عمل الرضا(ع)في مسجد النبي(ص)وموقف المأمون منه
●سماحة السيد أمين السعيدي حفظه الله:
كان الإمام الرّضا عليه الصّلاة والسّلام يمارس مهامّ إمامته في المدينة، قبل إجباره على الانتقال إلى طوس، ضمن “عملين رئيسيّين”، هما اللّذان أثّرا -بصورةٍ أبرز- في الحكومة العبّاسيّة، ودفعاها للتّخوّف من ذلك، وهما:
الأوّل: أنّه عليه الصّلاة والسّلام كان يجلس في مسجد جده رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم و يروّج علم أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم، بالخصوص تركيزه على أن يَنشر فضائل أمير المؤمنين علي عليه الصّلاة والسّلام، ويبيّن معالم الدّين الصّحيحة من خلال القرآن الكريم.
الثّاني: إمامة النّاس للعبادة والصّلاة وتطبيق الشّعائر الدّينيّة عمليّاً.
طبعاً الجهاز الحاكم العبّاسي كان مفتقراً لهذه القدرات وهذه المواهب، حيث لم يكن يتقن تلك العلوم الإلهيّة العظيمة من جهة، كما لم تكن لديه أمجاد كتلك الّتي كانت لعليٍّ “بخطبه وحكومته العادل”، والحسن “بصفاته العالية وشجاعته وحنكته وحكمه الفطين”، والحسين “بثورته الإعجازيّة الخالدة”، والسّجّاد “بخصاله وصحيفته السّجّاديّة المبهرة”، والباقر والصّادق “بمدرستيهما الفقهيّة المتماسكة المشتهرة وأتباعهما من العلماء والفقهاء والمتكلّمين وغيرهم”، والكاظم “سجين العبّاسيّين لمدّة عشرين عاماً وقتيل هارون العبّاسي -قطب العبّاسيّين- في فعله الفاضح”.
فالجهاز الحاكم كان يجد في الرّضا عليه الصّلاة والسّلام وهو على منبر جدّه ندّاً خطيراً يجب تقييد حركته، أو تسييرها بشكل يصب في مسيرتهم ومصالحهم.
لهذا عمل المأمون العبّاسي -ابن هارون- في زمن سلطته على حمله لطوس وإجباره بالعيش فيها، بهدف تغريبه وتقليص نشاطه بتقلّص تابعيه وعارفيه، وفي نفس الوقت تسليمه “ولاية العهد” لإسكات الهاشميّين وأتباعه في الحجاز وغيرها، رغم أنّ المأمون كان شابّاً صغير السّن، والرّضا عليه الصّلاة والسّلام كان آنها رجلاً كبير العمر، بما يعطي مؤشّراً واضحاً على أنّ ولاية العهد ليست إلا مكيدة وحيلة لتقييد نشاط الإمام عليه الصّلاة والسّلام، فالرّجل الكبير -وفق سنّة الحياة- يموت قبل الرّجل الصّغير، وبالتّالي “ولي الحاكم” لن يصبح حاكماً، وسيظل محكوماً طوال حياته تحت جناح الحاكم، هذا إن لم يتخلّص منه بالقتل.
إلا أنّه رغم كل ذلك انتهت محاولات المأمون وعمّال سلطة إلى الفشل، لا سيّما حينما وجد المأمون أنّ شعبيّة الرّضا عليه الصّلاة والسّلام لا تحدّها حدود، وأنّ أتباعه في فارس أكثر من أتباعه في الحجاز.
نسألكم الدّعاء وعظم الله أجورنا وأجوركم بمصاب ضامن الجنان عليه الصّلاة والسّلام
السید امین السعیدی
قم المقدّسة-صفر1433هـ ق
للتعلیق أو مطالَعة التعلیقات اضغط هنا