سبحانَ الذي أَسرَى بعبدِه ليلاً من المسجدِ الحرامِ إلى المسجدِ الأقصَى
الذي باركنا حولَهُ لِنُترِيَهُ من آياتـِنا إنَّهُ هوَ السميعُ البصير
وهذي سورة الإسراء فينا ببشرى النصر بالإسرا تلالَى
فما أبهاك يا إسراء !! يرقى بنا المعراجُ يهدينا الجمالا
وأبلغ سيدي طه صلاتي وتسليمي وأصحاباً وآلا !!
وتزداد هذه الليلة تألقاً بذكرى المبعث الشريف بنزول الوحي والرسالة على خاتم الأنبياء والمرسلين النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم .. فأجمل وأعطر وأزكى التهاني بهذه الذكرى العطرة ننثرها بأزهى الرياحين ممزوجة بشذى الورود الزكية ،
نُقدمها إلى مقام سيدنا ومولانا ذخرنا وملاذنا وولي أمرنا صاحب العصر والزمان المنتظر الحجة المهدي أرواحنا لمقدمه الفداء.
كما نزفها إلى المراجع العظام والعلماء الأعلام وإلى جميع المسلمين بشكل عام وإلى شيعة أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام بشكل خاص ،، أعاد الله علينا وعليكم هذه المناسبات العبقة باليُمْن والبركة ,, فتهانينا لكم من جماعة أنبياء أولي العزم عليهم الصلاة والسلام
قال الله تعالى في كتابه المجيد: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُْ} [1] . الإسراء والمعراج من مظاهر قدرة الله في تكريم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ففي مثل هذا اليوم – السابع والعشرين من شهر رجب – نلتقي ، من خلال بعض الروايات ، بذكرى الإسراء والمعراج ، كما أننا نلتقي ، حسب روايات الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) ، بذكرى المبعث النبوي الشريف.
الإِسراء والمعراج
بدأ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) رحلته السمائية من بيت «اُمّ هانئ» أُخت الإِمام علي (عليه الصلاة والسلام) [2] إلى بيت المقدس في فلسطين ، والّذي يسمَّى المسجد الأَقصى ، فتَـفَـقَّد بيت لحم مسقط رأس السيّد المسيح (عليه الصلاة والسلام) ومنازل الأَنبياء وآثارهم ، وصلّى عند كلّ محراب ركعتين.
ثمّ بدأ في القسم الثاني من رحلته ؛ المعراج إلى السماوات العُـلى ، فشاهد النجوم والكواكب ، واطّلع على نظام العالم العلوي ، وتحدَّّث مع أرواح الأَنبياء والملائكة ، واطلع على مراكز الرحمة والعذاب ـ الجنّة والنار ـ ورأى درجات أهل الجنّة ، و تعرّف على أسرار الوجود ورموز الطبيعة ، ووقف على سعة الكون وآثار القدرة الإِلهية المطلقة ، ثمّ واصل رحلته حتى بلغ سدرة المنتهى ، فوجدها مسربلة بالعظمة المتناهية والجلال العظيم .
وهنا كان قد انتهى برنامج الرحلة ، فاُمِر بالعودة من حيث أتَى ، فمرّ في طريق عودته ، على بيت المقدس ثانية ، ثمّ توجَّه نحو مكّة ، مارّاً على قافلةٍ تجاريةٍ خاصّة بقريش ، وبعير – جمل – لهم قد ضلّ في البيداء يبحثون عنه ، وكان ذلك الوقت لازال في مكة وقريش تحاربه وأبو سفيان والمضلين معه – فشرب من ماء قافلة قريش ، ثمّ ترجّل عن مركبته السمائية ـ البراق ـ في بيت «اُمّ هانئ» ، قبل طلوع الفجر .
