر دون أي ريب بأننا نحب الوجود ولا نساوِم عليه بشيء أبداً؛ بدليل أننا لو أراد أحد قتلنا فإننا نقاومه بشدة، وقد نقتله لحفظ وجودنا؛ فيكون صراعاً على الوجود. كما يتمنى الواحد منا أن يُعَمَّر فيكون له عمر نوح أو أكثر إن أَمْكَنه. ولو أنك مثلاً تكلمتَ في شخصٍ بالموت؛ لقال لك غاضباً متنفِّراً كارهاً لك ولقولك المفيد لمعاني سيئة على خط المودة: أترجو لي الموت؟! وبالتعبير العامي (تفاول عليي؟!). وحتى أيضاً الشخص الذي يتمنى الشهادة؛ فهو إنما يتمناها لأجل الوجود نفسه؛ ذلك لأنه في جوهر إرادته فهمَ الحياة فهماً راقياً جداً فوق حدود الفهم المعتاد ويَبحث عن الوجود التام الكامل والأبدي -له ولِمَا ضحّى لأجله من القِيَم- في العالَم الأخروي، وقبْله وجود وبقاء المبادئ التي أرخص بنزاهته قِسْطَه الوجودي هنا وروحه الثمينة لها في العالَم الدنيوي، بعكس الذي يَهرب من الشهادة أو الموت كالملحد مثلاً، وغيره؛ فهو وإن كان محباً كالجميع للوجود التام الكامل الأبدي الذي لا يفصل بينا وبينه سوى حجاب صغير بسيط هو الموت، إلا أنه انطبع في نفسه –بفعل الرؤية الإيديولوجية والتفسيرات الكونية لديه وانعكاساتها التربوية على منهجه- بأن هذا الوجود السابق للموت أهم لديه أو أن الموت فناء وهو لا يريد الفناء وخسران بما بيده مِن قِسط الوجود الوحيد، وحتى إن كان معتقِداً بذلك العالم وعلى يقين بأن بعد الموت هنالك وجود أشد وأحسن وأتم؛ وهذا قد يَنتج لديه إما بسبب مقومات الشبهة الرخوة أو الغباء أو بسبب مقومات المادة كالطمع بشيء يرتقبه بهذا العالَم أو المصالح والمتعلقات الشخصية كالأبناء والأحبة الذين يأبى فراقهم أو الشهوات الحاضرة التي يشعرها؛ حيث لم يشعر بلذات الوجود الأخروي بَعْدُ فتعميه عما تَيَقَّن واعتَقد به أو ما شابه ذلك، وإما الخوف من الموت نفسه؛ بسبب مقومات المصير كخوفه من صرعات الموت وألم النزع أو القبر وظلامه أو آثار الذنوب ..؛ فيَكون في مقام العمل غَلب عليه الوهم وغفل عن الحقيقة في ظل الاعتقاد بها أو إنكاره لها.
ولهذا -أعني حُب الوجود الكامن في وجداننا- يسعى الواحد منا للإنجاب؛ لأنه مِن أحد دوافعه أنه يريد الامتداد هنا من خلال أبنائه وأن يكون له خَلَفٌ يرثه ما لديه كبيراً أم صغيراً، مهماً أم حقيراً، ونفس هذا الحُب الوجودي هو الذي يدعو الأكابر وأصحاب النفوس الشامخة العظيمة لأنْ تتعبَّد وتنير الليالي بالتّهجُّدات وتقَدِّم وتبدِع وتهجر اللذات والسبات وتصارِع المنكَرات وتتحمل المنافَسات الحاسدة والحاقدة والهجمات والتسقيطات والشتائم ..؛ لأنها بكل ذلك تسعى لأن تمتد في الوجود البشري برِمَّتِه، وفي العالَمَين –العُلْوي، والسفلي الذي هو الطريق للعُلْوي- بالنسبة للمعتقِد، وهذا الامتداد هو أقصى حالات الامتداد وأقدسها؛ ذلك لأن الامتداد النسلي والنَّسَبي الحاصل مثلاً بالأبناء عموديٌّ محدود وقد ينتهي بلحظة من تاريخه مع كونه محدوداً بكيان خاص أيضاً، بينما امتداد العالِم والعظيم والمخترِع … في البشرية يَكون امتداداً أُفقيّاً حيوياً باقياً ما بقي وما بقيت البشرية هنا، وهذا يَعتمد على ديناميكية نفس العطاء والمجهود وعمقه ورصانته والإخلاص الذي انصهر بأركانه؛ لذا نجد أفلاطون وأفلوطين وأرسطو وموسى بن عمران وعيسى المسيح والرسول الأعظم محمد والإمام الحسين لم يموتوا في كيان البشرية لحظة، وكذا الزعماء المصْلِحين المضحين في أرض نفس الإنسان الكُلّيّة ..، بخلاف الطغاة والملوك الظَّلَمة والسّرّاق المتجبرين مثلاً؛ فهُم رغم صيتهم الواسع في أيام حياتهم إلا أنهم بمجرد الموت ينتهي امتدادهم في كُلّي البشرية الطاهر ويَهْلَك، وربما خُلِّدوا ليلعنهم التاريخ كما يَلعن لسان الناس اليوم وبالأمْس أضرابَهم؛ فيَكون ذلك لينعدموا لا ليبقوا؛ لأن اللعن إرادة تتقوم على الاستهلاك والإفناء والفناء.
