صفات الله عين ذاته● السائل:
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته. قال البعض أن منشأ صفات الله الكمالية أو الجمالیة ( الثبتوية ) هو الصفات السلبية و الحلالية.. و قالوا ذلك حتى يحافظون على وحدة الذات .السؤال ما المقصود بوحدة الذات؟ ما علاقة وحدة الذات بـ الصفات السلبية؟ أو بمعنى آخر إذا كان منشأ الصفات الثبتوية هى الصفات السلبية فكيف يكون ذلك محافظ على وحدة الذات على حد قولهم؟
● رد سماحة السّيد أمين السعيدي حفظه الله: بسم الله الرّحمن الرّحيم
وعليكم السّلام ورحمة الله تعالى وبركاته، بالنسبة لوحدة الذّات فيراد بذلك أنَّه تعالى ذاته غير متكثّرة بتكثّر صفاته، فهو عالمٌ في عين كونه قادراً، وهو قادر في عين كونه عالماً، وهو حكيم في عين كونه عالماً قادراً، فذاته واحدة لا تَـتكثَّر ولا تتعدّد بتعدّد صفاته، سواء كانت صفات سلبيّة أم ثبوتيّة، فقولك ليس بظالم صفة سلبيّة، وقولك ليس بجاهل صفة سلبيّة، فما فيه نفي لصفة فهو صفة سلبيّة من صفات الله العليا سبحانه. وفي المقابل قولك: اللهُ عالمٌ، فهذه صفة ثبوتيّة، وحكيم صفة ثبوتيّة، وقادر صفة ثبوتيّة، فهذه الصّفات من حيث اللفظ ليس فيها نفي لشيء، وهي بأجمعها أيضاً صفات عليا لله جل اسمه. لكن تكثُّر هذه الأسماء وهذه الصّفات الإلهيّة لا يعني أنَّ ذات الله عز ذكره ذات متعدّدة ومتكثّرة كما أنَّ صّفاته سبحانة متعدّدة ومتكثّرة، كلا، فصفاته عين ذاته غير خارجة عنه كما سنبيِّن. لهذا جَعل العلماء في أصول الدّين أصل العدل فقط، مع أنَّ الله تعالى له صفات غير العدل، كالعلم والقدرة، وعدم الغفلة، و…، إلا أنّه لمّا كانت صفاته عين ذاته، جعلوا العدل من أصول الدّين لاستبطانه بقيّة الصّفات؛ ذلك لأنَّ الغير قادر لا يستطيع أن يعدل، والغير حكيم لا يستطيع أن يعدل، والغير عالم لا يستطيع أن يعدل، والّذي يغفل وينسى ويجهل أيضاً لا يستطيع أن يعدل.لاحظت كيف؟ فالعدل يستبطن الجميع، وكل هذه الصّفات من أصول الدِّين، أعني العدل والحكمة والقدرة وعدم الغفلة وعدم النّسيان و…، وإن لم يذكرها العلماء في أصول الدِّين حَرفيّاً. لكن لماذا الذّات عين الصّفات الله ؟ ج: ذلك لأنّه تقدّست أسماؤه ذاته مجرَّدة، والمجرَّد لا تركيب فيه ولا تجزيء، وإلا لو كانت ذاته متعددة؛ فهذا يستلزم التّركيب فيها، والتّركيب في الذّات والأجزاء افتقار، وبالتالي هذا يعني افتقاره تعالى لأجزائه، والحال أنه جل وعلا غني مطلق وذاته مجرّدة لا يحتاج لشي، فكل شيء مفتقِر إليه؛ لعلّيّته التّامة جل اسمه وكونه العلّة الأولى وعلّة العِلل، وبتعبير سيّد الموحّدين الإمام علي عليه السّلام: هو أمام كلِّ شيءٍ وليس خلفه شيء، وخلف كل شيء وليس أمامه شيء، وفوق كل شيء وليس تحته شيء، وتحت كل شيء وليس فوقه شيء، هو داخل في الأشياء لا كشيء. ثمَّ إنَّ الفلاسفة ذكروا لوحدة الذّات تفصيلاً موسّعاً نعرض عنه هنا، والزّبدة أنّهم ذكروا أقسام الوحدة (واحد)، وأنَّ المراد من وحدة الذّات الإلهيّة ليس الواحد بالعدد، أي ليست رقم واحد من الأرقام الحسابيّة، واحد وإثنين وثلاثة وأربعة و…، فوحدة الذّات ليس هي ذلك الواحد (الرّقم الأوّل من الأعداد)؛ لأنَّ هذا الرّقم يقبل التّركيب والتّجزئة، بينما وحدة الله غير ذلك، فهي وحدة تتوافق مع كونه عين ذاته، وكونه على حقيقة التّجرّد والإحاطة بكل شيء، كما قال سيّد البلغاء الإمام علي عليه الصّلاة والسّلام أنّه تبارك اسمه ليس واحداً بالعدد؛ أي ليس واحداً بوحدة باب الأعداد. هذه هي الوحدة، والله لا تبلغ كنهه العقول جل جلاله وتعالت أسماؤه. أمّا بالنّسبة لإرجاع الصّفات الثّبوتيّة إلى السّلبيّة للحفاظ على حقيقة وحدة الذّات؛ فذلك بحيث تُرجع صفة عادل إلى غير ظالم، وعالم إلى غير جاهل، وقادر إلى غير ضعيف، وهكذا. وإشكال المستشكِل هو أنَّ إرجاع الصّفات الثّبوتيّة إلى صفات سلبيّة يؤدِّي إلى الحكم على ذات الله بالعدم؛ لأنَّ الصّفات حينها ستكون بأجمعها منفيّة، والنّفي في المقام يؤدِّي إلى العدم. لكن هذا الكلام قد يُرد عليه بالقول: إنَّ هذا لا يستلزم العدم، وإلا لما كانت للصّفات السّلبيّة حقيقة ووجود أيضاً، مع أنّها حقيقةً من الصّفات الإلهيّة الفعليّة. فمثلاً (موجود) إذا أرجعتها إلى لا لا موجود، صارت نفي للنّفي، أو قل نفي للعدم، غير معدوم، وبالتّالي هل هذا يؤدّي للعدم؟ كلا لا يؤدّي للعدم؛ فهو كما ترى نفي للعدم. وعليه؛ فإنّ إرجاع الصّفات إلى غيرها في ظل وحدة الذّات قد يقال بعدم استلزامه للعدم، ممّا دفع بالمُرجع للصّفات الثّبوتيّة إلى السّلبية لأن يقول بهذا الرّجوع. ثمَّ إنّ النّظريّات الفلسفيّة في هذه المسألة تعدّدت منذ زمن أرسطو وما قبله إلى يومنا هذا، فهناك من أرجع الصّفات الثّبوتيّة إلى السّلبيّة، وهناك من فعل العكس؛ حيث أرجع السّلبيّة إلى الثّبوتيّة، وهناك أيضاً من نفى القدرة على التّوصيف وعَطَّل العقل عن إدراك الصّفات الإلهيّة في ظل إيمانه بالله جل جلاله.. نسألكم صالح الدّعاء السيد امين السعيدي |
للتعلیق أو مطالَعة التعلیقات اضغط هنا