«لو لا فاطمة لما خُلِقتما» قراءة في السبب
بقلم الفاضل: 【أبو عبد الله】
مراجعة سماحة السيد أمين السعيدي
من الأحاديث المأثورة التي رواها جابر بن عبد الله الأنصاري عن رسول الله صلى الله عليه وآله عن الله سبحانه وتعالى: (يا أحمد لولاك لما خلقت الأفلاك، ولو لا علي لما خلقتك، ولو لا فاطمة لما خلقتكما).
قبل بيان القسم الثالث من هذا الحديث القدسي والذي هو مورد كلامنا عنها عليها السلام بمناسبة مولدها، نبين القسم الأول والثاني ثم الثالث.
إن الهدف من خلق الأفلاك هو وصول الإنسان إلى السعادة الكمالية المعنوية الرفيعة، وحيث أن السعادة الكمالية إذا نظرنا لها في حدود الإنسان الواحد نجدها غير محسوسة بالحواس الظاهرة، أي أنها حقيقية ولكنها غير ظاهرة بهذه الحيثية، ولأن الإنسان محدود وقاصر في المعرفة، لذا يحتاج لقوة عليمة تدرك كامل احتياجاته وتبصر بباطنه وتوفر له احتياجاته المعرفية وترفعه إلى القمم العالية.
ولأن هذه السعادة الحقيقية لا يمكن للإنسان الوصول إليها إلا بواسطة الوحي المحيط بعلم كل شيء، وهو القرآن الكريم والمعصوم.
ولأن القرآن لا يتلقاه ولا يبلغه إلا المعصوم، لذا كان المعصوم النبوي في القسم الأول من الحديث القدسي، فهو المحقق للغرض من خلق الأفلاك، فقد جاء في حديث الكساء: (إِنّي ما خَلَقتُ سَماءً مَبنَّيةً وَلا أرضاً مَدحيَّةً وَلا قَمَراً مُنيراً وَلا شَمساً مُضيِئةً وَلا فَلَكاً يَدُورُ وَلا بَحراً يَجري وَلا فُلكاً يَسري إِلاّ في مَحَبَّةِ هؤُلاءِ الخَمسَةِ).
ثم نجد في القسم الثاني من الحديث القدسي (ولولا علي لما خلقتك)، أن أمير المؤمنين عليه السلام هو الغاية من خلق النبي صلى الله عليه وآله، ويعني ذلك أن الإمام علي عليه السلام هو المكمِّل والامتداد والرابطة والحلقة المستمرة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله، وهو الوصي لرسول الله صلى الله عليه وآله والإمام من بعده.
فبعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله نجد الأعداء والمنافقين يريدون أن ينفذوا خططهم الشيطانية على الإسلام من تحريف ونشر الاعتقادات الباطلة بين المسلمين، مثل التجسيم والجبر والتفويض وجعْل الحكم الإلهي لغير أهله، فلو لا علي عليه السلام لضاعت جهود النبي صلى الله عليه وآله، فوظيفة الامام علي عليه السلام هي الوقوف ومواجهة وكشف هذه الخطط الشيطانية الآتية من المنافقين ومن الذين انقلبوا على الإسلام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله، فوجود الإمام المعصوم الوِصائي ضروريٌ ولا شك في لزومه لحفظ الدين الإسلامي من التمزق والضياع كغيره من الرسالات السماوية السابقة، لا سيما وأن الإسلام خاتمة الأديان وأبدي، فقد قال عليه السلام: (فأنا فقأت عين الفتنة ولم يكن ليجرأ عليها أحد غيري)، فوجوده عليه السلام بدَليٌ يحفظ مكانة الرسول صلى الله عليه وآله بالبدَل، باعتبار أن المنافقين كانت مكانة رسول الله هي أحد أهدافهم، بل فعلوا ذلك وطبقوه، حيث قاموا بتنفيد خططهم باسم خلافة الرسول صلى الله عليه وآله.
من هنا تبرز الأهمية البالغة للقسم الثالث من الحديث القدسي، ففي القسم الثالث منه (ولو لا فاطمة لما خلقتكما)، ومعنى ذلك أن السيد فاطمة عليها السلام لها دور أساسي ومكمِّل مهم جداً مع أبيها وزوجها، حيث أنها وقفت مع أبيها في تبليغ الرسالة الإسلامية، وتحملت أفعال مشركي قريش مع الثلة القليلة من المؤمنين في شعب أبي طالب، وتحملت صعوبة الهجرة من مكة إلى المدينة، وساهمت مع أبيها في غدير خم، وجاهدت ببكائها عليه السلام ليل نهار بفراق أبيها، وكان الغرض من البكاء هو فضح الذين ظلموها عليها السلام وظلموا حق أمير المؤمنين عليه السلام، كما وقفت أمام الخطط التي حدثت بعد النبي صلى الله عليه وآله، وقامت بنشر الرسالة الإسلامية بجانب زوجها، وكان من عظائم كفاحها أنها جاهدت بخطبها العظمى في مسجد أبيها صلى الله عليه وآله وكانت خطبتها أمام الظالمين، ودافعت فيها عن أمير المؤمنين صلى الله عليه وآله، وأظهرت حقائق الإسلام وبلَّغت المعارف الكبرى والعميقة.
لقد كانت السيدة فاطمة عليها السلام أم أبيها، وخير زوجة، وخير أم، والمرأة المثالية العالمة والعابدة والتي يقتدي بها النساء والرجال على السواء، فالسيدة الزهراء عليها السلام هي أفضل امرأة في العالم، فهي المرأة الوحيدة التي أستحقت أن تكون سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وفي الحديث عن المفضل قال: (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أخبرني عن قول رسول الله صلى الله عليه وآله في فاطمة أنها سيدة نساء العالمين، أهي سيدة نساء عالمها؟ فقال عليه السلام: ذاك مريم كانت سيدة نساء عالمها، وفاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين).
ومن عظم السيدة فاطمة عليها السلام وعلو مقامها وقدسيتها أن أمير المؤمنين عليه السلام هو الزوج الوحيد الذي كان يستحق أن يكون كفأً للزواج منها، فعن الإمام الصادق عليه السلام: (لولا أن أمير المؤمنين تزوجها لما كان لها كفو على وجه الأرض إلى يوم القيامة، آدم فمَن دونه)، وفي الحديث القدسي عن جبريل قال: (يا محمد! إن الله جل جلاله يقول: لو لم أخلق علياً لما كان لفاطمة أبنتك كفو على وجه الأرض، آدم فمَن دونه).
ومن عظم السيدة فاطمة عليها السلام نزول بعض الآيات فيها، ومنها:
1- قال تعالى: {إنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا}، وهي آية نزلت في أمير المؤمنين علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام لَـما منحو طعام فطورهم في رمضان للفقير واليتيم والأسير مدة ثلاثة أيام.
2- قال تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}، فقد صرح العديد من المفسرين بأن (الكوثر) يراد به فاطمة الزهراء عليها السلام.
3- قال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تطهيرا}، نزلت هذه الآية في فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها.
4- آية المباهلة: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}، فقد أجمع المؤرخون والمفسرون وأصحاب الحديث وتواترت الرويات على أن المراد من (نسائنا) هي فاطمة الزهراء عليها السلام.
تقبلوا تحايا وتبريكات خدامكم بقسم المناسبات والإعلام في مؤسَّسة أنبياء أولي العزم عليهم الصلاة والسلام
للتعلیق أو مطالَعة التعلیقات اضغط هنا