هل يجوز للبائع أن يبيع بقيمة متفاوتة أم يجب توحيدها؟
س/ السلام عليكم سيدنا هل يجوز لصاحب السلعة أن يبيع زيدا بسعر وعمرا بسعر آخر او يجب توحيد السعر؟
ج/ عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، بحد ذاته يجوز في الأحوال التي تكون فيها قيمة البيع مفسوحة للبائع من حيث الزيادة أو البيع بالأقل شريطة أن لا يستلزم ذلك التعارض مع أمر آخر معتد به شرعاً كما سيأتي؛ ففي هذه الحال البيع والشراء يكون بالتوافق والتراضي.
أما لو مثلاً استلزم ذلك الإضرار بأحوال الناس والضعفاء والسوق القائمة؛ كأن احتكر المالك السلعة ذات الكمية الكبيرة التي من شأنها التأثير على الوضع العام بشكل كلي أو إجمالي؛ فهنا لا يجوز البيع من حيث الزيادة في القيمة، ويعد حراماً في شرعنا الحنيف رعاية للمصالح العامة وسلامة القيمة السوقية وثبات السوق وقيامه، بل رعاية حتى لنفس البائع بالنظر للأحوال المستقبلية التي ستنعكس على الوضع العام الذي هو أحد المستفيدين منه.
وكذا في القيمة الأقل؛ فلو مثلاً كان مسبََّب ذلك هو كساد السوق؛ كأن كان المالك لديه من المَبيع كميات كبيرة مؤثرة بالصورة المضرة للسوق؛ فإنه لا يجوز ذلك.
وكذا ما لو استلزم التغاير في القيمة خلاف القانون المقنَّن من الدولة العادلة ولو بعدالتها بمقدار المجال الاقتصادي في تسيير الشؤون العامة فحسب؛ فإنّ هذه المخالفة غير جائزة، ويجب حفظ مقام القانون باحترامه والالتزام به.
وعليه؛ لو كان المالك قد أقدم مثلاً على بيع سيارته الواحدة الجديدة؛ فإنه –هو أو الوكيل بإذنه- يقدر على بيعها بالأعلى وبالأدنى. كما أن خصوصيات الشيء لها حَظٌّ مِن الرعاية عند العقلاء، حتى لو كانت من نوع الخصوصيات المعنوية؛ كخاتم الوالد أو كتاب العالِم أو مخطوطة، وكأن يكون البائع مثلاً رجلاً من المجلَّلِين ويُرجى مما في يده البركة الزائدة عما من يد غيره، أو كانَ البائع أخبر في تقديم العلاج المعيََّن فاستحق التمايز بالمقدار المعقول، أو تَضاعف الأداء والمجهود، أو مَوقع البيع بغض النظر عن قيمة الإجارة، أو وجود الخصوصية في مُوَقِّع عقْدِها، وهكذا فقِسْ، سواء كانت الخصوصية معتبَرة عرفاً لدى نفس البائع أو المشتري؛ فمثلاً الجلالة قد تكون في نظر شخص دون آخر، فإنّ الزيادة إنما هي لِـما بإزائها من الزيادة العارضة بالخصوصية الزائدة. ومِثْله الجودة؛ فإنها خصوصية في ذات الشيء وأصله؛ فإذا كان الشيء بجودته الأولية بسعر فإنّه لا مانع من تغاير قيمة نفْسه بجودته اللاحقة مع كونه في كل من الحالتين جديداً.
هذا؛ وهنالك أحوال هي بطبيعة الحال مَبنيّة في أصلها على التغاير الدائم في القيمة؛ من قبيل الحراج والمزاد؛ فإنه متغير لا ثبات فيه من أصله حتى مع وحدة الصِّنف والسلعة؛ فهو جائز للتباني عليه من مجموع التجار والمشترين ..
وكذا الأمر بالنسبة للمستعمَلات؛ فإنّها مبنية على التفاوت؛ فقد يُباع الشيء المستعمَل بقيمة بسيطة جداً وقد بقيمته النصف وقد حتى بقيمته الأصلية حسب الرغبة والتراضي دون تدليس عن كونه مستعمَلاً.
وهكذا الحال في الأسواق المفتوحة القائمة في أصلها ومتعارَفِها على التفاوت؛ فإن المالك حر فيما يَملكه؛ إن أراد باع بزيادة وإن أراد باع بالنقيضة. ومِثله المواسم؛ فإنّ بداية موسم ثمار نبات الفقع والرُّطَب والنعناع والتوت .. تتفاوت عن وسط الموسم، وكلام السائل حول التفاوت في نفس الموسم؛ فإنّ التفاوت الوقت الخاص –كالوقت الأول- من الموسم إذا لم يكن منضبطاً وكان متعارفاً؛ فلا مشكلة فيه.
