شهادة الإمام الهادي (ع) و دروس المواجَهة
●سماحة السيد أمين السعيدي حفظه الله.
أول جراح سامراء شهادةُ هاديها وخاتمتها تفجير مرقده الشريف»
العلم الشامخ، والنجم اللامع في سماء التأريخ، منال عهد الله تعالى، عاشر الأئمة الأطهار من اوصياء رسول الله الأبرار، وصاحب السكينة والوقار علي بن محمد الهادي، عليه وعلى آبائه وابنيه آلاف التحية والسلام.
أدوار الهادي عليه السلام:-
لقد دامت مدة إمامة الإمام علي الهادي عليه السلام ثلاث وثلاثين سنة، قام خلالها بأدوار كثيرة ومتنوعة، ومن تلك الأدوار:
أولاً:-
قاد الإمام الهادي عليه السلام الأمّة الإسلاميّة ونمّى حركتها الرسالية ودفعها خطوات واسعة نحو الأمام؛ وذلك من خلال المحافظة على أصحابه وحمايتهم من الانحراف ومن الارهاب العباسي، ومساعدتهم على قضاء حوائجهم بحسب الإمكان, وكان كل ذلك يتم عن طريق نظام الوكلاء الذي أسسه الإمام الصادق عليه السلام، والذي نمّاه الإمام الهادي عليه السلام بحيث أحكم دعائمه وبيّن معالمه, وبهذا أخذ يتّجه بالخط الشيعي نحو الاستقلال الذي كان يتطلبه عصر الغيبة الكبرى الذي سيَحل عليهم بعده بمدة قصيرة.
ثانياً:-
عاش الإمام الهادي عليه السلام حياته في نشاط دائم متحرّك في الثقافة الإسلامية، وقد تصدّى لكل الانحرافات التي تعرّض لها الواقع الإسلامي؛ لأنّ مسؤوليّة الأنبياء والأولياء والعلماء في كلِّ زمان ومكان هي أن يدرسوا كل الخطوط التي تتحرّك في الثقافة الإسلاميّة أو في الواقع الإسلامي؛ ليصلحوا الخطأ، وليقوّموا الانحراف بالأساليب التي وضعها الله تعالى في كتابه؛ بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هى أحسن.
وقد واجه الإمام أبو الحسن -الثالث- الهادي عليه السلام كثيراً من المشاكل الفكريّة التي كانت قد فَرضت نفسها على الذهنيّة الإسلامية لتنحرف بها عن الصواب، ومن هذه المشاكل، مشكلة الذين يقولون بـ(الجَبر من الله تعالى للإنسان في جميع أفعاله) والذين يقولون بـ(التفويض والتخيير من الله تعالى للإنسان في جميع أفعاله), وقد تصدى الإمام لهذه الشبهة مبيناً لأصحابها بالدليل من العقل والنقل بطلان الجبر والتفويض، ودعاهم إلى الاستقامة في خطّ الله سبحانه وتعالى.
وكذلك تصدى الإمام الهادي عليه السلام إلى محنة (خَلْق القرآن) التي عصفت بالمجتمع الإسلامي في تلك الفترة الزمنية، وكانت هذه الفتنة بمكان من الخطورة، ولطالما طارت -قطّعت- رؤوس علماء كانوا من ذوي المكانة الحسنة في المجتمع بسبب أمثال هذه الآراء.
يُنقل أنّ المتوكل العباسي كان من الأشاعرة، وكان يقول بأنّ القرآن غير مخلوق, وكان يَقتل كل من يقول بخلق القرآن، فأحضر عالماً وسأله: ما قولك في خلق القرآن؟ فأجاب: يا أمير المؤمنين! إني أرى أن الله سبحانه وتعالى كان ولم يكن معه شيء، ثم بعد ذلك أوحى بالقرآن.
فقال المتوكل: أأنت تقول بخلق القرآن؟! فقال الرجل: هكذا أعتقد؛ فأَمَر المتوكل بضرب عنقه! وهذه الفتنة من الخلافات التي تُدخل الأمّة في متاهات فكرية لا طائل من ورائها سوى تضييع جهود الأمّة وإشغالها عما هو أهم، وعادة المستفيد الأول من هذه الخلافات هو الحكومات الظالمة؛ لذلك كانت بطريق أو بآخر تروج إلى مثل هذه الافكار.
