الإجماع ودخول الامام المعصوم فيه● السائل: في الإجماع الدخولي يقولون إن الإمام المعصوم عليه السلام يكون داخلا مع العلماء ولو بعنوان مجهول النسب …فكيف نستكشف ذلك؟نرجو التوضيح.
● رد سماحة السّيد أمين السعيدي حفظه الله:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، جزاكم الله ثواب الصالحين وبارك لكم بمولد سيدة نساء العالمين، عليها أفضل الصلاة وأتم التسليم، ورزقنا الله وإياكم ألطافها في الدنيا وشفاعتها في القبر والآخرة. بالنسبة للإجماع الدخولي الذي يكون المعصوم عليه الصلاة والسلام داخلاً فيه فتفاصيله محل أخذ ورد بين العلماء، ومختصر الكلام فيه أنه تارة ننظر له في زمن ظهور المعصومين عليهم الصلاة والسلام، وأخرى ننظر له في زمن غَيبة المعصومين المتمثلة بالإمام الحجة ابن الحسن المهدي صلوات الله وسلامه عليه. أما بالنسبة لزمن الظهور فالإمام يكون أحد أفراد الإجماع، ولا يكون مجهولاً فيه، فرأيه يكون مستكشفَاً ولو بسكوته تجاه المسألة المعيَّنة حسب ظرفها. وأما بالنسبة لزمن الغيبة فقد اختَلف العلماء في ذلك ما قبل زمن السيد المرتضى عليه الرحمة وبعده، ومن الواضح أن الإجماع الدخولي في فترة الغَيبة -على القول به- يتحقق فيه دخول الإمام المعصوم ولو بصورة شخص مجهول النسب كما عبرتهم، واستكشاف ذلك يكون وفق ما اتَفق عليه المسلمون من خلال المدرك والأحاديث النبوية في أن الأمة لا تجمع على الخطأ. أما كيف يدخل الإمام المعصوم في الإجماع رغم غَيبته؟ ج: فإنه في زمن الغيبة يتدخل الإمام المعصوم بزَلزلة الإجماع الخاطئ بطريقةٍ ما، ولو بالمجيء لبعض العلماء من ذوي الثقل الكبير، ومن ثم توهيمهم في المسألة وإيصالهم للصواب فيها؛ ليقع منهم الخلاف؛ فيَتزلزل الإجماع ولا يَنعقِد، وهذا ما اصطلحوا عليه بـ(بقاعة اللطف). وهذه القاعدة تعني عندهم أنه من لطف الله تعالى على العباد أن يوجِد الدواعي والعلل المانعة من انعقاد إجماع غير مصيب للحكم الإلهي الواقعي، فيُخلخِل ويمنع انعقاد ذلك في زمن الغيبة الكبرى بدخول الإمام عجل الله فرجه كطرف في الإجماع بصورة المخالِف المؤثــِّـر، أو بالتأثير على عالم أو أكثر لتقع منهم المخالفة لذلك ومن ثم عدم تحققه. إلا أن القاعدة -قاعدة اللطف- غير متفَق عليها بين العلماء في زمن الغَيبة، والاختلاف بينهم فيها كبير؛ أما السبب في ذلك فما يلي: من المعلوم أن استنباط الأحكام الشرعية يكون وفق المدارك المقرَّرة للاستنباط الموجودة في متناول كافة العلماء، كالآيات والروايات والسِّـيرة والإجماع وما شاكل، والحال أن خبر الإمام المعصوم الغائب الذي يَخــْـتَص به فرداً ما دون إطلاع العلماء الباقين عليه ودون جعله واضحاً بين أيديهم، لا يُعتبَر من المدارك المقرَّرة للاستنباط؛ لكونه ليس دليلاً بَـيــِّـناً واضحاً في متناول الجميع، فتدخل الإمام وبيانه لشيءٍ ما لفردٍ من العلماء لا يَجعل من ذلك التدخل والبيان دليلاً عاماً للاستنباط ومراجعة العلماء. وبالتالي؛ يكون تدخل الإمام حجة على ذلك العالم وحده فيما إذا اقترن بقرائن يقينية تدلّه على أن المخــْـبـــِــر له هو نفس الإمام أرواحنا فداه، ففي هذه الحالة يكون ذلك التدخل والبيان حجة عليه وحده لا على غيره، وإلا لو كان حجة على غيره أيضاً -والحال أنه ظني بالنسبة لغيره لا دليل على حجيّته- للَزم أن يَحصل هرج ومرج في الدين، بحيث يأتي كل شخص ويدعي أنه شاهَدَ الإمام عجّل الله فرجه الشريف وأخبَره بشيء معيَّن، فهذا يفتي وذاك يفتي ولا مدرك في متناول الجميع لتلك الفتاوى للتم مراجعته ومطالعته وتقييم تلك الفتاوى من صوابها وخطئها! وهذا كما ترى يَشمل الغَيبة الصغرى -التي فيها سفراء معيَّنين للإمام- والغَيبة الكبرى معاً لا الغيبة الكبرى فقط؛ وبالنسبة للغَيبة الصغرى فقط يَخرج خبر السفراء الأربعة فيما إذا استَـند لبيان وتوقيع يقيني منه صلوات الله وسلامه عليه يصلنا من طريق السفراء أنفسهم؛ أما ما قد يصل من غير هؤلاء السفراء بدعوى أنه من الإمام فيَـتم رفضه، ويكون حُجــَّـة على صاحبه فحسب، بل قد يكون أقرب للكذب؛ ذلك لأن السفراء أولى به، وهم أبواب الإمام في تلك الفترة -أعني في الغيبة الصغرى- والطريق لتحصيل الأحكام منه، لا غيرهم من الحاضرين في تلك المدة الزمنية. ثم إنه في المقابــِـل قد يَـزعم البعض لإثبات (قاعدة اللطف) بأن التدخل المراد والحاصل من الإمام بلطف من الله تعالى كي لا ينعقد الإجماع الخاطئ، هو ذلك التدخل الذي لا يعني إحداث دليل ومدرك آخر لاستنباط الحكم الشرعي، وإنما مجرد ذلك التدخل الذي من شأنه أن يوجــِـد خلافاً وإرباكاً بين العلماء في المسألة الشرعية المعيَّنة، ومن ثم عدم تحقّق إجماع منهم على حكمها الخاطئ؛ وهذا التدخل بهذه الكيفية لا مشكلة فيه ولا محذور يَرد عليه. إلا أن هذا الكلام يمكن رده أيضاً؛ وذلك بالقول بأن مخالفة العالِم الفلاني بعد تدخل الإمام في زمن الغَيبة بشكل يَجعله يخالف العلماء ومن ثم لا ينعقد الإجماع الخاطئ، فهذه المخالفة الواقع من هذا العالم أيضاً يجب أن تقوم على ضوابط تتناسب مع ما هو موجود بين أيدينا من الأدلة، لا وفق أمور لا يَعلمها الآخرون من العلماء، وإلا عـُـدَّ ذلك العالم جاهلاً لديهم بأسس الاستنباط، وبكيفية استخراج الأحكام الشرعية وفق الضوابط المقرَّرة في مجال تحصيل الحكم الشرعي، والحال أن الإجماع عند انعقاده يصعب ثلمه وتمزيقه وفك انعقاده بسهولة حال عدم قيام ما من شأنه أن يثلمه ويخلخله من البراهين المعتبَرة علمياً. نسألكم الدعاء السيد أمين السعيدي 20جمادى2 / 1433هـ
|
للتعلیق أو مطالَعة التعلیقات اضغط هنا