هكذا قال المؤرخون في نقل تاريخ مسلم بن عقيل في الكوفة
طرح وتقديم طالبة العلم العضوة الفاضلة: 【يا صاحب الزمان】
مراجَعة وتصحيح سماحة: السيد أمين السعيدي حفظه الله
إذا كنتِ لا تدرين ما الموت فانظري *
إلى هاني بالســــوق وابن ِ عقيل
إلى بطلٍ قد هَشــمَ السيفُ وجهَـهُ *
وآخر يَـهــــــوي مِـن طمار قتيل
تـَرى جسداً قد غَـيَّـرَ المـوتُ لونَـهُ *
ونَـضْـحُ دمٍ قد سالَ كلّ مسـْـــيل
تَرفع مؤسَّسة أنبياء أولي العزم (ع) رايات السواد العزائة لرزية شهداء كربلاء الحسينيين .. وتعزيكم أيها المحزونين بأحر التعازي على مصائبهم العظيمة وفجائعهم الأليمة .. والسلام على الحسين وعلى سفير الحسين مسلم بن عقيل بن أبي طالب .. السلام عليك ياسفير الفداء وأسير الأدعياء ..
قال الرسول الأعظم “صلى الله عليه وآله وسلم” عن مسلم بن عقيل “عليه السلام” : [تدمع عليه عيون المؤمنين ، وتصلي عليه الملائكة المقربون].
تتابعتْ كتبُ ورسائل أهل الكوفة إلى الإمام الحسين”عليه السلام” لتجهيز مسيرة القدوم إليه ، لإنقاذهم من ظلم الأمويين وعنفهم.
وقد كان مسلمُ بن عقيل خارجاً معه من المدينة إلى مكَّة ، فقال له الحسين “عليه السلام” : يا ابن عم! قد رأيتُ أن تسير إلى الكوفة ، فتَنظر ما اجتمع عليه رأي أهلها ، فإن كانوا على ما أتتني به كتبهم ، فعجِّل عليَّ بكتابك ، لاُسرع القدوم عليك ، وإن تكن الأخرى ، فعجِّل الانصراف(1).
فغادر مكّة ليلة النصف من رمضان ، وودَّع أهله وأصحابه وكان الوداع الأخير لهم ، واستأجر من قيس مَن يَدُلانه على الطريق ، واتّجه صوب العراق ، فلمّا وقفوا على الكتاب -كتاب الحسين “عليه السلام”- استبشروا بإيابه ، فأنزلوه في دار المختار الثقفي ، وصارت الشيعة تختلف إليه -أي تزوره- ،فلمّا اجتمعوا جماعة قرأ عليهم كتاب الحسين”عليه السلام” وهم يبكون.
ازداد مسلم إيماناً ووثوقاً بنجاح الدعوة حينما بايعه ذلك العدد الهائل من أهل الكوفة ، فكتب مسلم “عليه السلام” كتاباً من الكوفة إلى الإمام الحسين “عليه السلام” جاء فيه: (أمّا بعد ، فإن الرائد لا يَكْذِب أهلَه ، وانّ جميع أهل الكوفة معك ، وقد بايعني منهم ثمانية عشر ألفاً(2) ، فعجّل الإقبال حين تقرأ كتابي هذا ، والسلام). وكتب: (فالناس كلهم معك ، ليس لهم في آل معاوية رأي ولا هوى)(3).
وأرسل العملاء إلى يزيد المكاتيب والرسائل يخبرونه بمجيء مسلم “عليه السلام” ، ومن تلك المكاتيب: (أمّا بعد ، فإن مسلم بن عقيل قد قدم إلى الكوفة ، وبايعت الشيعة الحسين بن علي بن أبي طالب ، فإن يكن لك في الكوفة حاجة ، فابعث إليها رجلاً قوياً ينفذ أمرك ويعمل مثل عملك في عدوّك ، فإنّ النعمان بن بشير رجل ضعيف أو يتضعف)(4).
فكتب يزيد رسالة إلى واليه على البصرة عبيد الله بن زيادة يطلب منه أن يذهب إلى الكوفة ليسيطر على الوضع فيها ، ويقف أمام مسلم وتحركاته السياسية.
وتنُصُّ بعض المصادر أنّ يزيد كتب إلى ابن زياد: إنْ كان لك جناحان فطِرْ إلى الكوفة(5).
ومنذ وصول ابن زياد إلى قصر الإمارة في الكوفة ، أخذ يتهدّد ويتوعد المعارضين للحكومة الجائرة حكومة يزيد.
