للقلوب الفطرية «المرض العضوي والمرض المعنوي بين قلب الطبيب وقلب القاتل»
إنا لله وإنا إليه راجعون
مما يَحار فيه التصور والكلام ولا يفي به التفسير والبيان!
أقصى مراحل موت القلوب!
البارحة كنت أنظر إلى برنامج حول أمراض القلب العضوية (لا المعنوية)، وكيف يعالجها أطباء القلب؛ ونظراً لتفاعل القلب مع ما يَرى في قلوب الآخرين شعرت أنني لا أستطيع مشاهدة ذلك؛ شعرت بألم في قلبي وكأنّ كل مرض قلبيٍّ يذكرونه يصيبني لحظة ذكرهم له.
كنت أقول في نفسي: كيف يحتمل هؤلاء الأطباء التعامل مع قلب الإنسان وأمراضه العضوية هذه! لو كنت في مكانهم لربما مرضتُ ببعض تلك الأمراض. إنهم مجاهدون في سبيل الله بعملهم الإنساني العظيم هذا.
كنت أتساءل: كيف استطاعوا التعود على التعامل مع هذه المهنة المؤلمة! وهل لو كنت مكانهم سأستطيع التعود على ذلك مثلهم؟
ربما لا أظن ذلك. جزاهم الله خيراً على عملهم وتصديهم الإنساني هذا.
ثم عندما رأيت منظراً لصورة بشعة تُصَوِّر (أمراض القلب المعنوية) يُقطع فيها رأس إنسان من مجموعة قَتَلة مجرمين فقط لأنه لا ينتمي إليهم؛ تذكرت ذلك البرنامج، وانقدح في ذهني ذلك الشعور الذي اعترى نفسي حينذاك؛ فلم أجد بين هذا المعنى وذاك أي مقارَبة ومُقايَسة غير أن أتساءل: كيف تستطيع قلوب هؤلاء أن تقطع رأس إنسانٍ بريءٍ بسكينٍ هكذا؟!
إلى أي حدٍ ماتت قلوب هؤلاء، وكم هم مصيبة على قلب إمام الزمان أرواحنا فداه وعلى قلب القرآن والإسلام وقلب النبي صلى الله عليه وآله ..!
هكذا إذا كثرت ذنوب الإنسان، فتراكمت واتسعت (نكتة القلب السوداء)، فطَغت على فِطْريّته؛ أصابه (رَيْن القلوب) و(زَيْغ القلوب)، بحيث يصير يرى {أنّ مَن قَتلَ نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قَتلَ الناسَ جميعاً ومَن أحياها فكأنما أحيا الناسَ جميعاً} يرى هذه الآية: أنّ مَن قَتلَ نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض أحيا الناسَ جميعاً ومَن أحياها قَتلَ الناسَ جميعاً!
ويرى (حرمة المؤمن أعظم عند الله من الكعبة) يرى هذا الحديث: حرمة المؤمن أحقر من حرمة أحقر ما يَكون!
ويرى (قلب -المؤمن- حرم الله): قلب المؤمن حرم الشيطان. أو بالأصح: يراه حرم الله ولكن شيطان نفسه يتلذذ بتدنيس وتخريب وهتك حرم الله تعالى طغياناً وغروراً وعَماءا.
ويرى (المسْلم للمسْلم كالجسد الواحد ..): المسلم للمسلم بلاءٌ فاتِكٌ هاتِكٌ قاتِل!
إنّ هذه الحالات لها (نماذج صغرى) و(نماذج كبرى)، ومن نماذجها الصغرى ما نسمع به وما نراه بيننا من البعض هنا وهناك، ومن نماذجها الكبرى ما في الصورة وأمثالها؛ وكِلاهما عند الله تعالى سيّان في الحقيقة والمعنى.
{ولَقَدْ جاءتهُمْ رُسُلُنا بالبيِّناتِ ثُمَّ إنَّ كَثيراً مِّنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ في الأرضِ لَمُسْرِفُون}!
اللهم انتصر لقلوب عبادك المؤمنين، واكشف هذه الغُمة عن هذه الأمة عاجلاً يا جبار السماوات والأرضين يا ذا الجلال والإكرام.
أمين السعيدي
٤ رجب ١٤٣٥هـ
للتعلیق أو مطالَعة التعلیقات اضغط هنا