ونفس الأمر في التجارات المتفرقة والسلع البسيطة؛ فإنّ قيمتها تتحدَّد بالتراضي، ويتعلَّق بهذا أيضاً قيمة الإيجار؛ فإنها دخيل يفسح المجال للتغاير في القيمة مع لحاظ شريطة أن لا يحصل في الزيادة ارتفاع يستوجِب خيار الغَبن؛ فإنّه لو تَجاوز البائع القيمة السوقية بالتفاوت الفاحش الغير مغتفَر؛ فإنّ للمشتري حق أخذِ ما به التفاوت فإنْ امتنع البائع حقَّ للمشتري فسْخ الشراء. أما لو كان التفاوت بسيطاً متعارفاً؛ فإنه لا يحق له الخيار والمطالَبة؛ إذ لا غبن أصلاً، وكذا..
وهناك أحوال يحق للمشتري الخيار حتى في أقل القليل؛ وذلك من قبيل السلع المقيََّمة في نفسها المذكور بها قيمتها؛ تماماً كما هو معمول الآن في الغذائيات لدى بعض الدول والمراكز المعتمِدة لنظام التسعيرة الموحَّدة؛ فإنه لو زاد البائع في القيمة عن المذكور في المنتَج؛ فللمشتري حق ما به التفاوت؛ ويكون هنا إما بحق الغَبن -إن صَدَق في الموْرِد- فيسترجع الزائد وإلا فالفسخ، أو بحق اللَّغَط أو الخطأ في الحساب فيسترجِع الباقي بعنوان السرقة أو الاشتباه، وفي جواز الفسخ حال عدم القَبول بإرجاع الباقي بهذا العنوان كلامٌ؛ أي فيما لو لم يكن غبناً.
وهناك قاعدة حاكمة على كل هذا؛ وهي ما لو كان المشتري على علم بالقيمة السوقية ومع ذلك اشتراه بالزيادة أو لو عرف المشتري بالزيادة فلم يراجع البايع؛ فإنه يكون رضاً منه. وهناك تفاصيل أخرى حول فسحة الخيار وكون استرداد الزائد بعد مدة من العلم به حقٌ أم لا وكون التصرف بالسلعة بعد شرائها مانعة عن الفسخ وكون البيع بالأقل حال استلزام مانع يمضي المعاملة وإن كانت أولياً غير جائزة .. وغير ذلك مما هو مترتب على ما بعد إجراء المعاملة، وهو فعلاً خارج عن السؤال المذكور؛ فلا نطيل.
وبالجملة؛ فإنّ التفاوت في القيمة جائزٌ في حد أصله بالتراضي العام ما لم يستلزم التعارض مع أمر آخر معتبَر؛ كمخالَفة ضوابط القانون السوقي العادل ومصالح الآخرين، وجائزٌ في حد نفسه بالتراضي الشخصي ولو استلزم التعارض مع أمر آخر داخل في الحق الخاص مادام وقع من المشتري المكلَّف الملتفت تام الشرائط؛ فلو طلب المشتري من البائع سلعةً ما بأضعاف أضعاف قيمتها لرغبة منه فيها بكامل إرادته وعِلْمِه بأن قيمتها أدنى من ذلك بكثير بغرض تحفيز التاجر على توفيرها له أو تكريمه أو احترام منه للشيء نفسه .. دون غرضٍ ممنوع -كعكس ذلك على قيمة السوق ..- ؛ جازَتِ المعاملة وصحّت؛ لأنّ الناس مسلَّطون على أموالهم يفعلون بها ما شاؤوا مما هو بذاته محلَّلٌ مباح. ونفس الحال في العروض والتخفيضات، أو مراعاة القريب براً بالنسب والرحم والقرابة، وإسداء المعروف لفاعله رداً وإحساناً، والتخفيض لصديق أو جار أو حبيب أو عالِم أو حَسن الخُلق أو من يشتري كثيراً أو اليتيم أو الفقير أو استمالة المنحرِف من خلال ذلك للصلاح والخير ..؛ فكل ذلك جائز، وعكْسُه كما لو زاد مثلاً على الغني لأنه غني استغلالاً لقدرته المالية؛ فإنّه داخلٌ في عنوان الغَبن؛ فلا يجوز.
أسألكم الدعاء
أمين السعيدي-قم
٢٠جمادى الأول١٤٣٧هـ
للتعلیق أو مطالَعة التعلیقات اضغط هنا