وحتى المعاق أو المتضرر؛ فإنه لا يَبغض الوجود ولا ينكر حُبه الشديد له بتاتاً مهما دعى على نفسه غاضباً؛ لذا لو أردتَ إفناءه فإنك تجده يصارِع للبقاء؛ فهو إنما يريد وجوداً أحسن مما هو فيه كما أن نفس وجودنا في هذا العالَم المادي المحدود هو كحال المعاق بالنسبة لوجودنا في العالَم المثالي الأبدي؛ ففرْقٌ بين أن نقول يريد وجوداً أحسن وبين أن نقول ينكر حُبّه الوجداني الشديد للوجود. وكذا الحال بالنسبة للمنتحِر؛ فهو في أشد مراحله يَتوهم أنه يَبغض الوجود، لكنه في الحقيقة لا يبغضه بل يريده وينتحر من أجله؛ فهو لأن هنالك شوائب ومعكِّرات وكدورات طرأت عليه؛ لذا صار لهذا الخيار، وإلا لو عُرِض عليه وجودٌ أحسن لَطمع به، فهو ينتحر لأنه متذمِّر متضايق يريد وجوداً أجود مما هو فيه؛ إذاً هو محب للوجود بتعبيره بالعدم، وإنّ الكدورات أمرٌ عارض، والعارِض لا يقَيِّم حُكم الذاتي اللصيق بنا؛ فلو فَرضنا فقدان العارض لَمَا عاد هنالك ميل عنده للانتحار أبداً، ناهيك عن أن المنتحِر هو مريض نفساني، انسلخ عن نفسانية الإنسان السَّوي؛ لذا تجد جميع العقلاء يلومونه على هذه الخطوة العوجاء السقيمة اليائسة، وطبيب النفس يجهِّز له الدواء لأنه يَرتقِب فيه الشفاء، والشفاء هو تعبير آخر عن تغيُّر الطبع والعادة .. العارضة على الطبيعة والأصل؛ بالتالي لا يُعَد الانتحار وجهاً من وجوه الحُكْم في هذا المورد، كما أنه فرقٌ شاسع بين حُب أصل الوجود وأنه حسن ومطلوب لكل واحد وبين كون الوجود يشوبه معكِّرات مصاحبة.
وعليه؛ لأن الوجود هو الحسن والكمال، ولأن الذات الإلهية كاملة وكريمة وعطوفة وخالصة وفَيّاضة لا تَنقطع؛ لذا كان لابد أن تفيض الانوجاد على جميع مراتب الوجود دون استثناء وتبث فيها شعاعه ونورانيته؛ فكل مرتبة من مراتب الوجود -المثالي والإنساني والحيواني والنباتي والحجري والمادي بمختلف أشكاله- هي بحد ذاتها ورتبتها الشخصية كمال لنفسها؛ حتى الحشرة الصغيرة، حتى الجمادات، حتى بعرة الإبل وروث البهيمة .. هي في حد رتبتها الوجودية كمال.
نعم؛ وجودنا في هذا العالَم -بحكم الكرامة التشريفية- هو وجود محدود ومقدمة لذلك الوجود الأشد الأكمل والأتم الذي فيه يتمثل الجود الإلهي التام علينا بإخراجنا لساحة ضياء الوجود الحقيقي وجماله الأبدي الخالد. أما لماذا اقتضت المشيئة أن يكون هذا الوجود مقدمة لذاك؛ فهذا بحث آخر، السؤال ليس بصدده. مع لحاظ أن نفس الوجود في هذا العالم كمال كما ذكرت ودلَّلت؛ وكمال بكمال رتبة هذا العالم نفسه؛ ولهذا في ذلك العالَم السرمدي تتغير حقائقنا لتتلاءم مع كمال رتبة نفس ذلك العالَم.
