ليلة المصائر
هي أعظم من الرغائب وأعظم من الأيام البِيض معها وأعظم من الشهر الذي هو أعظم الشهور، هي أعظم ليلة، فيها ينزل أعظم مَلك على أعظم إنسان على وجه الأرض في الزمان، هي ليلة المصير، فمصير الإنسان يُقضى فيها؛ فبأي كيفية يرى العاقل عليه أن يهتم بها؟
كثيرون هم الأشقياء، كثيرون الذين لا يستطيعون البكاء، كثيرون الذين يترفعون تجاه التكفير عن خطاياهم ويسوقون لأنفسهم الأعذار الباطلة المشيرة لغفلة، كثيرون الذين تشغلهم الدنيا والأموال والمعازف والمسلسلات والأجهزة هذه الليلة، وكثيرون الذين يقضونها كغيرها مع زيادة وِردين وذكرين وركعتين! فهكذا هو قدر ليلة التقدير؟!
ليلة كهذه لا يستهتر العاقل بشيء من لحظاتها ولا يفوّت منها شيئاً قدر ما اَمكن، فالملائكة تعرض وتحصي فيها الأعمال، وأحسن ما يؤتى به التفكر؛ فإنّ التفكر أعظم العبادة؛ تفكَّر في حقائق هذه الليلة وفي تكوين الكون والإنسان والمكوِّن سبحانه، وتفكّر في صحيفة أعمالك وتاريخك ماضيه وحاضره وآتيه وما أنت عازم عليه، وتفكر في ذِكْرك وصلاتك ودعائك وجميع أعمال هذه الليلة من صدقة وبر وغيرها. وهنيئاً لمن وفِّق فيها للجمع بين أعمالها في شهر الله العظيم رمضان وبين أن يكون في العمرة عند بيت الله وعلى اعتكاف فيه ويتصدق مهموماً للفقراء والأيتام والأرامل ويفطّر مؤمناً ويؤدي زيارة النبي (ص) ولعن قتلة أمير المؤمنين وزيارة الحسين والأئمة (ع) ويناجي إمام العصر أرواحنا فداه.
في هذه الليلة نعزم لله على التوبة ونكثر من الصلاة على النبي وآله (ص) وتعجيل الفرج ونبالغ من الاستغفار لنا وللأموات ونعزم عليه تعالى بحُسن العواقب وإصلاح أمور المسلمين والناس كافة والحمد والسجود الطويل ونلح عليه ليغفر لنا جميع مفاسدنا من كذب وغيبة وغفلة عن طلب العلم وسخرية وتكبر وسرقة وتبرج وخيانة وإفساد بين المسلمين ومختلف القبائح مع تأدية الحقوق التي يجب ردها لأصحابها والاعتذار؛ فهنالك حقوق -كالدَّين ..- لا تُغفر إلا بتأديتها، فالتوبة عنها هي نفس تأديتها، والشقي من حُرِم التوبة.
في هذه الليلة اهتم بالكيفيات لا بالكم والكثرة وحدها، والكيف والكم معاً أفضل، ولكن الكيف أحسن من الكم وحده، والإحياء وحدك خير من الإحياء بين الجمع إذا كنت ستحضره كالتائه دون خضوعٍ وخشوع. ولا تنس أن الملائكة يجذبها صوت العبد التائب الصادق في توبته، فتتجه إليه وتصحبه وتعمر مجلسه بالذِكر والنور. ولا بأس بأن تهتم بالغسل بعنوان غسل ليلة القدر وغسل التوبة، فإنه لن يكلفك شيئاً فهي ليلة واحدة والغسل أول الليل ونهايته من أعظم الأعمال المستحبة فيها، اجعل من ذلك مطلباً لتَلَقِ هدية الله فإن له سبحانه فيها هدايا بالغة، وخير الهدايا هدايا الله. فعليك بالاستعداد وتسبيب الأسباب للتقوي على هذه الليلة كيفما ترى وحسبما تجد قدر مصيرك لديك.
سيد أمين السعيدي
للتعلیق أو مطالَعة التعلیقات اضغط هنا