فأخبر «اُمّ هانئ» بما حدث ، كما كشف عنه في أندية قريش صباح نفس تلك الليلة ، إلاّ أنّ قريشاً كعادتها كذّبته وأنكرته ، على أساس عدم استطاعة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) القيام بذلك العمل الشاق والطويل في ليلة واحدة ، فضلاً عن أنه عمل خارق للعادة ، فطلبوا منه أن يصف بيت المقدس كونه لم يذهب له في حياته أبداً ، فإذا لم يعرف أوصافه كشفوا عن كذبه وعن صدقهم وأبطلوا دعوته ، فوصفه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وصفاً شاملاً، مع ما شاهده في الطريق ، وخاصة عير – بعير – قريش وقافلتهم التي هي قادمة في مسيرها إلى مكّة ، والتي أَكَّد لهم بأنّها الآن في موقع التنعيم ، وهذا إخبار بالغيب ، حيث أخبرهم عن أمر البعير قبل أن تصل القافلة وعن مكان تواجد القافلة الآن فلم تمض لحظات حتى طلعت عليهم العير ، فحدّثهم أبو سفيان بكلّما أخبرهم به الرسول من ضَياع بعيرهم في الطريق والبحث عنه قبل أن يخبروا أبا سفيان عنما قاله لهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) [3] .
وقد اختلفت الأقوال عن وقت حدوث الإِسراء والمعراج ، فادّعى «ابن هشام و ابن إسحاق» – وهما من كبار المؤرخين الإسلاميين – أنّه وقع في السنة العاشرة من البعثة الشريفة ، وذهب الموَرّخ «البيهقي» إلى أنّ واقعة الإسراء والمعراج حدثت في السنة الثانية عشرة من البعثة ، بينما قال آخرون أن ذلك وقع في أوائل البعثة ، في حين أنّ فريقاً رابعاً أكد وقوعه في أواسطها ؛ وربما يقال في الجمع بين هذه الأَقوال أنّه كان لرسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) معارج متعدّدة.
وفي ظل أنه كانت للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) معارج متعددة، هناك اعتقاد بأنّ خصوص المعراج الذي فـُـرِضَتْ فيه الصلاة وقَعَ بعد وفاة أبي طالب (عليه الصلاة والسلام) في السنة العاشرة من البعثة. والذين تصوّروا أنّ المعراج وقع قبل هذه السنة مخطئون ؛ لأنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان محصوراً في شِـعب أبي طالب (عليه الصلاة والسلام) منذ عام 8 وحتى عام 10 ، فلم يكن المسلمون مستعدّين لوضع التكاليف عليهم.
و أمّا سنوات ما قبل الحصار ، فبالإضافة إلى ضغوط قريش على المسلمين ، والتي كانت مانعاً من فرض الصلاة عليهم ، فإنّ المسلمين أيضاً كانوا آنذاك قلّة ، ولم يكن نور الإِيمان وأُصول الإِسلام قد ترسخت بذلك الحين في قلوب ذلك العدد القليل ؛ ولذا يُـستبعد أن يكونوا قد كلّفوا بأمرٍ زائدٍ مثل الصلاة في مثل تلك الظروف.
أمّا ما ورد في بعض الاَخبار والروايات ، بأنّ الإِمام عليّاً (عليه الصلاة والسلام) صلّى مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل البعثة بثلاث سنوات ، فليس المراد منها الصلاة المكتوبة، بل كانت عبارة عن عبادة خاصة غير محدَّدة ، أو كان المراد منها الصلوات المندوبة والعبادات غير الواجبة [4] أو الصلاة المفروضة عليهما بحكم خصوصيتهما عند الله تبارك وتعالى .
قال الإمام موسى الكاظم (عليه الصلاة والسلام) – الذي فُجعَت قلوبنا بذكرى استشهاده المهيب في المناسبة السابقة – في ذلك: «إنّ اللّه لا يوصَف بمكان ولا يَـجري عليه زمان ، ولكنّه عزّ وجلّ أرادَ أن يشرِّف به – بالنبي – ملائكته وسكان سماواته ، ويكرمهم بمشاهدته ، ويريه من عجائب عظمته ما يخبـــِــر به بعد هبوطه ، وليس ذلك على ما يقوله المشبِّهون ، سبحان اللّه تعالى عمّا يصفون» [5] .
توثَّـقَـتِ الصلةُ بين الأرض والسماء
بمعراج النبي إلى سدرة المنتهَى
متباركيـــــن جميعاً ..
إلهي بعروج رسولك إلى سمائك عرِّج بقلوبنا إلى ساحة دعائك ولطفك وغفرانك ورحمتك ..
أسعد الله أيامكم ..
السيد امين السعيدي
للتعلیق أو مطالَعة التعلیقات اضغط هنا