ثمّ إنّ جميع الغايات التي ذكرها الفلاسفة والمتكلمون الأجلاء على وطر هذا -ككون الغاية العبادة أو معرفة الله أو لأجل سمو ذات الصادر الأول أو آل النبي صلى عليه وآله ..- يجب إعادتها لنفس هذا الأصل؛ فما ذكروه صحيح، لكن من حيث كونه ثانوياً لا أولياً، وهذه هي الغاية الأصيلة الأولية.
بالتالي؛ أين يكون الله تعالى أعطانا شيئاً ليأخذ لنفسه شيئاً مقابِلاً؟!
لا يوجد؛ فكرمه وفضله علينا لا حد له ولا وصف يفي به؛ فيجب شكر المنعِم سبحانه دون انقطاع كالوجود اللامنقطع فينا ونِعَمِه المتتالية اللامنقطعة الجسيمة.
وهكذا لو قلنا –فرضاً- بأن ما قام به لازم واجب عليه؛ فإنّه أيضاً شكر المؤدي للواجب مأمور به عقلاً، سيما إذا كان فاعل الواجب أداه جليلاً دون حاجة منه له وبلا منفعة، وحتى لو فرضنا هذه المنفعة؛ فستبقى منفعة فضلية عائدة لغيره لا منفعة تسد نقصاً عنده ولا تزيد كمالاً إليه مع إطْلاقه.
هذا كله بالنسبة للفيض والإيجاد والخَلق الذي عائده على ((أصل)) ذات الخَلق، وأما ما هو ((مِن فَرْعِه))؛ فهو في مساحة إمكان التصرف الواسعة جداً كثيرٌ جداً لا يحصيه الجن والإنس وإن اجتمعوا؛ فالخالق سبحانه يقَدِّم للخلق في كل حين من النعم التي هي فوق أصل الوجود الشيء العظيم؛ حيث يستطيع سبحانه أن يكتفي فقط بإعطائنا الضروري أو المستحَق –على فرض وجود استحقاق- دون زيادة عليه، إلا أن فضله وكرمه يأبى إلا أن يحيطنا بلطفه وعطفه وحنانه الدائم، ناهيك عن وقوعنا في نوع الإنسان بدل وقوعنا في نوع الحيوان أو النبات مثلاً؛ فكلُّ شخصٍ يجب أن يَشكر على حظه النوعي الأشرف فالأشرف وإن كانت كل مرتبة وجودية كما قلنا هي بحد ذاتها كمالاً لها؛ لذا فإنّ الملائكة مثلاً يجب أن يكون شكرهم أكثر من شكر الإنسان، وشكر الإنسان يجب أن يكون أكثر من شكر الحيوان، وإلا كان الحيوان -اعترافاً وأداءً للحق- أوفى وأحسن منه وصار هو اللئيم العقور أدنى وأخس وأحقر.
ولو تنازلنا وفرضنا جدلاً بأنّ المنْعِم تعالى، له غاية ذاتية تعود بنفع على نفسه خاصة؛ فإنّ هذه الزيادة على ما يقدمه لنا من الضرورات الكافية بأن تكون عائده علينا، فهي -أعني الزيادة اللامحدودة منه سبحانه لنا- بوحدها تكفي لأن تكون سبباً لشكره الدائم دون انقطاع. فما بالك ما لو عرفتَ بأنه لا عائد يرجع له منا أساساً؟!؛ فالشكر له عندئذ مضاعف بالمزيد بما يخجلنا حتى عن ادعاء مثل هذه الدعاوى -بغرض غير صحيح كما يفعل الملحد وأمثاله- في ساحة جوده وجبروته.
بالمحصلة؛ الغاية لا تلازم المنفعة والحاجة.
جعلنا الله وإياكم من الشاكرين الحامدين الذاكرين باللسان والعمل كل حين.
أسألكم الدعاء مولانا العزيز.
أمين السعيدي – قم
٢ربيع الثاني١٤٣٧هـ
للتعلیق أو مطالَعة التعلیقات اضغط هنا