وقد بَـيّن الإمام الهادي عليه السلام الرأي السديد في هذه الفتنة العقائدية السياسية, فقد كتب إلى بعض شيعته ببغداد ما نصه:
[بسم الله الرحمن الرحيم، عصمنا الله واياك من الفتنة، فإن يفعل فأعظِمْ بها نعمة وإلاّ يفعل فهي الهلَكة؛ نحن نرى إن الجدال في القرآن بدعة اشترك فيها السائل والمجيب، فتعاطَى السائلُ ما ليس له، وتكلّف المجيب ما ليس عليه، وليس الخالق إلاّ الله، وما سواه مخلوق، فالقرآن كلام الله لا تجعل له اسماً من عندك فتكون من الظالمين؛ جَعلنا الله وإياكم من الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون](3).
فالإمام الهادي عليه السلام تصدى إلى هذه الفتنة من منطلق [إذا ظهرت البدعة في اُمتي فلْـيُـظهِر العالم علمه](4)، وبَـيّن أن القرآن مخلوق لله تعالى، والقول بغير ذلك بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
فكان للإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام جهاد واسع في الساحة العلمية؛ تارة ليبيِّن حقاً، وأخرى ليَدفع باطلاً.
وثالثاً : ليجيب عن استفتاءات الخليفة عندما يعوزه وأصحابه الفقه، فيلجأون مضطرين إلى علم الإمام، كما حصل ذلك في مسائل كثيرة. وكم كان المتوكل يحاول إحراج الإمام عليه السلام من خلال توجيه بعض الاسئلة الصعبة، فيَـخرج الإمام ظافراً منتصِراً، فمِن ذلك أن المتوكل قال لابن السّكّيت (5): اسأل ابن الرضا مسألة عوصاء بحضرتي! فسأله ابن السكيت عن بعض ما يراه صعباً ومشكلاً؛ فأجابه الإمام عليه السلام بما هو الحق الصريح.
فقال يحيى بن أكثم: ما لابن السكيت، ومناظرته، وإنما هو صاحب نحو وشعر ولغة(6)، ورفع قرطاساً فيه مسائل، فأملى الامام الهادي عليه السلام أجوبة المسائل.
فلما قرأ ابن أكثم أجوبة الإمام تَـخوَّف من عمق أجوبته ودقة علمه، من أن يشارِك في الدعاية له وتأكيد صدق قضيته وبالنهاية توسيع وتقوية قواعده الشعبية، فقال للمتوكل:
لا تَسأل هذا الرجل عن شيء بعد مسائلي وإنه لا يُرد عليه بشيء بعدها إلاّ دونها، وفي ظهور علمه تقوية للرافضة.
إذاً، أدوار وحركة الإمام الهادي عليه السلام كانت واسعة على الرغم من العزلة التي ضربتها الخلافة العباسية عليه، ونشاط الإمام كان كبيراً، سواء على الساحة العلمية أو على الساحة الاجتماعية أو على ساحة التحديات مع الحكومة العباسية.
ختاماً يتقدم لكم أعضاء جماعة أنبياء أولي العزم عليهم الصلاة والسلام بتعظم الأجر، ويقفون وقفة استنكار حازمة على ما اقترفته ايدي الضلال بمسّها مرقد إمامنا العظيم والوصي العاشر من أوصياء سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وآله الطاهرين.
_____________________
المصادر:-
(1)بحار الأنوار 50: 209.
(2) بحار الأنوار 50: 202.
(3) روضة الواعظين: 38.
(4) المحاسن 1: 231، دار الكتب الاسلامية.
(5) ترجمة.
(6) مناقب آل أبي طالب 3: 507.
جمع وطرح عضو الجماعة: ياصاحب الزمان. مراجعة وتوضيح:
السيد أمين السعيدي
للتعلیق أو مطالَعة التعلیقات اضغط هنا