لما سَمع مسلم بوصول ابن زياد ، خرج من دار المختار سرّاً إلى دار هاني بن عروة ليستقرّ بها ، لكن جواسيس ابن زياد عرفوا مكانه ، فأمر بإلقاء القبض عليه وسجنه بعد حادثة أمر هاني بن عروة بقتل ابن زياد في بيته ، وممانعة مسلم عن ذلك.
لمّا بلغ خبر إلقاء القبض على هاني بن عروة إلى مسلم ، أمر (عليه السلام) أن ينادى في الناس: «يا منصور أمت» -وهي كانت يومها كلمة السر بين الشيعة- ، فاجتمع الناس في مسجد الكوفة. فلمّا رأى ابن زياد ذلك ، دعا جماعة من رؤساء القبائل ، وأمرهم أن يسيروا في الكوفة ويخذلوا الناس عن مسلم ، ويُعلموهم بوصول الجند من الشام.
فلمّا سمع الناس مقالتهم أخذوا يتفرّقون ، وكانت المرأة تأتي إلى ابنها وأخيها وزوجها وتقول: انصرِفْ الناس يكفونك ؛ ويجيء الرجل إلى ابنه وأخيه ويقول له: غداً يأتيك أهل الشام فما تصنع بالحرب والشرّ؟! فيذهب به فينصرف ، فما زالوا يتفرّقون حتّى أمسى مسلم وحيداً ، ليس معه أحداً يدلّه على الطريق ، فمضى على وجهه في أزقّة الكوفة ، حتّى انتهى إلى باب امرأة يقال لها: ((طَوْعة)) ، وهي على باب دارها تنتظر ولداً لها ، فسلّم عليها وقال: يا اَمَةَ الله! اسقني ماءً ، فسقته وجلس. فقالت: يا عبد الله! قم فاذهب إلى أهلك؟ فقال: يا أمة الله! ما لي في هذا المصر منزل ، فهل لك في أجرٍ ومعروف ولعلّي أكافئك بعد اليوم؟ فقالت: ومن أنت؟ قال: أنا مسلم بن عقيل ، فأدخلته إلى دارها(6).
وفي الصبح أرسلوا بجيشاً لإلقاء القبض عليه ؛ لكنّ مسلم أخذ يقاتلهم قتال الأبطال حتّى أُثخن بالجراحات ، فألقوا عليه القبض وأخذوه أسيراً إلى ابن زياد.
اُدخل مسلم “عليه السلام” على ابن زياد ، فأخذ ابن زياد يشتمه ويشتم الحسين وعلياً وعقيلاً ، ومسلم “عليه السلام” لا يكلّمه.
ثمّ قال ابن زياد: اصعدوا به فوق القصر واضربوا عنقه ثمّ أتبعوه جسده. فأخذه بكر بن حمران الأحمري ليقتله ، ومسلم يكبِّر الله ويستغفره ، ويصلّي على النبي وآله ويقول: (اللّهمّ احكم بيننا وبين قوم غرّونا وخذلونا). ثمّ أمر ابن زياد بقتل هاني بن عروة فقُتل ، وجُـرَّت جثتاهما بحبلين في الأسواق(7).
وهكذا خُتِمَت حياة هذا البطل الشجاع العظيم ، الذي يحمل نزعات عمِّه أمير المؤمنين “عليه السلام” ، ومُـثُل ابن عمِّه الحسين “عليه السلام”، وقد استشهد دفاعاً عن الحق وعن حقوق المظلومين والمضطَهدين ، فخلَّده التاريخ ببسالته وصدقه وثباته وإخلاصه وصبره وحنكته وشجاعته ؛ لذا كان سفير أبي عبدالله الحسين “عليه السلام” الأبرز والأشهر ومعتَمَد إمامنا سيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه ..
فعظم الله لكم الأجر في مصاب السفير حبيب الحبيب ،، ونسأل الله القبول والرضا عنا وعنكم بحقهما الرفيع.
___________________
المصادر:
(1) الأخبار الطوال / ص 210
(2) مثير الأحزان / ص 21
(3) تاريخ الطبري / ج 6 / ص 224
(4) الإرشاد / ج2 / ص42
(5) سير أعلام النبلاء / ج 3 / ص 201
(6) إعلام الورى بأعلام الهدى / ج1 / ص 442
(7) مناقب آل أبي طالب / ج3 / ص 245
للتعلیق أو مطالَعة التعلیقات اضغط هنا