أرجع للقلب المظلم فيفوت الالتذاذ فكيف أسافر؟
سؤال وجواب مع سيد أمين السعيدي.
● السائل:-
السلام عليكم يا أستاذنا العزيز .. لدي سؤال وأطلب من سماحتكم الإجابة إن أتاح لكم الوقت… أعيش أيام وأوقات بروحانية جميلة أستلذ بها في السير إلى الله عز وجل ولكن للأسف تذهب عني ويا لها من خسارة ويحل بي الحزن والهم بل أرتكب ذنوباً … ثم أتوب إلى مالك القلوب ويعود ذلك القلب الجميل النير ثم أرجع إلى ذلك القلب المظلم وهكذا … والسؤال: كيف أستمر في السير إلى الله عز وجل ؟
◀ جواب سماحة السيد أمين السعيدي حفظه الله:
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
مساء الخير وتقبل الله أعمالكم
العفو مولاي العزيز بل أنتم أساتذتي ومنكم أتعلم، ولست إلا خادماً لجنابكم يـَروم الغفران والعفو، والأجر والثواب.
من الجميل عزيزي أن يجد الإنسان في نفسه الجرأة على الاعتراف بالذنب، بغاية التكامل والترقي التي هي هدف وجوده وحقيقة الامتحان الذي نمر به جميعاً في هذا العالم المليء بالأدران النفسانية الأهوائية والـمَصائد الشيطانية والأشواك على طريق السير والسلوك.
إنّ مَن يفهم هذه الحقيقة كثيرون، بل الأغلب، بل ربما كل من منحه الله العقل، لكن المذعِن لها العامل بها المحترِز عن الفشل والخسران عِدادهم قليل وزادهم عليل.
وما أُبـَرِئُ نفسي، إنّ النفس أمارة، وإنّ الإنسان مجبولٌ على النقص والخطيئة.
جميلٌ أن يعيش الإنسانُ بين (الرهبةِ والرغبة).
كان الإمام الرضا عليه الصلاة والسلام يوماً جالساً بين جماعةٍ واسعة من المؤمنين، وكان يحدثهم ويعِظهم، فإذا برجلٍ يبكي بألمٍ وحرقة؛ فأصغى لبكائه صلوات الله وسلامه عليه وأصغى الناس.
وبعد بكاءٍ مَلِيٍّ قال الرجل بما مضمونه بألمٍ وخشوع: إني كلما أقبلت على ربي أتقرب إليه بالحب والخشية والرغبة لا أجد اللذة، إني أخاف أن يكون قد غَضِبَ علي؛ فلا يذيقني طعم الراحة في إقبالي عليه ورغبتي في قربه.
فقال له عليه الصلاة والسلام: هنيئاً لك؛ إنّ هذا حال المؤمنين وشعور الأولياء المقرَّبين.
أخي العزيز! ذكَّرَني الله وإياك، إنّ ما عرضتَه من الشعور لديك له حالات في واقع السلوك، ولَعَلّي أصيب أحدها في هذا الكلام القاصر؛ أحد تلك الحالات هذه التي ذكرتُها.
وأذكر لك حالةً أخرى نقيضة لها نوعياً؛ وهي أنّ النفس قد تُقْبِل على الأَحَدي سبحانه، لكنها تُقْبِل من باب الخطرات العابرة، وتَعاضد الهموم المتكاثرة، فلا يكون إقبالها بالحب النابع مِن أُفق الشعور بالرغبة في الحبيب بما هو هو بغض النظر عن المصالح الشخصية عدا مصلحة الروح في تحقيق الاقتران بالحبيب والشوق المستميت إليه.
وهذا لا يعني أن الإقبال على الواحد الأَحَدي سبحانه بداعي الهم والغم والألم والضيق والوحدة أمرٌ سلبي وغير مقبول، كلا؛ فهو حالةٌ جيدة ومقبولة، بل مطلوبة، وربما كانت مقدِّمة لعلاقة أشد ألفة وقوة ومتانة وصلابة.
لكن هذه الحالة من الطبيعي أن تَكون آنيّة؛ بمجرد زوال الهم والألم والوحدة وبمجرد زوال خطور الإقبال اللَّحظي؛ يعود صاحبها إلى أدراج البُعد، وإن كان قد تَذوَّق اللذائذ في حالته القُربية تلك.
ولتستمر العلاقة وتشتد، وتستديم اللذائذ: يجب أن تكون العلاقة الحُبّية مع الذات القدسية علاقةً خالصة من جميع الجهات، وأن يعرف المتقرب لهذه الذات العظمى -اللامتناهية في صفاتها الحُسنى- مَن هي ومَن تكون وما هي أفضالها على المحب المتقرِّب؛ فالإنسان كلما عرف قدر ودرجة الإحسان التي يتلقاها من جهةٍ ما؛ كلما اشتدت عبوديته تجاه تلك الجهة المُحْسِنة، وكلما شعر بالشوق إليها أكثر فأكثر؛ فَلَطالما استَعبَدَ الإنسانَ إحسانُ.
أما ترى أيها الحبيب أن عظيم إحسان الوالدين جَوَّزَ في الشريعة السجود لهما؟
فكيف إذا كانت تلك الجهة محسنة ومُغِضّة لطَرْفها عن تقصيرات من أَحسنَتْ إليه، وفيوضاتها عليه مستديمة ولا حد لها ولا حصر، وشخصيتها كاملة ومتوازنة وعالمة وحكيمة ولا محدودة، وجمالها يفوق كل جمال، ولها من الوفاء والبِر بمن يعتدي عليها ما يُجْهِشُ القلوب بالخجل والبكاء؟
إذا تأملنا في الذات الإلهية بصدق وبصيرة وعمق وإنصاف؛ فلن نجد في أنفسنا إلا فاعلية (فطرية الانجذاب)، باستمرارٍ دون اقطاع.
يجب أيها العزيز أن لا نتعامل في العلاقة مع الذات المقدسة على أنها إلهٌ وبلحاظ الربوبية فقط، كلا؛ فهذه مشكلة كبيرة، يجب أن نعالجها في أنفسنا، فمن أكبر مشكلات الإنسان هو أنه يتعامل مع الذات القدسية بعنوان الألوهية والربوبية فحسب، والحال أن اللازم المطلوب هو أن يتعامل معها -بالإضافة إلى ذلك- على أنها صديق يَخجل من كثرة عطائه تجاهه وتَكاثُرِ صفحِه وتَجاوزِه عن إيذائه وقلة وفائه وتقصيراته الكبيرة الصادرة منه نحوه.
لذا؛ قال أكابر المعرفة عليهم الصلاة والسلام:
(لا تَجعل اللهَ أَهوَن الناظرِين إليك).
علماً أن الارتباط بالجهة المقدَّسة له ألوانٌ ومصاديق متعددة بعدد أنفاس الخلائق، وغير محصورة بالسجادة والصلاة والدعاء، فالصلاة والدعاء، والسجود خصوصاً، كل ذلك من أجلى المصاديق الارتباطية، لا أنها كل المصاديق؛ بل ورد أن التعلم والتفكر أعظم العبادة.
أرجو أن ينفعك هذا الزاد القليل وأن يغفر الله لي ويقبل منك أعمالك الطيبة
رفع الله شأنك ولَقّاك نَضْرةً وسرورا.
وإن كان لديك فيما قلتُ ما تفدني به فامنُنْ به علَي.
نسألكم الدعاء
للتعلیق أو مطالَعة التعلیقات اضغط هنا